نشرت منظمة مراسلون بلا حدود، تقريرها السنوي عن حرية الصحافة حول العالم، وقد جاءت إيران في المرتبة 177 من أصل 180 بلداً. وقالت المنظمة أن المرشد الأعلى علي خامنئي يتهم وسائل الإعلام الحرة في بلاده بأنها أداة الدول الأجنبية (يقصد بذلك الدول الغربية وخاصة أمريكا وبريطانيا).
وأردف التقرير أن الضغوط الداخلية إلى جانب الفساد المستشري والعقوبات الصارمة أثرت اقتصادياً على وسائل الإعلام المحلية وصلت إلى حدود إغلاق معظمها، كما سببت بظروف معيشية صعبة للصحافيين وإفلاسهم من العمل في بعض الأحيان.
تاريخ الصحافة في إيران
كانت إيران ضمن الدول الأوائل في الشرق الأوسط التي انضمت إلى عالم الصحافة المكتوبة، وذلك في عام 1837، حينما أسس ميرزا صالح الشيرازي صحيفة "كاغذ أخبار" (أوراق الأخبار)، وكانت تنشر شهرياً مرة واحدة.
يقضي المواطنين الإيرانيين معظم أوقاتههم في مشاهدة القنوات الفارسية التي تبث من خارج البلاد، أهمها بي بي سي فارسي، ومَن وَتُو، وإيران إنترناشيونال، وجِم تي في وغيرها، وكل تلك القنوات لا يسمح لها بالنشاط داخل إيران بل وتعاقب السلطات كل من يعمل معها أو يظهر من الداخل على شاشاتها
ثم توالت الصحف الأسبوعية وبعدها اليومية في طهران وتبريز وأصفهان وشيراز ومشهد، وفي مطلع القرن العشرين ظهرت صحف ومجلات نسائية عدة تطالب بحقوق المرأة وتختص في تعليم النساء.
وتم تدشين أول محطة إذاعية في إيران عام 1940، أما التلفزيون فتم تأسيسه عام 1958، ومن ذلك الحين وحتى اليوم يخضع الإعلام السمعي والمرئي إلى سيطرة النظام، ولم يسمح القانون بتدشين قنوات غير حكومية.
وتمتلك هيئة الإذاعة والتلفزيون الوطنية نحو 60 قناة تلفزيونية باللغة الفارسية إلى جانب قنوات تبث باللغات الأجنبية منها العربية والإنجليزية وغيرها، إلى جانب حوالي 30 محطة إذاعية ترتكز مهمتها في نشر مبادئ الثورة الإسلامية وسياسات الجمهورية الإسلامية سياسياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً.
وبينما يطلق المرشد الأعلى على الهيئة بأنها الإعلام الوطني والجامعة الوطنية، يندد الكثير من الإيرانيين ببرامج الهيئة ويعتبرها إعلام النظام وليس إعلام الشعب، ويعتقدون بأنه لا يعكس قضاياهم وهواجهسم ومتطلباتهم، فهو لا يمثلهم سياسياً ولا اجتماعياً.
قنوات الخارج مصدر الأخبار والتسلية
يقضي المواطنين الإيرانيين معظم أوقاتهم في مشاهدة القنوات الفارسية التي تبث من خارج البلاد، أهمها بي بي سي فارسي، ومَن وَتُو، وإيران إنترناشيونال، وجِم تي في وغيرها، وكل تلك القنوات لا يسمح لها بالنشاط داخل إيران بل وتعاقب السلطات كل من يعمل معها أو يظهر من الداخل على شاشاتها.
وقد صرحت منظمة مراسلون بلا حدود أن النظام الإيراني يمارس تهديدات وضغوطات على عوائل 101 صحفي إيراني يعملون في خارج البلاد، كما تمنع من نقل أموالهم وممتلكاتهم في البلاد، وسط نفي رسمي إيراني لهذه الممارسات.
واعتقلت السلطات الإيرانية الصحافي المخضرم حسن فتحي، عامي 2011 و2020، بسبب إجراء حوار صحفي مع قناة بي بي سي الفارسية، في إطار محاولة النظام الإيراني مقاطعة القنوات التي تبث من خارج البلاد، والتقليل من تأثيرها على المجتمع الإيراني.
ومع احتكارها لقطاعي الإذاعة والتلفزيون، تسمح الحكومة في إيران فقط بإنشاء الصحف ووسائل إعلام إلكترونية تخضع لقوانين وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ووفقاً لآخر المعلومات المنتشرة من قبل الوزارة هناك 42 وكالة أنباء و3360 موقع إخباري ونحو 5 آلاف وسيلة إعلام مطبوعة تابعة للنظام. ولم تصل وسائل الإعلام المستقلة عن النظام في إيران إلى عدد أصابع اليدين والرجلين، وهذا العدد القليل جداً من وسائل الإعلام المستقلة تمارس نشاطها تحت ضغوط حكومية مكثفة.
إنتهاء ربيع حرية الصحافة
وظهر حمى الإعلام الحر والمستقل عند ظهور حكومة الإصلاحات برئاسة محمد خاتمي (2005-1997)، الذي رفع شعار الحرية السياسية والاجتماعية ومنح المواطنين حريات وقام بإصلاحات.
وفي تلك الفترة، لم يعجب انعكاس الانتقادات الموجهة ضد المرشد وسياسات الجمهورية الإسلامية، ونشر تقارير صحافية عن هموم المواطن الاقتصادية، والحديث عن الطبقة المهمشة والأزمات الاجتماعية، وظهور أصوات من الطبقة الوسطى والغنية تطالب بحريات فردية أكثر وإعادة العلاقات مع العالم، التيار المحافظ والحرس الثوري، وقام بمواجهة الإعلام الحر والضغط عليه.
"لقد تصرفنا أقل من توقعات الرأي العام، وفوق قدرة استيعاب النظام"؛ هكذا يشرح رئيس التحرير الإيراني المخضرم ماشاء الله شمس الواعظين تلك الحقبة الزمنية من حرية الصحافة.
أغلقت المحكمة صحيفة "سلام" الإصلاحية في سنة 1999، فخرجت انتفاضة طلابية استمرت لبعض أيام وعرفت بـ "أحداث الحي الجامعي"، والتی قوبلت بمهاجمة شديدة من قوات الحرس الثوري، مما خلفت ضحايا واعتقال المئات وحرمان طلاب كثر من استمرار الدراسة الجامعية.
"بعض هذه الصحف هي قواعد للعدو. إنهم يفعلون ما تريد أن تفعلوه بي بي سي وأمريكا والكيان الصهيوني... أنا لست ضد حرية الصحافة ولا تنوع الصحافة ولكن عندما تكون هناك صحافة تكثف جهودها في سبيل إثارة قلق الرأي العام، وجعل الناس متشائمين حيال النظام فهذا دجل وخداع إعلامي".
هكذا تحدث خامنئي عام 2000 عن ما تمارسه الصحافة من حرية في تقاريرها اليومية التي كانت تستقطب شرائح مختلفة من المجتمع، وبعد ذلك الخطاب بثلاثة أيام أغلقت المحكمة نحو 18 صحيفة في يوم واحد.
وقيل أن 1500 صحافي فقدوا وظائفهم في القمع القضائي والأمني الذي لاحق الإعلاميين وقتذاك، وكتبت منظمة مراسلون بلا حدود أن 250 صحفي اعتقلوا وأكثر من ذلك تعرضوا لاستدعاءات وتهديدات.
نمت بعدها وسائل الإعلام التابعة لمؤسسات النظام، وشددت المؤسسات الأمنية والقضائية وكذلك وزارة الثقافة الخناق على النشاط الصحافي في البلاد، وحذرت أن التقارير سلبية في الصحف والمواقع يمكنها أن تكون جريمة، واستمر الحال عند وصول التيار المتشدد إلى سدة الحكم برئاسة محمود أحمدي نجاد (2013-2005).
وبعد الاحتجاجات عقب الانتخابات الرئاسية سنة 2009، وظهور الحركة الخضراء، شنت الحكومة من جديد موجة من المضايقات ضد الصحافيين ولم تسمح بانعكاس ما يجري على أرض الواقع، وأردفت منظمة مراسلون بلا حدود، أنه تعرض 110 صحفي للاعتقال التعسفي، وتم إصدار أحكام قضائية تفيد بمنع بعضهم من مزاولة النشاط الصحافي، والمنع من الأنشطة السياسية والاجتماعية.
وسائل إعلام أجنبية موجهة للإيرانيين
بعد ذلك، حدثت موجة من هجرة الصحافيين إلى خارج البلاد والإلتحاق إلى الصحافة الغربية الناطقة باللغة الفارسية أو إلى وسائل إعلام دولية بهدف إنعكاس الواقع الإيراني وإيصال صوت مجتمعهم إلى العالم الغربي، كما تشجعت بعض المواقع الخبرية الأوروبية إلى إطلاق مواقع إخبارية باللغة الفارسية.
