شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مراجعة حقائق... هل كان

مراجعة حقائق... هل كان "مبارك" بطلاً في مواجهة صندوق النقد الدولي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 4 مايو 202304:49 م

تحتفل أسرة الرئيس الأسبق حسني مبارك ومحبوه بالذكرى الـ95 لميلاده التي تحل اليوم، 4 مايو/ أيار، بزيارة قبره في منطقة مصر الجديدة شرق القاهرة، في تقليد بات متبعاً منذ إطاحته عقب ثورة 25 يناير، وتزايد عدد المشاركين فيه تدريجياً بعد إطاحة الإخوان المسلمين من الحكم في 2013، ومع تراجع الأوضاع الأقتصادية والسياسية في الداخل المصري خلال السنوات الأخيرة. 

المناخ الاقتصادي المتأزم الذي بات يغرق في تعثره يوماً بعد يوم، جعل تذكُّر فترة حكم الرئيس الأسبق بالخير حاضراً على ألسنة الكثير من المصريين، منهم من كان مؤيداً للثورة ضد حكمه الذي توجد وثائق عدة وأحكام قضائية تشهد بفساده الشامل رأس السطة الراحل نفسه، إذ ينظر كثيرون إلى عهده باعتباره "على الأقل أحسن من دلوقت" و"الناس كانت عارفة تعيش" وهو ما يظهر أنه لم يعد متحققاً اليوم.

كارثية تبني السياسات المتفق عليها بين الحكومة المصرية والصندوق على الأوضاع المعيشية للمصريين؛ دفعت إلى تكرار استعادة سيرة مبارك الذي "لم يرضخ يوماً لطلبات صندوق النقد الدولي" فما مدى صحة هذا الاعتقاد؟

الجميع تقريباً يتفقون على أن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بلغا في مصر حداً غير محتمل، إذ قفز التضخم لأعلى مستوياته منذ أكثر من خمس سنوات، ليسجل في فبراير/ شباط من العام الجاري 40.3% قبل أن يتراجع تراجعاً طفيفاً في الشهر التالي ليسجل 39.5%، وهو ما انعكس على ارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات الأساسية، بما فيها النقل والمواصلات والرعاية الصحية، ومن المتوقع أن تشهد ارتفاعاً أكبر بعد قرار لجنة مراجعة تعير المحروقات والطاقة رفع سعر الدولار جنيهاً واحداً للتر، لترتفع بذلك تكاليف النقل – مبدئياً- بنسبة 12.8%. ويمثل هذا الوضع ضغطاً شديداً على مستويات معيشة معظم المصريين.

نحن والصندوق الآن

بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي عهده في 2014 – عقب توليه الحكم رسمياً- في التوجه للمشروعات "القومية الكبرى" توجها سريعاً بقرار حفر تفريعة جديدة لقناة السويس مدشناً منهج "الانتهاء السريع وبأي ثمن"، احتاجت مصر - بحسب تقارير دولية- إلى استيراد ثلث معدات الحفر والتجريف في العالم شراءً وتأجيراً، للانتهاء من أعمال الحفر خلال سنة واحدة التزاماً بتوجيهات الرئيس.

النتيجة ظهرت في تصريح لمحافظ البنك المركزي المسؤول وقتها، هشام رامز، عندما لاحت أزمة الدولار الأولى في نهايات 2015، إذا اعترف أنه "تم استخدام الدولار في غير محله"، وأبرز تلك المظاهر كما ذكر: "حفارات جبناها من كل حتة في العالم وكلفتنا مبلغ كبير عشان نقدر نعمل هذا العمل الممتاز اللي اتعمل اللي هو حفر القناة في سنة". عقب تصريحه بأيام قليلة، أطيح رامز من موقعه وعُيِّن طارق عامر خلفاً له، وضمن عامر خلال فترة بقائه الطويلة على رأس البنك المركزي أن يسير قطار إنجاز المشروعات القومية سريعاً في طريقه من دون توقف عبر قروض كثيرة ثم عبر مزيد من القروض.


  أزمة الدولار تلك، كانت بداية مرحلة جديدة من العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي، أكثر مؤسسات التمويل الدولية طلباً لالتزامات وشروط.

فمع تفاقم الأزمة، فوجئ المصريون عام 2016 بتوقيع برنامج مع الصندوق يقضي بتمويل الخزنة المصرية بقرض بقيمة 12 مليار دولار، مقابل "حزمة من الإ​ص​لاحات" تضمن قرارات عدة لا يزال عموم المصريين يعانون تبعاتها باعتراف من خبراء الصندوق أنفسهم.

