انطلقت حملة الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية في موريتانيا، يوم 28 نيسان/ أبريل الماضي وتستمر على مدى خمسة عشر يوماً، ويتنافس فيها 25 حزباً، عبر 145 لائحةً جهويةً، و1،378 لائحةً بلديةً، وترشيحات عديدة على مختلف اللوائح النيابية التي وصل عددها إلى 559 لائحةً. أما عدد الناخبين فبلغ مليوناً و785 ألف ناخب.
خصوصيّة هذه الانتخابات الجديدة هي أنها استحدثت لأول مرة في التاريخ الموريتاني لائحةً خاصّةً بالشباب، ويُفرضُ فيها وجود أحد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، في الموقع الأول أو الثاني، وإن لم يحدث ذلك يتم إلغاء لائحة الحزب، وهذا ما سيمنح الشباب بشكل آليّ عدداً من المقاعد في المؤسّسة التشريعيّة.
لائحة الشباب هل أنصفتهم؟
يترشح محمد محمود أمين البشير، على رأس لائحة شباب حزب الكتل الموريتانية، وقد تحدث إلى رصيف22، عن استحداث لائحة مخصصة للشباب، قائلاً: "لا شك في أنها خطوة ممتازة، فكما تعلمون، الخير كلّه في الشباب. أما طريقة إخراج الفكرة، فأعتقد أنها لم تكن عادلةً، فقد منحت الشباب نسبةً ضئيلةً، وبدل منحهم نوعاً من التمييز الإيجابي، تم تقليص نسبتهم مما رفع نسبة القاسم الانتخابي للوائحهم. وطبعاً لا شك في أن وجود شباب في البرلمان، سيساهم مساهمةً كبيرةً في الرفع من أداء هذه المؤسسة".
أضاف أمين البشير، متحدثاً عن أسباب ترشحه ضمن هذه اللائحة: "أنطلق من منطلق شرعي. الفقهاء يتحدثون عن وجوب التقدم للأمر العام، على من يعتقد في نفسه الأهلية حين ينتشر الشر وتعطى القوس لغير باريها. لذلك قررت اقتحام الأمر، مستعملاً السّبل المتاحة كافة على أن أترك بصمةً، وهي خطوة عدّها كثر من أصدقائي نوعاً من المجازفة"، مضيفاً: "هذا الموضوع مكلف على الصعيدين المادي والمعنوي، فأنت في بلد آخر معايير التصويت فيه هي الأهليّة، ومع ذلك، فأنا أعتمد على خطاب وسطي بين المعارضة والموالاة، خطاب يقف مع الحق أينما كان".
يُعدّ الشعب الموريتاني من الشعوب الشابة، إذ ترتفع نسبة الشباب فيه، وتبلغ نسبة من هم دون الـ15 سنةً أزيد من 44 في المئة، وتتجاوز نسبة من هم دون سنّ الـ35 كذلك 76 في المئة
وأكد أنه يعوّل كثيراً على "الأغلبية الصامتة، كما أعتقد أن الناخب الموريتاني اليوم أمام فرصة تاريخية. فهذا الكم من الترشيحات، يمكّن من صناعة أغلبية برلمانية أخلاقية ممّن لديهم بقية أخلاق وبعض التقوى، وليس مثل أغلبية البرلمان الماضي التي صوتت ضد أمور ضرورية كرفع رواتب المعلمين والموظفين البسطاء".
السالك ولد محمد اللالي، ناشط على شبكات التواصل الاجتماعية من أصحاب الهمم، لديه إعاقة خلقيّة، تفرض عليه الكتابة بلسانه فقط، وتصعّب حركاته، ومع ذلك يكتب وينشط على شبكات التواصل الاجتماعي، ويرجو أن يكون صوت ذوي الاحتياجات الخاصة في البرلمان، وقد تحدّث بدوره إلى رصيف22 عن نظرته إلى اللائحة المستحدثة، وأسباب ترشّحه من خلال حزب تكتل القوى الديمقراطية، وقال: "هذه اللائحة جميلة لأنها تضمنت فرصاً للشريحة، وهذه الخطوة رائعة، إذ تسمح بمشاركة الشباب في البرلمان، فالشباب مهمشون، وللأسف الكثير من المناصب يترشح لها كبار السن فقط، والطريقة التي صُنعت بها هذه اللائحة جيدة جداً، وتنمّ عن دراية بالواقع".
