شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بيوت الضيافة في لبنان... كسرٌ لمركزية السياحة و

بيوت الضيافة في لبنان... كسرٌ لمركزية السياحة و"تنميط" النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 9 مايو 202312:54 م

تركت لميا العلي (52 عاماً)، عملها في التعليم المدرسي والتدقيق، وانتقلت إلى خوض تجربة بيوت الضيافة في بلدتها النائية، بريح، في قضاء الشوف. بمساعدة من "مشروع سيزار"، حوّلت لميا، منزل جد زوجها، الذي اعتمدته البلدية لتخزين حاويات النفاية فيه، إلى بيت ضيافة يشمل الخدمات كافة. انطلقت قبل ثلاث سنوات تقريباً، وكان لكورونا دور أساسي في نهضة مشروعها بعدما هرب بعض أهالي بيروت من العاصمة خوفاً من الوباء.

بعد سنة على انطلاق مشروعها، قررت توسيع مجال عملها ليشمل تحضير الطعام. "قررت إشراك جيراني والقريبين مني في عملي، وتمكنّا من تأسيس دورة اقتصادية صغيرة في البلدة للمزارعين والطباخين وأصبحنا نحضّر نشاطات لتعريف الناس ببلدتنا"، تقول لميا لرصيف22. اليوم، تعمل 3 سيدات مع لميا بشكل ثابت، وبلغ العدد الإجمالي للمستفيدين من بيت الضيافة 20 شخصاً، بين مزارعين ومساعدين وعمال أرض وبائعي مونة ومنتوجات بلدية وصانعي مونة وغيرهم.

وتضيف لميا: "سددت ديوني كافة، ولم يبقَ سوى مبلغ صغير سأنتهي منه قريباً، وأنا قادرة على تغطية نفقات منزلي ومساعدة أولادي الذين حُجزت أموالهم في المصارف نتيجة الأزمة". التعبير الأول الذي سمعته مع انطلاقها في المشروع، هو "حرام لميا عم تشتغل بالطبخ"، أما اليوم فقد باتوا هؤلاء من العاملين معها في مشروعها الذي حوّل بلدتها إلى واجهة سياحية.

"ما تخيلت حالي عم إشتغل بعمر الستين، ولولا هالشغل الله بيعلم شو كانت ظروفي بظلّ هالأزمة"، تقول هيام سليم (64 عاماً)، لرصيف22. تمضي هيام عامها الخامس في تحضير المونة البلدية، بما فيها وجبات الطعام، لبيوت الضيافة القريبة منها في محافظة جبل لبنان. تعمل بمعدل تسع ساعات يومياً، وتحاول التنسيق بين منزلها وعملها الذي يحتاج إلى جهد جسدي ليس بالسهل، خصوصاً في موسم تحضير المونة.

التعبير الأول الذي سمعته كان "حرام لميا عم تشتغل بالطبخ"، أما اليوم فقد باتوا هؤلاء من العاملين معها في مشروعها الذي حوّل بلدتها إلى واجهة سياحية

تعيش هيام في منزلها مع أولادها الأربعة، وترى أن عملها "سترها وستر أولادها"، بعدما خسر اثنان منهم عملهما بسبب الأزمة اللبنانية. وتضيف: "مررت بظروف خانقة قبل اتخاذي قرار العمل في هذا المجال، واليوم أنا فخورة بما حققته وأنتظر الموسم الصيفي علّه يحمل معه البحبوحة".

كسر مركزية السياحة

"على عكس الفنادق، أجمل ما في بيوت الضيافة هو انتشارها على مختلف الأراضي اللبنانية ولا سيما النائية في الجبل (منطقة الشوف)، والجنوب والبقاع"، يقول حسن رجب (26 عاماً)، لرصيف22، وهو من محبّي التسلّق والتخييم. في السنوات الماضية، تحولت بيوت الضيافة إلى "موضة" جديدة، كسرت مركزية السياحة اللبنانية وساهمت في تأمين فرص عمل لمختلف الفئات في المناطق النائية.

هي بيوت لبنانية ذات عمران هندسي فريد تقع في مختلف القرى، الجبلية والريفية بشكل خاص، وتستقبل اللبنانيين/ ات والأجانب لتعريفهم/ ن على المناطق التي تتواجد فيها. كما أنها تتيح لقاصديها اختبار العادات والتقاليد وتقدّم المائدة اللبنانية البلدية، وهدفها الأساسي تنشيط السياحة الريفية. يشير رجب إلى أنه يبحث عن بيوت الضيافة وأسعارها قبل زيارة أي منطقة لممارسة هواياته، بحيث "تتفاوت الأسعار بشكل كبير، ويمكن أن يصل الفارق في منطقة واحدة إلى 100 دولار مقابل الليلة الواحدة".

بدأت بيوت الضيافة بالانتشار بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية، وتنقّلت بين مختلف المناطق بحكم نجاحها في استقبال أعداد كبيرة من الزوار. لا تتطلب معظمها مبالغ ضخمةً لتأسيسها، على عكس الفنادق والمؤسسات السياحية الكبيرة التي تتخطى قيمتها المليون والمليوني دولار بالحد الأدنى. اليوم، بلغ عدد هذه البيوت قرابة الـ160 مشروعاً، وهي تتفاوت من حيث سعتها وفخامتها والخدمات التي تقدّمها.

