هذا المقال جزء من مجموعة مقالات ينجزها رصيف22، عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، في محاولة لتقديم خريطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.
تحوي العديد من الدراسات والأبحاث إشارات تدلّ على أثر "المال" على البيئة، ولا نتحدث عن صرف المال، بل صناعة الأوراق المالية والعملات المعدنيّة، تلك التي تحتاج إلى أوراق الشجر، والمياه، والكهرباء والقطن، وغيرها من المواد الأولية والطاقة اللازمة لإنتاج عملة نتداولها يومياً. مثلاً، ورقة "الباوند" الجديدة التي طرحها بنك بريطانيا منذ عام 2016، أثارت جدلاً بيئياً، إذ يؤدي إنتاج ورقة الـ5 باوند إلى إطلاق 2.76 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون، ومجموع صف واحد من الأوراق (5-10-20-50)، يؤدي تصنيعه إلى انبعاث تلك المادة بشكل أكبر بثلاث مرات من العملات السابقة، أي نحو 9 كيلوغرامات من ثاني أكسيد الكربون.
ازداد الحوار حول الأضرار البيئية للـ"مال"، مع صعود العملات الرقميّة، خصوصاً أن "إنتاجها"، أي تعدين البيتكوين وتداوله مثلاً، يتطلب ما يقارب 120 تيرا واط في الساعة للبيتكوين الواحد، كل عام، أي نصف كهرباء المملكة المتحدة لعام واحد. في حين أن مجموع ما أطلقته عمليات التعدين والتبادل للبيتكوين 113 طنّاً عام 2021، في حين كان 0.9 عام 2016.
تتبّع الأرقام والأثر البيئي للبيتكوين يثير القشعريرة، ومع ذلك هناك وعي بالمخاطر البيئيّة التي تترتب على التعدين والتبادل، إذ أتمّ القائمون على عملة الإيثيريوم مثلاً عام 2022، ما يسمى عملية الدمج، وتغيّر نظام التبادل من Pow (إثبات العمل)، إلى POS (إثبات الحصىة)، أي أن ضمان وجود العملة لا يرتبط بتعدينها بل بإمكانية امتلاكها.
أدت هذه العملية في شبكة الإيثيريوم، إلى انخفاض في معدلات انبعاث ثاني أوكسيد الكربون بنسبة قد تبدو خياليةً: 99.95 في المئة، أي انخفضت من 109.71 كيلوغراماً إلى 0.01 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون، ما يعني نسبةً أقل من Paypal التي تصل إلى 0.26 كيلوغراماً. تزامن الأمر مع "اتفاق الكريبتو المناخي" المدعوم من الأمم المتحدة، وأكثر من 40 شركةً عالميّةً، بهدف الوصول إلى إنتاج العملات الرقمية بصورة خضراء كلياً، وانبعاث يبلغ مقداره صفراً.
ازداد الحوار حول الأضرار البيئية للـ"مال"، مع صعود العملات الرقميّة، خصوصاً أن "إنتاجها"، أي تعدين البيتكوين وتداوله مثلاً، يتطلب ما يقارب 120 تيرا واط في الساعة للبيتكوين الواحد، كل عام، أي نصف كهرباء المملكة المتحدة لعام واحد
الطاقة ليست الأزمة فقط
لا يخلو العالم العربي من مصادر الطاقة، سواء تحدثنا عن الخليج أو إمكانيات استخدام الطاقة الشمسية وطواحين الهواء لتغذيّة مناجم العملات الرقميّة. لكن المشكلة هي الجدوى البيئيّة، أي توليد كميات كبيرة من الطاقة لإنتاج العملات الرقميّة الذي قد يبدو فعالاً باستخدام الوقود الطبيعيّ، لكنه لا يضمن إنتاجها أيضاً بصورة "خضراء"، أي ببساطة الطاقة التي تستهلكها العملات الرقميّة، ولو كانت متوافرةً، قد تؤدي إلى نتائج كارثيّة على الكوكب.
تفادي ما سبق تعد به الـEnergy Web Tokens، التي تسعى إلى ربط المنازل ضمن شبكات بلوك تشاين قادرة على تقنين استخدام الكهرباء من مصادر نظيفة (رياح، شمس، ومياه)، للحصول على العملة الجديدة، أي بشكل أو بآخر، المشروع الذي يطبَّق في إفريقيا، يمكن سحبه على المساحات التي تحوي موارد طاقة نظيفة، بحيث ترتبط قيمة العملة بإمكانيات توليد الطاقة.
المقاربة هنا قد تبدو بعيدةً، لكن يمكن الاستفادة منها في مخيمات اللاجئين، والعشوائيات، ومحاولة تأمين متطلبات الحياة، وفي الوقت ذاته خلق فرصة استثماريّة تساهم في تغيير الوضع القائم، ما يساهم أيضاً في التخفيف من استخدام المولدات التي تعمل على المازوت ويقلل عدد الحوادث الناجمة عن أخذ الكهرباء بصورة عشوائية من أسلاك الإنارة كما في مخيم الزعتري في الأردن، وبرغم تطبيق نظام الطاقة الشمسيّة، ما زالت الكهرباء عام 2019، تشكل أزمةً خصوصاً أنها غير مربحة، وتالياً يمكن تحويل المشروع الإنساني المرتبط بالإنارة والدفء ومقومات الحياة، إلى شكل من أشكال الاستثمار المستدام القادر على عن يعود على المخيم وساكنيه بالنفع.
مستقبل التبريد الإشكاليّ
أكبر ما يواجه العاملين في تعدين العملات الرقميّة هو "التبريد"، وهو الأمر الذي لا يمكن إنكار أهميته، خصوصاً أن عملية التعدين تستهلك كميات كبيرةً من الطاقة، وارتفاع حرارة أجهزة التعدين يهدد الفعالية والقدرة. أحد الحلول هو جعلها في مناطق باردة، كما في سيبيريا مثلاً حيث تم تأجير قطع من الأرض ومخازن لوضع المناجم فيها والاستفادة من انخفاض درجات الحرارة في التبريد.
الغواية التي تشكلها دول الخليج "الغنية بالطاقة" أتاحت افتتاح شركات للتعدين، خصوصاً في الإمارات والبحرين، إذ نرى مثلاً شركة CryptoMiners، التي يقول مديرها التنفيذي إنها مزرعة للعملات الرقميّة تعمل نهاراً على الطاقة الشمسية وليلاً على طاقة الرياح
في الحالات التقليديّة، يلجأ أصحاب المناجم إما إلى التبريد عبر المراوح، الأمر الواضح من تسميته، عبر استخدام مرواح متعددة الأحجام لتبريد المخدّمات، أو عبر التبريد بالغمر، والاستفادة من سوائل التبريد، لكن في المنطقة العربيّة درجات الحرارة المرتفعة تشكّل عائقاً.
تمكنت شركة Metamining في دبي، من تطوير "ستار مائي" حسب بيانها الصحافي، يساهم في تبريد الآلات، ولا يحتاج إلى مراوح الهواء، وهو فعّال 6 مرات أكثر من الأنظمة التقليديّة للتبريد. لكن ما يجب القلق منه هو عبارة "توافر الكهرباء بصورة رخيصة"، إذ لا نعلم بدقة مصدر الكهرباء المستخدمة، وهنا المشكلة بشكل عام في كل هذه الأنظمة "الخضراء"، فتشغيلها يتطلب طاقةً قد يكون مصدرها الفحم الأحفوري أو النفط.
الغواية التي تشكلها دول الخليج "الغنية بالطاقة" حسب ما توصف، أتاحت افتتاح شركات للتعدين، خصوصاً في الإمارات والبحرين، إذ نرى مثلاً شركة CryptoMiners، التي يقول مديرها التنفيذي في أبو ظبي، إنها مزرعة للعملات الرقميّة، تعمل نهاراً على الطاقة الشمسية، وليلاً على طاقة الرياح.
يبقى السعي نحو طاقة خضراء وعملات رقمية خضراء، حلماً يراود الكثيرين، مع ذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الأضرار البيئة، تلك التي وجدت في بعض الأحيان لنفسها منفذاً، عبر ضريبة الكربون التي كشفت عن الكثير من التلاعب، إذ لم يتم الحد من انبعاث الكربون، بل مجرد دفع ضرائب وقعت في النهاية على الأفراد لا على الشركات، ناهيك عن أن تشغيل تقنيات توليد الطاقة النظيفة وصيانتها ما زالا غير مستدامين، وأحياناً يكون استخدام الوقود الأحفوري الخيار "الأوفر"، خصوصاً حين الحديث عن الطاقة الشمسيّة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت