شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الاستقلال يا نجيب"... العلاقات المصرية السودانية بعد ثورة يوليو في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 7 مايو 202302:54 م

في 1 آذار/مارس 1954 وصل الرئيس المصري الجديد اللواء محمد نجيب إلى الخرطوم للمشاركة في افتتاح البرلمان السوداني. كان ذلك بعد سنة وثمانية أشهر فقط على ثورة 23 تموز/يوليو في مصر التي أطاحت بحكم فاروق الأول "ملك مصر والسودان". اتخذ فاروق هذا اللقب رسمياً في تشرين الأول/أكتوبر 1951 وعُدّل الدستور المصري لأجله علماً أنه كان يطلق عليه منذ توليه العرش خلفاً لأبيه سنة 1936، وهو الذي لم يزر الخرطوم في حياته.

ورث اللواء نجيب –وهو من مواليد السودان ومن أم سودانية-، السودان، عن الحكم الملكي، وأراد أن يحرره من القيود المفروضة عليه منذ القرن التاسع عشر. ولكن كان عليه تقاسم نفوذ السودان مع الإنكليز، وهو المدرك قبل غيره مدى غضب السودانيين من التجاوزات البريطانية – المصرية منذ أيام الثورة المهدية في زمن الخديوي توفيق.

كاريزما عبد الناصر ونحاج ثورة الضباط الأحرار سنة 1952 كانت قد ألهمت جيل كامل من الضباط العرب، في سوريا والعراق وليبيا، والسودان طبعاً، وجميعهم أقاموا أنظمة حكم على غرار التجربة المصرية

فكّر اللواء نجيب إنه وبزيارة الخرطوم سيفتح صفحة جديدة مع جارته السمراء، ولكن ذلك لم يحصل وكانت نتائج الزيارة عكسية ومخيبة للآمال. الاحتفال الكبير الذي رتّب لأجله أُلغي بسبب المظاهرات الضخمة التي انطلقت من ساحة كتشنر (شمال وزارة المالية اليوم)، قدّرت بحوالة عشرين ألف شخص يهتفون: "الاستقلال يا نجيب... الاستقلال يا هو". تحولت هذه المظاهرات إلى الاشتباكات عنيفة، قتل فيها ما لا يقل عن 34 مواطناً سودانياً، بينهم مدير شرطة الخرطوم ومساعد الحكمدار.

أقيل محمد نجيب دون تحقيق أي تقدم في علاقة بلاده مع الخرطوم وحصل السودان على استقلاله في مطلع عام 1956. وبعدها بثلاث سنوات كانت زيارة ثاني رئيس مصري إلى الخرطوم، قام بها جمال عبد الناصر في 17 شباط/فبراير 1959 بصفته رئيساً للجمهورية الوحدة بين مصر وسوريا. وكان يحكم السودان يومها الرئيس الفريق إبراهيم عبود الذي بدأ حياته العسكرية ضابطاً في الجيش المصري وانتقل إلى الجيش السوداني عند تأسيسه، ليكون قائداً له في عهد الاستقلال.

كاريزما عبد الناصر ونحاج ثورة الضباط الأحرار سنة 1952 كانت قد ألهمت جيل كامل من الضباط العرب، في سوريا والعراق وليبيا، والسودان طبعاً، وجميعهم أقاموا أنظمة حكم على غرار التجربة المصرية. قاد إبراهيم عبود انقلاباً عسكرياً في 17 تشرين الثاني/نوفمبر  1958 وكرر في بلاغاته الإذاعية أنه يأتي إلى الحكم لمحاربة الفساد و"الإمبريالية والاستعمار"، ولكنه سرعان ما قام بحلّ الحكومة والأحزاب والمجلس النيابي والدستور.

فكّر اللواء نجيب إنه وبزيارة الخرطوم سيفتح صفحة جديدة مع جارته السمراء، ولكن ذلك لم يحصل وكانت نتائج الزيارة عكسية ومخيبة للآمال.

استقبل الرئيس عبود عبد الناصر بحفاوة متقطعة النظير، عكس تماماً مشاهد الضرب والاعتداء التي رافقت زيارة محمد نجيب قبل خمس سنوات. وفي سنة 1960 قام عبود بردّ الزيارة وحلّ ضيفاً مكرماً في القاهرة للاتفاق على تقاسم مياه النيل، قبل الإطاحة به بثورة تشرين الأول/أكتوبر الشهيرة سنة 1964.

عُيّن سر الختم الخليفة الحسن رئيساً للحكومة السودانية، وهو مُدرس وليس عسكري، وكان الوحيد بين رؤساء السودان الذي لم يزر مصر وفضل التركيز على الوضع الداخلي وعدم الانخراط في الشؤون العربية خلال فترة حكمه الانتقالية الممتدة بين 29 تشرين الأول/أكتوبر 1964 ولغاية 2 تموز/يوليو 1965.

قمة الخرطوم سنة 1967

وبعده جاءت فترة حكم إسماعيل الأزهري (1965-1969)، وهو أيضاً من المدنيين القلّة الذين حكموا السودان في النصف الثاني من القرن الماضي. كان من دعاة الوحدة مع مصر وير ضرورة انخراط السودان في الشؤون العربية وتفعيل دورها في جامعة الدول العربية. وفي أعقاب هزيمة العرب في حرب 1967 استضافت الخرطوم القمة العربية الشهيرة في 29 آب/أغسطس 1967 وصدرت عنها اللاءات الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل.

شكّلت قمة الخرطوم سياسة عربية موحدة تجاه القضية الفلسطينية ورفعت من شأن السودان في القضايا العربية الكبرى، مثل دعم منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يتولاها ياسر عرفات، وإنهاء الحرب الأهلية في شمال اليمن واستخدام سلاح النفط لمواجهة إسرائيل.

دعمت السودان قرار القمة بإنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وتقديم دعم من السعودية والكويت وليبيا للدول المتضررة من العدوان الإسرائيلي، بقيمة 147 مليون جنيه إسترليني. نظّم استقبال شعبي مهيب لعبد الناصر في الخرطوم لحطة وصوله للمشاركة في أعمال القمة، كتب وزير الخارجية المصري محمود رياض في مذكراته قائلاً: "بمجرد أن هبطت طائرة عبد الناصر على أرض المطار، اقتحمت الجماهير السودانية كل الحواجز، وتخطوا رجال الأمن وهو يهتفون بحياة عبد الناصر، مطالبين بالثأر من إسرائيل وتحرير الأرض. كنت استقل سيارة خلف عبد الناصر، وخيل لي أن سكان الخرطوم قد خرجوا جميعاً لاستقباله، وسمعت من أحد الوزراء السودانيين أن الخرطوم لم تشهد في تاريخها من قبل مثل هذا الطوفان البشرى الضخم الملتف حول زعيم لم ينحن للهزيمة... أعتقد أن هذه أول مرة في التاريخ يتم فيها استقبال قائد مهزوم استقبال الفاتحين....".

عبد الناصر والنميري

لم يكن لحكام السودان أي دور في توجهات الشعب السوداني العروبية. كان هذا التوجه نابع من إعجاب شديد بعد الناصر وقد فرض على الحكام من القبل الشارع السوداني، وليس العكس. وفي 25 أيار/مايو 1970 عاد عبد الناصر إلى السودان –بعد الإطاحة بالرئيس الأزهري وتسلّم جعفر النميري زمام الأمور في الخرطوم– وكانت هذه الزيارة عي الأخيرة له قبل وفاته في 28 أيلول/سبتمبر في العام نفسه.

جاء عبد الناصر بدعوة من النميري لحضور الذكرى الأولى للثورة التي أوصلته إلى الحكم، وكان برفقة الزعيم الليبي معمر القذافي، صديق النميري وحليم الرئيس المصري. حضر ثلاثتهم إلى إستاد الخرطوم وعندما حاول القذافي الكلام، قاطعته الجماهير السودانية بهتاف: "ناصر... ناصر..." 

جاء عبد الناصر بدعوة من النميري لحضور الذكرى الأولى للثورة التي أوصلته إلى الحكم، وكان برفقة الزعيم الليبي معمر القذافي، صديق النميري وحليم الرئيس المصري. حضر ثلاثتهم إلى إستاد الخرطوم وعندما حاول القذافي الكلام، قاطعته الجماهير السودانية بهتاف: "ناصر... ناصر...".

توجه الرئيس النميري إلى القاهرة في خريف ذلك العام لحضور أعمال القمة العربية المخصصة لمناقشة القتال الدائر في الأردن (معراك أيلول الأسود) وكان في مقدمة المشيعين في جنازة عبد الناصر، ليعود إلى القاهرة لاجئاً سياسياً بعد الإطاحة به وبحكمه في سنة 1985. بقي مقيماً في القاهرة، ضيفاً على حكومة الرئيس مبارك، لغاية عودته إلى الخرطوم في أيار/مايو 1999 وترشحه في انتخابات الرئاسة ضد الرئيس عمر البشير نهاية العام 2000. تقدم النميري في هذه الانتخابات على أنه المرشح الأقرب إلى مصر، ولكنه هُزم طبعاً ولم ينجح وبقي البشير رئيساً لغاية الإطاحة به، مثل النميري من قبله، سنة 2019.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard