شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"موريتانيا بلد فقير"... حقيقة أم استعارة يستغلها الرئيس ولد الغزواني في خطابه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 18 أبريل 202201:44 م

منذ أسابيع والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، يثير الجدل بين المواطنين والنخب، وذلك بسبب خطابات وكلمات تتمحور حول أن الدولة الموريتانية فقيرة وشعبها معدَم. فهل هذه هي الحقيقة؟

خطاب متكرّر

كانت بداية القصة في آذار/ مارس المنصرم، حين قال في اجتماع له مع الجالية الموريتانية في العاصمة الإسبانية مدريد، إن موريتانيا دولة فقيرة، وشعبها يواجه الموت جوعاً، مشيراً إلى أنه تصنيف أممي، وأضاف: "دولتكم تعرفها الأمم المتحدة، وقد صنّفتها دولةً فقيرةً. دولتكم لا يمكن لأي كان أن يقف عند إشارة مرور فيها إلا وتدفق عليه المتسولون، وهم لا يفعلون ذلك ترفاً، وإنما بسبب الجوع".

مضيفاً: "هناك أماكن لا يجد سكانها مياهاً للشرب، كما أنهم يعيشون في الظلام، لأنهم من دون كهرباء، وحتى في المدن التي توجد فيها خدمة الكهرباء فإنها تنقطع، فكيف نقول إن دولتنا دولة غنية، وليست بحاجة إلى أي شيء؟ هذا بعيد من الواقع".

"أعيد التأكيد على أن بلدنا بلد فقير وإمكاناته وموارده المالية والاقتصادية محدودة جداً وبنيته التحتية ضعيفة جداً"، أمام هذا التصريح للرئيس الموريتاني يستاءل مواطنون هل حقا بلدهم فقير وهو الغني بالثروات الباطنية والبحرية وبناسه؟

ولد الغزواني عاد وأكّد كلامه مجدداً قبل أيام، في لقاء جمعه برجال الأعمال الموريتانيين، في العاصمة نواكشوط، قائلاً: "أعيد التأكيد على أن بلدنا بلد فقير وإمكاناته وموارده المالية والاقتصادية محدودة جداً وبنيته التحتية ضعيفة جداً".

وأضاف: "من الأمثلة على ذلك، أن بلادنا استوردت مؤخراً 75 ألف طن من القمح، وبعدما توصلنا بها واجهنا صعوبات كبيرةً في تعبئتها وتخزينها ونقلها، فكيف إذا تعلق الأمر بطاقاتنا الإنتاجية؟".

وتابع:"هذه الوضعية تعود في المقام الأول إلى عدم نجاعة سياساتنا العمومية وإلى عدم استغلالنا لمواردنا وطبعاً اعترافنا بهذا الواقع لا يعني في أي حال من الأحوال الاستسلام له، بل لتحفيزنا على مواصلة العمل للعبور بالبلد إلى مصاف الدول النامية في الأمد المنظور".

قبل الاجتماع الأخير، كان ولد الغزواني قد انتقد في آذار/ مارس الماضي، إدارات الدولة الموريتانية وحمًّلها مسؤولية التقصير في خدمة المواطنين، مؤكداً أنه آن الأوان لجعل الإدارات الحكومية "أقرب إلى المواطن وأكثر استماعاً إليه"، وذلك في كلمة ألقاها في حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب المدرسة الوطنية للإدارة.

هل موريتانيا بلد فقير؟

حديث ولد الغزواني، أثار الجدل إذ عدّه البعض تهرباً من المسؤولية وإلقاءً للّوم على فقر الدولة القَدَريّ، وأنه يتحدث وكأن غير مسؤول عن واقع هذه الدولة التي يرأسها، ويتغافل عن أسباب تخلفها والفساد المنتشر فيها، وأنه هو من يحكم ولم يبذل جهداً لتجاوز هذا الأمر، بل مكّن الفاسدين، وأنه هو نفسه كان جزءاً من نظام الفساد حتّى قبل حكمه، ويتحمل المسؤولية كغيره من صناع القرار في الدولة عن أحوال الناس.

إلا أن أحاديث ولد الغزواني، فتحت النقاش حول فقر الدولة، وفي حديث إلى رصيف22، قال الباحث في الاقتصاد الحسين محمد عمر، معلّقاً على حديث ولد الغزواني: "سأجيب عن هذا السؤال من خلال نقطتين تفصيليتين، وقبل ذلك ينبغي الوقوف عند ما يقصده الرئيس الموريتاني بنوع الفقر الذي تعاني منه موريتانيا، فالمركّبات التي تؤدي إلى الفقر متعدّدة ومتشابكة، لكنني سأركز على نقطتين فقط، وهما الفقر من حيث ما تتوافر عليه موريتانيا من موارد طبيعية، والفقر على المستوى البشري".

حديث ولد الغزواني، أثار الجدل إذ عدّه البعض تهرباً من المسؤولية وإلقاءً للّوم على فقر الدولة القَدَريّ، وأنه يتحدث وكأن غير مسؤول عن واقع هذه الدولة التي يرأسها

يشرح ولد محمد عمر، كلامه قائلاً: "أولاً، موريتانيا تحتل المرتبة 160 من أصل 189، حسب الترتيب العام المعتمد على مؤشر التنمية البشرية وهو ما يعني أن موريتانيا فقيرة من أحد أهم العوامل التي تُبنى عليها الدول، إذ إن بعض تلك الدول لا تتوافر فيها موارد طبيعية، لكنها اعتمدت على عقول أبنائها مثل اليابان وكوريا الجنوبية. ثانياً، من حيث الموارد الطبيعية، لا يمكن اعتبار موريتانيا فقيرةً، فهي أكبر دولة إفريقية تصديراً لخام الحديد، إذ بلغت 12.5 مليون طن سنة 2020، بعائدات وصلت إلى 1.5 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى صادرات السمك والذهب، وموارد أخرى كثيرة، لذا لا يمكننا الحديث عن الفقر على مستوى الموارد نهائياً، خاصةً مع العلم بأن البنك الدولي عبر مؤسسته (المؤسسة الدولية للتنمية IDA)، قد رأى أن موريتانيا لم تعد ضمن الدول المؤهلة للاستفادة من المنح المخصصة للدول الفقيرة، وذلك عبر رسالة إلى الحكومة الموريتانية بتاريخ 1 أيلول/ سبتمبر 2021، وذلك لأن موريتانيا حسب بيانات رسمية، وصلت إلى عتبة 1،604 دولارات للفرد من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 7.9 مليار دولار سنة 2021، متجاوزةً العتبة المحددة من طرف الـIDA، والبالغة 1،205 دولارات للفرد، وذلك على الرغم من أن موريتانيا كانت قد حصلت على 251.57 مليون دولار بحلول آب/ أغسطس 2021 من المؤسسة نفسها (IDA)".

ما ينقص موريتانيا هو إرادة جادة للقضاء على الفساد واجتثاثه من جذوره عبر تطبيق القانون من دون مراعاة العلاقات الاجتماعية، ولا الولاء السياسي

وأضاف المتحدث قائلاً: "بناءً على المعطيات السابقة، فموريتانيا لا تُعدّ بلداً فقيراً بالمعنى المتعارف، فالفقر هنا حال ذهنية أو لنقل سياسة مقصودة تنتهجها الدولة لضرورة استمرار المنح الدولية من مؤسسة (IDA)، وهو ما لم يعد ممكناً، ولعل تصريحات الرئيس ولد الغزواني المتكررة محاولة منه لمعالجة الغلط الذي وقعت فيه الدولة الموريتانية بالإعلان عن مستوى دخل الفرد الذي يحرمها من المنح، ومحاولة منه كذلك لإيصال رسالة إلى العالم مفادها أن موريتانيا بلد فقير ويجب ألا توقفوا مساعداتكم عنه، لكن الجهات الدولية المختصة تتعامل بالأرقام والمعطيات الصادرة عن الجهات الرسمية فحسب، وليس بالتصريحات التي لا تعضدها أرقام، وربما هي رسالة موجهة إلى الداخل قبل الخارج، لتبرير العجز عن إنجاز شيء ملموس للمواطن".

وحسب الأستاذ صبحي ودادي، مدير المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية الذي تحدث إلى رصيف22: "هناك مؤشرات اقتصادية يمكن أن نسترشد بها للحكم على هذا الموضوع، الأول هو أن موريتانيا قادمة لتوها من تصنيف البلدان الأقل دخلاً في العالم، وهي الآن تُصنَّف ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، وقد تجاوزت العتبة التي تُصنَّف من خلالها تلك البلدان منذ ثلاث سنوات متتالية، والعتبة هي 1،026 دولاراً، أي متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، وموريتانيا تجاوزته بشكل كبير، ففي موريتانيا في سنة 2021 وصل متوسط دخل الفرد إلى حدود1،800  دولار. أيضاً هناك منحيان في هذا الاتجاه إذا أردنا أن ننظر إلى حجم الناتج المحلي الذي لا يتجاوز حدود الثمانية مليارات دولار، وبعد احتساب الحكومة مؤخراً لأجزاء من القطاع الرسمي الذي لم يكن مدمجاً في الاقتصاد. وإذا نظرنا إلى ما أشارت إليه من المؤشرات المتعلقة بمعدل نصيب الفرد وإلى معدل الفقر ذاته الذي يبلغ 31 في المئة، بعد أن كان قبل عشرين سنةً يبلغ حدود 45 في المئة أو 41 في المئة، ففعلاً موريتانيا بلد فقير لهذه الاعتبارات وانطلاقاً من هذه المؤشرات".

وأضاف المتحدث قائلاً: "أما إذا نظرنا إلى حجم الثروة التي لم تُستغل، فموريتانيا بلد لديه مقدرات هائلة بعضها متجدد وبعضها من الثروات الباطنية، مثل المعادن والغاز والنفط وأنواع المعادن المختلفة كالذهب والنحاس والحديد والكوارتز واليورانيوم وغيرها، لكن هذه المقدرات مقدرات كامنة ولذلك لا يمكن أن نعدّ أنها تمنح بلداً ما صفة الغنى إلا بمعنى أنه يمكنها أن تكون كذلك إذا استُغِلَّت، وطبعاً بهذا الاعتبار لدى بلادنا مقدرات هائلة".

ثروة طبيعية هائلة

يتحدث الموريتانيون كثيراً عن غنى بلادهم بالموارد الطبيعية وعن مفارقة ثراء الأرض وفقر الشعب والدولة، وحسب الحسين محمد عمر، فإن "موريتانيا لا تنقصها الموارد الطبيعية، بل تكتشف المزيد منها سنوياً، مثل حقل أحميم بين موريتانيا والسنغال، وحقل ‘بير الله’ الذي لم ينتهِ التنقيب فيه بعد، والذهب السطحي الذي يساهم بشكل كبير في استقرار العملة الوطنية. الخلل الجسيم الذي يمنع موريتانيا من القضاء على مشكلة الفقر هو "الفساد" الإداري، فموريتانيا تحتل المرتبة 140 من أصل 180 دولةً على مؤشر الفساد الصادر 2021، وهو ما يعني أن موريتانيا تعرف أكبر معضلة حرمت الدولة من تجاوز واقع الفقر، فترتيب كهذا يعني أن موريتانيا تخسر بعض الاستثمارات الأجنبية بسبب الفساد، كما تخسر الملايين من الاستثمارات العمومية بسبب الفساد أيضاً في منح المشاريع لغير مستحقيها".

وخلص ولد محمد عمر، إلى القول: "ما ينقص موريتانيا هو إرادة جادة للقضاء على الفساد واجتثاثه من جذوره عبر تطبيق القانون من دون مراعاة العلاقات الاجتماعية، ولا الولاء السياسي، ومتابعة تنفيذ المشاريع التنموية خاصةً في المناطق الأكثر فقراً".

ويرى ودادي، أنه "بالرغم من شحّ الإمكانات وضعفها ومع ضعف الميزانية وضعف الناتج المحلي، كان للهدر وسوء التسيير والفساد الإداري والمالي الدور الأكبر في حالة الفقر التي تعيشها موريتانيا. أعتقد أن موريتانيا تعاني من معضلتين تسببان حالة الفقر هذه، وهما الفساد المنتشر وضعف الإدارة وعدم نجاعة المرفق العمومي، ونسمع حالياً في الخطاب الرسمي تركيزاً على تقريب الإدارة من المواطن، ولعل هذا جزء من موضوع أشمل متعلق بحالة الإدارة الموريتانية، فإذا عالجنا حالة عدم النجاعة والفساد الإداري والمالي، فإنه يمكن أن تكون الإمكانات المتاحة قادرةً على أن تحقق مستويات ومؤشرات اقتصاديةً أفضل للمواطن الموريتاني".



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image