أما في الداخل ووفقاً لوكالة "إيسنا" للأنباء خلال الولاية الثانية من حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، تم إغلاق 35 وإلغاء رخصة 11 صحيفة ومجلة وإطلاق 106 تحذیر مکتوب لوسائل الإعلام.
ورغم كل الضغوط، استمرت الصحافة الحرة التي تنتمي معظمها إلى التيار الإصلاحي بنشاطها المستقل مع ضغوط اقتصادية كبيرة، حيث لم تسمح الحكومة للشركات والمؤسسات الحكومية بنشر إعلاناتها في هذه الوسائل.
وعند حدوث الاحتجاجات أو أحداث أخرى، يتدخل المجلس الأعلى للأمن القومي بإصدار تعاليم وأوامر بعدم نشر أخبار أو تقارير عن تلك الأحداث، ومنها التطرق إلى أسعار العملات الصعبة والذهب وأزمة المياه والحجاب والاحتجاجات وكيفية التعامل مع المحتجين.
وتفاقمت المضايقات حينما نشرت صحيفة "سازَندِكِي" الإصلاحية تقريراً شاملاً في صفحتها الأولى حول أزمة غلاء اللحوم الحمراء في البلاد، حيث تم توقيفها في 20 من شباط/فبراير الماضي، وقال رئيس تحريرها: "حسبما سمعناه، إن رئيس الجمهورية وأعضاء الكابينة الوزارية، غضبوا من عنوان - تمرد اللحوم - وتبعاً لذلك طلب وزير الثقافة من هيئة الرقابة توقيف الصحيفة".
حسب رابطة صحافيي طهران في احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، تم اعتقال 100 صحفي في عموم البلاد. ومنذ هذه الاحتجاجات وحتى الآن، زالت تمارس السلطات الإيرانية حجب الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي
دفع هذا السلوك المستمر من جانب السلطات، مدراء الصحف إلى الانخراط في عملية "الرقابة الذاتية" من أجل حماية وسائل إعلامهم من الإغلاق وإلغاء رخصها.
وحسب رابطة صحافيي طهران في احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، تم اعتقال 100 صحفي في عموم البلاد. ومنذ هذه الاحتجاجات وحتى الآن، ما زالت تمارس السلطات الإيرانية حجب الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي من أجل منع تغطية الأحداث من جانب الصحفيين والمواطنين.
صحفيات في السجون
ما زالت: نِيلوفَر حامِدي، الصحافية في صحيفة "شرق" الإصلاحية، وإلهة محمّدي، الصحافية في صحيفة "هَمْ ميهَن" الإصلاحية، قيد الاعتقال منذ ما يزيد عن 200 يوم بسبب تغطيتهما لوفاة مهسا أميني في بدايات وقوعها، بتهمة "التعاون مع الدولة المعادية أمريكا والتواطؤ ضد الأمن القومي والنشاط الدعائي ضد النظام"، ولكن دون محاكمة حتى الآن.
وتم تكريم الصحافيتين مؤخراً عبر منحهما جائزة Louis M Lyons من جامعة هارفارد التي تمنح للصحفيين الذين يغطون الأخبار بنزاهة وضمير. كما وأهدت الأمم المتحدة جائزة "حرية الصحافة غييرمو كانو" للصحافيتين والصحفية والناشطة الحقوقية الإيرانية نرجس محمدي. ونرجس هي قيد الاعتقال منذ سنوات، وعملت صحفية لسنوات عديدة لمجموعة من الصحف ونائبة مدير مركز المدافعين عن حقوق الإنسان وهي منظمة مدنية مقرها طهران.
تقضي نرجس حالياً عقوبة بالسجن لمدة 16 عاماً، وواصلت الكتابة من السجن، كما أجرت مقابلات مع سجينات أخريات. ونُشرت هذه المقابلات في كتابٍ لها باسم "التعذيب الأبيض". وفازت عام 2022 بجائزة الشجاعة التي تقدمها منظمة مراسلون بلا حدود.
وتقول منظمة مراسلون بلا حدود إن نحو 860 صحافي تعرض للسجن أو الإعدام خلال العقود الأربعة الماضية من عمر نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...