شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"نشأتُ في مجتمع يعتبر العذرية أهم صفة يجب أن تكون عليها الأنثى"...

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

 يتحدّث المهاجرون الجدد عادةً عن صدمة ثقافية أو صدمات بعد استقرارهم في الوطن الجديد الذي يريدونه وطناً يشبههم ليستمّروا في شبه أنفسهم القديمة. للأسف تلك الصدمات الثقافية ليست دائماً عابرة ومحدودة النطاق فبعضهما يمّس بالمسلّمات، تلك القيم التي تربّينا عليها وتشرّبناها حتى قبل أن نحفظ تسمياتها. قد تكون العذريّة واحدة من تلك الصدمات الثقافية المتوقعّة لكن الأمر يأخذ طابعاً أكثر جديّاً حين يصبح المهجر البلد الثاني.

العذريّة موضوع شائك وجدليّ فهو في عالمنا العربي من صلب الالتزام الديني أو العرف الاجتماعي.

والعذريّة موضوع شائك وجدليّ فهو في عالمنا العربي من صلب الالتزام الديني أو العرف الاجتماعي وغالباً هو الاثنان معاً. وما زلنا نتناوله بأصوات خافتة هذا إذا تناقشنا فيه أصلاً ونمزجه بالعفّة والشرف والواجب والمسلّم به وننتظره بالأحمر القاني خلف الأبواب المغلقة أو نبحث عنه في عيادات طبيّة مشبوهة ثم ننكر أنه ما زال يعاصرنا فنرميه خلف التقاليد القديمة والقبليّة.

هذا في بلادنا أما في جنوب القارة الأميركيّة مثلاً وعلى الرغم من الالتزام العقائدي بالديانة المسيحية لتلك البلدان، فإنّ هذا الالتزام لا يمتّد دائماً إلى الحيز الجنسيّ فالحريّة الجنسية قبل الزواج موجودة وطبيعيّة ومتداولة وممارسة بين الشبان والشابات على حدّ سواء وهو ما شهدتُه ضمن المجتمعات اللاتينية وصاحبة الأصول الإسبانية في الولايات المتحدة.

أما في الولايات المتحدة نفسها فالصورة النمطيّة عن الانفلات الأخلاقي والممارسات الجنسيّة بدون رقيب أو حسيب لمراهقين وراشدين يقاربون الهوس بالجنس والتي تصلنا من خلال الأفلام الهولوودية والمسلسلات النتفلكسية وبرامج الواقع وفيديوهات الأغاني المصوّرة، فلا تمثّل بصورة مطلقة الواقع الأميركي متعدد الأوجه والمتنوّع بغزارة. فمثلاً السن الوطنيّ لخسارة العذريّة في الولايات المتحدة هو 17 سنة وهو مغاير لما قد يتوّقعه المرء بناءً على الصورة النمطية التي نستنتجها من الأفلام والفيديوهات المصوّرة المذكورة أعلاه.

بالعودة إلى تلك الصورة النمطية ترى عزّة (اسم مستعار) وهي شابة عربيّة هاجرت إلى الولايات المتحدة للدراسة منذ أكثر من عشر سنوات، أنّ صدمتها الثقافية الأكبر كانت حين استغرب حبيبها الأميركيّ أنها ما زالت بتولاً على الرغم من أعوامها الثلاثين معللاً ذلك الاستغراب بسفرها وتحررّها فكرياً وعلاقاتها العاطفيّة، حتى لو لم تثمر بزواج. الصدمة الثانية كانت عندما تمنّع عن فضّ بكارتها بحجّة المسؤولية العاطفيّة إذ خاف حبيبها من تعلّقها به أكثر ومطالبتها ايّاه بعلاقة جديّة إثر العلاقة الحميمية بينهما!

تمنّع حبيبها الأمريكي عن فضّ بكارتها بحجّة المسؤولية العاطفيّة إذ خاف من تعلّقها به أكثر ومطالبتها ايّاه بعلاقة جديّة إثر العلاقة الحميمية بينهما!

قصّة هذه التجربة فتحت الباب أمامي للغوص في فكرة العذريّة عند الأميركيين حيث اكتشفتُ أنّ بعض الشبان الأمريكيين فعلاً لا يعتبرون عذرية الفتاة  تلك "الدّرة النفيسة" التي ينبغي الحِفاظ عليها، بل يعتبرون ممارسة الجنس مهارة اجتماعية يجب فيها على الفتاة والشاب على حدّ سواء أن يختبروا بأنفسهم مواقع وأساليب الإثارة لديهم وكيفية وضع الحدود وماهيّة تلك الحدود إذا وجدتْ بالإضافة إلى تعلّم لغة التواصل الجنسيّ وعدم التخّفي خلف الخجل والتقاليد و"العيب".

ذلك العيب الذي ما زال ينغّص أفعالنا ويرهبنا حتى في كتاباتنا عن الجنس وفي ممارساتنا للجنس القانوني الموّثق بالزواج المدنيّ والدينيّ.

إلا أن هناك أيضاً بعض الأمريكيين المحافظين الذين يؤمنون بضرورة المحافظة على العذريّة قبل الجنس ولا يمارسونه سواء كانوا رجلاً أو نساءً قبل الحصول على الختم الدينيّ.

فماذا عن العرب الأميركيين وكيف ينظرون إلى العذريّة في مجتمعاتهم المختلطة؟

للإجابة على هذا السؤال، أجريتُ استطلاعاً للرأي ضمن معارفي العرب الأميركيين بالتالي العيّنة ليست كبيرة (أقل من خمسين شخصاً من الذكور والإناث ومن العرب الأميركيين والطلاب العرب المقيمين في الولايات المتحدّة) بالإضافة إلى مقابلات مع بعض أولئك الشباب والشابات لبلورة مفهومهم للعذريّة وإفساح المجال للشرح والتفنيد ومشاركة التجارب والخبرات ووجهات النظر.

يهمّني أيضاً التذكير أنّ العرب الأميركيين في الولايات المتحدة ينتمون إلى هويّات وثقافات كثيرة التنوع فهناك المهاجرون الجدد والجيل الأول بمقابل مهاجري الجيل الثاني مثلاً الذي قد لا يعرف بلده الأم ولم يزره. منهم من يعتبر نفسه عربياً مهاجراً ومنهم من يعتبر نفسه مزيجاً عربياً أميركياً. هذا بالإضافة إلى تعدّد البلدان العربية التي انبثقوا منها على اختلافها وتنوع هوياتهم الوطنية، والدينية، والعقائدية، والاجتماعية، والتعليمية، والثقافية، والاقتصادية.

أولاً وجدتُ عدم توافق كلّي على تعريف العذريّة فعلى الرغم من أنّ 64٪ من المستطلعين يوافقون على تعريفه كحالة عدم ممارسة الجماع مطلقاً إلاّ أنّ 18٪ منهم يجدون أنّ تعريف العذرية ك "غياب الحميمية بكافة أشكالها مع أي شخص آخر بغض النظر عن إتمام العلاقة الجنسيّة الكاملة" هو تعريف أدّق والنسبة نفسها 18٪ أقرّت عدم تبنيّها أي تعريف دقيق للعذريّة.

ورداً على سؤال ما إذا كان المستطلع يرى أن العذريّة هي قيمة اجتماعية ودينيّة مهمة، فإن 53٪ منهم وافق بينما 21٪ منهم كان محايداً مع تسجيل معارضة 25٪ على تلك الرؤية. وبالنسبة ل 57٪ من المستطلعين فإن المحافظة على العذرية قبل الزواج ضروريّة فيما وجد 32٪ منهم أنّ لا أهميّة للعذريّة قبل الزواج فيما امتنع 11٪ عن الإجابة.

"المجتمع الذكوري ببساطة هو المتحّكم بهذا العرف التقليدي الذي يُلزم المرأة بتحمّل مسؤوليتها تجاه عائلتها ومجتمعها فيما يعذر الرجل بحجة حاجاته". نايا، 26 سنة، لبنانية أمريكية

43٪ من المستطلعين أقرّوا أن عذريّة الشريك لا تهمهم إطلاقاً بينما وقف 28٪ منهم على الحياد، النسبة ذاتها صرّحت أنّ عذريّة الشريك أمر مفروغ منه بالنسبة لهم. 36٪ من المستطلعين أصبحوا أكثر ليناً في مواقفهم من العذريّة فيما النسبة نفسها ما زالت تحافظ على وجهة النظر نفسها تجاه العذرية من دون لين أو تصلّب في الموقف. فقط ٣٪ أصبحوا أكثر تصلباً في موقفهم تجاه العذريّة. وأخيراً وجد 78٪ من المستطلعين أنّ عذريّة الشبان هي على نفس الأهمية كعذريّة الفتيات فيما رأى 22٪ منهم أنّ المحافظة على عذريّة الفتاة تحظى بأهميّة أكبر من المحافظة على عذريّة الشبّان!

