شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصّ الشعر... طقس بعض الأمهات المعاصرات لمواجهة الإنهاك المستمر

قصّ الشعر... طقس بعض الأمهات المعاصرات لمواجهة الإنهاك المستمر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 9 مايو 202301:16 م

تحرّك الفنون شجون المشاهدين/ ات، وأحياناً بصورة غير مقصودة من صنّاع العمل، على سبيل المثال تشتكي إحدى بطلات مسلسل "الهرشة السابعة"، لزوجها من الإرهاق الدائم مع طفليهما، وتقول له باكيةً: "عايزة استحمى"، فتتأثر العديد من الأمهات الشابات لأنهنّ مثلها أصبح الاستحمام بالنسبة لهنّ رفاهيةً.

بعد هذه الحلقة التي عُرضت خلال رمضان الحالي، كتبت نساء كثيرات عن حالتهنّ بعد الإنجاب مباشرةً وأجمعن بغالبيتهن على قص الشعر ليصبح كما لو أنه "طقس" يتعلق بالأمومة.

حدّث ولا حرج

لشعر المرأة الكثير من الدلالات في الثقافات المختلفة، ولكنها تتفق بمعظمها على أنه جزء من التعبير عن الجانب الأنثوي في دواخلهنّ، ويتم الاعتزاز به كأحد معالم الجمال المتعارفة بصورة واسعة، لذلك عندما تقوم الكثير من السيدات بقص شعرهنّ بعد الإنجاب، فإن هذه الخطوة تحمل دلالةً على هذه العلاقة بين الأمومة من ناحية والتخلي عن جزء أصيل من اعتناء المرأة بجمالها من ناحية أخرى.

تحدثت مدرّسة اللغة العربية زينب السيد (42 عاماً)، عن قصها شعرها بعد إنجابها أطفالها الثلاثة، فقالت لرصيف22: "قصصت شعري لأنه أصبح ضعيفاً، ولم أعد أستطيع العناية به لانشغالي بالصغار، كما انخفضت كثافة شعري مع الرضاعة الطبيعية وازداد تقصّفه، هذا بالإضافة إلى عدم إمكانية استخدام حمامات الزيت أو الكريم، سواء لقلّة وقت الفراغ أو الطاقة النفسية اللازمة لهذا النوع من العناية".

تشتكي إحدى بطلات مسلسل "الهرشة السابعة"، لزوجها من الإرهاق الدائم مع طفليهما، وتقول له باكيةً: "عايزة استحمى"، فتتأثر العديد من الأمهات الشابات لأنهنّ مثلها أصبح الاستحمام بالنسبة لهنّ رفاهيةً

وتابعت: "في الوقت الحالي استخدم الحنّاء مرةً أو مرتين في العام على الأكثر، لتغطية الشعر الأبيض، بينما من المفترض أن أفعل ذلك كل شهرين على الأكثر".

في الواقع، إن قص الشعر قد يكون دليلاً على صعوبات العناية بالنفس التي تخضع لها الأمهات ولكنه ليس سوى قمة جبل الثلج التي تخفي تحتها متاعب صحية أكثر جديةً وتأثيراً على المدى الطويل.

تعليقاً على هذه النقطة، قالت زينب: "عن قلّة العناية بالجسم بالطبع حدّث ولا حرج، أحرص على المكملات الغذائية للحفاظ على صحتي، ولكن لا أملك وقتاً للتمارين الرياضية لشدّ ترهلات البطن. في الماضي أحببت ممارسة المشي ولكن الآن كلما وجدت وقتاً فارغاً أنام مباشرةً، وكثيراً ما أنسى استخدام الكريم المرطب، ولولا التكلفة العالية لعلاج الأسنان ما واظبت على غسلها واستخدام الخيط، مع انشغالي بثلاثة أطفال أشعر أحياناً بأن استخدام الفرشاة والمعجون مرتين يومياً يمثل مجهوداً كبيراً".

"قصّي شعر أكثر... لا زلت أشعر بمسؤوليته"

تذكرت ريهام جملةً تقولها لمصففة شعرها وهي تقص شعرها: "قصّي شعر أكثر... لا زلت أشعر بمسؤوليته"، وهو ما تعدّه ملخصاً عن علاقتها بشعرها بعد الإنجاب.

تحدثت ريهام عبد الله، وهي موظفة في الثلاثينات من العمر، عن علاقتها بشعرها قائلةً: "كانت أول بناتي مريضةً عندما ولدتها، وظلت كذلك لسنوات عدة، في هذه الفترة لا أتذكر حتى شكل شعري لأني كنت في الوقت نفسه أعاني من غضروف الظهر الذي ظلت حالته تسوء حتى سبب لي مشكلات في الحركة كبيرةً نتيجةً لعدم علاجه إلى أن اضطررت إلى إجراء عملية جراحية".

 إن قص الشعر قد يكون دليلاً على صعوبات العناية بالنفس التي تخضع لها الأمهات ولكنه ليس سوى قمة جبل الثلج التي تخفي تحتها متاعب صحية أكثر جديةً وتأثيراً على المدى الطويل

وأضافت: "بعد ثلاث سنوات من الإنجاب، بدأت بالتفكير في شعري والاهتمام به مرةً أخرى، وبعد الولادة الثانية بدأت أقص شعري للحفاظ على شكله حتى لا أصل إلى المرحلة السابقة نفسها، ولكن بشكل مفاجئ أنجبت للمرة الثالثة من دون تخطيط، وبدأت حالة شعري تسوء كثيراً، وأُصبت بالضيق الشديد من صورتي كأم شعرها مشعّث طوال الوقت، فبدأت أقصّه وأعالجه بالبروتين حتى لا أضطر إلى العناية به ولا أشعر بمسؤوليته، وحاولت إطالته مرةً أخرى، لكن عندما شعرت بضغط امتحانات الأولاد قمت بقصّه بنفسي بمقصّ الورق".

وكشفت ريهام كذلك عن الضغط المجتمعي الذي تخضع له الأم: "أنا مدركة أن كل مرحلة نمر بها لها مسؤوليتها وأتمنى لو الدوائر الاجتماعية حولنا تقدّر هذه الأولويات حتى لا نجد كلمات جارحةً مثل 'ليه كده' أو 'اهتمي بيه هيكون كويس'، مع حلول تأخذ وقتاً ومجهوداً لا امتلك أياً منهما"، وختمت بالقول: "في الوقت الحالي إن إيجاد وقت لدخول الحمام أو الصلاة أصبح رفاهيةً".

هرمونات مضطربة وإرهاق وأنيميا

حالة الشعر السيئة بعد الإنجاب أمر شائع للغاية، فبالإضافة إلى الإرهاق بسبب قلةّ النوم، وصعوبة العناية بمولود جديد، هناك أسباب بيولوجية كذلك تؤدي إلى حدوث ما يُسمّى "postpartum hair loss"، وهو التساقط المفرط للشعر بعد بضعة أشهر من الولادة والناتج عن التغيرات الهرمونية التي تحدث في أثناء الحمل وبعده.

تتسبب هرمونات ما بعد الولادة في دخول العديد من الشعيرات من مرحلة النمو (طور التنامي)، فجأةً إلى مرحلة الراحة (تيلوجين)، وعادةً ما يكون لدى المرأة من 80،000 إلى 120،000 شعرة على فروة الرأس وتتساقط أكثر من 100 شعرة يومياً.

في الواقع، تؤدي التغيرات في هرمون الإستروجين في أثناء الحمل وبعده إلى تساقط الشعر أكثر بعد الولادة، وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، تزداد مستويات الإستروجين لدى الأم الحامل مما يمنع تساقط الشعر المعتاد، وبعد الولادة، تنخفض مستويات هرمون الإستروجين، الأمر الذي يؤدي إلى تساقط الشعر.

هذا بالإضافة إلى احتمال حدوث فقر الدم ما بعد الولادة بسبب نقص الحديد مما يؤثر بصورة سلبية على الشعر وعلى الصحة بشكل عام، ومن آثاره الاكتئاب والضعف والجلد الشاحب والإرهاق والتعب وضيق التنفس وانخفاض جودة حليب الثدي وكميته.

وتالياً تدخل الأم الجديدة في دائرة متصلة من الأسباب والنتائج، فهي متعبة مرهقة بسبب التزاماتها التي لا تنتهي، ونتيجةً لهذا التعب الجسدي لا تحصل على التغذية ولا العناية الصحية اللازمتين للتخلص من فقر الدم، وبسبب كل ذلك يصبح شعرها مُرهَقاً فتقصّه حتى تتخلص من بعض مسؤولياتها.

"أنا مدركة أن كل مرحلة نمر بها لها مسؤوليتها وأتمنى لو الدوائر الاجتماعية حولنا تقدّر هذه الأولويات حتى لا نجد كلمات جارحةً مثل 'ليه كده' أو 'اهتمي بيه هيكون كويس'، مع حلول تأخذ وقتاً ومجهوداً لا امتلك أياً منهما"

تحدثت أخصائية الطب النفسي في مستشفى العباسية للصحة النفسية، حسناء الدباوي، عن العلاقة ما بين اكتئاب ما بعد الولادة وعدم قدرة الأم الجديدة على العناية بنفسها، خاصةً طقس قصّ الشعر فبدأت حديثها إلى رصيف22، ضاحكةً: "أنا أمّ منذ شهرين، وبالفعل قصصت شعري"، ثم أكملت: "الاكتئاب بشكل عام مرتبط بالإهمال في الاعتناء بالنظافة الشخصية والمظهر وقصّ الشعر، ولكن ما كل امرأة لديها هذه الأعراض بعد الولادة تكون مصابةً بالاكتئاب، في أحيان أخرى يكون السبب عدم وجود الوقت للاعتناء بنفسها أو الحصول على المكملات الغذائية أو الاستحمام، فحتى عند نوم الرضيع تفضّل الأم القيام بالأعمال المنزلية أو العناية بالأطفال الأكبر سناً، أو النوم، وعليه الاكتئاب قد يكون سبباً، ولكنه ليس السبب الوحيد".

وتابعت: "يظهر اكتئاب ما بعد الولادة بعد شهر من الولادة وقد يستمر لمدة عام، بينما هناك ما يسمى "Baby Blues" وهي حالة تبدأ بعد الولادة مباشرةً، وقد تستمر لمدة أسبوع أو أكثر نتيجةً لاختلال الهرمونات، وهناك نقطة إضافية هي أن الاكتئاب يؤثر على الذاكرة ويجعل الشخص ينسى تفاصيل يومه وتالياً لا يتمكن من الاعتناء بنفسه، لهذا السبب تنسى الأم تناول المكملات الغذائية التي كانت حريصةً عليها خلال الحمل، بالإضافة إلى ذلك قلّة النوم والإرهاق يجعلان أي شخص مشوشاً وغير قادر على العناية بنفسه".

الشعر ليس مجرد زينة كما أن انهيار أم شابة لعدم حصولها على وقت كافٍ للاستحمام هو دليل واضح على أن هؤلاء الأمهات يعانين بشكل حقيقي جسدياً ونفسياً.

وعليه، فإن كسر دائرة المعاناة هذه لا يأتي سوى بالتوقف عن التفكير في أن العناية بالمولود الجديد هي من مهام الأمهات فقط، بالإضافة إلى مدّ يد العون إلى الأم ومساعدتها ودعمها بشتّى الطرق، وفق ما قالت ريهام: "في ناس بتساعدني بقدر ما تستطيع، ولكن ليس بقدر ما أحتاج". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image