شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الانفتاح السعودي-المصري على سوريا... هكذا يرسم الاقتصاد خطوط تعويم النظام

الانفتاح السعودي-المصري على سوريا... هكذا يرسم الاقتصاد خطوط تعويم النظام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 13 مارس 202301:36 م

حطّت طائرة وزير الخارجية المصري سامح شكري، في دمشق، صباح الإثنين 26 شباط/ فبراير الماضي، في زيارة للتعزية بضحايا الزلزال والتضامن مع كارثة ضربت البلاد وأوقعت أكثر من خمسة آلاف قتيل، وآلاف الجرحى والمشردين من بيوتهم.

لكن، ليس كل ما يظهر على الهواء مباشرةً، وأمام الكاميرات، هو الحقيقة في عالم السياسة، فللزيارة أبعاد أخرى تتعلق بنظرة جديدة للدول العربية إلى الملف السوري وعودة بشار الأسد لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، وتسويات وتحركات تفيد المحيط الإقليمي لسوريا بقدر ما قد تفيد الأسد نفسه، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يعاني منها، والمستقبل المجهول للمناطق الخارجة عن سيطرته، والمناطق الواقعة تحت سيطرته أيضاً.

زيارة شكري، وهي الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، فتحت الحديث حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد عشر سنوات من جلوس رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية معاذ الخطيب، على الكرسي ذاته، في عام 2013.

كما أنها تتزامن مع ملفين في غاية الأهمية تعمل عليهما الحليفتان القاهرة والرياض، فبالنسبة للأولى قد يشكل انفراج العلاقات مدخلاً لتحقيق مشروع "الشام الجديد" وهو تحالف أمني اقتصادي تم الحديث عنه قبل عامين ويجمع العراق ومصر والأردن وسط أنباء عن انضمام سوريا إليه، في حال الوصول إلى حل سياسي، وهو ما قد يشكل مدخلاً لانفراجة اقتصادية لمصر التي تعاني من أزمة حادة، تفاقمت بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، وساهمت في خلافات مع حليفتها الرئيسية، المملكة العربية السعودية.

زيارة شكري، وهي الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، فتحت الحديث حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية

وبالنسبة للرياض، قد يشكل حلاً سياسياً ما في سوريا، استكمالاً لما تعمل عليه السعودية منذ عامين، أي تصفير مشكلاتها الإقليمية التي طالت وكانت لها آثارها بطبيعة الحال، مع قطر وتركيا وإيران، خاصةً مع إعلان الرياض عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران في مفاجأة مدويّة.

وقد يفرض تحرك المياه الراكدة في ملفات تتصل بشكل غير مباشر بالملف السوري، تحركاً في هذا الأخير. 

الخلافات العربية-العربية

ضرب زلزال في فجر السادس من شباط/ فبراير كلاً من سوريا وتركيا، موقعاً أكثر من 55 ألف قتيل في البلدين. كانت الكارثة بالنسبة للسوريين تتعلق بأزمة كاملة تعيشها البلاد وعلى جميع المستويات، سواء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو في تلك الواقعة تحت نفوذه.

سارعت دول عربية عدة إلى إرسال المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق، وتحديداً العراق والجزائر والإمارات التي خصصت مساعدات ضخمةً لمناطق النظام منذ الأيام الأولى، ثم جاءت زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق لتفتح الحديث مجدداً عن "عودة سوريا إلى الحضن العربي وشغل منصبها مجدداً في جامعة الدول العربية"، ما يشي بانفتاح عربي على النظام في دمشق، بعد أعوام من اتخاذ الإمارات والبحرين هذه الخطوة.

أكدت هذا الأمر تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي قال في لقاء مع وزير خارجيته نبيل عمار: "لا شيء يمنع عودة العلاقات بين الطرفين"، لتكتسب دمشق حليفاً جديداً إلى جانب الجزائر والعراق والإمارات والبحرين في هذا التوجه.

لكن وبقدر ما يبدو أن ملف العودة يمشي بسرعة، تقف دول عربية على الطرف النقيض، وأبرز هذه الدول هي قطر والسعودية.

يرى المتخصص في الدراسات الإستراتيجية والعلوم السياسية الدكتور محمد الحربي، أن "الانقسام الحاد بين الدول العربية على الملف السوري يمنع هذه العودة حتى اللحظة".

ويقول في حديث إلى رصيف22: "برغم هذه الخلافات الحادة، إلا أن التوجه موجود لرمي الكرة في ملعب النظام السوري، بمعنى تنفيذ المطلوب منه في ما يتعلق بالمعتقلين والمهجّرين والمضي في حل سياسي حقيقي، بالإضافة إلى خطة واضحة لإعادة الإعمار، وكيف ستكون وما هي ضماناتها؟".

هناك توجه لرمي الكرة في ملعب النظام السوري، بمعنى تنفيذ المطلوب منه في ما يتعلق بالمعتقلين والمهجّرين والمضي في حل سياسي حقيقي، وخطة واضحة لإعادة الإعمار، ولكن من يضمن كُل هذا؟

من جهته، يرى المحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، أن "عملية الانفتاح هذه لن تكون من دون شروط معينة على النظام السوري تنفيذها، خاصةً مع انتقال المرحلة من مرحلة الصراع وإدارته إلى مرحلة حل النزاع"، ويضيف لرصيف22: "أعتقد أننا في المرحلة الثالثة من الملف السوري والتي تتطلب الوصول إلى حل جزئي على الأقل لأجل مصالح الدول نفسها".

وتأتي محاولات الانفتاح في ظلّ نفوذ إيراني-روسي واسع على الحياة السياسية والاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وصل إلى مرحلة المحاصصة في الانتخابات البرلمانية 2020، بالإضافة إلى وجود عسكري ونفوذ تركي في مناطق ريف حلب وشمال غرب سوريا، عدا عن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً في مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط وذات التربة الزراعية، يُضاف إلى ذلك الاحتلال الإسرائيلي للجولان (جنوب غرب سوريا) منذ عام 1967.

ماذا تريد مصر؟

تتضارب الأخبار والتحليلات حول الموقف المصري من عودة النظام السوري إلى شغل مقعده في جامعة الدول العربية، من دون موقف واضح من هذه العودة، ففي حين خرجت تقارير تؤكد ضغوطاً مصريةً في عام 2021 للعودة، خرجت تقارير مختلفة في العام التالي.

توازياً، تؤثر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها القاهرة، بشكل مباشر على العلاقات بينها وبين حليفتيها الإقليميتين الرئيسيتين، الإمارات والسعودية، ولهذا الأمر دلالة تتعلق بتوأمة المواقف السياسية، على الأقل في ما يخص الملف السوري.

كما أن الانفتاح المصري على النظام السوري يعني بشكل مباشر تنفيذ ملفين في غاية الأهمية للاقتصاد المصري، هما مشروع "الشام الجديد" ومشروع خط الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.

يقول رئيس مركز سعود زايد للدراسات محمود حسين، لرصيف22، إن "جهات داخليةً مصريةً طالبت بعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية منذ سنوات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تريد تأسيس تحالف سياسي جديد في الفترة المقبلة، وزيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق قد تكون باباً في هذا الاتجاه".

تؤثر الأزمة الاقتصادية المصرية بشكل مباشر على العلاقات بينها وبين حليفتيها الإقليميتين الرئيسيتين، الإمارات والسعودية

ويضيف: "تحاول مصر ترتيب اتفاقيات جديدة ضمن مشروع الشام الجديد مع العراق والأردن وضمّ سوريا، كما أن هذا الاتجاه يمشي في طريق الحدّ من النفوذ الإيراني في البلاد، وأعتقد أن المتغيرات السياسية تفرض تغيّر اللهجة في ما يخص الملف السوري والوصول إلى تفاهمات جديدة، واستغلال التحرك العربي الأخير لإرسال المساعدات العاجلة إلى سوريا".

ويعود مشروع "الشام الجديد" إلى مقترح تطرق له البنك الدولي في عام 2014، لإنشاء طريق برّي يربط بين العراق والأردن ومصر، يبدأ من مدينة البصرة العراقية إلى ميناء العقبة الأردني وصولاً إلى الأراضي المصرية، لنقل النفط والبضائع التجارية والمنتجات الزراعية، خاصةً مع الإمكانات النفطية الكبيرة للعراق وقدرات تكرير النفط المصرية ونقلها بعيداً عن قنوات النقل التقليدية، وبدأ العمل عليه في اجتماعات بين الدول الثلاث في 2019 و2020، كما يشمل إنشاء المدينة الاقتصادية العراقية-المصرية-الأردنية.

وعليه، يشكل المشروع خطوةً في مشروع "خط الغاز العربي"، وهو خط لتصدير الغاز المصري والعربي إلى أوروبا، وسبق أن تم اتفاق سوري-مصري-أردني لتوصيل الغاز إلى الحدود السورية التركية، ومنها إلى أوروبا.

من جهة ثانية، يتصل هذا المشروع، بمشروع ثانٍ لا يقل أهميةً بالنسبة للقاهرة، وهو مشروع استجرار الغاز المصري إلى العاصمة اللبنانية بيروت عبر دمشق.

وحول قدرة القاهرة على المضيّ قدماً في الانفتاح في علاقاتها مع دمشق من دون اتفاق مع السعودية حول هذا الأمر، خاصةً مع الخلافات الأخيرة بين الطرفين، يرى الحربي أن "هذه الخلافات لا تؤثر على هذا الملف بالذات، لأن الملف نفسه أعمق وأكبر من هذا الخلاف".

الانفتاح في الميزان السعودي

أعلنت السعودية عن إعادة العلاقات مع إيران ضمن سياساتها الخارجية الأخيرة، وهو ما يشي بأن هناك توجهاً سعودياً لعودة العلاقات مع النظام السوري قد يكون في طريقه ليرى النور، خاصةً مع تخفيف حدة اللهجة السعودية تجاه النظام السوري.

وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، في تصريحات صحافية، إن "زيادة التواصل مع سوريا قد تمهد لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات، لكن من السابق لأوانه مناقشة هذه الخطوة"، وسبقتها تصريحات أخرى للوزير نفسه قال فيها إن "الدول العربية بحاجة إلى نهج جديد حيال سوريا"، عادّاً أنه "لا جدوى من العزلة، والحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما".

تحاول مصر ترتيب اتفاقيات جديدة ضمن مشروع الشام الجديد مع العراق والأردن وضمّ سوريا، وخط النفط الذي يصل لبنان، والإمداد الأوروبي... فهل هذا ما يدفعها للتحرك؟

وقال بن فرحان في منتدى ميونيخ للأمن: "سترون أن هناك إجماعاً عربياً على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، لذلك يجب أن يمرّ ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق ما يسمح بتحقيق الأكثر أهميةً، خاصةً في ما يتعلق بالحالة الإنسانية".

ولا تنفصل الرؤية السعودية للحل في سوريا عن النظرة المتعلقة بعلاقاتها مع إيران بطبيعة الحال، إذ يرى الحربي أن السعودية "تريد حلاً بمفهوم إستراتيجي لا بمفهوم مرحلي ظرفي، وقد نوقش هذا الأمر مطلع العام الماضي في أثناء زيارة المبعوث الروسي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى المملكة، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي مؤخراً".

"الملفات مركبة ومعقدة وكل ملف يحمل الملف الآخر، وبالتأكيد عندما تتدخل المملكة ستتدخل ضمن الإطار الإستراتيجي المذكور لإيجاد حلول مستدامة، هذا أولاً، وثانياً الدولة السورية مفككة؛ إدلب خارج سيطرة النظام بعكس دمشق واللاذقية وغيرهما، ومناطق جنوب دمشق أيضاً تتوغل فيها الميليشيات، عدا عما بيد الروس مثل قاعدة حميميم وغيرها، وتالياً الأرضية غير مهيأة للحلول ولكن مع الأزمات الأخيرة الجميع يسعون إلى إيجاد حلول عبر مبادرات مستدامة"، يختم الحربي. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image