هذه النقطة الأخيرة استهجنتها نايا، 26 سنة، لبنانية أمريكية، التي رأت أنه من المعيب الفصل بين الرجل والمرأة في موضوع العذريّة واستكملت بالقول أنّ المجتمع الذكوري ببساطة هو المتحّكم بهذا العرف التقليدي الذي يُلزم المرأة بتحمّل مسؤوليتها تجاه عائلتها ومجتمعها فيما يعذر الرجل بحجة "حاجاته". هذه العقلية نفسها هي التي تؤدي الى إلقاء اللوم على الأنثى عندما تتعرّض للاغتصاب ويُطلب منها تغطية رأسها وارتداء ما لا يُظهر مفاتنها حتى لا ينشغل الرجل بها. والنتيجة هي منع الأنثى عن الاستمتاع بجسدها لمجرّد أنّ الرجل لم يتعلّم أبداً التحكم بحاجاته الجنسية. أردفت نايا باستغرابها تفضيل بعض الفتيات المحافظات الرجل ذو التجارب الجنسية سائلةً: "مع من سيختبر هذا الرجل الجنس إذا كان على جميع الفتيات البقاء بتائل (جمع بتول)؟"

تعترف نايا على الرغم من وجهة نظرها هذه أنها لا تزال بتولاً ولم تمارس الجماع قطّ إلا أنها خاضت تجارب حميمية وتقول:"كانت العلاقة الحميمة صعبة بالنسبة لي إنما تبقى أسهل من الممارسة الجنسية. ليس هذا لأني أقدّر غشاء البكارة السليم أو أعتبره ذو أهمية، بل لأني لا أزال غير قادرة على تخطّي ثقافة العيب".

وحول كيفية بلورة مفهوم العذريّة لديها وكيف تغيّر مع انتقالها إلى الولايات المتحدة توّضح نايا: "لقد نشأتُ في مجتمع يعتبر العذرية أهم صفة يجب أن تكون عليها الأنثى إشارةً إلى العفة والطهارة. كون الفتاة عذراء ليس خياراً إنما مطلباً شرعياً وإذا لم تكن الفتاة عذراءً فهي عاهرة. لا حلَّ وسطاً. تشمل العواقب إجبارها على الزواج من الشخص الذي فعلتْ فعلها معه، وفي بعض الحالات قتلها وهدر دمها".

"نشأتُ على تقدير عذريتي، وأنا أحافظ عليها للرجل الذي سأتزوجه. ذهب الأمر بي إلى أقصى الحدود إذ كنتُ قلقة حتى من التسكع مع الصبيان في المدرسة". نايا، 26 سنة، لبنانية أمريكية

وتكمل: "العذريّة شائكة عندي. لقد نشأتُ على تقدير عذريتي، وأنا أحافظ عليها للرجل الذي سأتزوجه. ذهب الأمر بي إلى أقصى الحدود إذ كنتُ قلقة حتى من التسكع مع الصبيان في المدرسة معتقدةً أنه يجب عليّ أن أكون فتاة مهذبّة وأنّ تلك التفاعلات مع الصبيان مجرّد أمور مدرسية ليست جادة ولا يجب أن أشارك فيها. أعيش هذا التضارب لأنني لا أفهم لماذا يجب عليّ إعطاء القيمة لعذريتي. تركتُ لبنان منذ 9 سنوات وأنشأت فلسفتي الخاصة حول ما يهم وما لا يهم وكوّنت نفسي خارج الفقاعة الثقافية التي نشأتُ فيها. أشعر أنه يجب عليّ ألا أهتم بموضوع العذريّة. أرفض تفكيري السابق بأنّ قيمتي تتعلق فقط بجودة ما يكمن بين ساقيّ. للمرأة الحق في الاستمتاع بجسدها دون أن تشعر أو توصف بالعاهرة".