خصوصيّة الانتخابات التشريعية الموريتانية الجديدة هي أنها استحدثت لأول مرة لائحةً خاصّةً بالشباب، ويُفرضُ فيها وجود أحد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة
وأضاف: "حسب ظنّي، هناك الكثير من المرشحين الشباب للبرلمان لو وصلوا إلى البرلمان، سيحدثون فرقاً في مصلحة البلد، وستخفّ البطالة، وسيدافعون عن المهشمين والفقراء، ونحن نعاني من بعض رجال السياسة الذين لا يهتمون لمصالح البلد والشعب، بل لمصالحهم فقط، ولا يلتفتون إلى الناس إلا زمن الانتخابات والتصويت".
وعدّد المتحدث أسباب ترشحه، قائلاً: "حين سمعت بمقعد مخصص للشباب، قلت إنني لا بد أن أترشح، وكانت عائلتي هي أول مؤيد لي، وقد ساعدوني في سعيي، وكان سببي الأول هو الدفاع عن شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تعاني، فأغلبهم لا تأمين صحياً لديه ولا عمل وحالهم مزرية. وحسب استطلاعاتي حالهم مزرية في المجمل، ويتعرضون للكثير من المضايقات، لذا قلت إن عليّ أن أمثّل هذه الشريحة حتى أكون صوتها في البرلمان، وأوصل قضاياها التي لم تصل إليه من قبل".
استحضر الشاب تجربة افتتاح مونديال قطر، وأضاف: "قطر افتتحت كأس العالم بشاب من هذه الشريحة، هو غانم المفتاح، وكان الأمر رسالةً جيدةً، وفي العالم الخارجي، هناك الكثير من الخطط والبرامج لدعم هذه الشريحة، نريد تطبيقها هنا، بدل التهميش الذي نعاني منه، كما أن يكفّ عنا التنمر الشعبي أيضاً".
هل يحتاج الشباب إلى لائحة خاصة بهم؟
يرى الناشط السياسي الدكتور الشيخ ولد دومان، أن اللائحة البرلمانية المخصصة للشباب "جاءت في سياق وطني بدأ مع الطوفان السياسي الذي سُمّي بـ'انتفاضات' أو 'ثورات' الربيع العربي، حيث انتبهت الأنظمة الحاكمة فجأةً إلى هذا المارد الذي ظلّ مهملاً ومنسياً ومحبوساً في قمقمه (أي الشباب)، حتى ارتفعت أصوات الحركات الشبابية المطالبة بالمشاركة في تسيير الشأن العام وتجديد الطبقة السياسية في البلاد، ولعلكم تتذكرون التظاهرات السياسية والمطلبية التي شهدتها الساحة الموريتانية خلال العقد الماضي مثل 'حراك 25 فبراير' وحراك 'بلد ينزف' وحراك 'ماني شاري كزوال' وحراك 'محال تغيير الدستور' وغيرها من الاحتجاجات والتظاهرات الشبابية المطالبة بالتغيير والرافضة للواقع الفاسد".
هل يكفي تخصيص 11 مقعداً للشباب من أصل 176 مقعداً، أي نسبة 6.25% فقط من مقاعد البرلمان؟
أضاف المتحدث في حديثه إلى رصيف22: "هناك أيضاً الواقع الديموغرافي إذ يمثل الشباب غالبية السكان. في هذا السياق العام، وكنتيجة من نتائج الحوار السياسي الذي جرى مؤخراً بين وزارة الداخلية من جهة والأحزاب السياسية من جهة أخرى، تم استحداث قائمة وطنية للشباب (عبارة عن 11 نائباً)"، وتساءل ولد دومان: "هل يحتاج الشباب فعلاً إلى كوتا داخل البرلمان؟ وهل يكفي تخصيص 11 مقعداً للشباب من أصل 176 مقعداً، أي نسبة 6.25% فقط من مقاعد البرلمان؟"، متطرقاً إلى تأثير هذه اللائحة، وأضاف: "أما عن مدى تأثير هذه الخطوة على تحسين أداء البرلمان كمؤسسة تشريعية ورقابية فلست متفائلاً في هذا الشأن، وأعتقد أن تخصيص كوتا متواضعة جداً للشباب داخل البرلمان لا تعدو أن تكون نوعاً من ذر الرماد في العيون كما يقال. ثم إن السؤال الأهم هو من هم الشباب الذين سيستفيدون من هذه الكوتا في ظل النظام الانتخابي الحالي؟ غالباً ليسوا أولئك الذين ضُربوا وسُحلوا واعتُقلوا في ساحات النضال مطالبين بالتغيير والإصلاح، بل على الأغلب سيكونون من أولئك الذين وُلدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب من أبناء وبنات كبار المسؤولين في السلطة ورجال الأعمال وزعماء القبائل إلى آخر الشلة."
