شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أولادي يحفظون النص لأنهم لا يستطيعون القراءة"... عن الواقع الكارثي للتعليم الرسمي في لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 30 مارس 202302:34 م
Read in English:

“Pupils memorize because they can't read”: Lebanon's deteriorating public education

تتحدث ابتسام جواد (45 عاماً)، إلى رصيف22، عن معاناتها مع تعليم أطفالها الثلاثة، في إحدى مدارس بيروت الرسمية، بعد أربع سنوات من التعطيل نتيجة كورونا والإضرابات المتكررة. تكمن المشكلة الأساسية التي تواجه ابتسام، في مستوى ابنها الأصغر جاد، الذي يبلغ من العمر ستة أعوام، وهو في الصف الأول الأساسي. خلال فترة الحجر والإقفال العام، لم يكن التعليم أونلاين فعالاً أبداً. تقول عن ابنها: "يحفظ دروس القراءة في اللغتين الإنكليزية والعربية، لعدم قدرته على التمييز بين الأحرف".

حال ابنتها آية، لا يختلف كثيراً عن حال جاد، خصوصاً أنها في الصف التاسع، ولديها امتحانات رسمية هذا العام. تشكو ابتسام من اقتراب موعد الامتحانات الرسمية، إذ لم تتعلم ابنتها سوى درس ونصف درس في مادة الرياضيات، ومعلمة المادة ملتزمة بالإضراب برغم فتح المدرسة أبوابها منذ أسبوعين. تقول عن مستوى ابنتها: "كانت تُعفى من الامتحانات النهائية بسبب تفوّقها، واليوم لا قدرة لي على نقلها وأخيها إلى مدرسة خاصة".

مستوى متدنٍّ

تُلاحق الإضرابات العام الدراسي الحالي. 45 يوماً هي مجمل أيام تعليم أطفال لبنان في العام الدراسي الحالي

أربع سنوات مرت، وأطفال المدارس الرسمية في لبنان في المجهول. فبعد سنتين من جائحة كورونا والتعليم "الشكلي" عن بعد، نتيجة سوء الإنترنت وغياب الحد الأدنى من التجهيزات، تُلاحق الإضرابات العام الدراسي الحالي. 45 يوماً هي مجمل أيام تعليم أطفال لبنان في العام الدراسي الحالي حتى منتصف شهر آذار/ مارس الجاري، ما يعني أن تعويض ما فات مستحيل، لينضم هذا العام إلى ما سبقه من أعوام "الضحك على الذقون".

لا يعني التركيز على المدارس الرسمية ومرحلة التعليم الأساسي أن واقع الثانويات والجامعة اللبنانية أفضل. فالإضرابات التي لحقت بالمدارس هي نفسها في الثانويات، إلا أن الكارثة الفعلية تكمن في حرمان الأطفال من التأسيس العلمي، ولا سيما في مرحلة الروضات والابتدائي. أطفال في الصفوف الابتدائية لا يعرفون كتابة أسمائهم بعد، ولا يدركون الحد الأدنى من القراءة، وصولاً إلى الاستخدام الخطأ للأقلام.

وكان أساتذة المدارس والثانويات الرسمية قد نفّذوا إضراباً منذ كانون الأول/ ديسمبر 2022، وحتى بداية شهر آذار/ مارس الحالي، مع رفض بعض الأساتذة العودة ملتزمين بإضرابهم/ ن. تحليق أسعار سعر صرف الدولار واقترابه من عتبة المئة ألف ليرة، دفعا بالأساتذة إلى إعلان الإضراب مع تآكل قيمة رواتبهم/ ن، وتغاضي وزارة التربية والتعليم والحكومة عن مطالبهم/ ن.

تصف رائدة نور الدين (50 عاماً)، وهي أمّ لطالبة في الصف الثامن، الوضع بالكارثي في لبنان. تشير إلى أنها قررت أن تخسّر ابنتها سنةً دراسيةً في العام الأول من التعطيل، كي تحافظ على مستواها قبل أن تجد نفسها أمام أربعة أعوام من التعطيل. "تكمن المشكلة عند ابنتي في مادة الرياضيات بشكل أساسي، وأسعى إلى تسجيلها في مدرسة خاصة في العام المقبل، ولو احتجت إلى طلب المساعدة من أقربائي".

وتشدد المستشارة الدولية في حماية الطفل زينة علوش، لرصيف22، على الآثار طويلة المدى للواقع الحالي على مصلحة الأطفال الفضلى. إذ تلفت إلى أن "غياب الأطفال عن مراكز التعليم له آثار سلبية على تنمية مهاراتهم/ ن إلى جانب الآثار النفسية السلبية". كما سيشهد لبنان هوةً كبيرةً بين أطفال التعليم الرسمي والأطفال الذين سمحت لهم ظروفهم/ ن بارتياد المدارس الخاصة.

"خطوة لقدّام وخطوتان لورا"

تحمّل رائدة، والعديد من أهالي الطلاب، الأساتذة جزءاً من مسؤولية الواقع التعليمي في السنتين الماضيتين. وبرغم إيمانهم/ ن بمطالب الأساتذة المحقة وحقوقهم، إلا أن الطلاب تحولوا إلى "رهائن" لما للموضوع من تبعات على مصيرهم/ ن التعليمي، حسب وصفهم. ويشكل واقع الأساتذة نموذجاً للواقع اللبناني، إذ باتت مداخيلهم/ ن لا تكفي لتأمين بدل التنقلات والحد الأدنى من أساسيات العيش.

خلال فترة الحجر والإقفال العام، لم يكن التعليم أونلاين فعالاً أبداً. ابني يحفظ دروس القراءة في اللغتين الإنكليزية والعربية، لعدم قدرته على التمييز بين الأحرف

وبحسب إحصاء لـ"الدولية للمعلومات"، انخفض عدد المعلمات والمعلمين في المدارس الخاصة والرسمية، من 2019 إلى 2022 بمقدار 12،502، أي بنسبة 12.4 في المئة. كما اتجه عدد كبير من الذين/ اللواتي لم يحالفهم/ ن الحظ في الهجرة، للبحث عن وظائف عمل جديدة ذات مردود مادي أفضل من التعليم.

تلفت دانيا شاهين (44 عاماً)، وهي معلمة لغة عربية متعاقدة في التعليم الابتدائي منذ 14 عاماً، إلى معاناتها مع الطلاب نتيجة ضعف مستوياتهم/ ن. تقول لرصيف22: "برغم هزالة المداخيل التي نتلقاها، بمجرد دخولنا الصف علينا نسيان كل ما في الخارج والتركيز على مصلحة أطفال خسروا الكثير في السنوات الماضية". وتصف فترة التعليم عن بعد بالكارثية، إذ عمد الأهالي إلى إنجاز الوظائف البيتية وقلة قليلة منهم تهتم أو لديها الوقت للعناية بأطفالها.

دانيا وكافة المتعاقدين/ ات لن يتقاضوا أي بدل عن أشهر الإضراب الثلاثة التي أمضوها في منازلهم/ ن، منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي. تضاف إلى كوارث التكاليف المعيشية، تكاليف التنقلات، إذ تقول دانيا: "أسكن في بيروت ومدرستي في عرمون، أحتاج إلى 500 ألف نقل يومياً، والمبلغ يتضاعف في حال قررت الذهاب بسيارتي الخاصة. يأتي ذلك مقابل تعويضنا بمئة ألف ليرة بدل كل ساعة، ولا نثق بتقديمات وزارة التربية التي وعدونا بها".

تخاذل نقابي وغياب للوزارة

برغم العودة "الشكلية" إلى التعليم في الأسبوعين الماضيين، لم يلتزم العديد من الأساتذة بالقرار، خصوصاً القاطنين/ ات في مناطق بعيدة. وهو ما أشارت إليه رائدة وأمهات أخريات تواصل معهن رصيف22، وشكوا من اقتصار التعليم على ثلاث ساعات كحدّ أقصى، "الأولاد يقضون معظم يومهم الدراسي في الملاعب لا في الصفوف".

حلّت الأحزاب اللبنانية مكان النقابات ووزارة التربية والحكومة اللبنانية، وقرر كل حزب إغراء الأساتذة ببعض التقديمات وليترات البنزين لحثهم/ ن على العودة. في محافظة البقاع وسائر مناطق نفوذ "حزب الله"، عرض المسؤولون على المديرين حث الأساتذة على العودة من خلال 5 ليترات من البنزين عن كل يوم تعليم، كبدل نقل. كما احتلّ الملف التربوي أولويات الواقع اللبناني، ليتطرق الأمين العام للحزب حسن نصر الله إلى الموضوع مراراً في إطلالاته الأسبوع الماضي.

حلّت الأحزاب اللبنانية مكان النقابات ووزارة التربية والحكومة اللبنانية، وقرر كل حزب إغراء الأساتذة ببعض التقديمات 

"نحن اليوم أمام فيدراليات تربوية، لا أمام واقع تعليمي حريص على مصلحة الطلاب"، تقول رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي نسرين شاهين، لرصيف22. وتلفت إلى أن الأساتذة يصلون إلى الصفوف "مش طايقين حالهم"، وغياب الخطط التربوية يزيد من الضغط عليهم/ ن. وبحسب شاهين، لا يتواصل وزير التربية مع الأساتذة ويمارس، إلى جانب روابط التعليم، كافة أشكال الضغط على الأساتذة لإجبارهم/ ن على العودة.

وتضيف: "لم تقدّم النقابات يوماً أي فكرة لتحسين أوضاع تلاميذ الرسمية أو لتطوير المناهج أو لمساءلة المعنيين. في الوزارة، لا يتم تنسيق العمل على قاعدة الموظف المناسب في المنصب المناسب، والمهام متداخلة ببعضها البعض". كما علم رصيف22، أن الكتب والقرطاسية لم تصل إلى بعض المدارس بعد، برغم انطلاق العام الدراسي منذ أيلول/ سبتمبر الماضي.

في المقابل، ترى المستشارة الدولية زينة علوش، أن لبنان سيكون أمام ازدياد مطّرد في عمالة الأطفال في ظل الظروف الحالية. وتصف الوضع القائم في لبنان بالخطر على مجمل حقوق الأطفال كالحق في التعلم والصحة والحماية. وتضيف علوش: "لو تُستثمر أموال التعليم الخاص للتعليم الرسمي بطريقة لائقة، لكنا وفّرنا فرص تعليم لكافة الأطفال وألغينا الامتيازات".

حاول رصيف22، التواصل مراراً مع وزارة التربية والتعليم العالي، لمعرفة ما إذا كانت تعمل أو تسعى إلى العمل على أي حلول، لكن من دون جدوى. فبحسب سكرتيرة مدير عام الوزارة عماد الأشقر، الأخير "دائم الانشغال في اجتماعات" برغم اطّلاعها على موضوع التقرير. كما أن مدير التعليم الأساسي في الوزارة جورج داوود، وضع "حتمية الاستحصال على إذن" عائقاً أمام إجراء المقابلة.

"لا يجوز ألا يتعلم أبناؤنا، وأن يتعلم أولاد غيرنا"، قالها المدير العام لوزارة التربية، من السراي الحكومي، في كانون الأول/ يناير الماضي، معلناً إقفال مدارس بعد الظهر لغير اللبنانيين. فإلى جانب الكوارث التعليمية التي تحرم أكثر من 300 ألف طالب/ ة من التعليم، الفئات المهمشة كاللاجئين/ ات والعائلات الأكثر فقراً باتت مقتنعةً بأن لا مكان لأولادها في المدارس. الوزارة والحكومة والقائمون على هذا البلد، تحولوا ببساطة إلى شركاء في حرمان الأطفال أبسط حقوقهم/ ن، بدل أن تنكبّ الجهود على رعايتهم/ ن، علّهم/ ن يبنون ما دمّروه طوال عقود. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image