حسبما سمعناه، فإن رئيس الجمهورية وأعضاء الكابينة الوزارية، غضبوا من عنوان - تمرد اللحوم - وتبعاً لذلك طلب وزير الثقافة من هيئة الرقابة توقيف الصحيفة"، هكذا شرح أكبر مُنتَجَبي، رئيس تحرير صحيفة "سازندكي" الإصلاحية في إيران، التي تم توقيفها يوم الإثنين 20 من شباط/فبراير الحالي، بعد ساعات من نشرها تقرير شامل في صفحتها الأولى حول أزمة غلاء اللحوم الحمراء في البلاد.
وشرحت هيئة الرقابة على الصحافة في إيران، في بيان: "وفقاً لتحقيقات الخبراء والإصرار على المخالفة في إدراج محتوى كاذب وإثارة قلق المجتمع خلال الأشهر الماضية، أصدرت الهيئة قراراً بوقف هذه الصحيفة".
وتعتبر صحيفة سازندكي الجهة الإعلامية الرسمية لحزب "كاركُزاران سازندكي"، (بالفارسية: كوادر بناء إيران). وهو حزب إصلاحي يتألف من وزراء ومسؤولين سابقين، وكانت الصحيفة قد دخلت عامها السادس في مزاولة عملها الصحفي المحترف وقد أنتجت الكثير من التقارير والأخبار الحصرية في الداخل.
"نحن نصبح فقراء بسرعة، حيث لا يمر يوماً دون ارتفاع أسعار البضائع، وبفضل لباقة حكومة المحافظين نغرق أكثر فأكثر في مستنقع التضخم المفرط يوماً بعد يوم"
وجاء تسليط الضوء الإعلامي في إيران على أزمة الأسعار بعد ما وصل سعر كيلو اللحم إلى 5 ملايين ريال أي نحو 10 دولارت، وسط نفي حكومي يعتبر ما حصل نتيجة خلق الفوضى في السوشيال ميديا.
"نحن نصبح فقراء بسرعة"
كتبت الصحافية مهتاب شهرياري في تقريرها الذي عنونته بـ "تمرّد اللحوم" في صحيفة سازندكي، أن "الكثير من رواد شبكات التواصل الاجتماعي نشروا صوراً من ملصقات أسعار اللحوم في المتاجر التي تظهر قفز الأسعار، كي ينفوا بذلك تصريحات المسؤولين".
ونوهت مهتاب، عن وجود إيقاع أقسى لأنواع الألم على المجتمع الإيراني، موضحة: "حسب تقارير مركز الإحصاء الوطني فإن استهلاك اللحوم لكل شخص في المناطق الحضرية، انخفض بنسبة 40% ، و48% لكل فرد قروي خلال 15 سنة الماضية".
وأكملت تقريرها الذي جاء في الصفحة الأولى من الصحيفة، أن سعر اللحوم في إيران يرتفع بنسبة 30% في كل عام. وختمت بقولها: "نحن نصبح فقراء بسرعة، حيث لا يمر يوماً دون ارتفاع أسعار البضائع، وبفضل لباقة حكومة المحافظين نغرق أكثر فأكثر في مستنقع التضخم المفرط يوماً بعد يوم".
غضب الرئيس أم زوجته؟
حول إعداد هذا التقرير، صرح رئيس تحرير الصحيفة، "لم نكن نعرف أن الحديث أن سعر اللحوم هم محظور. إذا ما عنونا بأن سعر اللحوم انخفض إلى 100 ألف تومان هل يتغير الواقع؟".
وفي تفسيره للعقوبة الشديدة التي فرضتها هيئة الرقابة على الصحيفة، وصف أكبر مُنتَجَبي، أن سببه يعود إلى عنوان "جولة الشرف مع بوركينا فاسو"، الذي أرفق بصورة جميلة علم الهدى، زوجة رئيس الجمهورية. وقد حصل ذلك قبل شهر تقريباً بعد الانتقادات اللاذعة حول إستضافة الأخيرة "مؤتمر النساء المؤثرات حول العالم"، في ظل ظروف اقتصادية صعبة والاحتجاجات النسائية التي قمعت، ومما زاد الطين بلة حضور نساء مجهولات وغير مؤثرات عالمياً في مؤتمر باهض الثمن
"عندما نشرنا ذلك العنوان والتقرير فقد خضعت الصحيفة لضغوط غير مسبوقة حتى تم طرح توقيف الصحيفة، بيد أن هيئة الرقابة لم تخضع لضغوط وزارة الثقافة أنذاك"، قاله رئيس تحرير صحيفة سازندكي. وأردف: " أن مجلس الأمن الوطني منع الإعلام المحلي من التطرق لأسعار العملات الصعبة والذهب، ولكن لم يكن هناك قرار قد وصلنا حول منع الحديث عن ارتفاع أسعار البضائع".
هبوط مباشر للعملة الإيرانية
وغرد الصحفي شهاب الدين طباطبائي: "الإعلام ليس سبباً للتضخم وارتفاع أسعار العملة الصعبة واللحوم والفوضى الاقتصادية. إغلاق الصحف لا يحل المشكلة إنما عليكم التفكير لعدم الكفاءة وسوء الإدارة قبل فوات الأوان".
وصل الدولار الأمريكي في إيران إلى نحو 50 ألف تومان، وفي هذا السياق قال عضو لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان جبار كوشكي نجاد أن "الحكومة فشلت من جديد في السيطرة على سوق العملات الأجنبية وأنها إتخذت إجراءات خاطئة تسببت بتعقيد المشكلة وتفاقمها، كما أرجع ارتفاع سعر الدولار إلى حجم السيولة والعجز في الميزانية".
وفي المقابل، شدد رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي على أن الحكومة قادرة على العبور من "الفتنة الاقتصادية"، ثم أكد لكابينته الوزارية على تطبيق مراقبة صارمة على الأسواق وتحديد سعر البضائع ومعاقبة المتخلفين عن ذلك، إذ يأتي هذا قبل شهر من بدء السنة الإيرانية الجديدة وعيد النوروز.
وقال عبد الناصر همتي، رئيس البنك المركزي الإيراني السابق والذي ينتقد باستمرار سياست الرئيس تجاه سعر الصرف: "الحلول الرئيسية تكمن في التعامل مع العالم والعودة إلى الاتفاق النووي والتحكم في السيولة".
تعارض حكومة المحافظين العودة إلى الاتفاق النووي، حيث تنظر له كإرث من حكومة الإصلاحيين، لكنها تتقرب يوماً بعد يوم إلى الصين وروسيا، بيد أن التوجه إلى الشرق، الذي كان يوماً ما محظوراً في السياسة الخارجية، حسب شعار "لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية"، لم يشفع لها في تحسين أوضاع اقتصادها والحد من تدهور معيشة المواطن.
وذكر الباحث الاقتصادي سيامك قاسمي، "أشعر بقرب تفعيل آلية الزناد"، وهي آلية تأتي ضمن الصفقة النووية، حيث إذا ما ذهب ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي سوف يتم إعادة العقوبات الدولية على البلاد دون الحاجة للتصويت، كما لا يملك أي عضو حق النقض بما فيها روسيا والصين.
وقدم الباحث الاجتماعي محمد فاضلي شرحاً مفصلاً في بودكاست "قلق إيران"، حول آثار التضخم على السلوك الأخلاقي، مبيناً: "سيكون لهذا التضخم عواقب دائمة على روح ونفسية ومزاج وحياة الإيرانيين تستمر لعقود. هي ظاهرة اقتصادية لكن لها أبعاداً اجتماعية ونفسية مؤلمة".
إنتاجية الأصول الحكومية
في غضون ذلك ارتفعت الأصوات في نقد الحكومة على قرار إنشاء "اللجنة العليا لإنتاج الأصول الحكومية"، المؤلفة من سبعة أفراد والمتمتعة بصلاحيات فوق القانون منها؛ منح أعضاءها الحصانة القضائية المطلقة، وتعليق القوانين والأنظمة المخالفة لقرارت اللجنة لمدة عامين، ووجوب تنفيذ جميع المؤسسات المسؤولة عن العقارات، لقرارات اللجنة مع تنفيذ عقوبة بحق من يرفض أو يعرض مسارها.
تجرب البلاد أكبر قدر من الفجوة بين المواطن والحكومة، فلا يثق المجتمع بحكومته وفقاً لتجربة مريرة عاشها في السنوات الماضية، ولذلك، يتحول أي خبر أو معلومة إلى صدام بين الجهتين
انتقدت صحيفة "جمهوري إسلامي" اللجنة، مردفة: "التشريع يخضع لسلطة البرلمان فحسب، ومن حق المواطنين قانونياً ودينياً واجتماعياً الاحتجاج على قرارات المسؤولين في أي مستوى ومنصب كانوا".
ووقال الاقتصادي حسن سبحاني، أن 5 بالمئة من عوائد بيع العقارات أو الممتلكات الحكومية، ستذهب إلى من ساهم في بيعها، وفقاً لبنود خطة الاستفادة من الأصول الحكومة للإنتاج، ليكون بذلك أكبر عمولة في تاريخ البلاد.
وتسربت أنباء عن وضع المدارس التي بناها المحسنون في قائمة بيع الأصول الحكومية، مما أثارت ضجة بين الناشطين والمتابعين للأمر، لترد الحكومة أن هذه القائمة ليست للبيع بل إنها لتكميل مشاريع بناءها من العوائد الواصلة من خطة الاستفادة من الأصول الحكومة للإنتاج.
تجرب البلاد أكبر قدر من الفجوة بين المواطن والحكومة، فلا يثق المجتمع بحكومته وفقاً لتجربة مريرة عاشها في السنوات الماضية، ولذلك، يتحول أي خبر أو معلومة إلى صدام بين الجهتين، جهة تؤكد أولوية المواطن في أي قرار ومرسوم حكومي مهما كلف الثمن، وجهة تؤكد مراعاة سياسات النظام الإسلامي في أي خطوة داخلية وخارجية، ولو بلغ ما بلغ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...