وأضاف أن "فئة أصحاب الهمم، فئة كبيرة ومهمة من المواطنين، إذ تتحدث بعض الإحصائيات غير الرسمية عن نسبة 6 إلى 10% من الموريتانيين المتعايشين مع الإعاقة، وعليه أعتقد أن ما تم الإعلان عنه من خطوات ومحاولات لإشراك هذه الفئة هي خطوات غير جادة حتى الآن، فقد تم أولاً الحديث عن إلزام كل قائمة شبابية بإضافة اسم أحد أصحاب الهمم من دون تحديد لرقمه على القائمة، ثم بعد ذلك قيل إنه يجب أن يأخذ رقماً متقدماً، 2 أو 3 مثلاً، وذلك كله لا يبدو مجدياً إذ من المعلوم أن هذا العدد الكبير من القوائم عندما يتنافس في ظل نظام النسبية لا ينجح عادةً في دخول البرلمان إلا أولئك الذين يتصدّرون هذه القوائم الانتخابية، والنتيجة التي أتوقعها شخصياً هي عدم تمثيل هذه الفئة في البرلمان القادم وفي أحسن الأحوال تمثيلها بنائب أو نائبين، وهو ما لا يتناسب مع حجمها الديمغرافي ولا مع حجم التهميش والغبن الواقع عليها".
شبابٌ وتحدياتٌ جمّة
يُعدّ الشعب الموريتاني من الشعوب الشابة، إذ ترتفع نسبة الشباب فيه، وتبلغ نسبة من هم دون الـ15 سنةً أزيد من 44 في المئة، وتتجاوز نسبة من هم دون سنّ الـ35 كذلك 76 في المئة وفق إحصاء 2013، ويعيش الشباب الموريتاني تحديات جمّةً، أولها البطالة وغياب فرص العمل، التي وصلت إلى 37 في المئة سنة 2021، حسب الحكومة الموريتانية.
ويعتقد الدكتور الشيخ ولد دومان، أننا "نقع في التعميم عندما نتحدث عن الشباب الموريتاني بصفة عامة، والواقع أن هذه الفئة تنقسم إلى فئات أو مجموعات فرعية، فهناك الشباب الذي لم يحظوا بفرصة للتعليم وهم إما لم يلتحقوا بالمدرسة أصلاً أو أنهم تركوها في مراحل مبكّرة. هم إذاً فئة شابة من الأميين وأشباه الأميين، وهناك الشباب الذين أنهوا بعض مراحل التعليم أو أنهوها كلها، بيد أنهم حصلوا غالباً على تعليم متواضع في محتواه لا يوائم متطلبات سوق العمل ولا واقع المجتمع، وهناك أخيراً الشباب الذين حصلوا على تعليم جيد في جامعات ومدارس أجنبية مرموقة وهذه الفئة تمثّل القلّة القليلة من الشباب، في حين تُعدّ الفئة الأولى الأكثر عدداً، ولكن أيضاً الأكثر تهميشاً وغبناً وإهمالاً من قبل الأنظمة المتعاقبة. ما أودّ الوصول إليه هو أن التعليم النوعي والتكوين المهني الجيد، سلاحا الشباب في مواجهة ظروف الحياة القاسية، ولذلك يُعدّ تردّي المنظومة التعليمية في البلاد المشكلة الأولى التي تواجه الشباب".
وأضاف المتحدث: "أما المشكلة الثانية، فهي مرتبطة بالأولى حتماً وهي البطالة وندرة فرص العمل، بعد ذلك يمكن سرد قائمة طويلة من المشكلات وربما من أبرزها مشكلة السكن والتأخّر في الزواج والتطرف والوقوع في شراك شبكات الجريمة المنظمة والمخدرات، وليست آخرها مشكلة أو 'ظاهرة' الهجرة إذ أصبحت البيئة السياسية والاقتصادية طاردةً لأصحاب الكفاءات وللشباب عموماً".
من جهته، يرى محمد محمود أمين البشير، أن مشكلة الشباب الأولى، هي مشكلة موريتانيا عموماً، وتكمن في "عزوف أصحاب الضمائر الحية، عن اقتحام المجال العام، وتركه مفتوحاً أمام الانتهازيين والمتملقين من قَبَلِيِّين ومنتمين إلى شرائح معيّنة".
أما اللالي، فقال إن "الشباب في موريتانيا يعانون من الفقر وضعف التعليم والمخدرات والجريمة، وسبب ذلك غياب فرص العمل وانتشار البطالة، وهناك موجة نزوح داخل البلد وموجة هجرة إلى الخارج، في ظروف صعبة ومحزنة، وهذا برغم الثروات الكثيرة في البلد، من ثروة سمكية وأراضٍ زراعية خصبة وثروة منجمية، وهنا أحمّل الدولة الموريتانية مسؤوليّة هذا الواقع المتردي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 22 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...