أمّا داني (اسم مستعار)، 40 سنة، لبناني متزوّج ولديه أولاد، فيفرّق بين عذريّة الشاب والفتاة بناءً على التغييرات الجسدية المتأتية من العلاقة الجنسية بما معناه أنّ جسم الرجل هو ذاته قبل وبعد الممارسة أما المرأة فقد تفقد سلامة غشاء البكارة إذا لم تكن الممارسة الجنسية "من برّا لبرّا"،  على حدّ تعبيره ويُرجع داني ذلك الفارق إلى المجتمع العربي الذي لا يُعيب على الشاب الممارسة ويعيبها على المرأة. ويعتبر داني أن تربيته في بيت ملتزم بالتعاليم الدينية وانتماءه إلى الطائفة الشيعية أسّسا مفهومه للعذريّة كقيمة اجتماعية ودينية مهمة مع تمايزه بالرأي عن غيره حسب قوله، إذ يرفض كل العلاقات الجنسية قبل الزواج للرجال والنساء على حدّ سواء حتى زواج المتعة وإن كان حلالاً دينياً عند أهل الشيعة لأنه يتعارض مع مفهوم المساواة بعدم إقامة العلاقات الجنسية بين الجنسين.

 يقرّ داني أنه لا يصدر الأحكام الأخلاقية على الشبان والفتيات الأمريكيين بنفس الطريقة التي يحكم فيها على بنات وشبان بيئته.

وعما إذا تغيّر رأيه بعد الانتقال إلى الولايات لا يرى داني اختلافاً جسيماً إنما يقرّ أنه لا يصدر الأحكام الأخلاقية على الشبان والفتيات الأمريكيين بنفس الطريقة التي يحكم فيها على بنات وشبان بيئته، أي العرب المقيمين في الولايات والعرب الأميركيين، لأنه يحترم اختلافاتهم الثقافية والدينية والاجتماعية عنه وعن مجتمعه الأم. ويرى داني أنه عندما تتحرّر الغريزة فإن القوة الحيوانية أو الشهوانية عند الإنسان تصبح أقوى من القوّة العقليّة. وأن الله وضع القوة الحيوانية فينا من أجل استمرار النسل فقط ولذلك فإنّ اشباع الغريزة يجب أن يكون ضمن مدرسة الزواج حصراً وإلاّ فهو إشباع للرغبة الحيوانية لا أكثر ما يغيّر مسار الإنسان من التعرّف والتقرّب من الله والسمو به وبناء المجتمعات من خلال الأسرة والعمل والتعاون الإنساني إلى الغريزة المحضة واضمحلال القوة الفكرية والابتعاد عن الهدف الأساسي لخلقه. ويذهب داني إلى وجوب المحافظة على العذرية كمفتاح المحافظة على الأسرة ويُرجع التفكك الأسري المتواجد في المجتمعات الأميركية وعند العرب الأمريكيين إلى "التفلّت" العقلي الحاصل وسهولة فقدان العذرية وتعدد العلاقات الجنسية.

ورداً على سؤالي عن كيفيّة تربيته المستقبليّة لأولاده في الولايات بالنسبة لموضوع العذريّة فيعترف داني بتخوّفه من هذا الموضوع لصعوبة زرع نفس مفهومه للعذريّة في فكر أولاده والذي يتعارض  مع المجتمع الأميركي ويرى أنّ الضغط الاجتماعي قد يكون أكبر من الالتزام الديني عند أولاده لذلك يفضّل أن يقضي أولاده سنوات المراهقة في لبنان ضمن المجتمع المحافظ الذي ترّبى فيه ثم الانتقال إلى الولايات بعد زوال تلك المدّة العصيبة وبعد التيّقن من التزاماتهم الدينية القادرة على التفوّق على الضغوط الاجتماعية من الأصدقاء ورفاق المدرسة والحيّ.

يرى خليل، 29 سنة، أنّ الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية برهنت له أن موضوع العذريّة ليس بالأهمية التي ننوطها به في العالم العربي ولا يؤثر على نجاح الزواج وأنّ النهايات السعيدة غير محصورة بالحبيب الذي فكّ رباط العذريّة

أما خليل عكاوي، طالب عربي مقيم في الولايات، 29 سنة، فيرى أنّ الحياة في الولايات المتحدة برهنت له أن موضوع العذريّة ليس بالأهمية التي ننوطها به في العالم العربي ولا يؤثر على نجاح الزواج وأنّ النهايات السعيدة غير محصورة بالحبيب الذي فكّ رباط العذريّة. ولا يرى خليل أن للعذرية أي قيمة اجتماعية ينبغي العمل للمحافظة عليها إنما يرى إنها مفهوم اجتماعي وُجد لتطبيق أيديولوجيات دينية معيّنة على الناس ويوضح أنّ مفهوم العذريّة أساساً نابع من الدين مشيراً إلى أن نسبة الناس العذارى ضئيلة جداً في المجتمعات غير المتديّنة. ويتمنّى لو تتغيّر النظرة إلى العذريّة بشكل تام لأن الجنس من الطبيعة البشرية ولا يجب قولبته على أساس الدين. ولا يربط خليل بين شرف البنات والعذريّة ويعتبره هراءً الربط بين شرف الفتاة وشرف العائلة لأن كل فرد من العائلة شخص مستقل. ويعبّر خليل عن سخطه حين تتم معاقبة عائلة بأكملها من أجل خيارات فرد منها. ويذهب بالقول أنّ القرارات الصغيرة كالتخلّي عن العذريّة أو المحافظة عليها لا تؤثر في كيان الشخص الأساسي أو على مستقبله بتاتاً لذلك لا ينبغي تهويل الموضوع.

على الجانب الآخر، تقول سينثيا (اسم مستعار)، 34 سنة، عربية أميركية، أنّ العذريّة ما زالت موضوعاً مهماً لأنها تُؤوّل بحسب غايات المجتمع الذكوري الذي يكدّ من أجل استمرار تحكمّه بالناس وتخويفهم واستمالتهم للتصرّف بطريقة معيّنة وخصوصاً المرأة التي يعتبرها المجتمع كائناً ناقصاً أقلّ ما يجب أن تكونه هو عفيفة مطيعة وإلاّ جلبت العار لنفسها، ولعائلتها، ولدينها، ولمجتمعها. وترجّح سينثيا أنّ مفهومها الخاص للعذريّة أتى من التربية البيتية والكنسية والتي برأيها تناقض نفسها حين تجسّد صورة العفّة والطهارة من خلال العذراء مريم لتتماهى معها الفتيات وتصبو إلى نفس مستوى إيمانها وعفّتها لكن "الحَبل" بلا دنس أعجوبة لم تتكرّر ما جعل الهوّة بين الفتيات المسيحيّات وصورة العذراء تتسّع أكثر كل يوم بدل أن تصغر.

أتمنّى لمجتمعنا العربيّ إعطاء الأولويّة لا للعذريّة من عدمها، بل للمعرفة الجنسيّة وحبّ اكتشاف كلّ مواقع ترابط النفس والجسد والحميميّة في العلاقات فوق اعتبارات العيب.

تفخر سينثيا أنّ مفهومها الخاص للعذريّة يتناقض مع كافة المضامين التي تضع العذريّة في أطر اجتماعية وأخلاقية ودينية وترى أنّه من حق أي إنسان أن يختبر شريكه أو شريكته إما من خلال الزواج أو لإشباع رغبة جسدية لا غرائزية كوننا بشر ولنا خياراتنا. والتناقض الآخر هو المجتمع الذي ليس فيه من الحريّة شيء إنما يبيح بطريقة غير مباشرة ممارسة الجنس "الشرعي" من دون خسارة البكارة في محاولة للمحافظة على "العفّة" الصوريّة. والعذريّة الحقيقيّة في نظر سينثيا هي عذريّة الروح والوفاء لشريك واحد إذا وُجد مع وجوب احترام كينونة الجسد وحمايته. وتتغنّى سينثيا ببلد الحريّات أميركا على حدّ قولها الذي يقدّس الحريّات لأبعد مدى ولا يفرّق بين امرأة ورجل في موضوع العذريّة ولا يتطرّق الناس فيه إلى هذا الموضوع، بل تجد أنه من الغريب في الولايات المتحدة أن تبقى الفتاة عذراء بعد عمر معيّن ويبقى الإنسان ابن مجتمعه أصلياً كان أم متبنّى.

ختاماً أتمنّى لمجتمعنا العربيّ والأميركيّ على حدّ سواء إعطاء الأولويّة لا للعذريّة من عدمها بل للمعرفة الجنسيّة وحبّ اكتشاف كلّ مواقع ترابط النفس والجسد والحميميّة في العلاقات فوق اعتبارات العيب والأوعى والصحة الجنسيّة والصراحة والتواصل واحترام الجسد وحمايته والاحتفاء به لا الاختباء فيه.    


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image