شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
السفارات السورية... محطات للمراقبة وفرض السيطرة على المغتربين واللاجئين

السفارات السورية... محطات للمراقبة وفرض السيطرة على المغتربين واللاجئين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بينما كان الناجون من زلزالين مميتين في جنوب تركيا وشمال سوريا قد بدأوا للتو في معالجة آثار الدمار في ربيع العام 2023، كانت هناك حملة دبلوماسية جارية على قدمٍ وساق في دمشق.

في شباط/ فبراير، سافر الرئيس بشار الأسد إلى سلطنة عُمان في ثاني زيارة رسمية له منذ العام 2011. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، استقبل وزراء خارجية الإمارات والأردن ومصر في دمشق. وبحلول شهر نيسان/ أبريل، بدا أن قَطعَ عددٍ من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا بين عامي 2011 و2013 قد أصبح جزءاً من الماضي، لا سيما في ظل دعوة رسمية لسوريا لحضور قمة جامعة الدول العربية في الرياض في أيار/ مايو يبدو أنها ستحسم رد الاعتبار الإقليمي للحكومة. وهناك الآن قلق بأن تحذو دول خارج المنطقة حذو تلك الدول.

بالنسبة إلى الحكومة السورية، سيوفّر تطبيع العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات الأجنبية وسيلة حاسمة لإحكام قبضتها على المواطنين السوريين في الخارج.

منذ العام 2011، انتشرت  تقارير عن قيام مسؤولين حكوميين باستخدام السفارات كنقطة انطلاق لمراقبة وترهيب المعارضين السياسيين السوريين. ولكن حتى الآن، لا يوجد سوى القليل من البراهين الملموسة على هذه الممارسات، ولم يصل إلى العدالة إلّا عددٌ قليلٌ من القضايا، مع نفي الحكومة السورية بشكل قاطع تورطها في المراقبة الخارجية. في هذا السياق، ينشر المركز السوري للعدالة والمساءلة للمرة الأولى مراسلات استخباراتية داخلية في سوريا تسلط الضوء على كيفية استخدام الحكومة السورية لسفاراتها في الخارج لفرض سيطرتها على المجتمعات السورية في الداخل والخارج.

بين عامي 2013 و2015، تمكن المركز السوري للعدالة والمساءلة من الوصول إلى ما يقرب من 483,000 صفحة من الوثائق السرية من مرافق مهجورة تابعة للحكومة السورية. وقام المركز السوري للعدالة والمساءلة لاحقاً بتقليص هذه المستندات إلى ما يقرب من 19,000 صفحة ذات أولوية عالية بناءً على محتواها وتاريخ إصدارها. فقد عُدَّت الوثائق الصادرة قبل العام 2000 ذات أولوية منخفضة، وكذلك عُدَّت الوثائق الصادرة بين عامي 2000 و2010 ما لم تتضمن معلومات تتعلق بمراقبة أو استهداف منشقين سياسيين أو جماعات عرقية ودينية. بينما عُدَّت الوثائق الصادرة بعد العام 2011 ذات أولوية عالية باستثناء إنْ كانت متاحة للجمهور بالفعل أو صادرة عن مسؤولين حكوميين خارج الأجهزة الأمنية.

وحلل المركز السوري للعدالة والمساءلة عينة من 5000 صفحة من الوثائق ذات الأولوية تمهيداً للعمل على تقريره  للجدران آذان الذي أصدره المركز عام 2019 وأدرج فيه عدة صفحات تتعلق بمراقبة سوريين في الخارج. وعلى خلفية هذا التحليل، أصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة تقرير  ظلال المراقبة في عام 2020 ونشر فيه وثائق أصلية عن مراقبة سوريين في المملكة العربية السعودية وإسبانيا من خلال السفارة السورية في البلدين.

الآن، وبعد تحليل الصفحات الـ14,108 المتبقية من الوثائق ذات الأولوية، اكتشف المركز السوري للعدالة والمساءلة 43 صفحة جديدة تتعلق بمراقبة السوريين في بيلاروسيا وبلجيكا وقبرص ومصر وفرنسا واليونان والعراق واليابان والأردن ولبنان وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا وأوكرانيا والمملكة المتحدة واليمن. وقد صدرت هذه الوثائق– التي تشكل المصدر الذي يستند إليه هذا التقرير– بين عاميْ 2009 و2012 من قبل عدة أجهزة استخبارية تابعة لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع (رسمياً، تتبع هذه الأجهزة إدارياً لوزارتي الداخلية والدفاع، ولكنها على أرض الواقع تعمل باستقلالية كبيرة، وفي كثير من الحالات، تتمتع بنفوذ أكبر من الذي يتمتع به الوزراء أنفسهم).

وتضمّنت الوثائق نسخاً من التقارير الاستخبارية الأصلية التي أعدّتها وزارة الخارجية والسفارات السورية في جميع أنحاء العالم. وبينما يركز هذا التقرير على الآثار المترتبة على حقوق الإنسان، تقدم الوثائق التي تم تحليلها فهماً معمقاً غير مسبوق، بدءاً من مراوغات الحكومة السورية الجيوسياسية طوال فترة النزاع إلى استخدامها الاستراتيجي للمعلومات المضللة.

ولضمان وصول الجميع إلى المصادر، ينشر المركز السوري للعدالة والمساءلة قائمة كاملة بالوثائق التي تم تحليلها في الملحق الأول جنباً إلى جنب مع الوثائق الأصلية التي تم مسحها ضوئياً في الملحق الثاني من هذا التقرير.

في حين تنفي الحكومة السورية بشكل قاطع تورطها في المراقبة الخارجية، تسلط "وثائق سرية" الضوء على كيفية استخدام الحكومة السورية لسفاراتها في الخارج لفرض سيطرتها على المجتمعات السورية في الداخل والخارج

في البداية، يعرض التقرير نتائج حول آليات المراقبة الخارجية السورية، ومن ضمنها التنسيق بين شبكة شاملة من السفارات السورية حول العالم والأجهزة الأمنية السورية. كما يقيِّم التقرير تداعيات هذه النتائج على سلامة السوريين المقيمين في الخارج وأقاربهم في الوطن في سوريا. ويعكس التقرير أهمية النتائج المتعلقة بالقضايا الحرجة في الوقت الحاضر، ومن بينها حماية الشهود في القضايا المرفوعة بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وعودة اللاجئين، وحملة تطبيع العلاقات التي تقودها الحكومية السورية حالياً.

آليات مراقبة المواطنين وقمعهم

توضّح المستندات التي حصل عليها المركز السوري للعدالة والمساءلة أن المراقبة الخارجية أجريت بشكل منهجي عبر شبكة البعثات الدبلوماسية التابعة للحكومة السورية. وبدلاً من التركيز حصرياً على البلدان التي توجد فيها أعداد كبيرة من المغتربين أو اللاجئين السوريين، قامت الدولة السورية بمراقبة مواطنيها بشكل منهجي في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، طلب رئيس شعبة الأمن السياسي، في وثيقة عمّمها على رؤساء فروع الأمن السياسي في المحافظات، الحصول على معلومات حول "المحرّضين" المعارضين في جميع أنحاء فرنسا وبلجيكا وتركيا وروسيا ولبنان.


وذُكرت العديد من البلدان الأخرى في أوروبا وآسيا وإفريقيا ضمن منظومة أشمل. بل حتى أن سفارة سوريا في اليابان التي تُعدُّ دولة ذات جالية سورية صغيرة من المغتربين قد وُثِّق أنها تقدّم معلومات استخبارية مهمة عن صحافيي قناة الجزيرة ونشطاء المعارضة المنخرطين في لجان التنسيق المحلية.



وفي البلدان التي يوجد فيها تمثيل دبلوماسي سوري أكثر رسوخاً مثل تركيا ولبنان، يتم حشد كامل موارد الدولة لتيسير المراقبة. وفي إحدى الحالات في مطلع عام 2012، قامت القنصلية السورية في غازي عنتاب بمشاركة معلومات متعلقة بمعارض سياسي ورد أنه قام بترديد عبارات سلبية ضد الرئيس والجيش.


وعموماً، تؤكد هذه الوثائق ادعاء لطالما ردّده السوريون لسنوات مفاده أن الشتات يتعرض لمراقبة منهجية عبر جميع السفارات السورية. وبذلك، تدحض الوثائق بشكل قاطع إنكار الحكومة السورية المتكرر لتورطها في المراقبة الخارجية.

"طلب رئيس شعبة الأمن السياسي، في وثيقة عمّمها على رؤساء فروع الأمن السياسي في المحافظات، الحصول على معلومات حول ‘المحرّضين’ المعارضين في جميع أنحاء فرنسا وبلجيكا وتركيا وروسيا ولبنان"

ويوضح تبادلُ المعلومات بين السفارات وأجهزة الأمن الداخلي العمقَ الذي وصلت إليه المراقبة الحكومية. ففي مجموعة من الوثائق الصادرة في تموز/ يوليو 2011، يجيب رئيس فرع الأمن السياسي في دير الزور على برقية من قيادة الشعبة طلبت فيها الحصول على معلومات حول ستة أفراد تم رصدهم في احتجاج للمعارضة في كييف أمام السفارة السورية في أوكرانيا.





ولقد كان عمق المعلومات والتفاصيل المقدمة لاحقاً أمراً مثيراً للدهشة. إذ وفّر فرع دير الزور معلومات شخصية شاملة عن جميع الأفراد الستة المعنيين باستثناء واحد منهم. تضمنت الأسماء الكاملة للأفراد وتواريخ ميلادهم، وأسماء الوالدين وتواريخ ميلادهم ومهنهم، وعِرقهم، وحالتهم الاجتماعية، وتعليمهم، ومهنتهم، ووضعهم المادي، والطبقة الاجتماعية، والمكانة، والسمعة، والآراء السياسية والدينية، والنشاط السياسي السابق والسجل الجنائي، والنشاط السياسي والسجل الجنائي للأصدقاء المقربين والأقارب؛ بالإضافة إلى تأريخ للأحداث الرئيسية في حياة الفرد منذ الطفولة وحتى تاريخ المذكرة. وفي حين أن معظم عائلات الأفراد ليس لديهم أي سوابق جنائية، فإن فرع دير الزور لا يتجاهل حقيقة أن أخوال أحد النشطاء قد اعتقلوا في عام 1983. وعلى الرغم من وفرة التقارير حول البنية التحتية للمراقبة التابعة للدولة السورية، ومنها احتكار الشركة السورية للاتصالات (STE) المملوكة للدولة السورية للاتصالات السلكية واللاسلكية وخدمات الإنترنت، إلّا أن هذه المراسلات توفر دليلاً موثقاً على أن الدولة السورية لا تمتلك بنية تحتية واسعة النطاق للمراقبة فحسب، بل وتستطيع تسخيرها بسرعة وفعالية في القمع السياسي.

"حتى سفارة سوريا في اليابان، وهي تُعدُّ دولة ذات جالية سورية صغيرة من المغتربين، وُثِّق أنها تقدّم معلومات استخبارية مهمة عن صحافيي قناة الجزيرة ونشطاء المعارضة المنخرطين في لجان التنسيق المحلية"

وعلى غرار ذلك، تشير عينة الوثائق الخاصة بالمركز السوري للعدالة والمساءلة إلى أن الحكومة قد جمعت معلومات استخبارية مكثفة عن الناشطين السياسيين من اللاجئين والشتات، لا سيما في البلدان التي تضم أعداداً كبيرة من اللاجئين. ففي لبنان، على سبيل المثال، يشير خطاب في آذار/ مارس 2012 إلى معلومات عن اجتماعات للتنسيق المكثف بين جماعات المعارضة في طرابلس وعكار جُمعت عن طريق مراقبة السوريين الذين يرتادون مسجداً في شمال لبنان إضافة إلى طرق أخرى.

لقراءة باقي التقرير المدعوم بصور وفيديوهات، اضغطوا هنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image