شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
صناعته تتطلب أشهراً من العمل... ما هو لباس

صناعته تتطلب أشهراً من العمل... ما هو لباس "دخلة العروس" في نابل التونسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 3 مايو 202304:01 م

تستعد جيهان الحوات، وهي ابنة محافظة نابل التونسية، للزواج قريباً. ومع بداية التحضيرات لهذه المناسبة، وحسب قولها، فإن العرس لن يكون كاملاً من دون لباس "الدخلة"، كونه الأساس لأنه يمثل فخر العروس حين ترتديه.

وتحدثنا جيهان بأن فخامة اللباس جعلت العديد من الفتيات المقبلات على الزواج يقدمن إلى المحافظة لشرائه، والتزين به، وتشير جيهان لرصيف22، إلى أن عائلة العروس وأصدقاءها يختارون لون لباس دخلة العروس نفسه ليرتدوه مع العروس يوم زفافها، وفي ذلك تعزيز لقيمة العروس قبل ذهابه إلى بيت زوجها.

وبرغم أن الإقبال على لباس الدخلة وشراءه تراجعا في محافظة نابل التونسية، إلا أنه جعل من هذه المنطقة عاصمةً للّباس التقليدي يقصدها العديد من الزائرين من تونس وخارجها. لكن ما قصة هذا اللباس المهدّد بالانقراض؟

فن يتطلب الصبر

لا أحد يمر من المدينة العتيقة في محافظة نابل التونسية من دون أن يلقي نظرة تأمل على محل فاطمة، وهي حرفية في فن تطريز لباس دخلة العروس الذي تشتهر به هذه المحافظة منذ عقود بحكم أن هذا اللباس فخر العروس وزينتها وأصالتها.

تشهد محال التطريز في هذه المحافظة حركةً كبرى، إذ تبدأ الاستعدادات لمناسبات الزواج وتبدأ معها تحضيرات لباس "الدخلة"، وهو زي فاخر يحاك من خيوط الذهب ويزيّن بالنقوش التقليدية تلبسه العروس في سهرة "الحنّة" (سهرة نسائية) محاطةً بأغاني "الماشطة" (فرقة نسائية تقليدية)، وتنتشر بكثرة في مناسبات الأفراح في محافظة نابل التونسية.

يُعدّ لباس "الدخلة" أول لباس تقليدي بدأت بتطريزه الحرفيات في محافظة نابل بحكم رمزيته وقيمته لدى العائلات

تقول فاطمة، لرصيف22، إن حرفة التطريز تتطلب الكثير من الصبر لأنها تأخذ منها جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً يصل إلى حد السنة أحياناً على حد قولها.

وفقاً للحرفية فاطمة، فإن حياكة لباس "الدخلة" يتم في البداية عبر استعمال قطعة كبيرة من الكرنافة (أصول تبقى في جذع النخلة بعد قطع السّعف)، تقوم بصبغها بمواد صباغة، ثم يتم تقسيمها إلى قطع مضبوطة القياس وفقاً لمكونات اللباس.

سعر رداء "دخلة العروس" النابليّ يصل إلى 4 آلاف دولار أمريكي فما فوق، ويُعد الثمن باهظاً بالنظر إلى غلاء المعيشة وارتفاع مصاريف الزواج، لذلك تلجأ العديد من المقبلات على الزواج إلى استئجار اللباس كحلّ أمثل

في مرحلة ثانية، تسميها فاطمة "مرحلة التزيين"، وهي الأصعب كما تقول نظراً إلى أنها تتطلب الدقة اللازمة، تقوم الحرفية بتغطية قطع القماش بالكنسار (خيوط الذهب)، ثم ترشم وتزيَن بنقوشات تقليدية بـ"العدس" و"الكنتيل" و"العقيق" (مواد تُستخدم للتنميق)، وأخيراً تضاف إليها الإكسسوارات.

تضيف فاطمة، أن سعر "الدخلة" يصل إلى 4 آلاف دولار أمريكي فما فوق، ويُعد الثمن باهظاً بالنظر إلى غلاء المعيشة وارتفاع مصاريف الزواج، لذلك تلجأ العديد من المقبلات على الزواج إلى استئجار اللباس كحلّ أمثل للحفاظ على هذا الموروث الثقافي المتجذر في المحافظة.

تواصل فاطمة الحديث إلى رصيف22، قائلةً إن سعر الكراء بالنسبة "للدخلة" حديثة الصنع يصل إلى 600 دينار، وكلما تقادمت الدخلة يتراجع ثمنها ليصل إلى 50 ديناراً تونسياً أحياناً.

أول لباس تقليدي

يُعدّ لباس "الدخلة" أول لباس تقليدي بدأت بتطريزه الحرفيات في محافظة نابل بحكم رمزيته وقيمته لدى العائلات. وتؤكد مريم وهي حرفية في هذا المجال لرصيف22، أن العائلات في هذه المحافظة تجهّز لبناتها هذا اللباس وهن صغار حتى يجدنه جاهزاً في عمر الزواج.

أغلب الحرفيات في المدينة العتيقة أصبحن يشتغلن على هذه الأزياء لربح المال بعد أن أصبح تطريز لباس "الدخلة" مهدداً بالاندثار ونادراً في أوساط الأسر متوسطة الدخل والفقيرة

تضيف مريم أن هذا اللباس أصبح عادةً تتوارثها النساء جيلاً بعد جيل، وأن الاستغناء عنها في الأعراس يُعدّ بمثابة "عيب"، و"تخلياً عن الأصالة وعن عادات الأجداد"، وأضافت مريم: قديماً كان أهل العروس يرسلون ابنتهم إلى بيت زوجها بلباس "الدخلة" المطرزة بالذهب، وفي ذلك دلالة على قيمتها الثمينة وضرورة المحافظة عليها وإعطائها قيمةً مهمةً.

تراث مهدد بالاندثار

على الرّغم من عودة التونسيين إلى أصالتهم وجذورهم وتشبثهم بها، إلا أن الحرفية إيناس المباركي، تشير إلى أن أغلب محال التطريز غيّرت هذه المهنة لأن تطريز اللباس يتطلب شهوراً والكثير من المال خاصةً في أثناء شراء أدوات الزينة، وتتابع بأن المقبلات على الزواج، منهن من تخلّت عن هذه العادة وتشبثت بما يُسمى بالفوطة والبلوزة، وهما أيضاً زي تقليدي ترتديه الفتيات في السهرة الخاصة بحنّة العروس التي ازداد عليها الإقبال أكثر فأكثر.

تفيد إيناس بأن أغلب الحرفيات في المدينة العتيقة أصبحن يشتغلن على هذه الأزياء لربح المال بعد أن أصبح تطريز لباس "الدخلة" مهدداً بالاندثار ونادراً في أوساط الأسر متوسطة الدخل والفقيرة.

وتضيف أنه تتم إضافة بعض مستلزمات الزينة والتطريز على هذه الأزياء، بما يجعلها مواكبةً للعصر وللتصاميم الحديثة التي ترغب فيها الفتيات أكثر وتضاف إليها بعض النقوش أو "الطريزة" أو "حَرج" (زينة على أطرف الفستان)، وهو ما يزيد الطلب عليها في الأعراس والمناسبات كلها في المحافظة.

من بين المشكلات الأخرى التي تعترض الحرفيات في أثناء بدايتهن في تعلمّ تطريز لباس "الدخلة"، عدم وجود برامج حكومية في محافظة نابل لتمويل مثل هذه المشاريع خاصةً بالنسبة إلى الحرفيات المبتدئات اللواتي يحتجن إلى دعم مالي في مرحلة أولى لتقديم منتوج ذي قيمة يحفّز المقبلات على الزواج على شرائه أو كرائه.

ترى إيناس أنه ليس من الهيّن على حرفي في بداية مشواره، أن يكون قادراً على اقتناء المواد الأولية باهظة الثمن، كما أن عمله في البداية لن يكون متقناً بالمستوى المطلوب، وهو ما يفرض على البعض الإعادة والتجربة لمرات كثيرة حتى يتمكن من إتقان الحرفة وصنع بصمة فنية خاصة به في المدينة العتيقة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard