"في أي مكان في العالم ينظمون هكذا استفتاءات؟ وهل يمكن إجراء استفتاء عام على القضايا كلها؟ وهل كل الناس الذين سيشاركون في الاستفتاء بإمكانهم تحليل ذلك الملف المطروح؟"؛ بهذه التساؤلات حسم المرشد الأعلى علي خامنئي، في لقاءاته الرمضانية، موضوع الاستفتاء العام في الوسط السياسي، خاصةً عند التيار الإصلاحي الذي طالب مرات عدة بالعودة إلى رأي المجتمع في الملفات الشائكة.
مع اندلاع أزمة الحجاب والحريات الفردية في إيران العام الماضي، تبنّى التيار الإصلاحي فكرة تنظيم الاستفتاء العام حول الملفات الوطنية الشائكة لتجاوز أزمة الاحتجاجات الأخيرة، ورفع بعضهم السقف عالياً حينما طالب باستفتاء على نظام الحكم برمته، ومن بين أهم الشخصيات السياسية والدينية التي دعت إلى ذلك، الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، وزعيم الحركة الخضراء الذي يقبع في الإقامة الجبرية مير حسين موسوي، وخطيب جمعة أهل السنّة والجماعة في مدينة زاهدان، المولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، والرئيس السابق حسن روحاني.
حسن روحاني ومحمد خاتمي
وكان الأخير قد طالب مراراً بالعمل بمواد الدستور الإيراني الذي يسمح بتنفيذ استفتاء عام، وصرّح في اجتماعه بكبار مسؤولي حكومته السابقة، بأن الحل الأساسي للمشكلات العالقة في النظام يكمن في تنفيذ المادة 59 من الدستور، واصفاً استفسارات المجتمع بالكثيرة لكن يمكن أخذ رأي الناس في السياسة الخارجية والداخلية والاقتصاد.
رغبة الرئيس التي لم تتحقق
لم يخفِ حسن روحاني، في فترة رئاسته البلاد (2013 -2021)، ميوله إلى تنظيم استفتاء عام، إذ تحدث في السنة الأولى لحكومته إلى علماء الاقتصاد، قائلاً: "بصفتي المسؤول عن تنفيذ الدستور الإيراني، أرغب في تنظيم استفتاء عام حول إحدى القضايا الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية".
يرى المحافظون أن المؤسسات الدستورية التي يختار شاغليها الشعب مباشرةً، كرئيس الجمهورية ونواب البرلمان ومجلس خبراء القيادة والمجالس البلدية، تأخذ على عاتقها مهمة تذليل العقبات في القضايا الشائكة
وعدّ روحاني المادة 59، "نافذةً مفتوحةً أمام المواطنين لفتح الطرق المغلقة"، بعدما توترت العلاقات عند خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، فطالب الرئيس حينها بالرجوع إلى التصويت العام لحسم البرنامج النووي والتفاوض مع الرئيس ترامب.
لم تمر مطالبات الرئيس الإيراني السابق من دون ضجة إعلامية من كلا التيارين الإصلاحي الذي يدعمه، والمحافظ، إذ شنّ الأخير حملات إعلاميةً عدة ضد روحاني، ومن يوافقه الرأي في تنظيم الاستفتاء العام.
يرى المحافظون أن المؤسسات الدستورية التي يختار شاغليها الشعب مباشرةً، كرئيس الجمهورية ونواب البرلمان ومجلس خبراء القيادة والمجالس البلدية، تأخذ على عاتقها مهمة تذليل العقبات في القضايا الشائكة، وذلك بمثابة ممارسة المجتمع لسلطاته القانونية، هذا فضلاً عن الحضور الشعبي في مناسبات عدة، كمسيرات يوم انتصار الثورة ويوم القدس وبقية الاجتماعات التي تدعو إليها الحكومة.
التواجد في صلاة العيد... استفتاء شعبي
وصف الصحافي المحافظ ومدير عام صحيفة "هَمْشَهْري"، عبد الله كَنجي، الحضور المليوني في إقامة صلاة عيد الفطر بإمامة المرشد الأعلى، بأنها بمثابة استفتاء عام من قبل المجتمع الإيراني على دعمه لنظام الجمهورية الإسلامية، واستنتج أنه لا توجد هناك إشكالية في صفوف الشعب حول السياسات الإيرانية.
أما التيار الإصلاحي، فلا يرى في ذلك ما يكفي من تطبيق رأي المواطن في أروقة السياسة، ويؤكد أنه لا بد من الرجوع إلى التصويت العام، خاصةً في ظل تضييق الخناق من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يُبعد أي مرشح لا ينضوي تحت عباءة المرشد الأعلى، وقد استبعد المجلس الكثير من الإصلاحيين في انتخابات السنتين الماضيتين، فهناك انتخابات غير حرة يمكن تجاوزها عبر الاستفتاء، حسب وصفهم.
تنص المادتان 6 و59 في الدستور الإيراني، على إمكانية إجراء الاستفتاء العام، وجاء في المادة الأخيرة: "تجوز ممارسة السلطة التشريعية بإجراء الاستفتاء العام والرجوع إلى آراء الناس مباشرةً بعد مصادقة ثلث أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، حول القضايا الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية المهمة جداً".
وقد نفّذت الجمهورية الإسلامية، ثلاثة استفتاءات منذ قيامها؛ الأول والثاني في سنة 1979، حول قيام نظام "الجمهورية الإسلامية"، و"الدستور الإيراني الجديد"، والأخير جاء في سنة 1989، حول إصلاح بعض مواد الدستور الجديد.
انتقاد حديث المرشد
ولكن تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي، جاءت مناقضةً تماماً لما كان عليه النظام في بادئ الأمر، وعُدّت تصريحاته مسماراً أخيراً في نعش جمهورية النظام، والميل نحو إسلاميته.
كما رد البرلماني الإصلاحي السابق أكبر أعلمي، على المرشد قائلاً إنه وضع "قطن" الدستور في أذنه، فـ"إذا ما قبلنا بمنطق المرشد حول عجز المواطن عن تحليل المسائل، وقتها يمكن رفض الاستفتاءات التي أجريت قبل أربعة عقود، ومع هذه النظرة فلماذا يتبناها النظام بحجة المشاركة الواسعة فيها؟".
وأعاد بعض رواد شبكات التواصل، حديث خامنئي قبل سنوات، الذي يؤكد فيه على ضرورة إجراء استفتاء عام حول حل القضية الفلسطينية، لمقارنته بتصريحاته الأخيرة التي ينفي فيها ذلك في بلاده.
وذهب البعض إلى إعادة التذكير بوصف المجتمع الإيراني في كلام علي خامنئي، إذ لطالما أثنى على المواطنين الإيرانيين وعدّهم "الشعب الذكي والفهيم والواعي والبصير والشريف"، بينما يقول خامنئي مؤخراً إن هذا الشعب عاجز عن تفسير الملفات التي يمكن أن يصوّت عليها، ويعدد أسباب استحالة اللجوء إلى التصويت العام بشأن مختلف الملفات والقضايا في البلاد.
وبعد ارتفاع وتيرة الانتقادات، غرّد وزير الثقافة السابق عباس صالحي: "المرشد لم ينفِ الاستفتاء إطلاقاً، بل كان هناك طالب يتحدث أمامه عن الاستفتاء حول كل الملفات، وهو رد عليه بأنه لا يمكن الاستفتاء حول كل شيء لأنه لا توجد قدرة على فهم كل المسائل لدى عامة الناس". وطالب صالحي الذين ينتقدون خامنئي بألا يحرّفوا حديثه.
تنص المادتان 6 و59 في الدستور الإيراني، على إمكانية إجراء الاستفتاء العام، وجاء في المادة الأخيرة: "تجوز ممارسة السلطة التشريعية بإجراء الاستفتاء العام والرجوع إلى آراء الناس مباشرةً بعد مصادقة ثلث أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، حول القضايا الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية المهمة جداً"
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "إيران" الرسمية، مقالاً أوضحت فيه أن كلام المرشد كان رداً على مداخلة لأحد الحاضرين، وقد عزا سبب الحساسية حيال موضوع الاستفتاء إلى إحجام الدولة عن تنفيذ المادة القانونية، مضيفةً أن المرشد لا يعارض مبدأ الاستفتاء، بل هو أوضح للطلبة أن إرادة الشعب الإيراني تتجلى في اختياره نواب البرلمان والرئيس بشكل مباشر.
من جانبه، رد السياسي الإصلاحي عباس عبدي، على الأوساط المحافظة التي بررت عدم إجراء الاستفتاء العام بسبب تكاليفه الباهظة، قائلاً إن الأموال متوفرة بكثرة لدى الحكومة، وإنها لا تُستخدم من أجل أعمال مفيدة، واقترح اللجوء إلى "استطلاعات الرأي" على المستوى الوطني لتجاوز عقبة التكاليف المترتبة على الاستفتاء العام.
وأشار الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في لقاء له مع بعض الناشطين، إلى مصطلح "الديمقراطية الدينية"، قائلاً: "لسوء الحظ، استخدمت أنا هذا المصطلح لأول مرة، ولكني كنت اعتقد بأن الدين الذي يتوافق مع أعراف المجتمع، ولكن اليوم نرى أن النظام أصبح يتمايل نحو الحكومة الإسلامية ويبتعد عن الجمهورية".
وحول الاستفتاء الذي جرى بعد انتصار الثورة سنة 1979، قال: "لو أننا قلنا للناس إننا سوف نؤذيكم بأحكام الإسلام، فهل كان سيصوّت أحد لنظام الجمهورية الإسلامية حينها؟". كما قال خاتمي في نفس الوقت أن نمط الحياة الذي يبحث عنه المجتمع من خلال حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، لا يأتي بالإطاحة بالنظام بل عبر إصلاحه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين