شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
صحراء مرزوكة... هل تعافت السّياحة أحد أجمل الصحارى في  العالم

صحراء مرزوكة... هل تعافت السّياحة أحد أجمل الصحارى في العالم"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

السبت 6 مايو 202304:14 م

من سحر الصّحراء تنطلق الشّرارة الأولى. شرارة كثبان آسرة للعين، ومتسرّبة للرّوح بكل الانسيابية الممكنة... إنّها مرزوكة أو الصّحراء أو الصّفاء، فالتّرادف ممكنٌ هنا. كيف لا؟ وها هُم السّياح الأجانب، أخيراً يشكّلون مجدداً عناصر متراقصة داخل فضاء مرزوكة الشّاسع، حيث تجري الرّمال دون نهاية بصريّة. فالرمال التي كانت "بلا سياح" لمدة طويلة بسبب وباء كورونا تعود إليها الحياة وتحتفي، بسُيّاحها القادمين من مُعظم بقاع العالم.

وفي بداية الصيف، مع وصول أصعب أشهر السنة خاصة يوليو حيثُ ترتفع درجة الحرارة إلى أقصاها، وتنشط تبعاً لذلك السّياحة الاستشفائيّة، تزور رصيف22 صحراء مرزوكة في الجنوب الشّرقي للمغرب. ترابيًّا، تقع مرزُوكة في جهة درعة تافيلالت، على بعد حوالي 130 كيلومترا عن مدينة الراشيدية (عاصمة الجهة). وتحت هذه الشّمس الحارّة، تبدأ رحلتنا لمعرفة "مدى" تعافي القطاع السّياحي.

مرزوكة ورحلة "التّعافي"

هذه مرزوكة، البلدة التي تخطفك ببساطتها و"هامشيّتها"، وتدفعك، قسراً إلى التفكير للاستقرار فيها والارتماء في حميميّتها، بعيداً عن صخب الحياة المعاصرة.

نلتقي في هذه القرية الحدودية مع الجزائر لحسن تغلاوي، وهو مقاول سياحيّ ومصور فوتوغرافي لفائدة السياح بالصحراء.

يعتبر تغلاوي، في حديثه لرصيف22 أنّ "مرزوكة تشهد تدفّقا ملحوظا للسّياح الأجانب. لكنّ السّياحة، عموما، في المنطقة لازالت متذبذبة. وذلك لأنّ انطلاق عملية استقبال الزوار الوافدين من الخارج جاء متأخراً جدا، أي بعد فترات من إغلاق الحدود وإعادة فتحها بشكل مفاجئ دون تواصل جيد ودون إخبار قبلي" العام الماضي.

هناك الكثير من السّياح، الذين تواصلوا مع تغلاوي يفكّرون في المجيء إلى صحراء أسامر، لكن هناك مشكلة ارتفاع تذاكر الطّيران من وإلى المغرب في السنتين الأخيرتين. وهو الأمر المرتبط بالتّحولات الجيوسياسية العالمية والتضخم وقبلها الجائحة.

يعتبر تغلاوي، أنّ السياحة في المنطقة تعيش وضعا سياسيّا خاصا، نتيجة وجود مشاكل عدة تتصل بسياسات الدّولة في مرزوكة. كمثال لذلك، يقول محدّثنا، وهو يحمل آلته الفوتوغرافية بين يديه، إنّ وزارة السياحة لم تقنن بعد المخيّمات الرملية، المسماة بـ"البيفواك"؛ مع العلم أنها تلعب دوراً مفصليّا في استقطاب السياح الأجانب، لعيش تجربة خيالية وقضاء ليلة وسط الرّمال، وكل مقوّمات الحياة موجودة بالمقابل.

رغم أن صحراء مرزوكة في المغرب الشرقي من أجل المناطق السياحيّة في العالم فهي تعاني من تبعات الوضع الدولي في الأعوام الأخيرة، ومن غياب سياسات تدعم المنطقة

انعدام التقنين، أدى، وفق المتحدّث، إلى "وجود أعداد غفيرة وهائلة لا تكاد تحصى من هذه المخيمات. وأصبح العرض أكثر من الطّلب. ولعل ذلك ما أسفر، بدوره، عن تخفيض الأثمنة بشكل غير مسبوق، فقط لتغطية أبسط الأشياء. فالمشكل الأساس أنّ هذه المخيمات غير مرخصة من طرف السلطة، وبما أنه ليس هناك قانون ينظّمها، رغم طلبات المهنيين المتكررة، فالأمر ينمّ عن عشوائيّة في تسعير اللّيالي. وحين يكون الثمن بخساً، فستكون الخدمات المقدّمة... متواضعة".

نتوجه إلى محمد ساسبو تغلاوي، وهو مالكٌ لمخيم إيديال ديسيرت كامب. يتحدث إلى رصيف22، بملامح منشرحة وبلباسه "الطارقيّ" (الطوارقيّ)، قائلاً إنه يتقاطع مع ما قاله قريبه لحسن، إذ يذكر ساسبو أنّ "السّياحة هي المورد الوحيد للعيش بالنسبة للأغلبية الساحقة من الأسر في مرزوكة. غير أنّ مشكل المخيّمات، التي أفلست في فترة الجائحة، أنها ظلت مكانها، ولازالت تساهم في تلويث الرمال بيئيًّا وبصريًّا أيضا".

ساسبو يرى أنّ "السّياحة في هذه الظّرفية ليسَت كما عشناها قبل الجائحة، فحينها كانت المنطقة تتجه لاستقطاب السياح الصينيين في تلك الفترة، لأنّهم ظهروا بقدرة شرائيّة مميّزة وبأعداد كثيرة. وحتى لو رأينا، اليوم، أعداد السياح في الطرق وفي الرّمال، فقد توزعوا، بسبب كثرة الفنادق والمآوي والرْيَاضات (بيوت تقليدية) والمخيمات، فكلّ مستثمر استقطب فئة معينة منهم. وبالتالي من الطبيعيّ أن تبدو السّياحة متواضعة حتى في عز حضور السّياح".

يضيف بمرارة أنه "بسبب سنتين من التوقف عن العمل، حين استقبلنا السياح بمخيمنا، وجدنا صعوبة في التّعامل معهم. أحسسنا وكأنّنا نبدأ عملنا للمرّة الأولى في السّياحة، رغم أن تجربتي تفوق العشر سنين. هناك تحول ما؛ وثمة تبدّل في طباع الأجانب بدورهم، ربما بسبب ما فرضته الجائحة. لكن نستطيع أن نسجل تغيراً في المزاج العام للسّياح".

يجمل ساسبو بابتسامة، قائلاً إن خدمات المخيم تراهن مستقبلا على الأوقات الجيدة لاستقطاب السّياح، كأشهر مارس وأبريل، ثم سبتمبر وأكتُوبر وخصوصا نهاية ديسمبر. لكن الحرارة المرتفعة في أشهر، لاسيما يوليوز قد لا يشتغل فيها المخيم بسبب الجو الحار. والأجانب القادمون في تلك الفترة، يأتون إلى الفنادق حيث توجد التهوية والمسبح، لأن الخيام تصبحُ ساخنة للغاية عنذئذٍ.

مرزوكة... العالمية والهشاشة؟

حين تزور مرزوكة للمرّة الأولى، قد "يتحطّم" مستوى تطلعاتك التي جرى تشكّلها بناءً على الصور الهائلة، والمتداولة افتراضيًّا. مرزوكة وجهة سياحية نعم، لكنها فضاء هشّ تنمويا، وكأنّ الجمال يخفي خلفه قبحًا ما. بالفعل، تتميز طبيعة هذه المنطقة بكونها مصدراً متميّزاً لشتى أشكال السياحة الممكنة: الاستشفائيّة، عبر حمامات الرمال التي تتيحها، للتعافي من أمراض المفاصل المختلفة.

ناهيك عن السياحة الثقافية، بما أنّ أسامر، بشكل عام، فضاء سوسيوثقافي يتدثّر بثقافة محلية أمازيغية عميقة؛ إضافة إلى السياحة الاستكشافية، نظراً لكون مرزوكة عامرة بعديد من الأماكن التي تستحق الاكتشاف، كالموسيقى الكناوية مثلاً. وحتى السياحة والرياضة، موجودة هنا، فها هي الدراجات الناريّة والسيارات رباعية الدفع، تخترق كثبان عرگ الشبي بسرعة قياسية وبنوع من المغامرة.

يقبل على مرزوكة عشاق الرياضات الصحراوية ومن يبحثون عن الاستشفاء في الرمال الحارقة في فصل الصيف

يقابل رصيف22 علي تاوشيخت، مقاول سياحي بنواحي مرزوكة الحدوديّة. يحملنا بسيارته رباعيّة الدفع. يقود وهو يتحدث إلينا معتبراً أنّ العاملين في القطاع السّياحي فقدُوا ثقتهم في هذا المجال، لأنّ السياحة من أكثر القطاعات التي تضرّرت بشكل كبير في زمن الجائحة، وإلى اليوم، لم تفصح الدولة عن مخطط استراتيجي للنهوض بالقطاع السياحي في مرزوكة أساسا، حتى أنها لا تنال نصيبها من التّسويق الرسمي كما يحدث مع مراكش وأكادير وفاس ومكناس والرباط والدار البيضاء".


تصوير: لحسن تغلاوي (خاص برصيف22)

بينما تركيزه منصبّ على القيادة في هذه الطرق الوعرة، وعلامات الغضب تبدو على محياه، يضيف تاوشيخت أنّ "من أقصى أشكال التّهميش أنّ مطار مولاي علي الشريف في الراشيدية لا يستقبل السياح الأجانب بشكل مباشر من الخارج، رغم أن مرزوكة من أهم الوجهات العالميّة. أضف إلى ذلك الانقطاع المتكرّر للماء، فلو جاء السياح فجأة وانقطع الماء كالعادة، من سيتحمل المسؤولية؟ طبعًا، الشكاية تقدم بنا نحن العاملون في المجال السياحي، رغم أنّ الأمر يفوق طاقَتنا دائما".

يتقاطع الحسين المغاري، الفاعل السياحي والناشط الجمعوي، بالمنطقة، مع ما قاله تاوشيخت. إذ يرى أنّه على الرّغم من المكانة الهامة لمرزوكة وأسامر ضمن المشهد السّياحي العالمي، فلازالت هناك مشاكل تنموية جمّة في المنطقة، بسبب عدم تأهيل الطرق وانعدام المرافق الأسياسيّة. فلو تطلّعنا لكل هذه المشاريع السياحيّة، نجد أنها نتاج خالص لأبناء المنطقة، وبجهدهم الخاص فأين الدّولة والمجالس المنتخبة محلياً وإقليمياً وجهوياً، مثلاً؟

يسترسل المغاري قائلاً، بنوع من الحرقة في صوته، إنّ المنطقة سياحية بامتياز، وصحراوية بالأساس، والدولة تعرف أنّ العقارب تنشط في الصّيف، لكنّها لا تُوفّر مستوصفًا بمعايير تليق بمنطقة تستقبلُ السّياح على طول السّنة، ومجهزة بأحدث التجهيزات والأطر ذات الكفاءة والأدوية الضّرورية، ترقّبا لأيّ طارئ قد يحدث.

من زاوية أخرى، يُحذّر موحا الرجدالي، الفاعل السياحي بالمنطقة، "من موجة النصب التي قد تؤدي إلى خيبة السّياح، أو رفع الأثمنة بشكل خياليّ، ما قد يتسبب في تدمير أفقهم وتصوّرهم عن الصحراء، وعن أناسها الكرماء. الساكنة معروفة بتقديسها للعلاقات الإنسانية النبيلة أكثر من أي شيء آخر. فما ظهر في مراكش من ارتفاع فظيع في الأسعار، أزعج المغاربة والأجانب على حدّ سواء، لا ينبغي أن تنتقل عدواه لمنطقة بسيطة وهادئة مثل مرزوكة ونواحيها. فكلّ ما تحتاجه مرزوكة هو فكّ العزلة ورفع الحصار، حتى تحظى بالمكانة التي تليق بها كوجهة عالمية معروفة شرقاً وغرباً".

يقول الرجدالي في تصريحه لرصيف22 إنّ "الدّولة مطالبة بالانخراط لخدمة المنطقة بشكل جدي، وأن تعتني بصحة الساكنة وتعليم أبنائهم، فالصّحة والتعليم هما المدخل التنموي الأول، ثم بعدها على الدولة أن تفكّر في مخططات استراتيجية، لكي يمتلئ الفراغ والقفر المسيطر على المنطقة، بمشاريع تنموية تعود بالنفع على الساكنة، وتحرك الدورة الاقتصادية. وذلك حتى لا تبقى السياحة هي المورد الوحيد، الذي إذا تراجع يتدمّر أفق الساكنة، وإذا عاد بقوة يعود معه الانشراح بقوة أيضا. علينا أن نُخرج الناس من هذه الثنائية السلبية، عبر منحهم قليلاً من حقوقهم الأساسيّة".

يعتبر هؤلاء السكان، الذين يعيشون من السياحة أساساً، أن مبادرة التأشيرة الإلكترونية التي أطلقت قبل نحو عام ستشجّع السّياح على الدخول إلى المغرب وتحريك المياه الراكدة في التجارة وتداول العملة الصعبة. فهذه التأشيرة أعفت السياح من كثير من الوقت والمال والجهد، وتضاعف عدد السياح، بما أنه بوسعهم الحصول عليها بين 24 و72 ساعة، ومدة صلاحيتها 30 يوما، وقد تمتد لـ6 أشهر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image