تضمنت حزمة مطالب الصندوق تعويماً كاملاً غير مدار للعملة المحلية وخفضاً لحزم الدعم على الطاقة وصولاً لإنهاء الدعم كلياً إضافة لمراجعة برامج الضمان الاجتماعي والدعم الغذائي وتطبيق حزم ضريبية جديدة.

استجابت السلطات لطلبات الصندوق في 2016، ولكن على طريقتها، فبحسب تقارير التقييم التي أصدرها صندوق النقد الدولي لم تطبق الحكومة برامج الحماية المتفق عليها للفئات الأكثر فقراً

استجابت السلطات لطلبات الصندوق، ولكن على طريقتها، فبحسب تقارير التقييم التي أصدرها صندوق النقد الدولي لم تطبق الحكومة برامج الحماية المتفق عليها للفئات الأكثر فقراً، وسارعت إلى فرض حزم ضريبية مباشرة واسعة المجال على الطبقات الوسطى والدنيا في حين لم تتحرك الحزم الضريبية المفروضة على الفئات الأكثر ثراءً، وفي حين تراجع دعم الطاقة وأنهي دعم الكهرباء للمواطنين، حظي المستثمرون في ال​قط​اعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة بطائفة من أشكال الدعم لم تنعكس في أسعار منتجاتهم المباعة للمواطنين، يضاف إلى هذا كله، تخفيض مفاجئ للعملة المحلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، جعلها تفقد أكثر من 60% من قيمتها في ليلة واحدة.

تمثلت صدامية هذه السياسات في فقدان معظم المصريين قيمة مدخراتهم وانخفاض قيمة الدخل الأساسي إلى مستويات متدنية، بفضل ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، ولا يمكن للأرقام والإحصاءات وحدها أن تصور مدى كارثية تبني تلك السياسات المتفق عليها مع الصندوق على الأوضاع المعيشية للمصريين. ومنذ ذلك الحين بدأت استعادة سيرة مبارك الذي "لم يرضخ يوماً لطلبات صندوق النقد الدولي" فما مدى صحة هذا الاعتقاد؟

مبارك مناضلاً؟

وسط كل ذلك كثرت الأحاديث عن أن نظام الرئيس الأسبق لم يمتثل لسياسات وإجراءات مؤسسات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي كما يفعل النظام الحالي، يصاحب كتابات أصحاب هذا الحديث مقاطع فيديو للرئيس الأسبق، يوجه فيها انتقادات لاذعة لصندوق النقد الدولي وشروطه المعتادة، مستخدماً في ذلك عبارات لاذعة وشديدة الجرأة.

هذا الحديث الشديد الإيجابية من رئيس الجمهورية المنفرد بمعظم السلطات – وقتها- لم ينعك​س​ على أرض الواقع، ففي الكواليس كانت علاقة مبارك بالصندوق أكثر دفئاً وأقل ندية، كما تشهد الوثائق والقوانين والإجراءات التي نستعرضها في هذا التقرير

مثلاً، يقول مبارك في أحد هذه اللقاءات إن الصندوق طلب منه زيادة الأسعار بنسبة 90%، وهو ما كان سينعكس بشكل سلبي على الأوضاع المعيشية للمواطنين، ويجعل الأسعار "تصل إلى زيادة 300%"، مما حثّه على رفض هذه الشروط بشكل قاطع.

وفي فيديو مقتطع من لقاء آخر، يقول مبارك إن الصندوق كان مُتعنتاً في مفاوضاته مع مصر، ويشترط تخفيض الجنيه بنسبة 30% حتى يمنح مصر التمويل اللازم لسد احتياجاتها، وهو ما جعل مبارك يرفض متعللاً بالأوضاع المعيشية للمصريين، ويقول في نفس اللقاء: "ده راجل عايز يغرقك عشان يفضل شغال معاك على طول، واعمل بقى إصلاحات، اعمل إصلاحات".

وهو ما يدفع مصر إلى الدخول في دائرة مفرغة لا تنتهي على حد وصفه. هذا الحديث الشديد الإيجابية من رئيس الجمهورية المنفرد بمعظم السلطات – وقتها- لم ينعك​س​ على أرض الواقع، ففي الكواليس كانت علاقة مبارك بالصندوق أكثر دفئاً وأقل ندية، كما تشهد الوثائق والقوانين والإجراءات التي نستعرضها في هذا التقرير.

1990: البرنامج الأفضل في العالم

مع بداية التسعينيات، كانت مصر تواجه العديد من التحديات في فترة شهدت أشد الأوضاع الاقتصادية سوءاً، منها تراكم الديون وزيادة أعباء خدمة الدين، وزيادة العجز في ميزان المدفوعات مع تقلص موارد الدولة من النقد الأجنبي، وكما ورد في كتاب سامر سليمان: "النظام القوي والدولة الضعيفة"، كانت مصر وقتها في مواجهة عصيبة مع شبح الإفلاس، مما جعل الخبراء يعتقدون أن الاقتصاد بحاجة إلى معجزة حقيقية حتى يخرج من عنق الزجاجة، في وقت شبيه جداً بما تشهده مصر حالياً، إذ كانت مواردها غير كافية لسداد أقساط الديون والوفاء بالواردات خلال هذا العام.

تحققت المعجزة عندما اجتاح صدام حسين الكويت، وشاركت مصر في الحرب ضده بالتعاون مع دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، وحصلت مقابل ذلك على تعهدات بمساعدات مالية بلغت 4726 مليون دولار من بعض الدول العربية، والأهم أنها حصلت على إعفاءات كبيرة من ديونها من قبل الولايات المتحدة ودول الخليج، وكان قدرها 13.7 مليار دولار، ولكن قبل ذلك كان على مصر أن توقع اتفاقية إصلاح اقتصادي مع المؤسسات الدولية المانحة التي ستقوم بعملية إسقاط الديون وجدولتها، مع اعتماد اتفاق استعداد ائتماني بقيمة 372 مليون دولار.

وفي منتصف عام 1991 طبقت الحكومة بالاتفاق مع كل من الصندوق النقد والبنك الدوليين "برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي" الأول. وهو الاتفاق الذي قال عنه مبارك: "محدش غلبهم زي ما إحنا غلبناهم، وبشهادتهم لما قالوا المصريين دول أكتر ناس تعبونا في المفاوضات".

لم تُنج "المفاوضات المصرية المُتعِبة" البلاد من الالتزام بحزمة من السياسات الاقتصادية المتعلقة بالإصلاحات المالية والنقدية، وضرورة الانفتاح على قوى السوق وتقليص القطاع العام، وتحرير أسواق الصرف الأجنبي من القيود، وتحرير أسعار السلع وتقليص القيود السعرية المفروضة وتخفيض الدعم. إضافة إلى مجموعة من البنود الأخرى.

فبعد مقاومة مصر الطويلة للضغوط الدولية المطالبة بتحرير سعر الصرف ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، تجنباً لحدوث أزمات تضخمية ناتجة عن ارتفاع تكاليف الواردات، رضخت في الأخير لهذا الشرط الأساسي ووافقت على ربط الجنيه بالدولار، وانخفض الجنيه أمام الدولار من 2.8 جنيه إلى 3.4 جنيه للدولار، أي أن التخفيض كان قيمته حوالى 22%، بحسب ما يورده الباحث الاقتصادي محمد جاد في كتابه "متى ينتهي الغلاء".

يرى جاد في كتابه أن هذا التخفيض "أسهم في زيادة تكاليف الواردات، مما ألقى بظلاله على ارتفاع تكلفة الإنتاج نظراً لارتفاع نسبة المكونات الوسيطة المستوردة".

وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على "تحريك" سعر الصرف، والفشل في القضاء على الموجة التضخمية، قام البنك المركزي في عام 2003 بالتدخل مجدداً وخفض العملة 20% من قيمتها، وبحسب الكتاب فإن التضخم صعد إلى 11.2% بعد أن كان 2%، وهو ما ساهم في زيادة أسعار السلع والخدمات بمعدلات تراوح بين 20%-40%. 

الخصخصة: فساد وإهدار

ظل الحديث عن الخصخصة في السبعينيات والثمانينيات يتردد على استيحاء، وكان يواجه برفض قاطع من الاقتصاديين ومقاومة شديدة من العمَّال، إلى أن جاءت التسعينيات فاكتسبت الحكومة جرأة مدفوعة بدعم من مؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها صندوق النقد والإدارة الأمريكية التي دعمت مصر في توقيعها اتفاقاً مع الصندوق في مايو/ أيار 1991، ثم مع البنك الدولي في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه.

وكانت الخصخصة إحدى الركائز الأساسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع الجهتين المانحتين لينطلق برنامج "التكيّف الهيكلي" في العام 1991. ونتيجة لهذا البرنامج تم بيع 382 مؤسسة مملوكة للدولة، بعضها خصخصة كلية وأخرى جزئية.

ووفقاً لدراسة صادرة عن كلية التجارة جامعة الأزهر حول تأثير الخصخصة على الدول العربية، فقد شاب برنامج الخصخصة الذي اعتمدته مصر الكثير من الفساد، وذلك في ظل الوقائع التي أحاطت بصفقات البيع، وبحسب أرقام الجهاز المركزي للمحاسبات التي اعتمدت عليها الدراسة، فإن 69% من صفقات بيع هذه الشركات تمت بقيمة متدنية، وبأقل من قيمها الحقيقية.

يمكننا مدح نظام مبارك، ولا مانع من الحنين إليه بصفته الأقل سوءاً أو الأكثر مراعاة، كما أن الأوضاع المعيشية كانت أقل صعوبة، وسياساته أقل جموحاً، ولكن ليس من المنطقي أن نقوم تحت ضغط صعوبة الوضع الحالي بإنكار الحقائق من أجل تمجيده وتجميل عصره

وبلغ إجمالي قيمة بيع أصول القطاع العام في عهد مبارك قرابة 500 مليار جنيه. مع العلم أن تلك الأصول قُيِّمت وقت إنشائها في الستينيات بحوالى 115 مليار جنيه، حسب التقارير الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية. في وقت كانت القيمة الحقيقية التي دخلت خزائن الحكومة جراء بيع شركات قطاع الأعمال الأكثر ربحية، لم تتخط 25 مليار جنيه. مما يشير إلى بيعها بأقل من 5% من قيمتها الحقيقية، وفقاً لتحليل الدكتورة سلوى فؤاد، أستاذة الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، وهي الاستدلالات التي دعمتها دراسات دولية عدة.

ومن حالات الفساد التي جرت في عمليات بيع شركات القطاع الحكومي المصري التي تتناولها دراسة سلوى فؤاد، هي صفقة بيع شركة "عمر أفندي" لمستثمر سعودي بقيمة 589.5 مليون جنيه. في الوقت الذي تمتلك فيه الشركة نحو 82 فرعاً بالمحافظات وهو مقابل قد لا يساوي قيمة ثمن الأرض المقامة عليها تلك الفروع. وقدرت لجنة التقييم حينها أسعار فروع الشركة بأكثر مما عرضه المستثمر. وفي النهاية ضاع نحو نصف مليار جنيه على الدولة، وهو ثمن الفرق بين عملية البيع والقيمة الحقيقية التي قدرتها لجنة التقييم. وتكررت الحالة في العديد من الشركات الأخرى.

18 أغسطس/آب 2009: إضراب عمال شركة طنطا للزيوت والصابون احتجاجًا على خصخصة الشركة وتسريح العمال - حسام الحملاوي

تشريد العمال وزيادة الفقر

  لم يقتصر تأثير امتثال الحكومة لصندوق النقد وخصخصة القطاع العام على الخسائر المالية فقط، إذ امتد إلى العنصر البشري، إذ شهدت عمليات الخصخصة طرد العمال والموظفين من وظائفهم عن طريق المعاش المبكر الذي تم إقراره بشكل إجباري، وبحسب رصد الدراسة السابق ذكرها، طُرد أو سُرح نحو 450 ألف عامل مصري منذ بدء برنامج الخصخصة، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

الدراسة نفسها تذكر أنه تم إنفاق نحو ثلاثة مليارات جنيه كتعويضات وتسويات للعاملين الذين تم تسريحهم، وكان تعويض العامل في المتوسط يصل إلى 24 ألف جنيه فقط.

 ووفقاً لبيانات وزارة المالية فقد تراجع عدد العاملين بقطاع الأعمال الحكومي من مليون إلى 504 آلاف. وذلك من 1991 إلى 2003.

خلال برنامج الخصخصة الذي اشترطه الصندوق ودعمته الإدارة الأمريكية، تم إنفاق نحو ثلاثة مليارات جنيه كتعويضات وتسويات للعاملين الذين تم تسريحهم بالإكراه، وكان تعويض العامل في المتوسط يصل إلى 24 ألف جنيه فقط، فيما بيعت أصول مقابل 5% من قيمتها الحقيقية

وبحسب البيانات المنشورة في كتاب "متى ينتهي الغلاء" فقد أسفرت تلك السياسات عن انخفاض نصيب الفرد من الدعم من 14% قبل تطبيق البرنامج، إلى 5% في عام 1996، إذ نجحت إجراءات الصندوق في الحد من الإنفاق على الدعم، وبحسب دراسة واستطلاع رأي للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، استهدفت 2500 أسرة مصرية في الحضر والريف عام 1997، فإن نصف الأسر المصرية تقريباً كانت تعيش تحت خط الفقر.

 

9 مايو/أيار 2007: قام قرابة 300 عامل معظمهم من النساء باحتلال مصنعهم ببلدة طلخا بمحافظة الدقهلية للمطالبة برواتبهم ومكافآتهم المتأخرة ووقف بيع شركتهم، التي كانت ستتم خصخصتها- حسام الحملاوي

تشريد ملايين الأسر الريفية

في دراسة صدرت عام 2019 بعنوان "عيش مرحرح: الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في مصر" يتناول الباحثان محمد رمضان وصقر النور، سياسة الدولة في المجال الزراعي، التي بدأ تبنيها مع مطلع التسعينيات، بالاتفاق بين الحكومة المصرية والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية، إذ تم توجيه خطة لتحرير الزراعة ورفع الدعم عن صغار الفلاحين، وتخلص الدولة بشكل تدريجي من كل أشكال الدعم الفني والعيني للإنتاج الزراعي الفلاحي بالوادي والدلتا.

وغيرت الحكومة قانون الأمان الإيجاري الذي كان يعرِّف المستأجر كحائز للأرض مثله مثل المالك، مما كان يتيح لصغار الفلاحين المستأجرين للأرض الزراعية العديد من المزايا والحقوق، منها التصويت في الجمعية والحصول على التقاوي وال​أ​سمدة المدعمة من الدولة، والاقتراض من البنك الائتمان الزراعي. ليُنهي نظام مبارك بذلك أهم مكاسب الفلاحين من قوانين الإصلاح الزراعي الناصرية.

استجابة لمطالب وبرامج مؤسسات التمويل الدولية ومنها الصندوق، غيرت حكومات مبارك الحكومة قانون الأمان الإيجاري الذي كان يعرِّف المستأجر كحائز للأرض مثله مثل المالك، مما كان يتيح لصغار الفلاحين المستأجرين للأرض الزراعية العديد من المزايا والحقوق

وقد تسبب هذا القانون في طرد 904 آلاف مستأجر بما يعني قرابة الخمسة ملايين أسرة، ومنهم 431 ألف أسرة تضررت كلياً من جراء القانون و472 أسرة فقدت في المتوسط ما يقارب نصف دخلها. وكان المستأجرون المتضررون يزرعون نحو 23% من الأراضي المزروعة في مصر، وفقاً للدراسة.

وبحسب بيانات التعداد الزراعي الصادرة عن وزارة الزراعة المصرية (واردة في كتاب عيش مرحرح)، فقد أدى القانون إلى زيادة تفتيت الرقعة الزراعية، حيث إن نسبة الحائزين أقل من فدان كانت 36% عام 1990، وأصبحت 43% عام 2000.

ويرد الباحث راي بوش في الدراسة سبب إقدام الدولة على تنفيذ ذلك القانون وطرد خمسة ملايين أسرة، إلى محاولة الدولة إبداء حسن النية أمام لجان البنك الدولي حول نيتها في الاستمرار في برنامج التحرر الاقتصادي إلى نهايته، خصوصاً أن هذا الإجراء جاء قبل تمديد الاتفاق مع البنك الدولي عام 1998.

الحنين إلى الأقل سوءاً والأقل صدامية

إذاً فقد كان نظام مبارك ممتثلاً هو الآخر لمشروطية صندوق النقد والبنك الدولي. وبعيداً عن تقديس الماضي والحنين إلى أيام كانت أقل سوءاً وإجراءات أقل صدامية وكارثية، فإن فيديوهات الرئيس الأسبق التي تلمع في الفترة الحالية، وسط مناخ يساعدها على ذلك، لا تلغي حقيقة إتباع نظام مبارك سياسات كانت صعبة وضاغطة على حياة المواطنين، حتى لو كان الأمر بدرجة أقل من النظام الحالي الذي لا يقارن في إجادته تنفيذ الإجراءات الصعبة وغير المسبوقة، وتفرده في تنفيذ سياسات تُحدث صدمات شديدة قد لا تُحدثها إلا الحرب أو الكوارث.

يمكننا مدح نظام مبارك، ولا مانع من الحنين إليه بصفته الأقل سوءاً أو الأكثر عقلانية ومراعاة، كما أن الأوضاع المعيشية كانت أقل صعوبة، وسياساته أقل جموحاً، ولكن ليس من المنطقي أن نقوم تحت ضغط وصعوبة الوضع الحالي بإنكار الحقائق والبيانات من أجل تمجيده وتجميل عصره.

إ


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image