بعد مشاهدة الفيلم الأردني القصير "وذكرنا وأنثانا" للمخرج أحمد اليسير، الذي شارك مؤخراً في المسابقة الدولية، في مهرجان كليرمون فيران السينمائي، تستطيع بصدق الاحتفاء بإدارة مخرج شاب، استطاع أن يثبت في 11 دقيقة، قدرته على صناعة فيلم متكامل بكافة عناصره (تمثيل، إضاءة، صوت، كاميرا) وعندما يحين الحديث عن القصة، تأخذ برهة وتحاول تنفس الصعداء، وتفكر بما سيحل على المخرج من ويلات واتهامات وشتائم، مع الجملة الشهيرة التي تحولت إلى ديباجة: "هذا الفيلم لا يشبهنا".
فموضوع الفيلم لا شك سيشكل صدمة وعدم تقبّل، بخاصة مع أمثلة سابقة لأفلام تناولت جزءاً من الواقع، وحدث في هذا العام مع فيلمي "الحارة" للمخرج باسل غندور، و"بنات عبد الرحمن" لزيد أبو حمدان، حيث وصل الأمر للمطالبة بسحب الجنسية الأردنية من بطل فيلم "الحارة"، منذر رياحنة، تحت قبة البرلمان من قبل أحد النواب.
جثة لعابر جنسياً هي بطل الفيلم الأردني القصير "وذكرنا وأنثانا" للمخرج أحمد التيسير، وشارك الفيلم مؤخراً في مهرجان كليرمون فيران السينمائي
كل هذا سيكون في كفة وموضوع فيلم اليسير في كفة ثانية، لأن بطل حكايته جثة عابرة جنسياً، تصل من الخارج إلى الأردن، وتصبح في مواجهة مع الأم (شفيقة الطل) والأب (كامل الباشا) والمجتمع والدين.
نستطيع تقسيم الفيلم، بالرغم من دقائقه المعدودة، إلى ثلاثة محاور، المحور الأول يعود إلى الجثة النائمة في سرير في غرفة مظلمة، تشعرون ببرودتها بسبب تكنيك الإضاءة المتبع واللون، بحيث استطاع المخرج إدارة المشهد بتصدير شعور الضيق، التوتر، وهذا عملياً يحدث دائماً في غرف الموتى، فهذه الجثة وصلت ولم يعد مهمّاً معرفة الماضي الذي عاشته أو عاشه، أو حتى لماذا رحل/ت.
أما المحور الثاني فينتقل إلى الأب والأم، وطبيعة علاقتهما مع الابن/ة مها كانت الظروف، وتقبلهما لتغيرها الجندري، ليأتي المحور الثالث، الدين والعادات والتقاليد الذي تضيع معهم كل الأساسيات التي تتعلّق بالمشاعر، في المواجهة تحديداً.
أما بالنسبة للحبكة الأساسية، فتتلخّص بسؤال من سيغسل الجثة؟ هو رحل عنهم صبياً وعاد بجسد صبية، وهنا تصبح المشاهد أكثر قتامة، يغلّفها القلق والتوتر والحزن، يحاول الأب البحث عن مغسّل شرعي، مع صوت أحداهن تقول: "خربتوا البلد".
مشاعر الخوف هي المشاعر الطاغية في الفيلم من أول لحظة، فبين تلاوة القرآن من قبل الأم، وصراخ الأب وهو يقول: "ابني زلمة وبغسلوش إلا زلمة"، يتم إدراك الخوف، دون إيضاح أكثر
المخرج اليسير في هذا الفيلم قدم موضوعاً يعتبر مجرد الحديث عنه تجاوزاً للحدود، في بلاد تعتبر المثلية الجنسية والعبور الجنسي عقوبة يحاسب عليها القانون، وذكر هذا الموضوع في السينما الأردنية والعربية بشكل عام ما زال حرجاً، أو يأتي في مشاهد عابرة، مثلما حدث مثلاً في فيلم "بنات عبد الرحمن" للمخرج زيد أبو حمدان، لكن أن يبنى فيلم كامل على مناقشة مثل هذه الحقيقة الموجودة فعلاً، بالتأكيد سيفتح مجالاً للهجوم من قبل من وضعوا أنفسهم كحراس فضيلة، من غير التفكير ولو قليلاً بمشاعر الشخص نفسه الذي أقدم على هذه الخطوة ودوافعه، ومن غير أيضاً التفكير بمشاعر عائلته وهي تتصدى لهجوم مجتمعي تضعهم في مهب ريح المعايرة، ويصل الأمر أحياناً إلى النبذ.
كل هذه المشاعر تحضر في فيلم اليسير، حتى أنه استطاع أن يجعل من التساؤلات التي تحضر في ذهن الأب و الأم والعيون التي تحكي الكثير، وتجعلها تنتصر على مشاعر الحزن الطبيعية التي يجب أن تكون عندما يفقد الآباء فلذات أكبادهم، فالحقيقة أنهم جميعهم ضحايا منظومة دينية ومجتمعية بشكل أكبر.
الفيلم بالتأكيد لا يخرج بحلّ، بل يترك الأمور معلقة ومفتوحة، ينتظر ربما فتوى تجعل الجثة ترتاح في قبرها، لكن حتى هذا يعتبر ترفاً على ما يبدو، فحرية الجسد وماذا يجب أن يكون غير واردة، الوارد فقط هو شعور الخوف الذي يحوم حول الجثة من قبل كل من يطل عليها.
لا أعلم اذا ما سيتمّ عرض الفيلم في مهرجانات عربية، لكن لا شك أنه فيلم مصنوع بحرفية، مع أداء مميز وتناغم للبطلين، الممثلة الأردنية شفيقة الطل، والممثل الفلسطيني كامل الباشا، حتى لو كان مقصوداً التمييز بين مشاعر الأم و الأب في وفاة ابنهما التي أصبحت ابنتهما، لكن الإحساس بمشاعر الفقد موجودة وإن بحرج، وكأن تلك المشاعر إذا كانت واضحة ستضع الأبوين في مأزق مجتمعي، حتى الحزن لا يجوز، مع حضور مشاعر الخوف، وهي المشاعر الطاغية في الفيلم من أول لحظة.
فبين تلاوة القرآن من قبل الأم، وصراخ الأب وهو يقول: "ابني زلمة وبغسلوش إلا زلمة"، يتم إدراك الخوف، دون إيضاح أكثر.
فيلم يحمل موضوعاً كبيراً في دقائق قليلة، كانت كفيلة بأن تنتهي معه بتمني السلامة للمخرج أحمد اليسير في مواجهته مع سيسمع عن الفيلم دون مشاهدته على الأغلب.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.