شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل ستكون هناك عملة رقمية عالميّة لـ

هل ستكون هناك عملة رقمية عالميّة لـ"كل شيء"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

السبت 20 مايو 202311:27 ص

هذا المقال جزء من مجموعة مقالات ينجزها رصيف22، عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، في محاولة لتقديم خريطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.


تتردد في أفلام الخيال العلميّ، الجديّة والساخرة، فرضية مفادها أننا في المستقبل، سنتداول عملةً كونيّةً، لا تصلح فقط على كوكب الأرض، بل في أنحاء المجرّة كافة، عملة ترتبط بأجسادنا، يمكننا عبرها الدفع والشراء والاستدانة، وكأننا أمام نظام "كوني" ذي عملة ذات قيمة ثابتة، لا يمكن سرقتها منا، كونها مرتبطةً بجسد صاحبها نفسه، أو ما يمكن تسميته الهوية البيولوجيّة، كالبصمة، والحمض النووي، والعين.

الحلم السابق راود الكثيرين من "المؤمنين" بالعملات الرقميّة، بوصفها ستستبدل الأشكال الاقتصادية القائمة، وعلى الرغم من كل الانهيارات التي شهدها سوق العملات الرقميّة، وعمليات القرصنة والخداع، بقي هذا الأمل قائماً، خصوصاً مع الإعلان الأخير الذي قام به المدير التنفيذي لشركة Open Ai المسؤولة عن برنامج الذكاء الاصطناعي الأشهر Chat GPT، سام ألتمان، إذ أعلن عن اقتراب حصوله على 100 مليون دولار، لإعادة إطلاق العملة الرقمية التي أنشأها عام 2019، باسم "Worldcoin"، والتي يبلغ ثمنها لحظة كتابة هذا المقال 0.060667 دولاراً.

دخول ألتمان سوق العملات الرقمية بهذا الشكل، قائم على أساس استخدام نظام (iris) للتعرف على الهوية باستخدام الذكاء الاصطناعيّ وشبكية العين، إذ تُلخَّص آلية التوزيع الأولي للعملة أو "الوصول المجاني" إلى هذه العملة بالشكل التالي: تحصل الشركة على مسح لشبكيّة عين الفرد، فيحصل المستخدم بعدها على هويّة رقميّة، ومحفظة يمكنه عبرها تبادل وشراء وبيع العملة الجديدة، ناهيك عن "الدخل العالمي-Universal income"، الذي ستؤمّنه الشركة للمستخدمين، إذ لن تكتفي بتقديم "عملة مجانية" للمشتركين الجدد كحالة الـToken، بل ستقدّم الـWorld Coin بصورة دورية للمشتركين، دخلاً شهرياً يشابه أحلام الاقتصاديين اليوتوبيّة. لكن، وهنا المخاطرة، ستكون هناك قاعدة بيانات تحوي هويّة "الجميع"، أولئك الذين لن يترددوا في تقديم "أعينهم" مقابل العملة الرقميّة الجديدة.

تشير الانتقادات إلى الإشكالية الأخلاقية المرتبطة باستخدام الجسد البشريّ في مشاريع العملات الرقمية، علماً بأنه يُستخدم في سياقات الفن التشكيلي والمسرح وفنون الأداء بل حتى السفر في المطارات الدوليّة

حاول ألتمان وشريكه أليكس بلينا، شرح مقاربتهما، بوصفها محاولةً لحلّ مشكلتين؛ الأولى، ترتبط بتطور الذكاء الاصطناعي، والخلط بين الإنسان والروبوت، ما يجعل نظام التعرف أشدّ أماناً، وأقل قدرةً على الاختراق، والثانية، توفير "دخل ثابت" أو Universal income، قادر على معادلة خسائر الأعمال الناتجة عن الذكاء الاصطناعيّ. يشبه الأمر الفكرة التي سبق أن اقترحها بيل غايتس، حول ضريبة التكنولوجيا، تلك التي تجبر الشركات على دفع ضرائب أعلى تُقدّم للمواطنين مقابل الأعمال التي تقوم بها البرمجيات المتطورة، وفي هذه الحالة، الذكاء الاصطناعي.

يبدو الكلام مُتخيّلاً، خصوصاً أن الهدف هو إنشاء "هوية رقميّة عالميّة" لكل فرد، أي بصورة ما، هوية لا تتغير ضمن عالم "الإنترنت"، وهو الأمر المخيف الذي ينتمي إلى الخيال العلميّ، كوننا لا نعرف بعد تطبيقاته، لكن تكفي عبارة "هويّتك مقابل العملات"، حتى نعيد التفكير مرتين.

الحصول على العملة الجديدة يتم ضمن عملية بسيطة، إذ أطلقت الشركة كرات مزوّدةً بكاميرات تُستخدم كماسحات لشبكيّة العين (Orbs)، ويكفي مسح الشبكيّة، حتى تسجّل هوية الفرد البيولوجيّة، ويدخل ضمن نظام العملة الجديدة، ويحصل بمجرد إثبات هويته على عدد من الـWorld coin، التي من المفترض أن تطابق قيمتها قيمة العملة في سوق التبادل.

المخاوف المرتبطة بالمشروع تتعلق طبعاً بالخصوصية والخوف من المراقبة وغيرهما مما استنزفته أفلام الخيال العلميّ، لكن في حال كانت هذه التقنيّة مضمونةً، أي في حال كانت آمنةً في حالة مثاليّة، فسنكون أمام تجربة لا يمكن إنكار جدواها. فكما يتحكم البنك بنواحي الحياة الخاصة بالفرد كافة، ويمتلك كل معلوماتنا المالية والشخصيّة، يمكن لهذه الشركة أن تفعل الأمر نفسه، لكن عوضاً عن وضع "النقود" في البنك، ستقدَّم الـWorldcoin لكل من يريد عملةً رقميّةً، بمجرد التعريف بنفسه، أي بصورة ما، وبعكس البنك، ستوزع نسبةً ثابتةً من النقود، مجاناً، مقابل قبول شرط "مسح العين"، ونقصد بـ"مجاناً"، بصورة دقيقة، عدداً محدداً من العملات التي يحصل عليها الفرد بصورة دوريّة، تضاف إلى تلك التي يمكن أن يشتريها ويضيفها إلى رصيده.

هناك بعض الاعتبارات السياسيّة التي لا يمكن إنكارها، مثل مفهوم الهويّة العالميّة، وهل يتطابق مع جواز السفر؟ وهل ستكون هذه العملة لفئة ما عوضاً عن أخرى؟ أيضاً، كيف ستتوفر كرات مسح الأعين؟ وفي أي الأماكن؟ وهل ستكون في أماكن عامة مثلاً؟ هذه الأسئلة وغيرها ما زالت قائمةً.

استخدام العملات الرقميّة في الحياة اليوميّة، كما تقول الشركة، ليس فعالاً في كل أنحاء العالم، حتى في أوروبا، وأمريكا نفسها ما زالت تضع قيوداً شديدةً على استخدام هذه العملات عوضاً عن النقود الحقيقية، لكن المفارقة الأشد، هي كيف سيتم ضبط تقلب أسعار هذه العملة؟ وهل يمكن أن تنهار كغيرها؟

اللافت تقنياً في هذه العملة، أنها قائمة على "إثبات الهويّة-proof-of-personhood"، أي ترتبط قيمة العملة بالهويّة الرسمية للفرد، ونظرياً، كلما ازداد عدد المُشتركين، ازدادت قيمة العملة، بشرط زيادة معدل استخدامها لتحافظ على قيمتها، وهنا المفارقة، بما أن العملة ترتبط بهوية الشخص البيولوجيّة (بصمة العين)، فلكل شخص حصة محددة من "الدخل العالمي"، ولا يمكن له الحصول على حصة غيره، ناهيك عن أن قيمة هذا الدخل الثابت الذي ستقدّمه الشركة، مرتبط بقيمة العملة نفسها، أي في لحظة ما، سيزداد مجموع عدد العملات، ما يعني انخفاض ثمن العملة الواحدة، أو سيُجبر صاحبها على تبادلها والقيام بعمليات البيع والشراء لتزويد السوق بالعملات، وهذا كله يدخل ضمن نظام "المراقبة الرأسماليّة"، إذ لم تعد البيانات الشخصية هي ما نقدّمه مقابل خدمات مشاركة الصور أو النصوص، كما في وسائل التواصل الاجتماعي، بل الهويّة البيولوجيّة ذاتها.

أيضاً ما إمكانية استبدال هذا "الدخل" مقابل بصمة العين بعملات حقيقية؟ أو بصورة ما تبادله مع عملات رقمية أخرى ثم تحويله إلى نقود رسميّة؟ إمكانية ذلك قد تؤدي إلى خلق تضخم عالمي لا يمكن مجاراته بسهولة، خصوصاً أن هذه العملة غير مدعومة بأي بنك أو نقود حقيقية، ناهيك عن الأسئلة عن البيانات التي ستحصل عليها الشركة من عمليات الشراء والتبادل التي نقوم بها: ما سيكون مصيرها؟ هل ستباع لشركات الإعلان، أم ستُستخدم في الهندسة الاجتماعيّة، أم ستُحذف من دون أي استخدام؟

الحصول على العملة الجديدة يتم ضمن عملية بسيطة، إذ أطلقت الشركة كرات مزوّدةً بكاميرات تُستخدم كماسحات لشبكيّة العين (Orbs)، ويكفي مسح الشبكيّة، حتى تسجّل هوية الفرد البيولوجيّة، ويدخل ضمن نظام العملة الجديدة، ويحصل بمجرد إثبات هويته على عدد من الـWorld coin

أعلنت الشركة عبر موقعها أن هناك أكثر من 1.6 ملايين مشترك في النسخة الأولية، مع 500 ألف مستخدم فاعل على منصة العملة World App، وبرغم كل الشروحات التي تقدّمها والتطمينات، إلا أنها تعرضت للكثير من الانتقادات، أبرزها من إدوارد سنودن، الذي كتب عبر توتير منتقداً المشروع، ومخاطباً سام ألتمان قائلاً: "لا تصنع 'كتالوغ' للأعين".

ما أثار حفيظة سنودن إذاً، هي كيفية الترويج لهذه العملة، التي تطرح عملةً مقابل بصمة الشبكيّة بوصفها آمنةً، الأمر الذي شكك فيه سنودن، وصحيح أن هذه العملة قد تنمو وتكبر، لكن في المقابل، سيتم إنشاء أرشيف بالهويات البيولوجيّة لكل المشتركين، ما يناقض مفهوم العملات الرقميّة القائمة على السرّية وإخفاء هوية المشترين والمتداولين، وربما هنا يتضح الحلم اليوتوبي، بأن تكون العملية صالحةً لـ"كل شيء"، لكن هل "الكل شيء" هذا مرتبط فقط بما تقدمه المنصة الخاصة بالعملة من خدمات؟ هل سنصل إلى مرحلة يمكننا عبرها أن نشتري بطاقة طائرة؟ أو هاتفاً نقّالاً؟ أو حتى بنطالاً من إحدى الشركات الكبرى؟

تشير الانتقادات إلى الإشكالية الأخلاقية المرتبطة باستخدام الجسد البشريّ في مشاريع العملات الرقمية، علماً بأنه يُستخدم في سياقات الفن التشكيلي والمسرح وفنون الأداء بل حتى السفر في المطارات الدوليّة، لكن هل يمكن استخدامه في هذه الحالة بصورة مؤذية قائمة على أساس تصنيف الأفراد حسب تعاملاتهم الماليّة؟ أي بعد تغذية الذكاء الاصطناعي بالتبادلات المالية لكل شخص، هل يمكن أن يصبح مسؤولاً عن تقدير ما يستحق الفرد من "دخل عالميّ"؟ وهل مثلاً سيحدد له ما يحق له شراؤه مما لا يحق له؟ هذه الأسئلة كلها بلا أجوبة بعد، كون المشروع لا يزال في بدايته.

يمكن القول إن هكذا مشروع يسعى إلى إنشاء قاعدة بيانات لكل البشر، مقابل مدخول ماديّ ثابت، وهي خطوة لا نعلم بعد مدى فعاليتها، خصوصاً أن هكذا تكنولوجيا لا بد أن توظفها الدول في حال تمت إتاحتها، وهذا ربما ما دفع سنودن، الذي سبق أن فضح عملية التجسس التي تقوم بها وكالة الأمن الوطني الأمريكيّة للتدخل وأبدى رأيه في الموضوع.

تشير خريطة المشتركين التي نشرها الموقع الرسميّ لـWorld coin، إلى عدم وجود أي مشترك من أي بلد عربي. لكن كرات مسح الأعين ستكون متوافرةً في عدد من المدن، منها دبي، وبرلين، ونيويورك وغيرها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard