شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مذكّرات الرؤساء العرب المنسيين

مذكّرات الرؤساء العرب المنسيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 5 فبراير 202303:44 م
Read in English:

The memoirs of long forgotten Arab heads of state

في الولايات الأمريكية، عُرفٌ قائم منذ وفاة الريس فرانلكن روزفلت عام 1945، بأن تُجمع أوراق كل رئيس في مكتبه حكومية خاصة تحمل اسمه، وأن يضع مذكرات بنفسه وينشرها بعد مغادرته المكتب البيضاوي. سرت هذه العادة على كل الرؤساء، باستثناء جون كيندي الذي قُتل قبل إنهاء ولايته عام 1963، ودونالد ترامب الذي لم تصدر مذكراته حتى الآن.

بعض هذه المذكرات كانت مربحة جداً لأصحابها، مثل مذكرات بيل كلينتون "حياتي" التي قبض سلفة 15 مليون دولار أمريكي من الناشر قبل كتابتها، و21 مليوناً أرباحاً من المبيعات. أما الرئيس باراك أوباما، فقد تقاضى 65 مليون دولار مقابل مذكراته "الأرض الموعودة" التي صدرت عام 2020.

لا عُرف مشابهاً في العالم العربي لأن الرؤساء والملوك يبقون عادة في الحكم حتى الممات، أو يتم خلعهم واعتقالهم، كما حدث مع حسني مبارك وزين العابدين بن عليّ، أو مقتلهم مثلما حدث لصدام حسين ومعمر القذافي. لذلك، لا نجد أي أثر مكتوب لرؤساء العراق (باستثناء روايات صدام الشهيرة) أو لملوكه الثلاثة قبل عام 1958.

الملك المؤسس فيصل الأول توفي فجأة وهو في الخمسين من عمره عام 1933، ومات نجله وخليفته غازي عام 1939 بحادث سير (قيل إنه كان مفتعلاً) وهو في السابعة والعشرين من عمره. أمّا الملك الشاب فيصل الثاني، فقد قتل مع بقية أفراد أسرته في مجزرة قصر الرحاب الشنيعة عام 1958.

في السعودية، لم يترك أي من ملوكها مذكرات، فالملك سعود خُلع عن الحكم عام 1964، والملك فيصل قُتل عام 1975، أما بقية الأشقاء من أولاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فقد بقوا في الحكم حتى الشيخوخة والممات

وفي السعودية، لم يترك أي من ملوكها مذكرات، فالملك سعود خُلع عن الحكم عام 1964، والملك فيصل قُتل عام 1975، أما بقية الأشقاء من أولاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فقد بقوا في الحكم حتى الشيخوخة والممات.

الأردن

الاستثناء اللافت هو المملكة الأردنية الهاشمية، حيث لكل من ملوكها الأربعة مذكرات ذات قيمة، آخرها مذكرات الملك الحالي عبد الله الثاني التي صدرت عام 2011. الملك المؤسس عبد الله الأول وضع مذكراته قبل مقتله عام 1951 وكذلك فعل حفيده الملك حسين في كتاب Uneasy Lies the Head الصادر عام 1962، تلاه كتاب "مهنتي كملك" الصادر عام 1975، وهو عبارة عن أسئلة وجهت للملك حسين من قبل صحافي فرنسي. وهناك مذكرات مشكوك بأمرها حملت توقيع والده الملك طلال، الذي حكم الأردن من تموز/يونيو 1951 إلى آب/ أغسطس 1952.

خلع الملك طلال عن العرش بحجة مرضية عام 1952، وعاش سنواته في المنفى بتركيا حتى وفاته عام 1972، إذ قيل إنه وضع مذكرات نُشرت على صفحات مجلة "روز اليوسف" المصرية في مرحلة الستينيات. كان ذلك خلال أوج الحرب الإعلامية بين عمّان والقاهرة، ويعتبر الملك طلال فيها أنه تعرض لمؤامرة كبرى دبّرتها زوجته الملكة زين شرف لكي يتولّى نجله الملك حسين عرش الأردن. ولكنّ لغة المذكرات ركيكة للغاية وكذلك التهجم الكبير على أفراد الأسرة الهاشمية، ما جعل الكثير من المؤرخين والباحثين الأردنيين والعرب يشككون بمصداقيتها ويقولون إن الملك طلال لم يكتبها قط إنما كانت من تأليف المخابرات المصرية.

مصر

كل ملوك مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 لم يكتبوا مذكرات، باستثناء الخديوي عباس حلمي الثاني الذي دوّن مذكراته، التي نشرت بعنوان "عهدي" عام 1993 وتم ترجمتها لاحقاً إلى اللغة الإنجليزية عبر الجامعة الأميركية في القاهرة. حكم عباس حلمي الثاني مصر من عام 1892 إلى عام 1914، عندما تم خلعه عن العرش من قبل الإنجليز، وله أوراق مفصلة ودقيقة عن فترة حكمه ومنفاه الطويل في أوروبا، تم إيداعها في جامعة درهام البريطانية عام 1980، ويجري فتحها سنوياً للباحثين المختصين عبر زمالة أكاديمية تحمل اسم "زمالة محمد علي". بعيداً عن هذه التجربة الفريدة للخديوي، لا نجد أوراقاً مماثلة لا للملك فؤاد أو لنجله الملك فاروق، علماً أن الكثير من وزرائهم كتبوا مذكراتهم.

كان اللواء محمد نجيب أول من كتب مذكرات بعد إعلان الجمهورية المصرية عام 1953، وقد حمل كتاب محمد نجيب عنواناً لافتاً (كنت رئيساً لمصر) في محاولة من المؤلف تذكير الناس أنه فعلاً كان رئيساً بلاده، بعد أن شُطب اسمه من قائمة الرؤساء في عهد صديقه وزميلة جمال عبد الناصر

أمّا عن رؤساء مصر بعد إعلان الجمهورية عام 1953، فأول من كتب مذكرات كان اللواء محمد نجيب، وقد صدرت بعد خروجه من الإقامة الجبرية عام 1984 وكان لها صدى كبير في الأوساط السياسية والثقافية. وقد حمل هذا الكتاب عنواناً لافتاً "كنت رئيساً لمصر" في محاولة من المؤلف تذكير الناس أنه فعلاً كان رئيساً بلاده، بعد أن شُطب اسمه من قائمة الرؤساء في عهد صديقه وزميلة جمال عبد الناصر.

وكان محمد نجيب قد حكم مصر فعلاً حتى شباط/فبراير 1954، عندما عزله عبد الناصر ووضعه في إقامة جبرية كانت أقرب إلى سجن في فيلا زينب الوكيل، زوجة النحاس باشا، حيث لم يرَه أحد ولم يسمح له بالخروج أو المشاركة في أي نشاط سياسي. يتحدث الرئيس نجيب بحرقة قلب كيف انقلب عليه كل رفاقه من الضباط الأحرار، ولم يحركوا ساكناً للدفاع عنه بعد صدور قرار الإقصاء. يروي محمد نجيب كيف جاء أحد أبنائه من المدرسة باكياً عندما لم يقرأ اسم أبيه في قائمة الرؤساء المصريين، معتبراً أن والده لم يكن صادقاً معه عندما قال له "كُنت رئيساً لمصر".

الرئيس جمال عبد الناصر لم يكتب مذكرات، ولكنه وضع كتاباً صغيراً عن "فلسفة الثورة" عام 1954 (قدم له وحرره محمد حسنين هيكل). أما الرئيس أنور السادات، فله مذكرات شهيرة بعنوان "البحث عن الذات،" صدت في نيسان/أبريل 1978، وتُرجم إلى 13 لغة، منها الإنجليزية والفرنسية والعبرية، وقد نُشرت فصول منه في كبرى المجلات والصحف، مثل "تايم" الأمركية و"باري ماتش" الفرنسية.

لبنان

الوضع مختلف في لبنان حيث يوجد تداول للسلطة وثقافة أقوى في أدب المذكرات، نظراً لكثرة من يحمل لقب "الرئيس السابق" أو "الرئيس الأسبق." أول من نشر مذكراته كان الرئيس الشيخ بشارة الخوري بعنوان "حقائق لبنانية." وضعها الرئيس الخوري خلال سنوات تقاعده بعد أن أجبر على الاستقالة عام 1952، وقد جاءت بثلاثة أجزاء وفيها دفاع مستميت عن عهده سواء عندما كان رئيساً للحكومة أيام الانتداب الفرنسي أو بعد انتخابه رئيساً للبلاد عام 1943.

وقد وضع خليفته الرئيس كميل شمعون مذكرات بعنوان "مذكراتي" عام 1969، كما وضع كل من شارل حلو وأمين الجميل وإلياس الهراوي مذكراتهم. أما عن بقية الرؤساء، فلمعظمهم تسجيلات صوتية ومقابلات تلفزيونية، تعتبر مذكرات "مرئية".

سوريا

مرّ على سوريا عشرون رئيساً منذ بدء الانتداب الفرنسي عام 1920، ولكنهم جميعاً لم يتركوا مذكرات. مع العلم أن بعضهم عاش طويلاً بعد مغادرته الحكم، مثل الرئيس صبحي بركات الذي استقال عام 1925 وتوفي عام 1949، والرئيس ناظم القدسي، الذي نُحي عام 1963 وتوفي عام 1998. أما الرئيس شكري القوتلي "بطل الجلاء" فقد عاش سنوات منفى في مصر ما بين عهده الأول (1943-1949) والثاني (1955-1958)، وكان بإمكانه كتابة مذكرات خلالها ولكنه لم يفعل، واكتفى بكتابة مقدمة لكتاب "كيف استقلت سورية" عام 1950، للصحافي سعيد تلّاوي.

يروي نجيب كيف جاء أحد أبنائه من المدرسة باكياً عندما لم يقرأ اسم أبيه في قائمة الرؤساء المصريين، معتبراً أن والده لم يكن صادقاً معه عندما قال له "كُنت رئيساً لمصر"

وقد عاش الرئيس القوتلي تسع سنوات بعد خروجه من الحكم لغاية وفاته في بيروت عام 1967، ترك خلالها تسجيلات صوتية، أو "مذكرات صوتية،" لا تزال في حوزة عائلته حتى اليوم، وكذلك فعل الرئيس القدسي. أما الرئيس حافظ الأسد فقد ترك ما هو قريب من المذكرات، عبارة عن لقاءات مطولة مع الصحافي البريطاني باتريك سيل، صدرت في كتابه الشهير "الأسد: الصراع على الشرق الأوسط" عام 1989. ولكنها ليست مذكرات لأنها ليست بقلمه وهي تتوقف في نهاية الثمانينيات، علماً أن الأسد عاش حتى عام 2000.

ما يعوضنا عن ضعف المذكرات الرئاسية في سوريا هو عدد لا بأس به من مذكرات رؤساء الحكومات. جُمعت أوراق الرؤساء جميل مردم بك ولطفي الحفّار من قبل ابنتيهما، سلمى مردم بك وسلمى الحفّار الكزبري، وقامت الأديبة كوليت خوري بجمع أوراق جدها الرئيس فارس الخوري في ثلاثة أجزاء، صدر آخرها بدمشق عام 2015. أما محسن البرازي، رئيس وزراء سوريا عام 1949، فقد جمعت بعض أوراقه من قبل الدّكتورة خيرية قاسمية، ومُذكّرات معروف الدّواليبي سُجّلت من قبل الباحث السوري المُقيم في السعودية عبد القدوس أبو صالح، الذي جالس الدّواليبي ودوّن ذكرياته بين عام 1987و1993، لينشرها عام 2005.

يبقى الدكتور بشير العظمة، رئيس الوزراء في زمن الانفصال، الوحيد بين رؤساء الحكومات السورية، الذي دوّن مُذكراته بنفسه، ونشرها عام 1990. ولعلّ أشهر تلك المذكّرات وأكثرها انتشاراً هي مذكّرات الرئيس خالد العظم، بأجزائها الثلاثة، ولكنّها صدرت في مطلع السبعينيات، بعد سبع سنوات من وفاته. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image