المناطق النائية على الخريطة السياحية

لطالما اعتمدت السياحة على العاصمة بيروت والخط الساحلي، والدولة اللبنانية كانت شريكةً في تهميش الريف نتيجة غياب الإدارة والخطط التنموية الريفية. وُضع الريف اللبناني على الخريطة السياحية لأول مرة في العام 2007، بعدما أسس جوزيف وفيصل بو عز الدين جمعية "درب الجبل اللبناني".

"85% من قاصدي هذه البيوت مقيمون في لبنان، وهي تعتمد على اليد العاملة المحلية وتشجع الإنتاج المحلي

هي تجربة نقلاها من الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم على إنشاء بيوت ضيافة لزيارتها خلال رحلات المشي والتسلّق. تنتشر بيوت هذه الجمعية من الشمال وصولاً إلى مرجعيون، وهدفها إشراك أهالي الريف في قطاع السياحة الذي يُعدّ عاموداً أساسياً، إن لم يكن الوحيد، في الاقتصاد اللبناني لسنوات عدة.

مناطق كرأس بعلبك والضنية والجنوب لم تكن يوماً على الخريطة السياحية، وقد تطورت بشكل كبير خلال السنوات الماضية. لعب وباء كورونا دوراً جوهرياً في نهضة بيوت الضيافة اللبنانية، إذ شجّع الناس على التوجه إلى الأماكن النائية التي لا كثافة سكانيةً فيها. وعلى عكس الفنادق وسائر المؤسسات السياحية، شهدت البيوت إقبالاً كبيراً خلال تلك الفترة ومعظمها حُجزت لفترات طويلة بعدما ترك بعض الناس منازلهم في المدن حيث الاختلاط والكثافة السكانية.

بحسب رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر: "85% من قاصدي هذه البيوت مقيمون في لبنان، وهي تعتمد على اليد العاملة المحلية وتشجع الإنتاج المحلي كالمونة وغيرها". لا أرقام محددةً عن العاملين في بيوت الضيافة، خصوصاً أن بعضها يفتح بشكل موسمي وليس طوال أيام السنة. بالنسبة إلى المداخيل، يشير الأشقر لرصيف22، إلى أن "اعتماد الموظفين هو على 'الخرجية أو ما يُعرف بالـTips' التي يتلقونها، وعدد كبير منهم تكون مداخيلهم رمزيةً".

يشدد الأشقر على أهمية هذه البيوت في تنشيط الحركة السياحية، والتي باتت مقصداً للأجانب أيضاً الذين لم يعتادوا على هذا النوع من السياحة في بلدانهم. تتفاوت أسعار هذه البيوت، لتصل في بعض الأحيان إلى 300 دولار مقابل الليلة الواحدة. ولهذه البيوت سعة ضئيلة مقارنةً بالفنادق، وتحكمها قاعدة "العرض والطلب" في التسعير، خصوصاً في فصل الصيف.

تحديات أساسية

يُعدّ "مشروع سيزار" من النماذج اللافتة لبيوت الضيافة في لبنان. يضم المشروع 4 بيوت، من بينها بيت الضيافة الذي تملكه لميا، وهي جميعها في قضاء الشوف. برغم نجاح هذه البيوت، إلا أنها تواجه تحديات حقيقيةً في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان. فتكاليف الطاقة باتت مكلفةً للغاية اليوم، وتكلفة اعتماد الطاقة الشمسية تفوق قدرة أغلبية القائمين على هذه المشاريع.

تحولت بيوت الضيافة إلى "موضة" جديدة، كسرت مركزية السياحة اللبنانية وساهمت في تأمين فرص عمل لمختلف الفئات في المناطق النائية، فكيف حصل ذلك؟

هنا، تشير منسقة التنمية الريفية في "مشروع سيزار"، كارمن بو درغم، إلى أزمة جديدة تبرز مع التقلبات الجذرية في سعر صرف الدولار، وهي مداخيل العاملين/ ات في بيوت الضيافة. فبحسب بو درغم، وبرغم نجاح البيوت في الحد من نزوح العديد من أبناء الريف إلى العاصمة، "لا تزال المداخيل بالليرة اللبنانية وهو ما يُعدّ عائقاً في الفترة الحرجة التي يعيشها اللبنانيون".

بعيداً عن التحديات المتعلقة بالأزمة الاقتصادية، تلفت بو درغم إلى "تحدٍ من نوع آخر"، وهو معاناة أصحاب هذه المشاريع نتيجة النقص الحاد في الأيدي العاملة في بعض التخصصات كالكهرباء والزراعة والفلاحة وغيرها. لا أعداد رسميةً عن العاملين والمستفيدين من هذه البيوت، إذ "لا تعلم الوزارة بعدد الفنادق الموجودة فعلياً في لبنان، والفنادق التي هُدمت خلال فترات الحرب لا يزال معظمها مسجلاً إلى اليوم كمؤسسات سياحية"، بحسب النقيب بيار الأشقر.

حال وزارة السياحة بات يجسّد الواقع اللبناني اليوم. قد تكون السياحة آخر ما يسأل عنه القائمون على الدولة اللبنانية، برغم رهانهم عليها مراراً لتغطية الهدر العام. بيوت الضيافة، وخصوصاً الصغيرة منها، تحولت إلى تجارب "يُضرب بها المثل". جوانب مختلفة نجحت هذه المشاريع في تثبيتها أبرزها إشراك النساء وكبار السن في سوق العمل، والتخفيف من النزوح الريفي، والحفاظ على ما تبقّى من صورة جميلة للبنان الذي صُنّف يوماً "سويسرا الشرق".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image