شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أحدهما يهدّد والآخر يسخر... صراع بين إيران وأفغانستان حول الحصة المائية

أحدهما يهدّد والآخر يسخر... صراع بين إيران وأفغانستان حول الحصة المائية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 21 مايو 202304:13 م

"لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجدّ حتى لا تعاتبوا لاحقاً"، كان هذا تحذيراً شديدَ اللهجة أطلقه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قبل أيام، موجهاً لحكومة طالبان في أفغانستان لانتهاكها حقوق إيران المائية، فجاء الرد الأفغاني سريعاً بين رفض التحذير والسخرية من الرئيس الإيراني، وبدأت العلاقات بين البلدين تدخل مرحلة من التوتر السياسي والإعلامي حول تقاسم مياه نهر هِلمند الذي ينبع من أفغانستان ويصُبّ في إيران.


تعد قضية تقاسم المياه بين إيران وأفغانستان من أهم القضايا السياسية والبيئية بين البلدين، وكانت مصدر نزاع خفيف وخفي بين الجانبين منذ عقود. يأتي الخلاف حول حصصهما من نهر هلمند أو "هيرمَند" كما يطلق عليه الإيرانيون، الذي ينبع من جبال "هندوكوش" في شمال شرق أفغانستان، ويصبّ في بُحيرة "هامون" في محافظة سيستان وبلوشستان شرق إيران.

أصدرت رئاسة وزراء حكومة طالبان الأفغانية، بياناً رسمياً بعد تصريحات الرئيس الإيراني، جاء فيه: "على المسؤولين الإيرانيين تصحيح معلوماتهم حول مياه نهر هلمند والتعبير عن مواقفهم من خلال استخدام ألفاظ وتعابير مناسبة"، وذكر فيه أن "استخدام هذه اللغة من قبل السلطات الإيرانية قد يضر بالأجواء السياسية بين الشعبين المسلمين في إيران وأفغانستان، وهذا لا يصب في مصلحة أحد".

نهر هلمند هو أحد أكثر الأنهار وفرة في أفغانستان، حيث يصب في بحيرة هامون في إيران، أما الخلاف الحالي فيعود إلى شروط تقنية يتضمنها الاتفاق الذي ينص على أن لإيران حقاً في الحصول على 850 مليون متر مكعب من نهر هلمند 

وبعد أن أشار إلى الجفاف وقلة المياه خلف سد كَجَكي، ورد في البيان: "إن الإمارة الإسلامية في أفغانستان تتعهد ببذل الجهود لإيصال حصة إيران من مياه هذا النهر، وعلى المسؤولين الإيرانيين عدم إعادة هذا الكلام".

بيان متناقض وكاذب

ونفت الخارجية الإيرانية في بيان رسمي تصريحاتِ طالبان بشأن الجفاف وحصة إيران المائية، ووصفت بيان رئيس أفغانستان بأنه "متناقض وكاذب"، وأكدت أن إيران "تحتفظ بحقها في اتخاذ التدابير اللازمة"، وشددت على أن "عدم تنفيذ أفغانستان للمعاهدة وعدم توفير حقّ ماء نهر هيرمند وإصدار بيانات سياسية دون إجراء عملي أمر غير مقبول بأي حال من الأحوال".

وغرد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان: "في الأشهر الأخيرة طلبت مراراً وتكراراً من وزير خارجية أفغانستان بالإنابة الملا متّقي، الوفاءَ بالتزاماتهم وفق معاهدة هيرمند، وتوفير إمكانية زيارة الوفود المتخصصة، وقياس منسوب المياه، لكنهم لم يفعلوا ذلك، -إقليم- سيستان يعاني من الجفاف، والمعيار لوجود أو عدم وجود الماء هو التفقد التقني والموضوعي، وليس إصدار بيان سياسي".


وصرح سفير إيران لدى كابول والمبعوث الإيراني الخاص في شؤون أفغانستان، حسن كاظمي قمي:"إذا ثبت أنه يوجد الماء في السد وحركة طالبان تمنع إطلاقه نحو إيران، بينما تعترف نفسها بهذا الحق وفقاً لمعاهدة الماء بين البلدين، فسيتوجب عليها تحملُ المسؤولية".

وأكد أن أمام طالبان شهراً واحداً لإطلاق حقوق إيران المائية، مضيفاً: "إن مسؤولي طالبان يعلمون أنهم إذا كانوا يريدون حكومة قوية ومستقرة في أفغانستان تضم جميع ممثلي الشعب، وأن يتجه هذا البلد نحو العمران والاستقرار والاستقلال والازدهار، يجب أن يكون لديهم تفاعل بنّاء مع جيرانهم".

كما قال كاظمي قمي إن "سد كجَكي يقع على بعد 700 كيلومتر من الحدود الإيرانية، وعلى طول هذا الطريق البالغ 700 كيلومتر هناك ثلاث ولايات، وحتى إن تم إطلاق كل المياه الموجودة خلف سد كجكي ، فلن تصل كلها إلى إيران".

سخرية طالبان من الرئيس الإيراني

وفي ظل تصاعد المشادات الكلامية بين الحكومتين، نشر الجنرال مُبين، أحد القياديين في حركة طالبان، مقطع فيديو يسخر من تهديد الرئيس الإيراني، يظهر فيه وهو يملأ برميلاً من حوض ماء ويقول: "خذّ هذا البرميل ولا تهاجمنا، نحن خائفون من تهديدك".

أثار المقطع استياء الإيرانيين، فمنهم من هاجم ضعف دبلوماسية الحكومة الإيرانية تجاه طالبان، ومنهم من طالب بالهجوم على طالبان عسكرياً، ومنهم من طالب بإخراج الأفغانيين من إيران وعددهم 5 ملايين نسمة، وهناك من انتقد الحكومة لمواقفها الداعمة لحركة طالبان عند استحواذها على أفغانستان.

وكتب الناشط مهدي نِيكخاه، مخاطباً الحكومة: "أتمنى أن تكون لديكم القوة والشجاعة الكافية لأخذ حق إيران المائي من نهر هلمند ليصل إلى أهالي سيستان العطاشى".

وكتب الصحافي إحسان بداغي: "تدعي الحكومة أنها يمكن أن تضمن مصالح إيران من خلال الاعتماد على علاقات الجوار، والتطلع إلى الشرق بعيداً عن الغرب، فموضوع حصة إيران المائية هو نموذج جيد لاختبار ادعاءاتكم".

الأقمار الصناعية تظهر الحقيقة

وأعلنت هيئة الفضاء الإيرانية أن عمليات المراقبة التي أجراها قمر "خیام" الصناعي، أظهرت أن الحكومة الأفغانية قد حولت مسار نهر هيرمند، وبالتالي حققت منعَ وصول المياه إلى إیران.

وصرح الناشط البيئي، محمد درويش أن "حصة مدينة زابُل في محافظة سيستان وبلوشستان من مياه الشرب ستكفي لشهر فحسب، وإذا مانعت أفغانستان حصة إيران المائية، فسوف تشهد الحكومة هجرة نحو 400 ألف شخص بسبب شح المياه".

نشر الجنرال مُبين، أحد القياديين في حركة طالبان، مقطع فيديو يسخر من تهديد الرئيس الإيراني، يظهر فيه وهو يملأ برميلاً من حوض ماء ويصرح: "خذْ هذا البرميل ولا تهاجمنا، نحن خائفون من تهديدك".

وقال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني مجتبى ذو النوري: "من مصلحة الأفغان بالتأكيد أن يزودوا إيران بحصتها المائية بشكل مناسب، لأنه إذا تم تجاهل العقود والاتفاقيات الدولية التي كانت قائمة في الماضي بين البلدين وعدم العمل بها، فسيكونون هم الخاسرون".

وشرح وزير الطاقة الإيراني علي أكبر محرابيان: "بحسب معاهدة نهر هيرمند بين إيران وأفغانستان عام 1972، فإن الأخيرة تعهدت بتسليم إيران حقها من مياه نهر هيرمند في موعده المحدد وعليها إزالة كل العراقيل السياسية والتقنية وتسليم حق الشعب الإيراني في حدود كلا البلدين".

وقامت حكومة أفغانستان خلال السنوات الماضية ببناء سدين كبيرين على نهر هلمند حتى أصبح النهر بلا رمق، ثم قام بعض المزارعين بسحب المياه المتبقية، وبالتالي لم تعد فيه مياه تجري لتصل إيران، بحسب ما تقوله طهران.

ولم تفلح محاولات الخارجية الإيرانية خلال العامين الماضيين من استلام حصتها المائية، بينما تؤكد طالبان أن منسوب المياه في نهر هلمند قد تراجع، كما تراجعت نسبة الأمطار في الأعوام الأخيرة، وبذلك لا توجد مياه كي تدخل الأراضي الإيرانية.

جذور الاتفاق

حصل عام 1972 (في عهد الملكية في إيران)، اتفاق بين إيران وأفغانستان يضمن لإيران حصة قدرها 850 مليون متر مكعب من المياه سنوياً (26 متر مكعب في كل ثانية) من نهر هلمند. وَقّع الاتفاق كلٌّ من رئيس وزراء إيران في عهد الشاه، أمير عباس هويدا، الذي أعدمه الثوار الإيرانيون بعد انتصار الثورة الإسلامية، ورئيس وزراء أفغانستان آنذاك، محمد موسى شفيق، وعلى الرغم من سقوط الرئيسَين وتغيير الحكم في الدولتين، إلا أن أياً من الحكومتين التاليتين لم ترفض الاتفاق المبرم بين البلدين حول نهر هلمند.

كما لم ترفض حكومة طالبان حقَّ إيران المائي، بل إنها أعلنت صراحة أن الجفاف لم يُبقِ شيئاً من النهر ليصب في مصبه الأخير في إيران. وأكدت التزامها باتفاقها مع إيران حول نهر هلمند من خلال تصريحاتها الأخيرة.

"حينما تصبح قضية محاصصة المياه منافسةً قومية، فيعتبر متلقي المياه هو الفائز، ومقدم المياه هو الخاسر في النتيجة. في هذه الأوضاع حتى السياسي الحكيم لن يكون لديه خيار سوى محاولة الفوز، فما بالك بالسياسي المتهور؟"

نهر هلمند هو أحد أكثر الأنهار وفرة في أفغانستان، ويصب في بحيرة هامون في إيران. أما الخلاف الحالي فيعود إلى شروط تقنية يتضمنها الاتفاق الذي ينص على أن لإيران حقاً في الحصول على 850 مليون متر مكعب من نهر هلمند "في العام المائي الطبيعي"، أي تكون نسبة الأمطار فيه طبيعية وتملأ النهر الذي يسع لـ6 مليار ونصف المليار متر مكعب من المياه، فإن امتلأ يصبح لإيران حق في الحصول على حصتها من النهر وإن لم يمتلئ فلن يكون لها حق المطالبة في الحصة المتفق عليها. تتشبث حكومة طالبان بهذا الشرط، وتقول حالياً إن نسبة المياه في النهر لم تبلغ الـ6 مليار متر مكعب ونصف، وتدعي أنه إن حصل هذا فسيلتزمون بحق إيرا،ن ولكن طهران تؤكد على ضرورة تأييد هذا الادعاء من قبل خبراء إيرانيين، وهذا ما لم توافق عليه طالبان حتى الآن.

الشروط الست لدعم طالبان

وحسب مراقبين للشأن الإيراني فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت قد اشترطت 6 أمور على حركة طالبان في اجتماع "مدينة مشهد"، مقابل أن توافق على توليها الحكم في أفغانستان قبل عامين، وهي: الالتزام بحصة إيران من نهر هلمند، عدم منع استخدام اللغة الفارسية في أفغانستان، ضمان حقوق الشيعة هناك، عدم السماح لإسرائيل بدخول أفغانستان، منع نشاط الجماعات المناوئة للجمهورية الإسلامية، ومكافحة تجارة المخدرات. وبهذا التصرف بدأت حكومة طالبان بنقض الشرط الأول ما جعل إيران مُتخوفة من نقضها الشروط التالية في ما بعد.

وحذر العالم الإيراني كاوه مدني، رئيس مؤسسة المياه والبيئة والصحة في جامعة الأمم المتحدة: "تحويل النزاع على المياه في نهر عابر للحدود إلى معركة قومية بين الدولتين هو خطأ استراتيجي ناتج عن عدم النضج السياسي وعدم الإلمام بقواعد دبلوماسية المياه. حينما تصبح قضية محاصصة المياه منافسةً قومية، سيعتبر متلقي المياه هو الفائز ومقدم المياه هو الخاسر في النتيجة. ففي هذه الأوضاع حتى السياسي الحكيم لن يكون لديه خيار سوى محاولة الفوز، فما بالك بالسياسي المتهور؟!".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image