شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أمام الإحباط...

أمام الإحباط... "الميمز" الساخر سلاح الشباب المغربي ضد الحياة اليومية والساسة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 13 أبريل 202203:58 م

أمام ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات في المغرب، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين جراء تداعيات جائحة كورونا، لم يجد الشباب المغربي سوى السخرية للتعبير عن موقفهم حيال هذه القضايا، وأيضاً للتخفيف عن الضغط النفسي الذي يعيشونه.

تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب بمحتويات "الميمز" الساخرة، التي تأخذ شكل صورة أو فيديو، وتسعى إلى إيصال رسالة أو فكرة معيّنة، ولفت الجمهور وتوجيهه إليها.

الأحداث السياسية أو الرياضية أو الصحية أو الفنية وغيرها، كلها تشكل مواد دسمةً لصنّاع "الميمز"، إذ يلجؤون إلى طرحها بأسلوب مضحك، لكن يحمل في باطنه نقداً غير مباشر.



فمثلاً، هذا "الميم" أعلاه يسخر من خطاب رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، إذ إن حزبه وعد المغاربة بتوفير مليون منصب شغل، إذا فاز في الانتخابات وقاد الحكومة، غير أن أمينه العام أخنوش الذي يرأس هذه الأخيرة، علّق في تصريح رسمي على ارتفاع الأسعار والجفاف بعبارة "الغالب الله"، وتالياً يظهر الميمز تناقض الخطاب السياسي لأخنوش بين وعود الانتخابات وواقع الوصول إلى السلطة.  

هذا "الميم" استوحاه صانعه من غلاف كتاب "رحلتي من الشك إلى الإيمان"، الذي تحول إلى مادة دسمة للسخرية من تحول الأشخاص من شيء إلى نقيضه.

"الميمز" الساخرة... أسلوب جديد للتعبير

عادةً ما تكون هذه الصور الساخرة، أو ما يُعرف بـ"الميمز"، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ عن عالم الإنترنت، مستوحاةً من أفلام أو مسرحيات أو تصريحات لإحدى الشخصيات العامة.

"الميمز" من الكلمة الإنكليزية "MEMES"، وتعني الفكرة التي تنتقل من شخص إلى آخر، في إطار ثقافي واحد. وتأخذ في معظم الأحيان أشكالاً متشابهةً.

وترى فاطمة الزهراء بنحميدوش، الباحثة في علوم الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة، في حديث إلى رصيف22، أن السخرية أخذت منحى تصاعدياً مع ارتفاع نسب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فمنذ نحو عقدين من الزمن، أصبح استخدام الإنترنت في المغرب يتزايد يوماً بعد يوم، إلى أن وصل اليوم إلى نحو 27 مليون مستخدم حتى حدود شهر كانون الثاني/ يناير 2021، مشيرةً إلى أن نحو 18 مليوناً منهم يستخدمون التواصل الاجتماعي بوتيرة يومية، أي ما يقارب نصف سكان المغرب يقضون ساعات طوالاً أمام الشاشات الإلكترونية، ويستهلكون محتويات الشبكة بشكل مستمر، ويتلقون مضامين متنوعةً ومختلفةً، تتغذى أساساً على الأحداث السياسية أو الاجتماعية، وهي المحرك الأساس لمعظم الأعمال الساخرة.

الأحداث السياسية أو الرياضية أو الصحية أو الفنية وغيرها، كلها تشكل مواد دسمةً لصنّاع "الميمز"، إذ يلجؤون إلى طرحها بأسلوب مضحك، لكن يحمل في باطنه نقداً غير مباشر

علي (26 سنةً)، هو واحد من بين الشباب المغربي الذين يغوصون في مواقع التواصل الاجتماعي يومياً، صرح لرصيف22، بأن من بين الأمور التي تجعله يقضي الكثير من الوقت على هذه المواقع، خاصةً فيسبوك، تكمن في متابعة الصفحات التي تعتمد "الميمز" الساخرة في محتواها للتعليق على الأحداث.

