شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"وذكرنا وأنثانا"... فيلم أردني عن العبور الجنسي في مجابهة الدين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والميم-عين

الثلاثاء 14 فبراير 202311:02 ص

بعد مشاهدة الفيلم الأردني القصير "وذكرنا وأنثانا" للمخرج أحمد اليسير، الذي شارك مؤخراً في المسابقة الدولية، في مهرجان كليرمون فيران السينمائي، تستطيع بصدق الاحتفاء بإدارة مخرج شاب، استطاع أن يثبت في 11 دقيقة، قدرته على صناعة فيلم متكامل بكافة عناصره (تمثيل، إضاءة، صوت، كاميرا) وعندما يحين الحديث عن القصة، تأخذ برهة وتحاول تنفس الصعداء، وتفكر بما سيحل على المخرج من ويلات واتهامات وشتائم، مع الجملة الشهيرة التي تحولت إلى ديباجة: "هذا الفيلم لا يشبهنا".

فموضوع الفيلم لا شك سيشكل صدمة وعدم تقبّل، بخاصة مع أمثلة سابقة لأفلام تناولت جزءاً من الواقع، وحدث في هذا العام مع فيلمي "الحارة" للمخرج باسل غندور، و"بنات عبد الرحمن" لزيد أبو حمدان، حيث وصل الأمر للمطالبة بسحب الجنسية الأردنية من بطل فيلم "الحارة"، منذر رياحنة، تحت قبة البرلمان من قبل أحد النواب.

جثة لعابر جنسياً هي بطل الفيلم الأردني القصير "وذكرنا وأنثانا" للمخرج أحمد التيسير، وشارك الفيلم مؤخراً في مهرجان كليرمون فيران السينمائي

 كل هذا سيكون في كفة وموضوع فيلم اليسير في كفة ثانية، لأن بطل حكايته جثة عابرة جنسياً، تصل من الخارج إلى الأردن، وتصبح في مواجهة مع الأم (شفيقة الطل) والأب (كامل الباشا) والمجتمع والدين.

نستطيع تقسيم الفيلم، بالرغم من دقائقه المعدودة، إلى ثلاثة محاور، المحور الأول يعود إلى الجثة النائمة في سرير في غرفة مظلمة، تشعرون ببرودتها بسبب تكنيك الإضاءة المتبع واللون، بحيث استطاع المخرج إدارة المشهد بتصدير شعور الضيق، التوتر، وهذا عملياً يحدث دائماً في غرف الموتى، فهذه الجثة وصلت ولم يعد مهمّاً معرفة الماضي الذي عاشته أو عاشه، أو حتى لماذا رحل/ت.

أما المحور الثاني فينتقل إلى الأب والأم، وطبيعة علاقتهما مع الابن/ة مها كانت الظروف، وتقبلهما لتغيرها الجندري، ليأتي المحور الثالث، الدين والعادات والتقاليد الذي تضيع معهم كل الأساسيات التي تتعلّق بالمشاعر، في المواجهة تحديداً.

أما بالنسبة للحبكة الأساسية، فتتلخّص بسؤال من سيغسل الجثة؟ هو رحل عنهم صبياً وعاد بجسد صبية، وهنا تصبح المشاهد أكثر قتامة، يغلّفها القلق والتوتر والحزن، يحاول الأب البحث عن مغسّل شرعي، مع صوت أحداهن تقول: "خربتوا البلد".

مشاعر الخوف هي المشاعر الطاغية في الفيلم من أول لحظة، فبين تلاوة القرآن من قبل الأم، وصراخ الأب وهو يقول: "ابني زلمة وبغسلوش إلا زلمة"، يتم إدراك الخوف، دون إيضاح أكثر

المخرج اليسير في هذا الفيلم قدم موضوعاً يعتبر مجرد الحديث عنه تجاوزاً للحدود، في بلاد تعتبر المثلية الجنسية والعبور الجنسي عقوبة يحاسب عليها القانون، وذكر هذا الموضوع في السينما الأردنية والعربية بشكل عام ما زال حرجاً، أو يأتي في مشاهد عابرة، مثلما حدث مثلاً في فيلم "بنات عبد الرحمن" للمخرج زيد أبو حمدان، لكن أن يبنى فيلم كامل على مناقشة مثل هذه الحقيقة الموجودة فعلاً، بالتأكيد سيفتح مجالاً للهجوم من قبل من وضعوا أنفسهم كحراس فضيلة، من غير التفكير ولو قليلاً بمشاعر الشخص نفسه الذي أقدم على هذه الخطوة ودوافعه، ومن غير أيضاً التفكير بمشاعر عائلته وهي تتصدى لهجوم مجتمعي تضعهم في مهب ريح المعايرة، ويصل الأمر أحياناً إلى النبذ.

كل هذه المشاعر تحضر في فيلم اليسير، حتى أنه استطاع أن يجعل من التساؤلات التي تحضر في ذهن الأب و الأم والعيون التي تحكي الكثير، وتجعلها تنتصر على مشاعر الحزن الطبيعية التي يجب أن تكون عندما يفقد الآباء فلذات أكبادهم، فالحقيقة أنهم جميعهم ضحايا منظومة دينية ومجتمعية بشكل أكبر.

الفيلم بالتأكيد لا يخرج بحلّ، بل يترك الأمور معلقة ومفتوحة، ينتظر ربما فتوى تجعل الجثة ترتاح في قبرها، لكن حتى هذا يعتبر ترفاً على ما يبدو، فحرية الجسد وماذا يجب أن يكون غير واردة، الوارد فقط هو شعور الخوف الذي يحوم حول الجثة من قبل كل من يطل عليها.

لا أعلم اذا ما سيتمّ عرض الفيلم في مهرجانات عربية، لكن لا شك أنه فيلم مصنوع بحرفية، مع أداء مميز وتناغم للبطلين، الممثلة الأردنية شفيقة الطل، والممثل الفلسطيني كامل الباشا، حتى لو كان مقصوداً التمييز بين مشاعر الأم و الأب في وفاة ابنهما التي أصبحت ابنتهما، لكن الإحساس بمشاعر الفقد موجودة وإن بحرج، وكأن تلك المشاعر إذا كانت واضحة ستضع الأبوين في مأزق مجتمعي، حتى الحزن لا يجوز، مع حضور مشاعر الخوف، وهي المشاعر الطاغية في الفيلم من أول لحظة.

فبين تلاوة القرآن من قبل الأم، وصراخ الأب وهو يقول: "ابني زلمة وبغسلوش إلا زلمة"، يتم إدراك الخوف، دون إيضاح أكثر.

فيلم يحمل موضوعاً كبيراً في دقائق قليلة، كانت كفيلة بأن تنتهي معه بتمني السلامة للمخرج أحمد اليسير في مواجهته مع سيسمع عن الفيلم دون مشاهدته على الأغلب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard