شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لو كان حلال ادينا بنشربه... ولو كان حرام ادينا بنحرقه"، كيف احتلّ فيروس الميمز حياتنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 22 مايو 202312:37 م

الميم مصطلح استحدثه عالم الأحياء ريتشارد دوكينز عام 1976، على وزن كلمة جين، ولأن الجين هو الوحدة الأساسية في علم الوراثة الخاص بالكائنات الحية، استخدمه ريتشارد لوصف توارث الأفكار في الثقافات، وهذا ما يحدث اليوم بالضبط، فالميمز أصبحت شيئاً ثابتاً في حياتنا، لغة حية واسعة الاستخدام للتعبير عن مواقفنا السياسية والدينية والاجتماعية، تفهمها جميع الثقافات والفئات العمرية، وبسبب طابعها الخفيف، أصبحت جزءاً من شخصياتنا: الجميع يختزل مواقف حقيقية في حياته أو وهمية أو ذات طابع جدلي، في قالب قد يكون على شكل صورة أو فيديو لمادة مثيرة للسخرية، وبسبب حضور العالم الافتراضي بشكل أساسي في عالمنا الواقعي، أصبحت الميمز حيّة ومؤثرة وصاحبة توجّهات وفكرة.

مخزون مصر الفني يكرّس للتعبير عن العالم

تقول الدكتور صفية أبو الوفا، الناقدة الفنية والمدرس في كلية الآداب، إن سهولة اللهجة المصرية، وارتباط الشعوب العربية بالأعمال المصرية التلفزيونية والسينمائية، جعلت الميمز المصرية صاحبة أكبر قاعدة جماهيرية في وجدانهم، ثم أضافت أن الإفيه المصري عمره طويل وسريع الانتشار من زمن قديم، ومن قبل انتشار فكرة الميمز التي تعتبر حديثة ومرتبطة باندماج العالم داخل المواقع الافتراضية.

الميمز حالة عالمية، صنعتها أدوات التواصل الاجتماعي الجديدة، مزيج من النرجسية والسخرية من الذات، تذهب إلى هدفها بدون مقدمات، ربما نستطيع القول إن الله في اليوم السابع، بعد أن "استراح وتنفّس"، خلق الميمز أيضاً، لمساعدتنا على شرح مشاعرنا

فصورة الميمز قديماً كانت متجسّدة في المشاهد التي تعيش في ذهن المتفرج العربي، خاصة لو عُرضت له في سياق إسقاط على وضع سياسي أو اجتماعي سائد، ولأن التأثير كان حيّاً حتى في وقتها ومباشراً، تعرّضت كثير من الأعمال التي أصبحت جزءاً من حديث الناس للمحاكمة وأحياناً مُنعت من العرض، وبالتالي وجود الميمز المصرية في حياة الشعوب العربية قديم وشامل، وهذا ما جعلها اليوم قادرة على منح العالم بحراً من الصور للتعبير عن شتى حالاته النفسية، ومستخدمة من قبل جميع الأجيال، فميمز "بتحبيني يا هدى"، "ده انا غلبان"، "عين يا عبعال"، "الحلزونة يمه الحلزونة"، "حسرة عليها يا حسرة عليها"، "متعودة ديماً"، "حاولت اعمل حاجة صح"، "عيلة مع بعضينا"، "هو مين خالك ده؟ هاني شاكر"، "البيت ده طاهر"، "غلبك يا ريا"، "يا بت المستخبي"، "لو كان حلال ادينا بنشربه... ولو كان حرام ادينا بنحرقه"، "حد شاف بوئي"، "ايون"... إلخ، مفهومة ومستخدمة وعابرة للمكان والزمان.

الميمز في خدمة الافتراس

تقول سميرة ناجي، مدرسة علم اجتماع، إن لكل شيء إيجابياته وسلبياته، ففي البداية استخدم الميمز للتنفيس عن المشاعرالمكبوتة مثله مثل النكت وفن الكاريكاتير، وقد تعرّض بعض صناع الميمز للهجوم وأحياناً للسجن بسبب استخدام الميمز للسخرية من الرموز  السياسية أو الدينية، لأنهم أثّروا بشكل لا واع على صورة الرموز المفترضة، بالسخرية التي حطمت هيبتهم بفعل تكاثر استخدامها، والتطوير فيها، واعتبارها أمراً مسلماً به، واعتبر ميمز العقيد حسين الشريف الذي كان يقف خلف عمر سليمان وهو يلقي على الشعب المصري خطاب تنحي الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، واحداً من الميمز السياسي الذي انتشر كالنار في الهشيم، وتطوّر في وقت قصير وأصبح يُلصق خلف أي رمز سياسي، رجلاً كان أو فكرة لم تكتمل... إلخ، ولو برّرت الناس أن الميمز وسيلة ترفيه، وحق مشروع وديمقراطي، تظل فكرة القدرة على التحطيم بسلاسة ودون عائق فكرة مربكة.

وأضافت سميرة أن الميمز أحياناً يكون مصدره كارثياً، وسرعة انتشاره وإدمان الناس لاستخدامه جعلت فكرة ما وراء الميمز أمراً غير مهم. مثلاً ميمز صورة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهو يطل من عربة القطار ويلوح بيده للمواطنين، والتي استخدمت للتعبير عن الفشل، كان مصدرها الحقيقي صفحة إسرائيلية تروّج للصهيونية، وقامت باستخدام اللهجة المصرية للسخرية من هزيمة 67، لتصوّر نفسها بالعدو الذي لا يقهر، وهذه المعلومة ربما تكون جديدة حتى على مستخدمي ومطوّري هذا الميمز، لأن الأهم اليوم هو احتراف السخرية وليس المعرفة.

ميمز صورة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهو يطل من عربة القطار ويلوح بيده للمواطنين، والتي استخدمت للتعبير عن الفشل، كان مصدرها الحقيقي صفحة إسرائيلية

وفي سياق الحديث عن الوجه المظلم للميمز، تقول الصحفية نادية عز الدين، إن هناك استخداماً غير أخلاقي لصور بعض صنّاع المحتوى أصحاب الإعاقات، مثل كوكسال بابا، والسعودي قصير القامة الراحل عزيز الأحمد، وصورة الطفلة صاحبة البشرة السوداء والشعر الأفريقي المبعثر وهي شاردة، وغيرهم، وإن كان المبرّر أمام استخدامهم في قوالبنا الساخرة أنهم من يشاركون حياتهم على السوشال ميديا، أي أنهم متقبّلون لأنفسهم ولإعاقاتهم، لكن هذا لا يمنع أن استخدامهم يعتبر فعلاً غير أخلاقي، وفي ظل سرعة انتشار الميمز وتحوله لتريند في لحظة، يجب أن يضع الجميع أنفسهم محلهم، ففي يوم ومن دون حدث مستوجب قد يتحول أي منا لميمز بسبب صورة له وجد البعض فيها ما يضحك، أو مقطع فيديو عادي وجد المتابعون فيه كلمة يمكن أن يستخدموها في قالب كوميدي، وهذا أمر مفزع وغير آمن تماماً.

فقر الميمز في الدراما والسينما مؤخراً

"لا أتذكر عملاً سينمائياً أو درامياً جديداً، خاصة في آخر عشر سنوات، خرجت منه وفي ذهني إيفهات لا تنسى، ويمكن أن يبنى عليها ميمز حية حتى اليوم"، هكذا بدأت حديثها مريم شاكر، شاعرة وناقدة فنية، ثم شرحت وجهة نظرها المتعلّقة بفقر الكوميديا الواضح في الأعمال المرئية مؤخراً. قالت إن على ساحة الدراما هناك عدد كبير جداً من الأعمال سنوياً في رمضان، ومع هذا، وإن استخدمنا رمضان الماضي كمثال، سنجد أننا خرجنا بإيفيهات رحمة حسن (مربوحة) في مسلسل "الكبير اوي"، مثل "ايوا ايوا ايوا"، "المرأة الكهربائية المضيئة"، "الطجومة يا كبير"، وإيفيهات أكرم حسني (جلجل) في مسلسل "مكتوب عليا"، "يالهوي يمه دي أيام كبيسة"، "في حاجة غلط"، "أول عملية تسليم مخدرات محترمة في التاريخ". ثم تابعت مريم بأن هذه الإفيهات، والتي تحولت فور عرض المسلسلات إلى ميمز حية، هي محدودة الاستخدام، فهي ميمز الأجيال الناشئة، بعكس إفيهات أفلام ومسلسلات تسبقها بعشر أو خمسة عشر سنة، ما زالت الميمز الناتجة عنها قابلة للاستخدام حتى يومنا هذا، ومن جميع الفئات العمرية.

هناك استخدام غير أخلاقي لصور بعض صنّاع المحتوى أصحاب الإعاقات، مثل كوكسال بابا، والسعودي قصير القامة الراحل عزيز الأحمد، وصورة الطفلة صاحبة البشرة السوداء والشعر الأفريقي المبعثر وهي شاردة، وغيرهم

ثم أوضحت أن سبب الفقر الحاد الرئيسي هو الضعف العام الذي أصاب الدراما والسينما مؤخراً، وسطحية الشخصيات جعلت الإفيه سطحياً مثلها، لأنهما متعلقان ببعض، وختمت مشاركتها بأن شخصاً مثل عادل شكل، والمشهور بين الجمهور باسم الزعامة، هو شخصية غنية درامياً، وأبعادها حقيقية وواقعية، وسواء اتفقنا مع ما يشاركه مع الجمهور أم لا، فحقيقة شخصيته وواقعية أبعاده هي ما تجعل جمله وتعليقاته، وإن كانت سوقية وغير لائقة، مستخدمة، وصورته كميمز قادرة على التعبير عن نفسها ومن دون أن يلحق بها أي تعليق.

الميمز حالة عالمية، صنعتها أدوات التواصل الاجتماعي الجديدة، مزيج من النرجسية والسخرية من الذات، مع قدرة على تجميع الحالة المزاجية أو الذهنية، في صورة بسيطة، مباشرة، تذهب إلى هدفها بدون مقدمات، ربما نستطيع القول إن الله في اليوم السابع، بعد أن "استراح وتنفّس"، خلق الميمز أيضاً، لمساعدتنا على شرح مشاعرنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image