قبل أربع سنوات، اجتمع فريق شركة "ديجيتلز" الأردنيّة، لمناقشة قصة فيلم الرسوم المتحركة "سليم"، إلا أنهم لم يتوقعوا أن فيلمهم هذا سيتم اختياره هذا العام للمشاركة في مهرجان "آنسي" الدولي لأفلام الرسوم المتحركة الذي سيُعقد في فرنسا حزيران/ يونيو 2023.
يُعدّ الفيلم ثلاثي الأبعاد أول عمل فني طويل من نوعه يشارك فيه الأردن في أكبر حدث مخصص لأفلام الرسوم المتحركة في العالم، وهو ما يبدو كخيطٍ يقود شركات الإنتاج الكبرى للبحث عن المخرجين الأردنيين. يأتي ذلك في الوقت الذي لم تعد فيه أفلام الرسوم المتحركة حكراً على الأطفال وحسب، بل بات العديد من الكبار مهتمين وشغوفين بمتابعتها.
"سليم" والمهرجان
يطرح الفيلم موضوع الصحة النفسيّة والصدمات التي يتعرّض لها الأطفال من خلال تجسيدها في قصة الطفل سليم، الذي هرب من قريته بسبب الحرب وفقدانه والده، وكيف تمكن من التعامل مع حياته الجديدة والعيش فيها.
يطرح موضوع الصحة النفسيّة والصدمات التي يتعرّض لها الأطفال من خلال قصة طفل هرب من قريته بسبب الحرب وفقدانه والده. عن فيلم الرسوم المتحركة الأردني "سليم"ومشاركته في مهرجان "آنسي" الدولي لأفلام الرسوم المتحركة بفرنسا
تقول مخرجة الفيلم سينثيا مدانات شرايحة، لرصيف22، "إنَّ قصة الفيلم كانت حقيقيّةً للعديد من الأشخاص خلال الفترة الماضية"، وقد تعامل فريق العمل مع أطباء نفسيين لمساعدتهم خلال كتابة القصة واختيار الكلمات المناسبة، بالإضافة إلى اختيار ألوان لا تستثير الأطفال الذين مرّوا بصدمات، أو تؤثر عليهم.
وتضيف المخرجة الأردنيّة أن الفريق تعمّد عدم استخدام الدم أو العنف في الفيلم الذي ركّز على مغامرةٍ يتعلم خلالها البطل سليم كيف يتعامل مع مشاعره السلبيّة، مشيرةً إلى أن هذه القصة تُعطي أملاً للأطفال وتساعد المجتمع على التعامل معهم.
ويستذكر المنتج المنفذ للفيلم شادي شرايحة، خلال حديثه إلى رصيف22، اللحظات الصعبة التي مرّ بها فريق العمل، خاصةً أنَّ الفيلم مثّل أجزاءً منها، مستدركاً: "كنا ندعم بعضنا ونحاول العمل معاً بجدّ. الفريق الصح هو الأهم في أيّ عمل".
وعلى الرغم من الصعوبات الماديّة التي تقف عائقاً في وجه الشركة في كل مرة، غير أنهم يحاولون الحصول على الإيرادات الكافيّة لإنتاج المزيد من الأفلام. تقول سينثيا: "إذا كان هناك شخصٌ لديه قصة يرغب في روايتها، فيمكنه إقناع الناس بها والحصول على تمويل لها. هذا صعب لكنه ليس مستحيلاً".
وكُتبت قصة الفيلم من خلال طريقة كتابة النصوص التشاركيّة التي تجمع أكثر من كاتبٍ على طاولةٍ مستديرة، يُشاركون خلالها آراءهم والطريقة الأفضل لرواية القصة.
يُعدّ مهرجان "آنسي"، الذي اختير فيه الفيلم، واحداً من أهم مهرجانات سينما الرسوم المتحركة، وهو ما يدفع العاملين في هذا المجال للسعي من أجل المشاركة فيه.
"سليم" والكبار
لم تقتصر قصة الفيلم على الأطفال، بل حاولت توجيه الكبار نحو التعامل مع الصدمات التي يتعرّض لها الأطفال، وهو ما يطرح تساؤلاتٍ حول الاهتمام بسينما الرسوم المتحركة في الأردن، في ظل جذبها للكبار والصغار.
عالمياً، وجدت أفلام عديدة طريقها إلى الكبار، ربما للأفكار الناضجة التي تُقدّمها للبالغين مثل؛ اختلاط السلطة الدينية والسياسية، والنبذ والإقصاء، والتعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى النقلة التي شهدتها الأفلام في تسعينيّات القرن الماضي، مع فيلم "الملك الأسد"، الذي حرّك مشاعر الجميع بموت الملك "موفاسا"، والمشاعر السلبية التي عاشها الشبل الصغير "سيمبا"، ابتداءً بتحميل نفسه ذنب موت والده، وليس انتهاءً برغبته في الانتقام.
وتغيّرت طريقة عرض أفلام الأميرات اللواتي اعتدنا مشاهدتهنَّ وهن ينتظرن الفارس الجميل ليأتي لإنقاذهنَّ، أو ليتجاوز قصر الأشواك ويمنحهنَّ قُبلةً توقظهنَّ من سباتهنَّ، أو الضفدع الذي يتحوّل إلى أمير، وبتنا نشاهد أميرات تمرّدن وتجاوزن أسوار القصر مثل فيلم "شجاعة"، الذي يتحدث عن الأميرة الرّافضة مصيرها المقرر مسبقاً، فتغيّر حياتها وحياة عائلتها بتمرّدها.
تلك الأفكار الجديدة بدت مناسبةً للكبار الذين رأوا فيها قصصاً خياليةً لا تخلو من الحقيقة، فيما رآها آخرون نوعاً من الحنين إلى ذكريات الماضي التي عاشها الناس وأصبحت جزءاً أصيلاً من ذكرياتهم.
"سليم" وأهميّة المشاركة
وتعكس مشاركة الفيلم في المهرجان العالمي تطور المشهد السينمائي الأردني الذي خطا خطوات صغيرةً وثابتةً لترسيخ حضوره وعرض مواهبه وسرد قصصه.
وعلى الرغم من المنافسة الشرسة، يُنظر إلى صناعة السينما الأردنية حالياً، على أنها سوق واعد في المنطقة. وتساهم الهيئة الملكية للأفلام في تقديم دعم مكثّف للمواهب المحلية عن طريق تسهيل الخدمات اللوجستية والاستشارات وفرص التواصل، وفتح الأبواب للأردنيين لتوسيع آفاقهم السينمائية.
الناقد السينمائي ناجح حسن: التقدم التكنولوجيّ ووجود الكاميرا الرقميّة، سهّلا إنتاج الأفلام بالنسبة للشباب، ونافست العديد من الأفلام عالمياً مثل "الجمعة الأخيرة"، و"بنات عبد الرحمن"، و"مدن ترانزيت"، و"ذيب" وغيرها، ما ساهم في تعزيز صورة الأردن في الخارج
وقال المدير التنفيذي للهيئة مهند البكري، خلال تصريحاتٍ صحافية، إن "الرسوم المتحركة لديها القدرة على التثقيف كما الترفيه، ويتفاعل معها المشاهد، وتالياً تجذب جمهوراً كبيراً".
وصُرف في الأردن في قطاع الأفلام الذي يُعدّ متصلاً مباشرةً بـ36 قطاعاً اقتصادياً و138 مهنةً، أكثر من نصف مليار دولار منذ عام 2007، وتم تصوير 124 فيلماً محلياً وعربيّاً وعالميّاً في البلاد منذ بداية الألفية، حسب البكري.
"سليم" وصعوبات الرسوم المتحركة
يوضح مخرج ومنتج الرسوم المتحركة أحمد جابر، لرصيف22، أنَّ الدعم المادي لأفلام الرسوم المتحركة أعلى من الدعم الذي يحتاجه تصوير الأفلام العاديّة، قائلاً: "تعتقد الجهات الداعمة أن 'الأنيمايشن' يحتاج إلى تمويلٍ أقل وهذه معلومة مغلوطة".
ويشير إلى أنَّ الفيلم الذي تصل مدته إلى 5 دقائق يحتاج إلى قرابة 20 ألف دينار (28،095 دولاراً)، وذلك مع اختلاف تكلفة الأفلام الطويلة والقصيرة، مضيفاً: "أشعر أحياناً بأن الجهات لا تثق بأفلام الرسوم المتحركة؛ لذا تتعمّد طلب أفلام طويلة".
ويرى جابر الذي فاز فيلمه "أزرار"، بجوائز عالمية وعربيّة، صعوبة الوصول إلى فريق يتكوّن من الأردنيين بالكامل، خاصةً أنَّ تخصص "الأنيمايشن" قد تم استحداثه قبل بضع سنوات في الجامعات الأردنيّة.
ويفتقر السوق الأردنيّ -بحسب رأي المخرج- إلى الشركات الضخمة المعنيّة في مجال الرسوم المتحركة، في حين يمتلئ بشركات ألعاب الفيديو. والاختيار في المهرجانات العالميّة سيساعد على توجيه الشركات الكبرى عيونها إلى المخرجين الأردنيين والعاملين في هذا المجال.
"سليم" والسينما الأردنيّة
يشير الناقد السينمائي ناجح حسن، لرصيف22، إلى وجود حركة نشطة في صناعة الأفلام الأردنيّة، ويعزو ذلك إلى بدايات وجود الهيئة الملكيّة للأفلام عام 2003، التي ساعدت على دعم الشباب وتوفير فرص لهم.
ويتابع أنَّ التقدم التكنولوجيّ ووجود الكاميرا الرقميّة، سهّلا إنتاج الأفلام بالنسبة للشباب، ونافست العديد من الأفلام عالمياً مثل "الجمعة الأخيرة"، و"بنات عبد الرحمن"، و"مدن ترانزيت"، و"ذيب" وغيرها، ما ساهم في تعزيز صورة الأردن في الخارج.
ويشدد على ضرورة وجود مؤسسات وجهات داعمة للشباب للتغلّب على ضعف التمويل وعدم وجود مظلةٍ تحفّز الشباب وتهتم بهم.
تعكس مشاركة الفيلم في المهرجان العالمي تطور المشهد السينمائي الأردني الذي خطا خطوات صغيرةً وثابتةً لترسيخ حضوره وعرض مواهبه وسرد قصصه.
ومع محاولات السينما الأردنيّة الجادة، التي انطلقت بفيلم "صراع جرش" عام 1958، وصل فيلم "ذيب" إلى المرحلة النهائية للمنافسة على جائزة الأوسكار العالمية لفئة الأفلام الأجنبية عام 2016، ولم يكن ذلك سوى بوابة للمزيد من الأفلام الأردنيّة التي وصلت إلى العالميّة مثل فيلم "بنات عبد الرحمن"، الذي حصد جائزة الجمهور في "مهرجان القاهرة السينمائي" عام 2021، وفيلم "الحارة" الذي حصل على الجائزة نفسها في "مهرجان مالمو للسينما العربية" عام 2022.
وحاز فيلم "فرحة" على جائزة أفضل فيلم طويل شبابي في "جوائز الأوسكار الآسيوية APSA" عام 2022، واختير الفيلم الروائي الطويل "إن شاء الله ولد"، للمنافسة في أسبوع النقاد، خلال الدورة الـ76 لمهرجان "كان" السينمائي لهذا العام، في حين يشارك الفيلم الأردني القصير "البحر الأحمر يبكي" ضمن مسابقة نصف شهر المخرجين في المهرجان نفسه.
ومع التقدّم الذي تحرزه السينما الأردنيّة عالمياً، وبعد ترشح فيلم "سليم"، هل سيكون هناك دعم أكبر لقطاع الرسوم المتحركة في الأردن؟ أم سيظل الاعتقاد الراسخ بأن "الأنيمايشن" متعلقٌ بالأطفال ولا يحتاج إلى تمويل كبير؟ وهل سنرى مستقبلاً فيلم رسوم متحركة من الأردن يمثّل المنطقة العربيّة ويتحدث عنها؟ وكيف سيدعم ترشّح "سليم" مستقبل الرسوم المتحركة الأردنيّة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...