شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
في موريتانيا... الأمطار تعرّي المدن وتُنبت المآسي

في موريتانيا... الأمطار تعرّي المدن وتُنبت المآسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 24 أغسطس 202204:30 م

يعيش الإنسان الموريتاني في ظل علاقة مركّبة مع المطر، فهو يتشوّق إلى نزوله مثل تعلّق المحبّ بمحبوبه، لما يجلب المطر معه من رفاهة للأرض والحيوان ورطوبة للجو، وتالياً يُسهّل عليه العيش في ظل بيئة صعبة المراس. غير أن المطر يتحول في بعض الأحايين إلى نقمة، خاصةً في المدن التي يتسبّب فيها بخسائر مادية وأحياناً بشرية، بسبب ضعف البنى التحتية. وهذا المشهد يتكرر كل "خريف"، موسم نزول الأمطار، في موريتانيا.

أمطار غزيرة... وخسائر

تعدّدت المدن والأماكن الموريتانية التي شهدت نكبات بسبب نزول المطر أو "المحبوب المعذِّب"، وتُعدّ مدينة أنبيكة في ولاية تكانت الأكثر تضرراً، وعما حدث في المدينة، قال محمد يرب بادي، وهو مدير معهد "الإحسان الإسلامي" في المنطقة، لرصيف22: "في الفاتح من آب/ أغسطس الجاري، عمّت مدينة أنبيكة (تامورت نعاج)، مياه هائلة وجرفت منازلها سيول هادرة، حتى غطت تسعين في المئة من عموم المساحة القروية للمدينة التي تضم في أحشائها ثلاثة آلاف نسمة، فضلاً عمّا تضمّ من قرى ريفية تابعة، وأخرى على ضفاف البحيرة الشهيرة، التامورت".
يتحول المطر إلى نقمة خاصةً في المدن  الموريتانية التي يتسبّب فيها بخسائر مادية وأحياناً بشرية، بسبب ضعف البنى التحتية. هذا المشهد يتكرر كل "خريف"

وأضاف المتحدث أنه "لم يكن أمام ساكني أنبيكة سوى خيار واحد، لجأ إليه المواطنون على مضض، هو عمليات النزوح إلى العراء فوق هضبة تُسمى "لعديله" وتبعد أربعة كيلومترات عن المدينة، كما نزح آخرون إلى موضع يُدعى "الـﮕـاره"، التي تبعد نحو عشرة كيلومترات. وأبدى الجيش الوطني في كتيبة "المغاوير" شجاعته ببسالة ظاهرة، ووطنية نادرة، فكان أول من باشر عمليات الإجلاء مشكوراً".


تصوير خالد مولاي

وعطفاً على الحال الذي أصبحت عليه المدينة بعد الدمار نتيجة السيول، احتلت أنبيكة حيزاً مهماً من حالة الاهتمام الشعبي على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ أعلنها الناشطون مدينةً منكوبة.

يقول محمد يرب بادي: "تداعى أبناء المدينة وسياسيّوها إلى تشكيل لجانٍ إغاثية وخيرية، ولم يتقاعسوا عن واجبهم، ولا تأخروا عن مساعدة المكلومين والمتضررين".
كما نُظّمت مبادرات تضامنية مع المدينة وسكانها من طرف نخبها، وكذلك من طرف المواطنين الموريتانيين، وأُطلقت مبادرات وقوافل لدعم سكانها، منها ما هو شعبي وواحدة رسمية.

في مدينة كيهيدي، الواقعة في جنوب موريتانيا، تسبّب تساقط 160 ملمتراً من الأمطار في تحويل المدينة إلى مدينة مقطّعة الأوصال، احتلّ الماء منازلها، وتشرّد بعض سكانها

واصل المتحدث حديثه عن واقع المدينة اليوم، قائلاً: "في العشرين من الشهر الحالي، تكرّر بطش السيول على النحو الذي سبق، غير أنه كان أخف وطأةً هذه المرة، وبطبيعة الحال نتجت عنه خسائر أقل، فالمؤمن لا يُلدغ من جُحْر مرّتين، ما يعني أن الناس كانوا على يقظة من أمرهم، وعلى تأهب تام. انقطاع الطريق الرابط بين العاصمة تجكجة ونواكشوط لم يكن كما في الأزمة السابقة التي عطلت الطرق الرسمية قرابة خمسة أيام. هذا وكانت مدينة السلام هي الأخرى تعاني ما تعانيه، ويكفي أن سوقها قد غرق بكامله، ولا يزال إلى اليوم".


أما في مدينة كيهيدي، الواقعة في جنوب موريتانيا، فقد تسبّب تساقط 160 ملمتراً من الأمطار في تحويل المدينة إلى مدينة مقطعة الأوصال، احتلّ الماء منازلها، وتشرّد بعض سكانها فأصبحوا يسكنون في العراء، يلدغهم البعوض وغيره من الحشرات، وقد تسببت هذه الأمطار الغزيرة في سيول وفيضانات غمرت الأرض، وسبقتها أمطار فاقمت الوضع، ثم تلتها أخرى.


تصوير خالد مولاي

بالرغم من مرور أيام على الكارثة، ما يزال السكان يصارعون لتخطّي ما حدث لهم، وينتظرون أن تُمدّ إليهم يد العون، وحدثت محاولات من السلطة لشفط المياه من المدينة الغارقة، وكذلك أنشئت ثلاثة مراكز لإيواء السكان المنكوبين، كما وعدت الحكومة بمساعدات للمتضررين بعد إحصائهم.

نواكشوط ليست أحسن حالاً

واقع مدينة نواكشوط، وهي عاصمة البلاد، ليس أفضل حالاً من واقع مدن الداخل، إذ غمرت المياه أحياءها أيضاً، وتسببت في خسائر مادية لسكانها، وهي العاصمة التي لا يوجد فيها صرف صحي كافٍ، إذ لا تغطي شبكة الصرف الصحي حالياً إلا 3 في المئة من المدينة. وقد أنشئت الشبكة بين 1961 و1965، وكانت فرنسا قد أشرفت حينها على تشييدها، في حين كان عدد سكان العاصمة لا يتعدى ستة آلاف نسمة. أما محاولات تطويرها بين عامي 1981 و1984، فلم تكن ناجعةً.

هذا النقص الحاد في شبكة الصرف الصحي، التي تفيد المدينة، وتقيها من بعض أخطار التساقطات المطرية الغزيرة يطرح العديد من الأسئلة بخصوص جهود الدولة، لتغيير الوضع، وتحديث التجهيزات.

في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، دُشِّن مشروع بتكلفة 15 مليار أوقية بتمويل صيني، وقيل حينها إن المنظومة ستمكّن من ضخ كمية إجمالية قدرها نحو مئتين وخمسة وعشرين ألف متر مكعب يومياً، ما يسمح بامتصاص تساقطات مطرية كميتها خمسون ملمتراً في أقل من خمس ساعات.


تصوير خالد مولاي

كان هدف المشروع، صرف مياه الأمطار عن مقاطعات لكصر، والميناء، والسبخة، وتفرغ زينة، وتيارت. ويبدو أنه ليس فعالاً بما يكفي مع كمية التساقطات التي حدثت مؤخراً.

محمد الأمين ولد الداده، ناشط مقيم في مقاطعة (دائرة) تيارت في ولاية نواكشوط الشمالية، تحدث إلى رصيف22، عن حال مقاطعته التي تُعدّ أكثر مقاطعات نواكشوط تساقطاً للمطر في وقت واحد، إذ سُجّلت فيها تساقطات بلغت 80 ملم، قائلاً: "يوم الجمعة 19 آب/ أغسطس عند الساعة الواحدة زوالاً تقريباً، وصلتنا أمطار غزيرة قُدّرت بثمانين ملم، وأعتقد أنها أكثر من ذلك. مع نزول المطر غُمرت غالبية المنازل بالمياه وامتلأت كلها، خصوصاً الحي القديم من تيارت، وظل هذا الحال لبعض الوقت، وحينها حاولنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتدارك ما لم يتلف بعد. وقعت خسائر مادية، والحمد لله لم تُسجَّل خسائر بشرية على عكس بقية المقاطعات. يمكن القول إن ثمانين في المئة من الحي القديم في تيارت غمرت منازلها المياه، والأحياء كانت محاصرةً".

حال العاصمة نواكشوط، أجّج نقاشاً قديماً عن ضرورة إنشاء شبكة صرف صحي للمدينة مهما كانت التكلفة، بل تجاوز البعض الأمر وطالب بضرورة استحداث عاصمة جديدة غير نواكشوط المنكوبة

انتقد ولد الداده، أداء السلطات لمواجهة نتائج السيول، قائلاً: "في اليوم الأول كان هناك غياب تام للسلطات، فلم نجد أي تواجد لها، والشوارع كانت مغلقةً بسبب الماء، والأزقة مغمورة بالمياه، وإلى هذه اللحظة بعض الأحياء ما يزال محاصراً خاصةً تلك القريبة من سوق تيارت، وقد تدخلت السلطات على مستوى الطرق العامة المعبدة وملتقيات الطرق وغير ذلك، إذ شُفطت المياه بطرق بدائية عن طريق الصهاريج، أما الشوارع الخلفية والضيقة والأزقة، فلم يشملها ذلك، وقد تجدد المطر بعد هذا، ليزداد مستوى المياه الذي كان يحاصر تلك الأحياء والمنازل، وبدأت السلطة تتدخل بشكل خجول وغير مقبول، حيث يرى الناس بين الحين والآخر بعض الصهاريج، وكان هذا التدخل مزعجاً للناس لضعفه، ففي أثناء زيارة العمدة والحاكم لبعض المناطق أبدى المواطنون تذمرهم من ضعف عمليات الإنقاذ والجهود المبذولة".
حكاية تيارت، تكررت في أغلب مقاطعات العاصمة نواكشوط، وإلى اليوم ما تزال هناك أحياء ترزح تحت رحمة المستنقعات التي تحتل الشوارع الخلفية، فذلك حال بعض مناطق مقاطعة زينة ومقاطعة الميناء ودار النعيم ولكصر حيث غمرت الأمطار المستشفى العسكري، والأمر مرجح للتصاعد مع أي هطول جديد للمطر، وهو أمر متوقع.


حال العاصمة نواكشوط، أجّج نقاشاً قديماً عن ضرورة إنشاء شبكة صرف صحي للمدينة مهما كانت التكلفة، بل تجاوز البعض الأمر وطالب بضرورة استحداث عاصمة جديدة غير نواكشوط المنكوبة، غير أن الرأي الأخير يُعدّ أصعب من إنشاء صرف صحي حسب البعض، وتكلفته باهظة.

هذا وقد أدان حزب "تواصل" رد الحكومة، في بيان تحدث عن "تقصير الجهات الحكومية في مواساة الضحايا كما يجب، وتركهم يعانون من أوضاع صعبة والاكتفاء بتدخلات استعراضية في أغلبها، ومحدودة في وقتها وفي المستفيدين منها، وبعيدة من أن تكون في مستوى الكارثة التي يواجهها المواطنون في المناطق المنكوبة".

وأكد الحزب على أن مدينة نواكشوط ومناطق عديدة داخل البلاد أبرزها كيهيدي، "تعيش منذ أيام وضعاً كارثياً بفعل السيول والفيضانات؛ فمئات الأسر تعيش مشردةً والمياه تغمر الأحياء والطرق، والمخاطر الصحية جمة ومحدقة".

ونبّه الحزب إلى أن "هذه الوضعية التي تشهدها نواكشوط وكيهيدي اليوم، وشهدتها من قبل أنبيكة وودان، أماطت اللثام عن عجز فاضح للجهات الحكومية عن القيام بمهمتها في إغاثة المواطنين وإسعافهم بالرغم من اعترافها، على أعلى المستويات، بأنها كانت تتوقع حصول هذه الكوارث، وزعمها بأنها وضعت خططاً للتصدي للأوضاع الناجمة عنها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image