شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من الشاه إلى خامنئي ومن حافظ إلى بشار... العلاقات السورية الإيرانية

من الشاه إلى خامنئي ومن حافظ إلى بشار... العلاقات السورية الإيرانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 5 مايو 202312:21 م

الاعتراف الإيراني المبكر بالاستقلال السوري في عام 1946، وافتتاح قنصلية في دمشق، كانا بمثابة إعلان عن انطلاقة جديدة للعلاقات الإيرانية السورية. أما حدث توقيع عقد المودة أو الصداقة بين الجانبين، بعد ثماني سنوات من الاستقلال، فأصبح نقطة الأساس في العلاقات الثنائية بين البلدين.

تلك الخطوات كلها تمت في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، آخر شاه إيران، ومع وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا، تعمّق التواصل حتى دعمت طهران قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في سنة 1972، والذي ينص على الإفراج عن العسكريين السوريين واللبنايين المخطوفين من قبل إسرائيل.

جاء ذلك القرار الإيراني، برغم علاقاتها الوطيدة مع إسرائيل، وحينما وصل الرئيس حافظ الأسد إلى طهران سنة 1976، وقّع الجانبان اتفاقيات عدة، وهناك مشترك بين البلدين هو موقفهما من النظام البعثي العراقي، بيد أن تقارب إيران الملكية مع إسرائيل ومصر أنور السادات التي قبلت بالتطبيع مع تل أبيب، خلق نوعاً من التباعد بين طهران ودمشق.

دعمت دمشق طهران عسكرياً واقتصادياً طوال 8 سنوات من حرب الخليج الأولى، وباتت حليفاً سياسياً مهماً للنظام الفتيّ، حتى أصبح الأسد في معزل عن العالم العربي الذي قرر الوقوف مع صدام حسين حينها

راهن حافظ الأسد على المعارضة الإيرانية التي كانت تتزايد حجماً وقوةً ضد الشاه، فاستقبل المعارضة المسلحة وسمح لها بالتدرّب والتسلّح في سوريا، كما أصدر قراراً للسفارات السورية حول العالم، بمساندة الثوار الإيرانيين، خاصةً السفارة السورية في العاصمة باريس، حينما استقر فيها الزعيم روح الله الخميني.

بلدان في اتجاه واحد

انتصرت الثورة الإيرانية في مطلع 1979، وانتصر معها رهان الرئيس السوري الذي سارع إلى الاعتراف بنظام الجمهورية الإسلامية، كالدولة العربية الأولى في ذلك، والثالثة عالمياً بشكل عام بعد الاتحاد السوفياتي وباكستان.

مثّلت إيران بعد الثورة، مع وضع فلسطين على رأس أولويات خطابها السياسي الموجه إلى العالم، وقطع علاقاتها مع إسرائيل وأمريكا، ثم مواجهتها مع صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، فرصةً للرئيس حافظ الأسد لإيجاد ثقل جديد ضد إسرائيل والعراق، الخصمين الإقليميين لسوريا.

دعمت دمشق طهران عسكرياً واقتصادياً طوال 8 سنوات من حرب الخليج الأولى، وباتت حليفاً سياسياً مهماً للنظام الفتيّ، حتى أصبح الأسد في معزل عن العالم العربي الذي قرر الوقوف مع صدام حسين حينها.

تضاف إلى ذلك نظرة إيران الأيديولوجية إلى لبنان والتي لها بعد طائفي، فكانت تحتاج إلى سوريا المفوضة من الدول النافذة بأن تلعب دوراً في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية؛ مما جعل منها هدفاً أكثر إغراءً لإيران، لكي تزيد من نفوذها في جنوب لبنان وتقوّي حزب الله.

وجاءت الحرب الأهلية اللبنانية، بمثابة المجال الرئيسي الثاني للتعاون بين البلدين، إذ أُنشأ حرس الثورة الإسلامية، وبرعاية سورية، جماعة حزب الله ودربها بعيد الغزو الإسرائيلي عام 1982. شكل حزب الله أداةً مفيدةً ضد تل أبيب بالنسبة إلى دمشق وطهران اللتين تتقاسمان هاجساً موحداً ضد إسرائيل.

خلاف بسيط وزيارات حافظ وبشار

نشب في تسعينيات القرن الماضي، خلاف بين الحليفين إثر قرار الولايات المتحدة، إنشاء تحالف أممي انضمت إليه سوريا، لمحاربة العراق الذي احتل الكويت، بينما كانت مواقف طهران متناقضةً تجاه التدخل الأممي، لكن الخلاف لم يصل إلى حد وقوع أزمة بينهما. وكانت دمشق القبلة الثالثة للزائرين الإيرانيين لما فيها من مراقد شيعية.

وبعد ثمانية عشر عاماً من انتصار الثورة الإيرانية في عام 1997، زار حافظ الأسد طهران للمرة الثانية، والتقى بنظيره علي أكبر هاشمي رفسنجاني وبالمرشد الأعلى علي خامنئي، ووقّع الجانبان اتفاقيات تعاون.

حينما تولى بشار الأسد، زمام النظام السوري في سنة 2000، تعمق التحالف بين البلدين، فضاعف من زياراته إلى طهران، وبنى علاقات إستراتيجيةً معها؛ في ملفات العراق بعد الاحتلال وسقوط صدام حسين 2003، ولبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري وثورة الأرز 2005، وحرب تموز/يوليو 2006.

كانت المتابعة الإيرانية للأحداث السورية في 2011، قد بدأت بمراقبة صامتة انتهت إلى القول بأن ما يحدث هو أمر داخلي سوري ولا يجوز التدخل فيه من قبل أي طرف.

تعززت لدى البلدين فكرة الاستهداف من قبل الولايات المتحدة مما دفع بهما نحو مزيد من التقارب، وأصبح الرئيس السوري يعتمد بشكل متزايد على إيران من أجل الدعم السياسي والعسكري في ظل ابتعاده عن العلاقات الإيجابية مع الدول العربية والمجتمع الدولي.

وعلى صعيد متصل، كان واضحاً أن المحور الذي شكّله البلدان "محور المقاومة"، والذي ضم حركات المقاومة الإسلامية، مثل: حزب الله وحماس والجهاد والفصائل الفلسطينية المعارضة للتسوية السياسية مع إسرائيل، قد أدى دوراً في تعزيز القناعة لدى الطرفين بأنهما لاعبان يقويان كلما كانا متقاربين، وأن هذا التقارب يزيد في تعظيم رصيد كل منهما.

وقدرت الحكومة السورية الاستثمارات الإيرانية خلال عام 2006 فقط بما يزيد على 400 مليون دولار، الأمر الذي جعل طهران ثالث أكبر مستثمر في سوريا بعد السعودية وتركيا.

وأعلن المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة الإيرانية روح الله لطيفي قبل يوم من زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، أن حجم التجارة بين البلدين قبل الحرب السورية كان جيداً حيث صدرت إيران إلى سوريا خلال عام 2001 إلى 2011 بضائع بقيمة نحو مليارين ونصف مليار دولار، لكن الحرب السورية تركت أثرها على التجارة بين إيران وسوريا حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما خلال فترة 2011 إلى 2022 نحو ملياراً و200 مليون دولار.

ویصل حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 250 مليون دولار في الوقت الراهن، حسب رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية، لكن إيران تأمل في ارتفاع حجم التبادل التجاري مع سوريا إلى نحو 500 مليون دولار في العام الحالي، وإلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة.

إيران ضد الثورة الشعبية!

كانت المتابعة الإيرانية للأحداث السورية في 2011، قد بدأت بمراقبة صامتة انتهت إلى القول بأن ما يحدث هو أمر داخلي سوري ولا يجوز التدخل فيه من قبل أي طرف.

وبرغم الموقف الرسمي الموحد، إلا أن موقفاً مختلفاً ظهر من قبل رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، حينما عدّ الشعب السوري "ثورياً مقاوماً" في حراكه، بيد أن الموقف هذا سرعان ما اختفى. وكان حينها رفسنجاني يعيش أزمةً مع الحكومة المحافظة والمرشد الأعلى إثر أحداث ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009.

أما زعيم الحركة الخضراء الإصلاحية مير حسين موسوي، الذي خسر في الانتخابات نفسها واتهم النظام بالتزوير من أجل الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، فقد رحّب بالثورة السورية، وصرّح بأن ما جرى من احتجاجات في طهران بعد الانتخابات الرئاسية ليس ببعيد عما يحدث في سوريا، لأن الشعبين ينشدان الديمقراطية والحرية والعدالة.

وبعد الحضور العسكري في سوريا، وتقديم أرواح كثيرة في سبيل بقاء نظام الأسد، صدحت أصوات من المؤسسة الدينية والتيار الإصلاحي تندد بهذا التواجد بناءً على مبادئ الثورة التي قامت في إيران سنة 1979، والتي تؤكد مساندة المستضعفين ضد المستكبرين.

كان الموقف الرسمي الإيراني أقوى تأثيراً من تلك الأصوات، إذ رأت المؤسسة الحاكمة أن ما يحدث في سوريا "مؤامرة" تستهدف سوريا وكذلك الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة لصالح إسرائيل.

وقالت طهران بأن المتطرفين والأجانب هم من خلقوا ضجةً وفوضى في شوارع سوريا، وأباحوا القتل فيها، وأن النظام السوري برعاية بشار الأسد يحظى بشعبية جيدة وجاء عبر انتخابات حرة، وهو ليس مستبداً كباقي حكام المنطقة.

وأدى الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي اغتيل في غارة جوية في مطار بغداد سنة 2020، دوراً محورياً كبيراً في عدم سقوط دمشق بعدما استولت المعارضة السورية على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية.

سوّقت الجمهورية الإٍسلامية الأمر لشعبها بأن تواجدها في سوريا هو دفاع عن المقدسات الشيعية في دمشق

وشجع سليماني حزب الله اللبناني على التواجد الميداني لدعم الأسد، كما أقنع بوتين بالدعم العسكري الجوي في سوريا والدعم السياسي في الأمم المتحدة ضد القرارات الصادرة ضد الأسد.

ودرّب الحرس الثوري مواطنين سوريين للقتال والحضور إلى جانب الجيش السوري، وكذلك أنشأ جماعات مسلحةً شيعيةً من باكستان وأفغانستان والعراق تدافع عن الأسد، وتحارب ضد داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.

وسوّقت الجمهورية الإٍسلامية الأمر لشعبها بأن تواجدها في سوريا هو دفاع عن المقدسات الشيعية في دمشق، حيث مرقد السيدة زينب بنت الإمام علي، وقامت بدعاية كبيرة واستغلت المشاعر الطائفية لدى شيعة المنطقة.

سوريا... محافظة إيرانية!

ثم بعد ذلك أخذت تصرّح بأن سوريا بعد إستراتيجي لأمنها القومي، وذهبت بعيداً في دفاعها عن الأسد حتى قال رجل الدين مهدي طائب، المقرب من الحرس الثوري: "سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثون ومحافظة إستراتيجية بالنسبة لنا. إذا هاجمنا العدو وأراد الاستيلاء على سوريا أو خوزستان (الأهواز)، فالأولوية هي أن نحافظ على سوريا، لأننا إذا حافظنا على سوريا، فيمكننا استعادة خوزستان، ولكن إذا خسرنا سوريا، فلا يمكننا الاحتفاظ بطهران أيضاً".

وفي السنوات الأخيرة عادت أصوات تندد باستمرار الدعم لسوريا، إذ صرّح رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، الإصلاحي حشمت الله فلاحت بيشه، بأن إيران أنفقت نحو 20 مليار دولار في سوريا، كما شرح أن مكتب الأمم المتحدة في الشؤون السورية أعلن أن إيران تنفق سنوياً 6 مليارات دولار فيها.

ولكن المرشد الأعلى علي خامنئي فال مخاطباً بشار الأسد الذي زاره في 2019: "إن الصمود الذي أبديتموه، حوّلكم إلى بطل على صعيد العالم العربي، وبواسطتكم تعززت قدرات المقاومة وسمعتها في المنطقة".

أما في اليومين الأخيرين، وبعد تسارع وتيرة التطبيع مع الرئيس بشار الأسد من قبل الدول العربية، والمشاركة في إعادة إعمار سوريا، فقد أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، زيارةً رسميةً هي الأولى بعد الحرب في سوريا، ليؤكد الحليفان علاقاتهما الإستراتيجية ولتأخذ طهران نصيبها من كعكة إعادة الإعمار، حسب ما نقلت وسائل إعلامية إيرانية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image