شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
زواج مغربيات من

زواج مغربيات من "أفارقة"... كيف انتصر الحب على فزّاعة لون البشرة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الأربعاء 3 مايو 202303:04 م

"عندما تقدّم عبد الله لخطبتي، قالت لي صديقة سابقة، كلاماً قاسياً، مغلّفاً بنوع من المزاح السمج: هل حقاً تريدين الزواج من رجل لون بشرته يشبه لون الباذنجان؟"؛ تقول فاطمة ذات الثلاثين ربيعاً، من المغرب، وهي تستذكر بعضاً من المشاهد الصعبة التي واجهت زواجها بالسينغالي عبد الله، ذي الأربعة والثلاثين عاماً، والذي يشتغل مستخدَماً في إحدى الشركات، في مدينة الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية).

"أحببته باذنجانياً"!

تروي فاطمة في حديثها إلى رصيف22، ردة فعلها إزاء سؤال صديقتها، وهي تبتسم: "أجبتها، وأنا أحافظ على هدوئي، بالرغم من جرح السؤال وفظاعة التشبيه: "نعم، سأتزوجه، لأنني أحبه، وأنا أحببته "باذنجانياً!".

وعلى الرغم من اعتذار صديقتها، وحضورها حفل زفافها وإهدائها هديةً، كما تؤكد فاطمة، إلا أن ذلك كله لم يُنسِها عبارة التنمر الجارحة، من لون بشرة زوجها السوداء، التي تلفظت بها صديقتها.

ودعت في حديثها، إلى الامتناع عن التنمر من ألوان البشر وأشكالهم وأعراقهم ودياناتهم، ولو من باب الفكاهة والمزاح، مشددةً على أن "العنصرية تبقى عنصريةً، وإن كانت مغلّفةً بطابع الفكاهة والرغبة في إضحاك الجمهور".

"زوجتي تدافع عني"

يعيش حمادة إبراهيم (33 سنةً)، من النيجر، منذ ما يقرب من أربع سنوات من الحياة الزوجية، مع زوجته المغربية، فاتن، التي التقى بها سنة 2012، في أثناء دراسته الماجستير، وقد نشأت بينهما علاقة حب، قبل أن يتقدم لخطبتها.

في البداية، لم يكن قرار ارتباط حمادة بفاتن سهلاً على العائلتين، فالكل كانوا مترددين باستثناء فاتن وحمادة، اللذين استطاعا في النهاية إقناع عائلتيهما بعلاقتهما، وهو الأمر الذي استغرق بعض الوقت من أجل بناء علاقة صحية وقوية بين عائلة فاتن المغربية من جهة، وعائلة حمادة النيجرية من جهة ثانية.

وعما إذا كان قد تعرّض للعنصرية، يقول حمادة، الذي يشتغل في مجال المحاسبة المالية، في حديثه إلى رصيف22، إنه لم يشعر بالعنصرية في عائلة زوجته المقربة ومحيطها، بل يشعر بها في الشارع.

"أجبتها، وأنا أحافظ على هدوئي، بالرغم من جرح السؤال وفظاعة التشبيه: "نعم، سأتزوجه، لأنني أحبه، وأنا أحببته "باذنجانياً!"

وأردف: "أشعر بها، مثلاً، عندما أضطر إلى استدعاء سيارة أجرة، أو عند اقتناء بعض الأشياء، أو غالباً عند ولوج إدارة من الإدارات، حيث يتم التوجه إليّ بعبارات فيها إيحاءات من قبيل أنك لست في موطنك، أو أنك رجل أسود بعيد عن بلده. حتى عندما أقود السيارة، غالباً ما يكون لدي شعور بأن عيون البعض تريد أن تأكلني، لمجرد أنني رجل أسود يجلس أمام مقود سيارة".

وعن ردة فعل فاتن إزاء ما يتعرض له، يقول حمادة: "زوجتي دائماً موجودة من أجل الدفاع عني عند الحاجة ضد أي تصرف يوحي بالعنصرية"، مؤكداً أن "الحب يمكن أن ينتصر، لكن عليك أن تتحلى بالصبر والتحمل، وقبل كل شيء يجب أن يكون لديك الكثير من الاقتناع، فقد يكون المجتمع غير عادل وقاسياً تجاه ذوي البشرة السوداء، لكن هناك شيئاً واحداً مؤكداً، هو أنه عندما نحب، نتجاوز حقيقة اللون، فيصبح هذا الأخير بلا أهمية تُذكر".

عنصرية هوياتية

قبل أيام، أطلقت مجموعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، حملةً إلكترونيةً، يدعون من خلالها إلى وقف زواج المغربيات من أفارقة جنوب الصحراء، عادّين أن هذا النوع من الزيجات "يهدد النسل المغربي"، حسب تعبيرهم.

والمفارقة العجيبة، أن أصحاب هذه المطالب، يرفضون وصفهم بـ"العنصريين"، على الرغم من مطالبتهم نساء المغرب، بالامتناع عن الزواج من ذوي البشرة السوداء المتحدرين من دول جنوب الصحراء، والاقتصار على الزواج من المواطنين المغاربة.

وفي تعليقها على هذه الدعوات، تقول الصحافية المغربية، هاجر الريسوني، وهي متزوجة من رفعت الأمين، وهو مواطن سوداني الجنسية: "أنا شخصياً لا أستطيع استيعاب مثل هذه الحملات، خصوصاً تلك التي تتحدث عن الجنسية واللون والدين، لأنني أرى أننا متساوون في الخلق والحقوق والكرامة، وأنه ليس هناك عرق أو جنسية أفضل من أخرى".

"الحب يمكن أن ينتصر، لكن عليك أن تتحلى بالصبر والتحمل، وقبل كل شيء يجب أن يكون لديك الكثير من الاقتناع، فقد يكون المجتمع غير عادل وقاسياً تجاه ذوي البشرة السوداء"

ورأت الريسوني، في حديثها إلى رصيف22، أن ما يحرّك مثل هذه الحملات، هو الجهل وقلة الوعي وعقد النقص، مضيفةً: "بالنسبة إلى اللون، أرى أننا مغاربة متعددو الألوان: في الجنوب الشرقي ستجد اللون أسمر يميل إلى الأسود، وفي الشمال أبيض، وفي الوسط لون قمحي".

وعليه، فإن التنمر على أصحاب البشرة السمراء، تشدد الريسوني، "صبينة وجهل كبير، ويعبّر عن أشخاص لا يستطيعون التعايش مع المختلفين"، مضيفةً: "أنا لا أتابع مثل هذه الحملات، لأن الزواج قرار شخصي، وليس قراراً مجتمعياً".

"في اعتقادي، ما يهمّ هو أخلاق الإنسان، مستواه العلمي والفكري، درجة وعيه، معاملته، ودرجة التفاهم والتقارب بين الطرفين"، توضح المتحدثة، "أما الباقي، فهو تسطيح للنقاش وهروب من مناقشة مشكلاتنا الحقيقية، ومواجهة واقعنا".

الحب يقهر العنصرية

ترى الريسوني، نفسها محظوظةً، لأنها تعيش في وسط يضم أشخاصاً لديهم وعي ومستوى فكري معيّن، فهي تنحدر من عائلة مثقفة، معظم أفرادها ناشطون حقوقيون، تمزج بين الانفتاح الفكري والاعتزاز بالهوية، فضلاً عن أن زوجها رفعت الأمين، شخصية سودانية مرموقة في مجال تخصصها الحقوقي والأكاديمي، لذلك لم تواجه المشكلات نفسها التي تعانيها باقي المغربيات المتزوجات من مهاجرين أفارقة.

"إنه اختياري، وقناعتي، والحب تجربة شخصية لا تعرف هذه الأوصاف من عنصرية أو غير ذلك"

وعن الأسباب الكامنة وراء اختيارها الزواج المختلط، تقول الريسوني: "لم أطرح هذا السؤال على نفسي يوماً، لأنه اختياري، وقناعتي، والحب تجربة شخصية لا تعرف هذه الأوصاف من عنصرية أو غير ذلك".

وتابعت: "أنا تزوجت إنساناً، وجدت أنني أستطيع أن أعيش معه، بالشكل الذي أريد، لدينا قدر من التفاهم، لدينا مستوى فكري متقارب، رؤية لحياة مشتركة، بغض النظر عن جنسيته أو لونه وعرقه".

قانون منع الزواج من الأفارقة!

ينص الدستور المغربي في تصديره، الذي يُعدّ جزءاً لا يتجزأ منه، على أن المملكة المغربية لها روافد مختلفة، من بينها الروافد الإفريقية، عادّاً أن المغرب جزء من إفريقيا، ومؤكداً "حظر ومكافحة كافة أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان".

في هذا الصدد، يرى الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي يوسف لوكيلي، في تصريح لرصيف22، أن نقاش حماية المغاربة من كل ما هو إفريقي، هو نقاش غير دستوري، عادّاً أن الذين يروّجون له، ليس لديهم اطّلاع على الاختيارات الكبرى التي أجمع عليها المغاربة من خلال وثيقتهم الدستورية، كونها العقد الأسمى الذي يحدد مرجعيات المجتمع.

وعليه، فالحديث عن خطر الأفارقة السود على الثقافة والهوية المغربية هو حديث موهوم، يضيف لوكيلي، "على اعتبار أن الثقافة الإفريقية حسب النص الدستوري هي جزء من المكون الثقافي المغربي، كما أن الدولة تعمل على توطيد العلاقات مع مختلف البلدان الإفريقية، لأنها في نهاية المطاف تنتمي إلى هذا البعد".

وأشار لوكيلي، إلى أن تضمين الوثيقة الدستورية مجموعةً من القيم العامة التي تحكم المجتمع المغربي، وفي مقدمتها رفض المعاملات التي تنال من الكرامة الإنسانية، يدلّ على أن القانون المغربي حسم في مثل هذه التصرفات سواء تجاه المواطنين المغاربة أو غيرهم من المتواجدين على تراب المملكة، مؤكداً أن "نقاش رفض الزواج من الأفارقة في عمقه غير دستوري، ويعبّر عن عدم وعي، وسوء فهم لطبيعة العلاقة بين المغرب ودول القارة الإفريقية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard