"المرأة التي تقص شعرها على وشك أن تغيّر حياتها"، هذا القول لمصممة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل، قد ينطبق بالفعل على الكثير من النساء اللواتي يُقْدمن على قص شعرهنّ، سواء كان ذلك بشكل جذري أو حتى حلقه بالكامل، عند المرور بفترة نفسية صعبة، من باب إرسال رسالة للآخرين مفادها: "أحتاج لتغيير شيء ما... أسعى وراء انطلاقة جديدة في حياتي".
والواقع، إن قصّ الشعر هو أكثر بكثير من مجرد روتين يندرج في سياق التبرّج، فبعض النساء اللواتي تعرّضن لصدمة قاسية، كفقدان أحد الأحباء أو اختبرن الانفصال العاطفي أو خسارة الوظيفة، غالباً ما يحاولن التعافي، ولو بشكل جزئي، من خلال القيام ببعض الأمور البسيطة التي تشعرهن بنوع من الراحة النفسية، كقصّ الشعر بشكل لافت أو حتى صبغه بلون صارخ.
فما هي العلاقة بين تغيير "موديل" الشعر ومحاولة التعافي من الاكتئاب واليأس؟ لماذا يمكن أن يؤدي قصّ الشعر إلى الشعور بالراحة النفسية؟
تعزيز الصورة الذاتية
إن إجراء تغيير جذري على مظهرنا يمكن أن يكون وسيلة لإرسال رسالة مفادها أننا نحتضن البدايات الجديدة ونقوم أيضاً بتغيير جذري في حياتنا، بالأخصّ حين لا تسير الأمور وفق ما خططنا لها.
في هذا الصدد، كشفت دراسة أجريت في العام 2013 على 128 مشتركاً، أن أحداث الحياة المجهدة قد تؤدي إلى عدم الرضا عن صورة الجسد، وتكمن وراء الدوافع لإحداث تغييرات في مظهر الجسم بغية تعزيز الصورة الذاتية، بمعنى آخر، قد تكون التغييرات المتتالية أو الدراماتيكية في المظهر الخارجي مؤشراً للتجارب المُجهدة التي يمرّ بها المرء في حياته.
بعض النساء اللواتي تعرّضن لصدمة قاسية، كفقدان أحد الأحباء أو اختبرن الانفصال العاطفي أو خسارة الوظيفة، غالباً ما يحاولن التعافي، ولو بشكل جزئي، من خلال القيام ببعض الأمور البسيطة التي تشعرهن بنوع من الراحة النفسية، كقصّ الشعر بشكل لافت أو حتى صبغه بلون صارخ
في الحقيقة، يمكن اعتبار قصّ الشعر بمثابة شكل من أشكال الرعاية الذاتية، إذ إن بعض الأفراد يُقْدمون على هذه الخطوة بغية الشعور بتحسّن بسيط في داخلهم وبالقدرة على استعادة السيطرة، بالأخصّ في ظلّ وجود مسائل أخرى معقدة وخارجة عن سيطرتهم.
بعد المرور بضغط نفسي كبير، قد يكون من المفيد بالنسبة لهؤلاء الأشخاص أن يمنحوا أنفسهم نوعاً من الدافع لتجاوز هذه المحنة الصعبة، وعليه يمكن أن تكون قصات الشعر بمثابة "استثمار" في الذات، وهي طريقة قد تجعلهم يشعرون بتحسّن نفسي ملحوظ.
واللافت أن الضغوطات من شأنها عرقلة مساراتنا في الحياة، فنحاول عندها توجيه الطاقة التي نبذلها في العادة، في عملنا أو هواياتنا أو في الأعمال المنزلية، إلى أمر يُمكّننا من محاولة تخفيف بعض الألم الفوري، وعليه يمكن أن يكون منح أنفسنا بعض الوقت للاهتمام بمظهرنا الخارجي وسيلة فعّالة لتحسين مزاجنا وبدء تجاوز أي شيء يزعجنا.
وسيلة تمرّد
بخلاف قصة شمشون الذي فقد قوّته بعد أن قام بقصّ شعره كما تقول الحكاية، يبدو أن إقدام النساء على قص شعرهنّ يتعلّق باستعادة القوة أكثر من فقدانها.
على مرّ التاريخ، قامت العديد من النساء بإحداث تغييرات طفيفة وحتى جذرية في مظهرهنّ كوسيلة للتعامل مع الصدمات النفسية والضغوط الحياتية، وهكذا يمكن اعتبار قصّ الشعر، بشكل جذري، بمثابة رسالة قوية للأصدقاء والعائلة بأن شيئاً ما قد حدث، بالإضافة إلى كونه وسيلة لتفريغ نوبات الحزن والغضب وحتى اليأس مما وصلت إليه الأمور.
ففي عشرينيات القرن الماضي، كانت النساء القويات ينظرن إلى الشعر القصير للغاية كوسيلة للتمرد على المعايير والقوالب التقليدية، وخير دليل على ذلك هو ما قامت به فريدا كاهلو.
بعد طلاقها من زوجها دييغو ريفيرا في العام 1940، قامت كاهلو بقص شعرها الطويل بشكل لافت.
وقد اشتهرت لوحة للفنانة المكسيكية بعنوان: Self-Portrait with Cropped Hair، بحيث تبدو كاهلو وهي جالسة في الوسط، تحمل في يدها مقص وفي اليد الآخرى بعض الشعر المقصوص كدليل على التضحية، هذا وتظهر خصلات شعرها في كل زاوية من اللوحة، مبعثرة وكأن كل شعرة لديها حياة مستقلة وخاصة بها، ما يوحي بعمق اليأس الذي أصاب فريدا في تلك الفترة.
قصّ الشعر هو شكل من أشكال التمرد والثورة على الذات
وفي العام 2007، قامت النجمة العالمية بريتني سبيرز بحلق رأس شعرها بالكامل، ليتضح لاحقاً أنها تعاني من انهيار نفسي كبير جرّاء مشاكل عائلية، وهو أمر أكدته في وقت لاحق في إحدى مقابلاتها: "كنت أمرّ بفترة صعبة، ولكن الأمر كان أشبه بمروري بحالة من التمرد أو الشعور بالحرية أو التخلص من الأشياء التي حدثت".
بالفعل، لا يزال هذا النمط من التفكير والشعور بالحرية والتحكم في النفس دافعاً يكمن وراء تغيير العديد من النساء لقصات شعرهنّ اليوم.
ففي حديثها مع موقع رصيف22، أكّدت الأخصائية في علم النفس لانا قصقص، أن قصّ الشعر هو "شكل من أشكال التمرد والثورة على الذات"، منوّهة بأنها قد تكون وسيلة تعبير عن شيء معيّن لا يستطيع المرء قوله بالكلمات.
وأشارت قصقص إلى أنه بالإجمال، هناك علاقة وثيقة بين التغييرات الجسدية والحالة النفسية التي يمرّ بها شخص ما: "إن إحداث تغييرات معيّنة في المظهر الخارجي قد يكون نتيجة فقدان الثقة بالنفس والبحث عن حافز معيّن، أو من باب كسر الجمود والرغبة في تضميد الجروح النفسية وتفجير بركان الغضب في الداخل".
حالة إنكار
في حين أن الرعاية الذاتية قد تكون كل ما نحتاجه لتجاوز الأوقات الصعبة، في بعض الأحيان، قد تكون التغييرات الجسدية بمثابة ضمادة لجرح أعمق بكثير، فمن السهل علينا أحياناً اللجوء إلى الحلول السريعة كالتغييرات الجسدية، لأن الأشياء الأخرى قد تستغرق وقتاً أطول، ولكن يمكن أن يكون المظهر الخارجي بمثابة درع الإنكار عندما نشعر بالأذى أو الضعف بشكل خاص.
في هذه الحالات، قد تظهر الآثار المتبقية للصدمة مراراً وتكراراً، وفق ما أكّدته المعالجة النفسية كريستي بيك في حديثها لموقع Quartz.
فقد كشفت كريستي أنها شاهدت العديد من الأشخاص الذين يقصدون عيادتها لسبب واحد، مثل الوقوع ضحية نمط العلاقات غير الصحية، مدركين أن السبب الأساسي هو نوع من الصدمة المكبوتة التي يجب التعامل معها: "ربما حاول هؤلاء المرضى إجبار أنفسهم على اجتياز فترة صعبة، من خلال تغيير جسدي سريع، لكنهم لم يتمكنوا أبداً من حل التوتر الذي سبّبه لهم بمفردهم".
إذن، عندما نمر بفترة انتقالية مؤلمة بشكل خاص، فإننا نميل لاتخاذ قرارات توفّر لنا جرعة من الراحة الفورية. يمكن أن ينبع هذا من الشعور بالرغبة في التخلّص من المشاعر الصعبة، ما يجعلنا نتخذ قرارات قد تبدو متهوّرة بعض الشيء، مثل الإقدام على حلق الشعر نهائياً، وكأن إجراء تغيير في مظهرنا الجسدي يمكن أن يكون أقرب إلى التخلص من طبقة من الجلد نفترض فيها أننا سنشعر بالتحسن على الفور.
يمكن اعتبار قصّ الشعر، بشكل جذري، بمثابة رسالة قوية للأصدقاء والعائلة بأن شيئاً ما قد حدث، بالإضافة إلى كونه وسيلة لتفريغ نوبات الحزن والغضب وحتى اليأس مما وصلت إليه الأمور
غير أنه من المهم أن ندرك أن مثل هذه الخطوات البسيطة لا تمثل العصا السحرية للقضاء على محنتنا، فالتغييرات في المظهر الخارجي لا تضمّد الجروح الداخلية بل من شأنها التخفيف من وطأة الآلام.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن قصّ الشعر بشكل جذري ليس جزءاً ضرورياً من عملية التعافي النفسي، ومجرد إقدام المرأة على هذه الخطوة لا يعني بالضرورة أنها تمر بفترة صعبة بشكل خاص، فقد تكون مجرد رغبة في كسر الروتين والملل لا أكثر، أو وسيلة لتأكيد السيطرة عندما تكون الأمور الأخرى خارجة عن سيطرتها، ولكن يبقى من المهم الانتباه إلى جميع المؤشرات التي تدلّ على الكآبة وتدهور الحالة النفسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع