شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
تحرّش وسرقة واغتصاب... رضا

تحرّش وسرقة واغتصاب... رضا "البيه البوّاب" أهم من رضا الحكومة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

نشأتُ في أسرة متوسطة بحي شعبي بشرق القاهرة. في بيتنا وضع أبي دستوراً، عنوانه الأول "الولد أهم من البنت". لم أشعر بمعاناة حقيقية تجاه هذا الدستور ولا امتلكت فهماً عميقاً لفحواه في سنوات طفولتي. لم أستوعب وقتها حرص شقيقاتي الأكبر سنّاً على خدمة أخي الوحيد، واعتدت مع الوقت تفهّم محبة أمي لأخي الأكبر، وإصرارها على جعله ملكاً متوجاً في بيتنا، بل ومنحة سلطة إصدار الأوامر والنواهي في عدم وجود أبي.

جرت مياه في نهر عمري، ولامست سنوات الشباب. كانت مراهقتي أشبه بسياج من الحدود والنواهي والأوامر التي تهدف أولاً وأخيراً للحفاظ على سمعتي كفتاة، هدفها الأسمى ودورها الأهم في الحياة أن تنتقل من منزل أسرتها إلى منزل الزوجية لتبدأ رحلة تكوين أسرة جديدة.

أن تعيش في كنف سلطة أبوية وأخوية، تحدّد لك نطاقات أحلامك وطموحاتك هو الطبيعي والعادي بين بنات جيلي، ولكن أن تخرق هذا الجدار باختيار الاستقلال واستكمال التعليم والعمل في مجال الإعلام، هو الحدث الجلل الذي قلب موازين بيتنا.

عشت سنوات من الكرّ والفرّ بيني وبين والدي الذي لم تعجبه قواعد العمل في مجالي، لم تتفهم الأسرة فكرة الارتباط بالتصوير حتى ساعات متأخرة من الليل، المسموح للفتاة في إطار العمل، وفقاً لمنظورهم، أن تعود للمنزل في مواعيد العمل الرسمية كموظفي الحكومة، أما بالنسبة للخروجات ومقابلة الأصدقاء أو السفر أو دخول السينما، فهي أمور مؤجلة لا تجوز إلا بعد الزواج .

في عام 2015 قررت الاستقلال عن أسرتي، كنت قد قطعت شوطاً كبيراً في رحلتي المهنية، توليت وظيفة جيدة تضمن مصدر دخل شهري مناسب، شاركت صديقة في مسكن، لا أنكر أنني فزت ببعض من حريتي ومساحتي الشخصية. لم أعد مطالبة بتفسير وتبرير محادثاتي الهاتفية مع زملائي الذكور في العمل، ولم أعد خائفة من قبول مواعدة شخص أعجب به في مكان عام. أصبح يومي ملكاً لي، إلى أن اصطدمت بفرمان حارس العقار الذي وقف ليستجوبني في ليلة ما عن سبب عودتي للمنزل متأخرة في الأيام الماضية.

وجدت نفسي أنتقل من سلطة الأب التي حدّدت إقامتي الجبرية في المنزل رفضاً لعملي، إلى سلطة حارس العقار الذي قرّر من تلقاء نفسه وضع دستور لشكل حياتي وعملي وعلاقاتي

سؤاله سبب لي صدمة ذكرتني بمخاوفي من تضييقات عائلتي: لماذا منح لنفسه الحق في سؤالي، بل وفرض مواعيد للعودة للمنزل؟ صحيح أنني أملك نسخة من مفتاح بوابة البيت الرئيسية، ولكن لماذا وكيف يمنح حارس العقار نفسه الحق في الايحاء لي بأن مواعيد عملي كفتاة لا تنساب سمعة سكان البناء؟! كنت قد قطعت عهداً على نفسي ألا أستقبل أي أصدقاء رجال في بيتي، ولكنه قرّر من نفسه أن يصدر لي أمراً بعدم استقبال أي رجل في البيت احتراماً لقيم العمارة وسكانها، ووصل الأمر لتحذيري بالطرد في حالة فعل ذلك!

وجدت نفسي أنتقل من سلطة الأب التي حدّدت إقامتي الجبرية في المنزل رفضاً لعملي، إلى سلطة حارس العقار الذي قرّر من تلقاء نفسه وضع دستور لشكل حياتي وعملي وعلاقاتي، لم تكن تلك حالتي الخاصة، بل حالة عامة تعاني منها الكثيرات ممن روين لي تجاربهن المريرة مع سلطة حارس العقار.

بطاقة الزوج... شرط عقد الإيجار

وجدت قصتي تشبه كثيرا حالة فاطمة محمد، أخصائية تحاليل في معهد الأورام، مطلقة في مقتبل الأربعينيات وأم لولد عمره 10 سنوات.

 قالت لي ذات مرة: "عارفة أنا بحب أما بدور على بيت يا أخد طليقي معايا واطلع البطاقة وأقول إن أنا متجوزة لسه وجوزي أهو موجود، يا أما أوريهم البطاقة بس وجوزي مسافر وأنا دكتورة فلانة الفلانية".

وتابعت: "كل ده عشان أنا محبش إن يكون فيه جاسوس علي، بينقل أخباري لكل اللي حواليه، ومبقاش لبانة في بوقه في الرايحة والجاية".

وجود الزوج أصبح حماية لأي امرأة من سلطة حارس العقار وألسنة الجيران، ففي ظلّ مجتمع ينادي بالمساواة وحقوق المرأة ليل نهار، لا تجد المرأة المصرية حقها في العيش بمفردها وفقاً لما ينص عليه القانون، ولكن يبدو أن الاعراف تمثل حاجزاً اجتماعياً أكثر سمكاً وشدّة من قوة القانون .

تقول فاطمة: "الحل دايماً إللي قدامي وإللي بفضّله عشان ميتقاليش هو فين جوزك يا دكتورة ؟ مبنشوفوش ليه؟ هو انتوا متخانقين؟ اني ادور على بيت بدون بواب وإذا كان على لوازم البيت ف الدليفلري مخلاش ، علشان كده علاقتي بالبواب عنوانها الدائم ابعد عن الشر وغنيله ".

لا يشترط القانون المصري أية صفة لمستأجري العقارات سواء كانوا متزوجين أو عزاب ، سواء كانوا رجالاً أو نساء، فالقانون ينصّ على كون استئجار المسكن حق أصيل لأي مواطن مصري دون تحديد جنس أو نوع طالما تجاوز السن القانوني وهو 21 عاماً.

كما لا ينصّ القانون على أية شروط خاصة باستقبال الضيوف وطريقة تصرف المستأجر في مسكنه، ويترك ذلك متاحاً للمتعاقدين كي ينصوا عليه في عقود الاستئجار أو البيع، والحقيقة أن لا أحد يضع مثل هذه الشروط في عقود تأجير المسكن، ولكنه يتركها كسلطة عرفية للجيران وصاحب العقار، وبالطبع حارسه.

جريمة تدين ضحيتها

اذا كانت فاطمة تعاني من فضول حارس العقار والجيران ، وتجد حلولاً لها بطريقة ربما غير قانونية، إلا أن قصتها تختلف تماماً عن لبنى مدحت التي تعرّضت لجريمة اغتصاب وسرقة من حارس العقار، ورغم القبض عليه وقضائه عقوبة الحبس حتى الآن في السجن، إلا أنها دفعت ثمن كونها ضحية بمغادرة العقار والمنطقة للأبد.

لبنى تعمل في مجال السياحة، فتاة في أواخر الثلاثينيات، مستقلة عن أهلها منذ فترة طويلة ولكن مشكلتها أنها جميلة وتضطر للرجوع في أوقات متأخرة أو في الصباح والسفر دوماً، ونظرة البواب لها دائماً نظرة دونية حتى أنه حذف الألقاب بعد فترة من مخاطباتهما.

تقول لبنى: "حسيت انه بيبصّلي بصات غريبة، ابتسامات وكلمات مش فاهمة معناها كل ما يشوفني نازلة أو طالعة، حاولت أعدي الموقف وأتعامل برسمية وجدية وأحسّسه أنه هو بواب وأنا ساكنة في العمارة لكن مبطلش اللي بيعمله".

وتابعت: "في مرة كنت قاعدة شغالة على اللابتوب، كان الوقت فجر تقريباً، حسيت بصوت رجلين في البلكونة اللي بتطل على السلم الخلفي للعمارة، وفجأة لقيت البواب في وشي، ضربني على راسي، وقعت على الأرض، حسيت إن جسمي كله اتشلّ مش قادرة اتحرك. كتّفني، وقعد يلم الحاجات اللي ينفع يسرقها: الفلوس، اللابتوب، الموبايل، كاميرا تصوير، ساعتي وإسورة دهب".

صمتت لبنى لثوان واختنق صوتها وهي تستجمع المشاهد وتحاول جاهدة استكمال قصتها: "لقيته بعدها بيقرب مني وبيحاول يقلعني هدومي، عيطت وقعدت أتوسل إليه إنه ياخد الحاجات ويمشي ويسيبني، لكنه مبطلش، الموضوع مخدش دقايق، كنت حاسة كأن تعابين بتلمس جسمي، لحد دلوقتي فاكرة ريحته القذرة وكلامه وانفعالاته، هو مقدرش يغتصبني بشكل كامل لأنه وصل للنشوة قبل ما يمارس العملية الجنسية، لكن لقيته مسك موبايله ووقف يصورني وأنا متجردة من هدومي المتقطعة، وقال حرفياً: عشان تعرفي تدوري على حل شعرك كويس، إنتي مدوراها، جت عليا أنا؟ ما لازم ينوبني من الحب جانب".

مسك البوّاب موبايله ووقف يصورني وأنا متجرّدة من هدومي المتقطعة، وقال حرفياً: عشان تعرفي تدوري على حلّ شعرك كويس، إنتي مدوّراها، جت عليا أنا؟ ما لازم ينوبني من الحب جانب"

الغريب أن البواب لم يغادر المنزل وتعامل بأن الأمر طبيعي، بل نزل ليكمل ليلته في غرفته بالطابق الأرضي مع زوجته وأطفاله، على الفور أبلغت لبنى الشرطة التي أتت وألقت القبض عليه، في البداية نفى ماحدث واتهمها في شرفها وقال إنها تستقبل رجالاً مختلفين في منزلها، وأن سمعتها سيئة، وادعى أن شخصاً صعد للشقة مساء اليوم وأخبره أنه جاء لزيارتها، وعندما قرّرت الشرطة تفريغ كاميرات المنزل، اكتشفت أنها تم تعطيلها في هذا اليوم، وهو ما أثار الشكوك أكثر حوله، لكن الدليل الأهم الذي حل القضية كان الفيديو المصور لها على هاتفه.

تم الحكم على حارس العقار بالسجن المشدّد  10 سنوات مع الشغل والنفاذ، ولكن لبنى دفعت ثمن جريمته باضطرارها لمغادرة العقار والمنطقة بسبب تعليقات الجيران ونظراتهم التي حملتها مسؤولية ماحدث ونالت من شرفها، بل إن البعض اتهمها بأنها كانت على علاقة سرية بحارس العقار، وأن ماحدث كان نتاج خلاف بينهما.

تواصل لبنى رحلة علاجها النفسي منذ ثلاث سنوات تقريبا بعد هذه الحادثة ، وقرّرت منذ ذلك الوقت أن تعيش في سكن مشترك مع صديقة لها، خوفاً من الوحدة ومن تكرار تلك الجريمة التي تطاردها في أحلامها حتى الآن، ورغم ذلك فهي تبحث عن سبيل للهجرة الدائمة أو على أقل تقدير السفر للعمل في الخارج كمحاولة لتجاوز هذا الحادث.

ابتزاز بضمان عقد الزواج

سميرة فؤاد قصتها مختلفة، فتاة في مطلع الثلاثينيات تعمل في مجال الإعلام ومستقلة عن أهلها تماماً بعد مشاجرات ومشاحنات وصلت إلى النيابة للحصول على استقلالها.

حارس العقار الذي تعيش فيه يعمل أكثر من عمل،  ويرتدي بدلة في كل أوقاته، ومع بداية انتقالها للعقار أخبرها أنه لا يشتري شيئاً لأحد ولا يقوم بخدمة أحد، وأنه مجرد حارس للعقار لأنه ولد هنا ليس أكثر.

تحكي سميرة : "أداني درس في الأخلاق والقواعد وملخص لتاريخ عيلته، قالي أنا مثلي مثلك ساكن هنا، لكن أحافظ على نظافة العمارة والأسانسير وأحُصّل فقط الفواتير وأرى من القادم إليك، وأمنعهم من الصعود لأنك فتاة لوحدك، ونحن نريد أن نحافظ على سمعة العمارة وسط العمارات الأخرى.

في مرة عرض عليّ الزواج مقابل أنه يحميني في العمارة ومقابل أيضاً عدم دفع أي فواتير، لأني أتأخر عليه في دفع الإيجار، قالي ميهمكيش من الإيجار والفواتير أنا عارف إن ظروفك صعبة ، بس خلينا نتجوز في السر ومراتي وعيالي اللي عايشين هنا مش هيعرفوا أنا بطلعلك إمتى ولا بقعد إمتى، وكده كده أنا بايت في العمارة، يعني جوزك وحاميكي ومش بايت في حته بعيد".

تتابع سميرة: "طبعاً رفضت رفض تام، ومن ساعتها ومعاملته بقت أسوأ، هدّدني بالطرد من الشقة لأني اتأخرت بدفع الإيجار شهر واحد، وراح بلغ صاحبة العمارة إني بستقبل شباب في بيتي وده مش صحيح، لولا إن صاحبة العمارة كانت ست متفهمة وعارفة أخلاقي لأنها بتربطها صداقة ببعض أصدقائي كانت مشّتني".

عرض عليّ البوّاب الزواج مقابل أنه يحميني في العمارة ومقابل أيضاً عدم دفع أي فواتير، لأني أتأخر عليه في دفع الإيجار، قالي ميهمكيش من الإيجار والفواتير أنا عارف إن ظروفك صعبة ، بس خلينا نتجوّز في السر

بعد فترة غادرت سميرة العقار وقرّرت الانتقال للعيش في شقة بأحد المدن الجديدة المتاخمة للقاهرة، صحيح أن الأمر أصبح مرهقاً جداً لها بالنسبة لظروف وموقع عملها، ولكنها في النهاية وجدت مسكناً أقل في التكلفة وأكثر خصوصية لها بعيداً عن ابتزاز "السيّد البوّاب".

تجربة سميرة فؤاد قد تكون غريبة، حيث تطور الأمر لطمع حارس العقار فيها بل واستغلالها جسدياً بطريقة قانونية مقابل دفع التزاماتها المالية، منح نفسه سلطة زوجية بجانب سلطته العرفية التي فرضها الوضع العام، وهنا قد تجد الفتاة نفسها أمام عبء مادي أكبر وهو توفير ما يُسكت حارس العقار من رشاوى وإكراميات.

رشاوى لمنع التعدّيات

هذا ما فعلته أميرة مجدي التي اختارت أسهل الحلول كي تضمن راحة بالها. هي تعمل في مجال العقارات ودخلها جيد وحالتها المادية ميسورة، فقرّرت أن تضع البواب في جعبتها، اختصاراً لكل المشاكل، ففي كل مناسبة أو بدون مناسبة تدفع له مبلغاً مالياً على سبيل المساعدة أو الرشوة، حتى لا يتحدث عنها وحتى يرحب بكل ضيوفها ولا يشاكس أو يضايق أياً منهم في أي وقت.

 قالت: "أنا اختصرت الدنيا مع البواب، عرفت ديته وعرفت إيه إللي يخليه يجيلي راكع، بدل ما أعزل وبدل ما أشيل وأنقل وأروح وأجي ، بدّيله إللي فيه النصيب كل فترة، وبعتبره صدقة ما هو برضو عنده ولاد وزوجة، وكمان هو لتّات بس بطل يلتّ عليّ، الفلوس بتكسر عين التخين، وبقى في الرايحة والجاية بيقولي يا دكتورة كمان مش بس يا أستاذة".

وتابعت: "أنا اشتريت راحة بالي بالفلوس بصراحة، وكل فترة بطلعله هدوم كمان ليه ولولاده، ومرة أخدت مراته عملتلها حواجبها ومكيجتها، كل ده عشان أكسر سمّه، أصل كمان إللي مش من القاهرة بيبقى مخّهم ضيق ومش فاهمين إحنا مستقلات ليه، ف مش ناقصة بصراحة أسيب أبويا وأخويا عشان ألاقي البواب اللي مالوش صفة في وشي، وكمان يتحكم في تصرفاتي ولبسي، مش معقول يعني".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image