شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بين فوائد بيئية وأخرى اقتصادية... ماذا حلّ بمشروع

بين فوائد بيئية وأخرى اقتصادية... ماذا حلّ بمشروع "كايرو بايك" للدراجات في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 11 مايو 202301:36 م

لطالما راود حلم امتلاك دراجة هوائية، الشاب العشريني أحمد مراد، فاعتاد استئجارها طوال الأعوام العشرة الماضية بسبب عدم قدرته على شرائها، إذ تبدأ أسعارها من 20 ألف جنيه (قرابة 650 دولاراً)، حتى سمع عن مشروع "كايرو بايك"، الذي يستطيع من خلاله استئجار دراجة هوائية حديثة مقابل جنيه واحد في الساعة بعد التسجيل على موقع إلكتروني.

سارع أحمد إلى إحدى محطات تمركز الدراجات في منطقة عابدين في وسط القاهرة، للاستعلام عن موعد بداية انطلاق المشروع وكيفية استلام الدراجة، وهناك تحدث مع ولاء عاطف التي كانت ترتدي زياً أخضر مميزاً، تجاورها 10 درجات هوائية حديثة، وتستقبل المارة بابتسامة وتجيب عن جميع الاستفسارات حول كيفية تشغيل الدراجات وطرق تأجيرها من خلال تطبيق عبر الإنترنت.

لاقى "كايرو بايك" استحساناً كبيراً خاصة بين الشباب، لكن مع مطلع العام اختفت الدراجات من المواقف المخصصة لها.

وافتتحت محافظة القاهرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي المرحلة الأولى من "كايرو بايك"، كأول منظومة مشاركة دراجات عامة في مصر، تزامناً مع استعدادات مصر لاستضافة قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ، ونفذ المشروع في مناطق وسط البلد وغاردن سيتي والزمالك، وتضمن 500 دراجة كمرحلة أولى، موزعة على 45 محطة تعمل بالطاقة الشمسية ومزودة بجهاز تتبع الموقع GPS. وخصصت للمشروع حارات ضيقة تُميزها حواجز بلاستيكية باللون الأصفر لمنع مرور السيارات، مطبوع عليها شعار "مخصصة لسير الدراجات الهوائية".

ولاقى "كايرو بايك" استحساناً كبيراً خاصة بين الشباب، لكن مع مطلع العام الجاري اختفت الدراجات من المواقف المخصصة لها، واستوطن حاراتها المارة والدراجات النارية، ليتساءل الناس حول جدوى المشروع أو نجاحه الحقيقي.

شوارع غير صالحة للدراجات

يقول أحمد طاهر، أحد المشتركين بمشروع "كايرو بايك"، إنه استخدم الدراجة الهوائية 20 يوماً فقط، كان يضطر فيها إلى التسابق مع العشرات لحجز الدراجة، بعدما سيطر عليها العاملون في توصيل الطلبات، لأنها أرخص وسيلة متاحة لهم.

بدوره اشتكى نادر سيف في حديثه لرصيف22 من حدوث عطل بدراجته الهوائية أكثر من مرة، وعدم صيانتها من قبل القائمين على المشروع، وعدم مراعاة عدد كبير من سائقي السيارات آداب المرور وتعديهم على الحارات المخصصة لسير الدراجات، الأمر الذي لم يشجعه على استخدام التطبيق واستئجار الدراجة مرة أخرى.

فيما وصفت رحاب جاد المشروع "كايرو بايك" بأنه أشبه بـ"السبوبة" المرتبطة فقط بمؤتمر المناخ، وقالت: "الشوارع في مصر غير صالحة ولا آمنة لسير الدراجات خاصة للفتيات".

تحرش بالفتيات

مع الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة من كل أسبوع، تصادفك مجموعة من الشباب والفتيات من أعمار مختلفة يقودون دراجاتهم الهوائية داخل الميادين الرئيسية في القاهرة، يرأسها شاب يضع عدة قواعد يلتزم بها الجميع، منها عدم الإسراع في القيادة، وعدم الانحراف عن سير المجموعة، والحرص على عدم تعرض الفتيات للتحرش من قبل المارة أو سائقي السيارات.

مصر دولة شديدة الازدحام بالسيارات التي تبث الأدخنة السامة، كما أن درجات الحرارة ترتفع خلال معظم شهور العام وتتخطى الأربعين درجة خاصة خلال الصيف، فكيف أشجع المواطنين على استخدام الدراجة الهوائية في ظل ظروف صعبة، مع عدم تأمين مسارات لهم تحميهم من الازدحام المروري؟

ويقول أحمد رائد، أحد المشاركين في هذه الحملة واسمها "Go Bike"، إن ثقافة قيادة الدراجات الهوائية لم تنتشر حتى الآن في مصر على نطاق واسع، لأن الشوارع غير مؤهلة مع عدم تخصيص مسارات محددة لسيرها، بجانب عدم التزام بعض المواطنين بآداب المرور، وعدم ترك مسافة آمنة بين قائد السيارة وقائد الدراجة الهوائية، الأمر الذي يعرض الأخير للخطر.

وأشارت مريم جاد وهي إحدى المشاركات في مجموعات الدراجات الهوائية، إلى أن هناك الكثير من الصعوبات التي تواجهها أثناء قيادتها لدراجتها، أهمها أنها لا تستطيع الخروج بها بعيداً عن إطار الحي الذي تسكن فيه بسبب تعرضها للتحرش، لذلك تحرص على الخروج في مجموعات أثناء قيادتها للدراجة خارج محيط سكنها.

غياب ضوابط الأمان والسلامة

لم يكن مشروع "كايرو بايك" المبادرة الأولى في مصر لتشجيع ثقافة ركوب الدراجات الهوائية، فسبقته مبادرات أطلقتها وزارة الشباب والرياضة، مثل "دراجتك صحتك"، و"دراجة لكل مواطن"، و"دراجتك دخلك"، و"بسكلتة القاهرة"، لكن جميعها لم يكتب لها النجاح. ويرجع المهندس وخبير الطرق أحمد مأمون الأمر إلى عدم وضع ضوابط الأمان والسلامة لقائدي الدراجات الهوائية أثناء إنشاء وتخطيط المدن.

ثقافة قيادة الدراجات الهوائية لم تنتشر حتى الآن في مصر على نطاق واسع، لأن الشوارع غير مؤهلة مع عدم تخصيص مسارات محددة لسيرها، بجانب عدم التزام بعض المواطنين بآداب المرور، وعدم ترك مسافة آمنة بين قائد السيارة وقائد الدراجة الهوائية، الأمر الذي يعرض الأخير للخطر

ولفت مأمون في تصريح لرصيف22 إلى أن مبادرات كهذه تحتاج تخطيطاً جيداً وتحديد مسارات آمنة خاصة لسير الدراجات، ونشر ثقافة التعامل مع الدراجة كإحدى وسائل النقل، فلا يمكن فرضها على الشارع المصري بين يوم وليلة.

وأضاف: "لا نستطيع المقارنة بين مصر والدول الأجنبية في استخدام الدراجات الهوائية، فالأولى دولة شديدة الازدحام بالسيارات الخاصة والأجرة التي تبث الأدخنة السامة، كما أن درجات الحرارة ترتفع خلال معظم شهور العام وتتخطى الأربعين درجة خاصة خلال الصيف، فكيف أشجع المواطنين على استخدام الدراجة الهوائية في ظل ظروف صعبة، مع عدم تأمين مسارات لهم تحميهم من الازدحام المروري والمضايقات التي يتعرضون لها؟".

من جانبه أشار الدكتور محمد سلام أستاذ النقل في جامعة عين شمس إلى أن مشروع "كايرو بايك" لم يحالفه النجاح بسبب سوء التخطيط، وقال لرصيف22: "تحتاج الدراجات الهوائية إلى صيانة دورية للحفاظ عليها، كما أن التخطيط العمراني للأحياء القديمة في القاهرة الكبرى ومحافظات الوجه البحري والقبلي غير مؤهلة لاستخدام الدراجات كإحدى وسائل النقل الرئيسية وليست الترفيهية، لذلك لم تمر سوى أشهر معدودة على انطلاق المشروع حتى اختفت الدراجات من الساحات والشوارع".

مبادرات كهذه تحتاج تخطيطاً جيداً وتحديد مسارات آمنة خاصة لسير الدراجات.

الدراجات وخفض الانبعاثات الكربونية

إدراكاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة لأهمية الدراجة، أعلنت يوم 3 حزيران/ يونيو من كل عام يوماً عالمياً للدراجة الهوائية، بغرض لفت الانتباه إلى فوائد استخدام الدراجة كوسيلة نقل بسيطة وبأسعار معقولة، ونظيفة ومستدامة بيئياً، فهي تساهم في جعل الهواء أنظف، وتقليل الازدحام، وتجعل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى في متناول معظم السكان.

وبإمكان العالم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالى 700 مليون طن كل عام، إن عمد الجميع لاستخدام الدراجات الهوائية في تنقلاتهم اليومية، إذ يتسبب قطاع المواصلات عالمياً بقرابة ربع إجمالي الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري، ونصف هذه الانبعاثات ناتجة عن السيارات.

ويعلق الخبير البيئي أشرف زهران: "أطلق مشروع كايرو بايك للفت النظر إلى مصر كإحدى الدول التي تستخدم وسائل مواصلات صديقة للبيئة، تزامناً مع استقبال مؤتمر المناخ كوب27 في مدينة شرم الشيخ، وبمجرد انتهاء المؤتمر اختفت العجلات الهوائية من الطرق، إذ حالفها الحظ السيئ بالتعامل معها على أنها وسيلة نقل للتنزه والترفيه فقط، وليس كوسيلة نقل مستدامة صديقة للبيئة".

وقال زهران إن الدول المتقدمة تحفز المواطنين على ركوب الدراجات الهوائية، لأن التكدس المروري الذي نشاهده على مدار ساعات اليوم، وما ينتج عنه من أصوات محركات السيارات واحتكاك الإطارات والاستخدام الخاطئ للأبواق هي من المسببات الرئيسية للضوضاء. وشدد على ضرورة نشر ثقافة ركوب الدراجات الهوائية من خلال المناهج الدراسية، والتأكيد على أهميتها في التخفيف من تلوث الهواء والانبعاثات الضارة بالبيئة والمسببة للتغيرات المناخية.

وأكد خليل شعث مستشار محافظ القاهرة وأحد المسؤولين عن مشروع "كايرو بايك" لرصيف22 أن المشروع تمت دراسته بشكل كامل بالتعاون بين محافظة القاهرة وبرنامج الأمم المتحدة، وأن الحديث عن فشل المشروع "عار من الصحة" وهو ما زال قائماً، والحقيقة أن المحافظة ألغت التعاقد مع المشغل بسبب عدم التزامه بالبنود المقررة، بجانب حدوث بعض المشاكل التقنية بالتطبيق الإلكتروني على الهاتف المحمول.

وأشار شعث إلى أن محافظة القاهرة بصدد إعادة تشغيل "كايرو بايك" قريباً، وسيتم الإعلان عن موعد وطريقة حجز الدراجات من جديد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard