شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"تشييع جثمان الصحافة في إيران"... تهمة التخابر لصحافيتين قامتا بتغطية وفاة مهسا أميني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الأحد 30 أكتوبر 202204:14 م

قبل يوم من بدء محاكمة المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة في إيران على خلفية وفاة الشابة "مهسا أميني"، بعد اعتقالها من جانب شرطة الحجاب في طهران في 16 أيلول/سبتمبر الماضي، في محكمة برئاسة القاضي المتشدد أبو القاسم صلواتي، وإعلان قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي انتهاءَ الاحتجاجات، ودعوته من الشباب إلى عدم النزول إلى الشارع، وفي بيان مشترك وغير مسبوق أظهر تعاون وتضافر عمل الأجهزة الاستخبارية الإيرانية، وجهت وزارة الاستخبارات الإيرانية وجهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني تهمةَ التخابر مع الاستخبارات الأميركية لصحافيتين تابعتا قضيةَ وفاة مهسا أميني في بدايات وقوعها.

الصحافيتان هما نِيلوفَر حامِدي، الصحافية في صحيفة "شرق" الإصلاحية، وإلهة محمّدي، الصحافية في صحيفة "هَمْ ميهَن" الإصلاحية، واعتقلت الصحافيتان إلى جانب صحافيين آخرين، في الأيام الأولى من الاحتجاجات الأخيرة.


وبعد الإبلاغ عن نقل مهسا أميني بسبب فقدان وعيها في مركز الشرطة إلى المستشفى، نشرتْ نيلوفر حامدي صورةً لوالدي مهسا وهما يتعانقان ويبكيان في ممرّ المستشفى، وانتشرت هذه الصورة بسرعة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وسط موجة غضب في ذلك الوقت في إيران. وتمّ اعتقال نيلوفر (30 عاماً) بعد مداهمة منزلها في 21 أيلول/سبتمبر الماضي، وبعد 5 أيام من وفاة مهسا أميني.

وقبل قضية مهسا أميني، اشتهرت نيلوفر في تقرير لها نُشر يوم 11 حزيران/يونيو الماضي في صحيفة شرق حول إطلاق نار شرطة الحجاب على الرياضي الإيراني، رضا مُراد خاني، وعائلته في إحدى حدائق طهران، كما أثارت نيلوفر حفيظة التيار المحافظ في خطوة أخرى، وذلك بعد إجرائها حواراً مع محامی "سِبيده رَشنو"، الفتاة التي اعتُقلت بعد نزاع مع متشددة في حافلة في طهران حول الحجاب في آب/أغسطس الماضي.

وجهت وزارة الاستخبارات الإيرانية وجهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني تهمةَ التخابر مع الاستخبارات الأميركية لصحافيتين تابعتا قضيةَ وفاة مهسا أميني في بدايات وقوعها

وإلهة تمّ ضبط معداتها يوم 22 أيلول/سبتمبر الماضي بعد عودتها من سقِّز، مسقط رأس مهسا أميني ومدفنها، وذلك بعد إعدادها تقريراً حول مراسم التدفين، وتم استدعاؤها أيضاً. وبعد أسبوع من استدعائها تم اعتقالها وهي في طريقها إلى مكتب القضاء.


إلهة صحافية تعمل في مجال القضايا اجتماعية، تُعرف بتقاريرها حول النساء، لا سيما الاعتداءات على النساء والعنف الجنسي ضدهن. وفاز تقرير لها بعنوان "القتل باسم الشرف" بجائزة أفضل تقرير من قبل رابطة صحافيي طهران في أب/أغسطس الماضي.

وفي نيسان/أبريل 2020 تم استدعاؤها من جانب استخبارات الحرس الثوري بعد تقرير لها عن ظروف سجن "قَرجَك" الواقع قرب طهران، والذي يحتضن سجناء سياسيين وأمنيين خلال فترة تفشي جائحة كورونا، وأيضاً تقرير لها عن قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية قرب طهران، وتقرير آخر حول احتجاجات شباط/نوفمبر 2019 في إيران.

نيلوفر وإلهة هما قيد الاحتجاز في الحبس الانفرادي بسجن إيفين في طهران حالياً، وتخضعان للاستجواب في سجن إيفين دون إبلاغهما بالتُّهم الموجهة إليهما، وبيان الأجهزة الاستخبارية هو أول ردّ رسمي على اعتقالهما، والذي لم يتضمن توضيحَ الحكم الذي سيصدر بحقهما.

تفاصيل بيان أجهزة الاستخبارات الإيرانية ضد نيلوفر وإلهة

أفاد البيان أن بعض من "العناصر الإيرانية العميلة" التي كان لها دور في "أحداث الشغب الاخيرة"، أي الاحتجاجات، قد شاركت في عدد من دورات تعليم الحروب التركيبية التابعة لجهاز الاستخبارات الأمريكية المركزية (سي آي إيه)، وعلى سبيل المثال فإن أول صورة لمهسا أميني على سرير المستشفى نشرها المدعو "ن. ح" (نيلوفر حامدي)، والذي خضع للتدريب في تلك الدورات في خارج البلاد، وأثار الجدل من خلال نشره لهذه الصورة.


ووفقاً للبيان، انتحل هذا الشخص صفة مراسل صحافي، وكان أول شخص حضر إلى المستشفى، وقام بتحريض أقرباء مهسا، كما أنه هناك شخص آخر يدعى "ألف . م" (إلهة محمدي)، وهو أيضاً انتحل صفةَ المراسل الصحافي، وحضر فور وفاة مهسا إلى مدينة سقّز، وحرّض أقرباءها، وقام بتغطية مراسم التدفين، وهو أيضاً ممن تدربوا في خارج البلاد في الدورات الأمريكية .

كما ذكر البيان أن الشخصين (نيلوفر وإلهة) قاما بأداء مهمتهما تحت غطاء العمل الصحافي، ولعبا دوراً في إعداد الأخبار لوسائل الإعلام الأجنبية حول مهسا أميني.

واتهم البيان أيضاً أجهزةَ الاستخبارات الأمريكية بالتخطيط للاحتجاجات الأخيرة، وتخصيص 53 مليون دولار لـ"الجماعات الإرهابية والإعلامية" خلال هذه الاحتجاجات.

ردود الفعل

أثار توجيه تهمة التخابر لنيلوفر وإلهة ردودَ فعل واسعة في إيران، لا سيما لدى الأوساط الصحافية والإعلامية، التي وصفت هذا الإجراء بـ"تشييع جثمان الصحافة في إيران"، و"إعلان حظر العمل الصحافي في إيران"، "والصحافة ليست جريمة"، وغيرها، مبديةً مخاوفها وقلقها بشأن مصير  الصحافيتين.

وأصدرت رابطة صحافيي طهران بياناً نشرته الصحفُ الإصلاحية في عددها اليوم الأحد، وتم تداوله على نطاق واسع من جانب الصحافيين الإيرانيين، قالت فيه إن بيان جهازيْ الاستخبارات لم يكن له مضمون سوى أنه يجب إعلان الصحافة بأنها جريمة ومحظورة في إيران، ويعني أن الصحافيين جميعهم متهمون ومجرمون، ومهنة الصحافة تعتبر مرفوضة ومحظورة في البلاد".

وأصدر أكثر من 300 ناشط إعلامي ومراسل ومصور وصحافي إيراني بياناً انتقدوا فيه بشدة الاتهامات الموجهة لنيلوفر حامدي وإلهة محمدي.


بيان لجنة صحافيي طهران

من جهته، قال مدير صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية، غلام حسين كرباسْجي، إن مراسلة هذه الصحيفة، إلهة محمدي، التي غطت مراسم جنازة وتدفين مهسا أميني، توجهت لإعداد تقرير للصحيفة مشابه لذلك الذي تم إعداده ونشره في وكالة أنباء "فارس" التابعة للحرس الثوري، وغيرها من وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية، وليس أكثر من ذلك". كما انتقد كرباسجي، البيئةَ الأمنية التي تحكم الإعلام في إيران.

وبدوره، دافع رئيس تحرير صحيفة "شرق" الإصلاحية، مهدي رحمانيان، عن نيلوفر وإلهة، وقال: "نيلوفر وإلهه صحافيتان، وقامتا بعملهما الإعلامي فقط، وكل ما يقولونه عن نيلوفر كذب، وهي لم تنشر صورة مهسا أميني لأول مرة، بل صور مهسا وهي على سرير المستشفى تم نشرها قبل التغطية الخبرية من جانب نيلوفر، وقمنا بالعمل الصحيح في إعداد الصور والأخبار، وقد أنجزنا مهمتنا الإخبارية". ورفض رحمانيان بشدة تلقي الصحافيتين دوراتٍ تدريبية في خارج البلاد، وتساءل عن أداء وزارة الأمن وجهاز استخبارات الحرس الثوري، وقال: "أستغرب من أنه كيف يقضي أهمّ جهازين أمنيين في البلاد وقتهما في مثل هذه الأمور".


وردّ الصحافي والناشط السياسي الإيراني البارز، عباس عبدي، على الاتهامات الموجهة ضد نيلوفر وإلهة، وقال إن "ما جاء في البيان حول أداء زميلتينا إلهة محمدي ونيلوفر حامِدي لا يحتاج إلى أي دورة تعليمية في الخارج"، مضيفاً أن "أي طالب جامعي في الصحافة يعلم ما هي القيم الخبرية، وأهمية السرعة في نشر الأخبار".

أثار توجيه تهمة التخابر لنيلوفر وإلهة ردودَ فعل واسعة في إيران، لا سيما لدى الأوساط الصحافية والإعلامية، التي وصفت هذا الإجراء بـ"تشييع جثمان الصحافة في إيران"، و"إعلان حظر العمل الصحافي في إيران"، "والصحافة ليست جريمة"، مبديةً مخاوفها وقلقها بشأن مصير الصحافيتين

وقال الصحافي البارز، أفْشين أميرشاهي، إن هذه الاتهامات غير صحيحة، واصفاً نيلوفر وإلهة بأنهما "ناجحتان، وملتزمتان، وقامتا بعملهما فقط". وأضاف أن "نشر صورة مهسا أميني وتغطية المراسمات بعد وفاتها ليس جريمة، بل هو من بديهيات العمل الإعلامي".

وأعلن محامي الصحافيتين أنه لم يتمكن حتى الآن من لقائهما، ولم يحصل على ردّ واحد من جانب السلطات الأمنية والقضائية بشأن تفاصيل ملفهما.

الصحافة والصحافيون في إيران

تنص المادة 24 من الدستور الإيراني على حرية الصحافة وحرية التعبير، ولكن على مدى أربعة عقود من تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران وحتى اليوم تضخع وسائل الإعلام الإيرانية للرقابة الصارمة، وتتم محاكمة الصحافيين والإعلاميين، ومعاقبتهم، بسبب آرائهم وعملهم. وعلى وسائل الإعلام في إيران ألّا تتخطى الخطوط الحمراء ومصالح النظام، وإذا فعلت خلافاً لذلك، حتى إن كانت من وسائل الإعلام الأجنبية التي تحمل رخصة رسمية، فسيتمّ معاقبتها، وربما إغلاقها إلى الأبد، وعدد الصحف ووسائل الإعلام المغلقة في إيران ليس بقليل.


بعض الصحافيين المعتقلين في إيران

كما أنه لم يكن هناك عدد كبير من وسائل الإعلام المستقلة في إيران، وذلك بسبب القيود المفروضة على العمل الصحافي والإعلامي في البلاد، وغالباً ما يتعرض الصحافيون غير التابعين للتيار المحافظ لضغوط وقيود في عملهم، فضلاً عن الظروف المهنية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها الصحافيين في إيران، والذي أدى إلى هجرة عدد كبير منهم في السنوات الأخيرة إلى خارج البلاد.

ومع استمرار الاحتجاجات، كثفت السلطات الإيرانية الضغوط على الصحافيين في الأيام الأخيرة، وضمن حملة قمع غير مسبوقة، قامت باعتقال عدد كبير منهم. ووفقاً للتقارير غير الرسمية، قد اعتُقل ما لا يقل عن 30 صحفياً منذ اندلاع الاحتجاجات في إيران حتى الآن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard