شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الصحافة والعملات الرقميّة: حلول لمشكلات مهنة المتاعب

الصحافة والعملات الرقميّة: حلول لمشكلات مهنة المتاعب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الثلاثاء 30 مايو 202309:39 ص

هذا المقال جزء من سلسلة مقالات ينشرها رصيف22 عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، لتقديم خارطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.


تعاني الصحافة في كل أنحاء العالم من العديد من المشكلات، سواء تلك المتعلقة بحريّة التعبير ومواجهة السلطات القمعية، أو تلك التي تتعلق بالنموذج الاقتصادي الذي تتحرك ضمنه، سواء كانت ورقيّةً أو إلكترونيّةً. مشكلة المال، دائمة الحضور وتعاني منها المؤسسات، خصوصاً العربيّة التي تعتمد إما على تمويل رسمي من الدول يقيّد حريتها وعملها، أو على التمويلات الدوليّة المحدودة. أما الصحافيون فغالباً ما يتردد على ألسنتهم أنهم لا ينالون الأجر الكافي مقابل عملهم.

تطور أنظمة البلوك تشاين والعملات الرقميّة شكّل أملاً للصحافيين والصحافة بشكل عام، خصوصاً بعدما نشرت صحيفة نيويورك تايمز، مقالاً بصيغة NFT بيع بـ560 ألف دولار، الأمر الذي عمدت إلى اختباره صحف أخرى في محاولة لاختبار التقنيّة الجديدة، وفتح باب جديد على الابتكار والعلاقة مع الجمهور.

تحوَّل المقال إلى مُنتج أو NFT، يمكن تملكه، وتبادله، مقابل أجر مادي يعود على المشتري والصحافي والمؤسسة بالنفع، ما يعني اتساع مساحة الخدمات الصحافيّة وقدرتها على تمويل نفسها، بعيداً عن سطوة الإعلان ومحدودية التمويل والأهواء السياسيّة.

هنا بعض الاستخدامات للعملات الرقميّة وتقنية البلوك تشاين القادرة على تغيير عالم الصحافة:

1- المقابل المادي المستمّر والعلاقة مع القرّاء

حاولت الصحف إنعاش وضعها الاقتصاديّ عبر تقديم خدماتها للقرّاء مقابل أجر ماديّ، ونقصد هنا الاشتراك مقابل قراءة المقالات كما مجلة النيويوركر أو الأتلانتيك أو النيويورك تايمز، أو دعوة للتبرع يمكن تجاوزها وتصفح المحتوى مجاناً كما في صحيفة الغارديان.

استخدام العملات الرقميّة أو التوكينز ومنحها للصحافيّ، يتيح علاقةً مباشرةً بين الكاتب والقارئ، إذ يمكن تقديم العملات الرقمية للصحافي مباشرةً، كمكافأة أو حافز على الاستمرار في العمل، ما يعني تحول المؤسسة إلى بيئة يمكن عبرها للصحافي أن يكبر ويحافظ على جمهوره الذي يقدّم له الدعم المادي والمعنوي لمتابعة نشاطه الصحافيّ، وألا يعتمد فقط على ما تقدّمه المؤسسة من مكافآت.

تطور أنظمة البلوك تشاين والعملات الرقميّة شكّل أملاً للصحافيين والصحافة بشكل عام، خصوصاً بعدما نشرت صحيفة نيويورك تايمز، مقالاً بصيغة NFT بيع بـ560 ألف دولار، الأمر الذي عمدت إلى اختباره صحف أخرى في محاولة لاختبار التقنيّة الجديدة، وفتح باب جديد على الابتكار والعلاقة مع الجمهور

2- المادة الصحافيّة كـNFT

تحويل المقالات والمواد الصحافيّة إلى NFT، قد يشكّل مستقبل الصحافة، لتتحول من مهنة قائمة على المكافآت والرواتب والحوافز، إلى مهنة مُستدامة قائمة على مشاركة الجمهور، أي "لا تموت" المادة الصحافيّة بعد نشرها، بل يمكن لها أن تستمر في "الحياة"، وخلق ريع يعود على الصحافي والمؤسسة في الوقت نفسه.

المقصود هنا أن "شراء" أحد المقالات بصيغة الـNFT، يعود بالربح على الصحافي والمؤسسة حسب العقد الذكيّ، ناهيك بأن استمرار عمليات البيع لاحقاً، يعني دخلاً سلبياً للمؤسسة والصحافي، في كلّ مرة يباع فيها المقال.

ما يجب أخذه بعين الاعتبار هنا أن قيمة العمل الصحافي يجب أن تختلف عن "صناعة المحتوى"، أي على المادة الصحافيّة أن تمتلك صيغةً أرشيفيةً وغنيّةً، تجعلها مقاومةً للزمن، وهنا بالضبط ندخل في القيمة الأسلوبية للـ"نص" والجهد الصحافي المبذول فيه. قد يكون هذا المتخيّل يوتوبياً، لأنه ببساطة يمكن لأي "محتوى" أن يتحول إلى NFT (كما نرى كلّ يوم)، ويحمل الخصائص ذاتها، لكن ما الذي يجب أن يميز الصحافة في هذه الحالة؟ قيمة النصّ والمادة الصحافيّة، وإلا ستقع الصحافة في فخ صناعة المحتوى، وتتحول إلى مهنة لخلق منتجات جذّابة، لا تحمل قيمةً ذات أثر واقعي.

3- الأرشيف الذي لا يتلاشى

تمثّل تقنية البلوك تشاين فرصةً لخلق أرشيف صحافي وإعلامي لا يمكن أن يتلاشى أو يختفي لأسباب تقنيّة أو سياسيّة، في استفادة من مقاومة هذه التقنيّة للفناء لأسباب متعددة أهمها اللا مركزية، التي تساهم في جعل الأرشيف الصحافي جهداً يشارك في صناعته وضمان استمراره "الجميع"، أي بصورة مشابهة لمشروع "Archangel" التجريبي، الذي تمكنت فيه جامعة سوري Surrey في بريطانيا، بين عامي 2017 و2019، من تكوين أرشيف يمكن الولوج إليه عبر ledger، يتيح الوصول إلى الأرشيف من أي مكان.

هكذا أرشيف يقاوم عمليات الحذف والحجب المُسيّسة كأرشيف جريدة الحياة، أو تلك التي تمارسها منصات التواصل الاجتماعي، التي نلاحظها مثلاً في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ حذف يوتيوب الكثير من المحتوى الخاص بسوريا، ويحذف فيسبوك المحتوى الخاص بفلسطين في بعض الأحيان. وجود أرشيف قائم على تقنيّة البلوك تشاين، قادر على مقاومة أشكال الحذف والإخفاء هذه، والحفاظ على المواد الصحافية والمحتوى بعيداً عن الأهواء السياسيّة.

واحدة من أبرز تطبيقات تقنية البلوك تشاين في الصحافة، هي الحد من المعلومات الكاذبة. المنصات التي تتبنى هذه التقنيّة، تتيح للمستخدمين والمحررين معرفة مصدر المعلومة الكاذبة أو المغلوطة، وتحديد هوية الصحافي الذي استخدمها عمداً أو سهواً

4- الانتصار لحريّة التعبير

تخوض الصحافة في كل البلدان، على اختلاف أنظمة الحكم فيها، مواجهات مع السلطة بخصوص حرية التعبير وتكميم الأفواه، والتي تتجلى في إغلاق المنصات وحجبها ومنعها، وهنا تأتي أهمية البلوك تشاين؛ اللا مركزية تعطل صلاحيات أجهزة الدولة وسلطتها على المنظومة الصحافيّة، وتعيق إمكانية الإغلاق أو تعليق العمل، وهي الحالة المنتشرة في المنطقة العربيّة، إذ تحجب السعودية ومصر وسوريا وغيرها من الدول العديد من المواقع التي تنتقد سياساتها وأنظمة الحكم فيها، ناهيك بأن المنصات التي توظف تقنية البلوك تشاين، تحمي أصحابها وهوياتهم، خصوصاً إن تم استخدم العملات الرقمية، ما يعطل ملاحقة التحويلات الماليّة.

5- ملاحقة الأخبار الكاذبة

واحدة من أبرز تطبيقات تقنية البوك تشاين في الصحافة، هي الحد من المعلومات الكاذبة. المنصات التي تتبنى هذه التقنيّة، تتيح للمستخدمين والمحررين معرفة مصدر المعلومة الكاذبة أو المغلوطة، وتحديد هوية الصحافي الذي استخدمها عمداً أو سهواً، ما يعني ضبط عملية التحرير، والتقليل من الضياع في الكمّ الهائل من المعلومات الكاذبة والمغلوطة التي تُبثّ كل يوم.


ما زالت تطبيقات تقنية البلوك تشاين في عالم الصحافة محدودةً، وما زال الرهان في بدايته على جوانبها الاقتصاديّة، الخاصة بدعم الصحافيين والمؤسسات، فالانتقال من نظام النشر التقليدي نحو البلوك تشاين ما زال خجولاً، خصوصاً في ظل عدم توافر البنى التحتية اللازمة لهكذا مقاربة، تعيد النظر في أسلوب عمل الصحافة بشكل كامل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image