من جهته، أكد أحد المشرفين على صفحة "Moroccan patriotic memes v2" على فيسبوك، في حديثه إلى رصيف22، أن "الميمز" أسلوب جديد ساخر يهدف إلى التعبير عن المواقف والآراء والتأثير في الجيل الصاعد، مبرزاً أن هذا الأسلوب برز مع ارتفاع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بعد ما سُمّي بـ"الربيع العربي".

 

كل شيء قابل للسخرية

أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك، فرصةً سانحةً للمستخدمين للتعبير عن آرائهم ومواقفهم وردودهم تجاه الأحداث والقضايا الراهنة بحُرّية كبيرة ومن دون قيود أو خطوط حمر عن طريق هواتفهم الذكية.

وفي هذا السياق، أفادت فاطمة الزهراء بنحميدوش، التي أنجزت دراسةً أكاديميةً حول ميم الإنترنت كأداة للسخرية السياسية، خلال حديثها إلى رصيف22، بأن هذه المواقع ساهمت في بروز نوع جديد من المحتوى، ويتعلق الأمر بتلك الصور والرسائل الساخرة التي تتم مشاركتها على نطاق واسع وبسرعة كبيرة، وهي تمثّل شكلاً جديداً من أشكال الخطاب الساخر للتعبير عن رأي، أو لانتقاد هفوات أو أحداث سياسية أو اجتماعية لا يمكن أن تمر مرور الكرام، مضيفةً أنها تُعدّ مكوّناً أساسياً لعمليات التواصل السياسي عبر الإنترنت.

وتشهد الساحة الفيسبوكية المغربية وجود مجموعة من الصفحات التي تهتم بعرض محتويات هي عبارة عن "الميمز الساخرة"، وسنذكر فقط بعضاً منها، إذ نجد صفحة "Moroccan rap memes"، التي تنشر "ميمز" خاصةً بفن موسيقى الراب من خلال السخرية من مغنّي "الراب" المغاربة ومواكبة أعمالهم الفنية، لكن المشرف على الصفحة أكد في تصريح مقتضب لرصيف22، أن الصفحة تسعى إلى النهوض بهذا الفن وتطويره والتعريف به لدى الجمهور المغربي، إذ يتابعها ما يقارب 800 ألف شخص.

وهناك صفحة "Moroccan fotball memes" التي تسخر من كرة القدم المغربية، ويتابعها نحو 163 ألف شخص. أما صفحات "طرولات سياسية-Troll politics"، التي يتابعها نحو مليون شخص، و"تقشاب سياسي Humour politique II"، التي لديها أكثر من 350 ألف متابع، فتجعل من الساسة والأحداث السياسية مادةً لسخريتهما.

تمثّل الميمز شكلاً جديداً من أشكال الخطاب الساخر للتعبير عن رأي، أو لانتقاد هفوات أو أحداث سياسية أو اجتماعية لا يمكن أن تمر مرور الكرام، مضيفةً أنها تُعدّ مكوّناً أساسياً لعمليات التواصل السياسي عبر الإنترنت

زائر هاتين الصفحتين اللتين أنشأهما شباب، سيلاحظ أنهما تتفاعلان مع الأحداث السياسية وتطرحان وجهات نظر حولها، بالإضافة إلى نقد رجال السياسة وقراراتهم.

وتنطلق الصفحتان أساساً من الأخبار المتعلقة بالسياسة والساسة في المغرب، وتحويلها إلى "ميمز" ساخر يحمل رسالةً ونقداً هادفاً ويحظى بانتشار وتفاعل واسعين.

صفحة "موروكان باتريوتيك ميمز" " لا تكتفي في محتواها بانتقاد الأوضاع السياسية المغربية فحسب، بل تنتقد أيضاً السياسة الخارجية للجزائر تجاه المغرب، وتسخر منها، وقد أشار المشرف على الصفحة لرصيف22، إلى أن ذلك يدخل في إطار إستراتيجية الرد على نظرائهم الجزائريين ممن يملكون صفحات جزائرية للميمز فحسب، وذلك عبر معطيات ورسائل في قالب كوميدي ساخر، لكنه هادف، على حد تعبيره.

    

ترفيه أم نقد واحتجاج؟

في الوقت الذي يظن فيه بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بأن "الميمز" الساخر وسيلة للترفيه والضحك والترويح عن النفس، ذهب الباحث السوسيولوجي، عمر بولوز، في حديثه إلى رصيف22، عدّ "الميمز السياسي الساخر"، تعبيراً جديداً للاحتجاج مميزاً لهذا الجيل، الذي يتفاعل بسرعة مع المستجدات في الشأن السياسي والثقافي والمجتمعي، لافتاً إلى أن الصورة أكثر رسوخاً في ذهن الأفراد والمجتمعات من النصوص والكتابات.

وهو الأمر الذي يؤكده أيضاً الشاب علي، بالقول: "يجذبني ‘الميمز’، إذ في ظل طغيان الثقافة البصرية وبعدنا عن القراءة، فإن الصورة توصل موقفاً نعجز أحياناً عن التعبير عنه بالكلمات، أو تكون هذه الأخيرة قاصرةً، وصورة واحدة منجزة بطريقة فنية ذكية يمكن أن تلامس مباشرةً آلامنا وحتى أحلامنا في ظل هذا الواقع المتغير".


ميمز عن مطالب إلغاء فصل يجرم العلاقات الجنسية في وقت أثارت أغلفة حلوى شوكولاتة تحمل عبارات حب جدلا في البلاد


وعن الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب إلى التعبير عن آرائهم إزاء الأوضاع السياسية، ونقدها بهذا الأسلوب الساخر، أضاف عمر بولوز، أن الرغبة في نزع الاعتراف بالحق في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية هي التي تحركهم، مشيراً إلى أن هذا الشكل من الاحتجاج ليس افتراضياً، بل منطلقه افتراض نظري، غير أن أفقه واقعي ميداني، وفي نظره يحتاج الأمر إلى انتباه سوسيولوجي عميق يعيد تشكيل الصورة الاحتجاجية على ضوء التعبيرات الجديدة.

من جانبها، الباحثة فاطمة الزهراء بنحميدوش، شدّدت على أن "الميمز" السياسي الساخر لا يهدف إلى الإضحاك فحسب، كما يعتقد بعض الناس، وإنما يحاول تأدية وظيفة "تحريضية مؤدلجة" وفق تعبيرها.

تأثيرها منعدم أم محدود؟

عن علاقته بـ"الميمز" السياسية الساخرة، كونه مستخدماً لمواقع التواصل الاجتماعي ومتابعاً لمحتويات "الميمز" ومستهلكاً لها، يرى علي أن هذا الأسلوب غير مؤثر في المغرب، قائلاً: "لم نرَ من قبل ردود فعل مجتمعية قائمةً على قضايا مثارة بفضل "الميمز".

وأضاف الشاب نفسه أن "الميمز"، من وجهة نظره، ما تزال تُستخدم للترفيه أكثر، وليس للتعبير عن السخط وإظهار مواقف من قضايا معيّنة كغلاء الأسعار مثلاً، مبرزاً أن الكاريكاتير هو المضطلع بهذه المهمة إلى الآن.

بيد أن الباحثة فاطمة الزهراء بنحميدوش، ترى أن "الميمز السياسي" هو محتوى يوجَّه من المواطن إلى المواطن الذي يتقاسم معه الهموم ذاتها، ويلجؤون عبرها إلى التعبير عن سخطهم على الأوضاع السياسية.

وأكدت الباحثة أنها تسمح بمشاركة آرائهم في مساحة عامة للتداول السياسي، لكنها في الأصل تستهدف مادة السخرية، سواء أكان فرداً أم جماعةً أم حزباً، لافتةً إلى أن هذه المحتويات أصبحت تفرض نفسها شئنا أم أبينا، خاصةً وأنها تحضر في أكثر المواقع استخداماً، وتالياً فقد تكون حلقة وصل بين المواطن والسياسي.

وبدوره، أشار المشرف على صفحة "موروكان باتريوتيك ميمز"  إلى أنه من خلال تجربتهم يرى أن "الميمز" لها تأثير كبير في مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تجذب اهتمامهم وتحصد تفاعلهم، بل ينتقلون من متلقّين لـ"الميمز" إلى صنّاع لها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image