بقدر ما كانت قصة مغادرته مصر إلى لبنان ثم عودته منها بعد عدة أشهر درامية، صنع أحمد الطنطاوي، البرلماني السابق ورئيس حزب الكرامة المستقيل، طوال الأيام الماضية، حالة من الجدل والسجال السياسي في مصر، تستحق الالتفات إليها والتدقيق فيها.
قبل سفره للبنان بفترة قصيرة، تقدم الطنطاوي باستقالته من رئاسة حزب الكرامة المعارض، بعد خلاف حول المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية، وقتها اعتبر الطنطاوي أن الإعداد للحوار يوحي بأنه سيتحوّل من نقاش جاد بين السلطة ومعارضيها إلى "مهرجان للتصفيق والتأييد".
على حد وصفه في حواره الأخير الذي أجراه قبل عودته إلى مصر بعدة أيام، تعرّض الطنطاوي لتضييق كبير في عمله الصحفي، ثم تم إسقاطه في انتخابات البرلمان التي جرت في 2020، قبلها تم القبض على عدد من أنصاره والمقرّبين منه في دائرته الانتخابية، بعد تحالف سياسي شكله لخوض الانتخابات البرلمانية سماه -مع سياسيين آخرين- بـ"تحالف الأمل"، هذا التضييق في العمل والحركة دفعه لمغادرة مصر والسفر إلى لبنان للدراسة، و"لإعداد نفسه" للمرحلة المقبلة على حد تعبيره.
في أعقاب إعلانه نيّته العودة إلى مصر والترشّح لانتخابات رئاسة الجمهورية "إذا لم يتم منعه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة"، ألقت أجهزة الأمن القبض على عمّ الطنطاوي وخاله و16 شاباً من أبناء دائرته الانتخابية وأصدقائه المقربين، قبل أن تخلي نيابة أمن الدولة سبيل اثنين- من بينهم خاله المريض- فيما لا يزال الآخرون في الحبس الاحتياطي.
قرار القبض على أقارب الطنطاوي وأصدقائه قبل عودته لمصر صنع حالة من التعاطف الكبير مع النائب السابق، ظهرت بشكل جلي على شبكات التواصل الاجتماعي التي شهدت جدلاً واسعاً وغاضباً على مدار عدة أيام.
تعرّض أحمد الطنطاوي لتضييق كبير في عمله الصحفي، ثم تم إسقاطه في انتخابات البرلمان التي جرت في 2020، قبلها تم القبض على عدد من أنصاره والمقرّبين منه في دائرته الانتخابية
في قصة الطنطاوي الذي ينتسب للجيل الذي شارك وتفاعل مع ثورة 25 يناير الخالدة، والذي يرفع شعار "الأمل" في مواجهة الخوف والإحباط، ويسعى ليشارك في "صنع البديل المدني الديمقراطي"، هناك أسئلة مهمة تستحق الإجابة عنها، أهم هذه الأسئلة: هل ينجح الطنطاوي، ومعه مؤيدوه، في فرض قواعد جادة وعادلة للانتخابات الرئاسية المقبلة؟ فظنّي أن معركته الأولى والأهم الآن ليست الانتخابات التي ما زالت تفصلنا عنها سنة كاملة، بل هي قصة الضمانات التي تكفل انتخابات تنافسية وشفافة.
خلال السنوات العشر الماضية، شهدت مصر انتخابات رئاسية في العامين 2014 و2018، والمؤكد أن تلك الانتخابات افتقدت لكل صور التنافس، وفقدت كل الشروط التي تشير لكونها انتخابات جادة، بل كانت أقرب للاستفتاء منها إلى الانتخابات، وهو الأمر الذي يؤكد أن المعركة السياسية الحقيقية تظل هي النضال من أجل ضمانات الانتخابات ونزاهة إجراءاتها، لكن المؤكد أيضاً أن الانتخابات المقبلة في 2024، تأتي في ظل أزمات كبيرة تعاني منها السلطة في مصر، على المستويين الداخلي والخارجي، فداخلياً هناك حالة عامة من عدم الرضا، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة الذي وصل لدرجات غير مسبوقة، فضلاً عن تراجع مستوى معيشة الطبقات المتوسطة بدرجة كبيرة، وعلى المستوى الخارجي، فقدت السلطة الحالية كثيراً من الدعم الإقليمي الذي كانت تقدمه الدول الخليجية، وهو ما فاقم من صعوبة الحالة الاقتصادية التي رفعت منسوب الغضب الشعبي.
هذه الأزمات تبدو هي المتغير الجديد والمؤثر الذي يسبق الانتخابات الرئاسية في 2024، والذي يمكن أن يسمح للطنطاوي، ومعه القوى المدنية المعارضة، للضغط من أجل انتزاع مساحات أكبر وشروط أفضل فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي.
على خلفية الجدل الذي أثارته عودة الطنطاوي لمصر، يبدو الحوار الوطني الذي بدأت جلساته الرسمية الأولى بداية هذا الأسبوع مطالباً بموقف واضح من مسألة ضمانات الانتخابات الرئاسية، وهو أمر قد يستفيد منه النائب السابق وهو يطرح رؤيته حول نزاهة الانتخابات، ويضغط في نفس الوقت على القوى المدنية المعارضة لتبنّي موقف واضح خلال الحوار يضمن شفافية وجدية الاستحقاق الانتخابي.
وعد الطنطاوي بخوض الانتخابات الرئاسية في حالة "جديّتها"، وأكد أنه لا يمكن أن يشارك في "هزل"، على حد تعبيره؛ أمامه الآن - ومعه القوى المدنية المعارضة- معركة سياسية لضمان خمسة شروط على الأقل، هي الحد الأدنى الذي يكفل جدية الانتخابات
الطنطاوي الذي وعد بخوض الانتخابات الرئاسية في حالة "جديّتها"، وأكد أنه لا يمكن أن يشارك في "هزل" على حد تعبيره؛ أمامه الآن - ومعه القوى المدنية المعارضة- معركة سياسية لضمان خمسة شروط على الأقل، هي الحد الأدنى الذي يكفل جدية الانتخابات، أولها حياد أجهزة ومؤسسات الدولة وعدم التدخّل في إجراءاتها بأي صورة، وثانيها وضع سقف للإنفاق على الانتخابات بشفافية بين جميع المرشحين، وثالثها إشراف من منظمات دولية ومحلية على الإجراءات الانتخابية، بداية من الإعداد للانتخابات وحتى إعلان النتيجة، ورابعها ضمان مساحات متساوية لجميع المرشحين في وسائل الإعلام، وخامسها حرية الحركة للمرشحين وأنصارهم بعيداً عن الملاحقات والتهديد، هده الشروط على أهميتها ليست سهلة، وربما تحتاج إلى الكثير من الضغط والعمل لإنجازها، لكن الأكيد أن نجاحه في الحصول عليها - أو على جزء كبير منها- سيساهم في صنع حالة من "الحراك" السياسي الذي افتقدته الحياة السياسية المصرية منذ عدة سنوات، بعد أن أغلقت السلطة الحالية المجال العام بشكل كبير وغير مسبوق.
المؤكد حتى الآن أن أحمد الطنطاوي أضحى رقماً صعباً وحقيقياً في معادلة السياسة في مصر، وأن جمهوراً واسعاً بات ينظر إليه بثقة وتقدير كبيرين، لكن الجمهور المصري بشكل عام ما زال ينتظر ويراقب المشهد العام، وإمكانية أن تتحول الانتخابات من روح الاستفتاء التي سرت طوال السنوات العشر الماضية إلى روح أكثر جدية، وعندها يمكن أن يطمئن لأن هناك عملية انتخابية حقيقية تستحق المشاركة والجهد لدعم من يثقون أنه الأنسب لقيادة مصر خلال المرحلة المقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...