نحن نساء عاديات، لسنا حديديات ولا بلاستيكيات. أوهمت نفسي لسنوات أني امرأة مختلفة، لا أهتمّ بما تهتمّ به النساء، أو معظم النساء، حسب صورة النساء التي اتفق عليها الجميع، والنساء قبل الرجال.
بين العادية والسطحية، تختلف النظرة للشخص، فأن تكوني عادية يعني أنك لا تشبهين الجميع، على عكس المتوقع، لا تهتمين بما يهتمون ويهتممن به، تحاولين منح روحك الفرصة للعيش دون ضجيج؛ في استنكار كل محاولات التجميل الاصطناعية التي يلجأ لها السطحيون والسطحيات، قوالبهم/ن المتنوّعة في بثّ روح جديدة غير تلك التي هم/ن عليها، في استنكار النمط التلفزيوني الذي يعبدونه ويعبدنه، وفي رغبتهم/ن استكمال الحياة دون محسّنات اصطناعية ومنكّهات.
لا أريد أن أنفخ صدري، شفاهي، خديّ ومؤخرتي. لا أريد أن أنزع الشعر عن كل جسمي، لأجعله برّاقاً حريرياً، وأكثّفه فوق رأسي بوصلات إضافية لتستقر صورتي الجديدة في مرآة الواقع. لا أريد أن أشفط فخذي وبطني. لا أريد أن أنحت وجهي وأنفي، ولا أريد أن أستبدل حاجبيّ الناعمين بوشم كثيف بدلاً عنهما، لا أريد أن أطوّل رموشي وأبيّض أسناني لتبدو أكثر نصوعاً من الطبيعي؛ كي أحظى أخيراً بطلّة وبابتسامة هوليودية لا تشبهني فيها إحداهن، وبعدها أطوّل حنكي بما يسمى فكّ تكساس. لا أريد هذا المظهر أبداً. أريد أن أكون عادية فقط.
لا أريد أن أنفخ صدري، شفاهي، خديّ ومؤخرتي. لا أريد أن أنزع الشعر عن كل جسمي. لا أريد أن أشفط فخذي وبطني. لا أريد أن أنحت وجهي وأنفي، ولا أريد أن أستبدل حاجبيّ الناعمين بوشم كثيف بدلاً عنهما: أريد أن أكون عادية فقط
لا أريد أن أمازح شريكي بارتداء قناع المهرج، الذي تصطنعه النساء داخلهن، كأني أسايره كي آخذ المال من جيوبه فقط. لا، لن أهتم به في أول الشهر كما العادة، يوم معاشه، كي يمنحني مصروفي. لن ألقي هذه النكت السمجة التي لفّتها النساء حبلاً حول عنقها، بأني سأشتري بماله أغلى الفساتين والأحذية ذات الكعوب العالية، ثم أذهب إلى الكوافير كي أجلس بالساعات لتزيين شعري وأظافري، لأن هذا كل ما يهمني في هذه الحياة. فأنا أمازحه وأسايره طويلاً، كما يفعل، دون الحاجة لمقابل.
نساء عاديات ولسن حديديات ولا بلاستيكيات. نحب ونكره، ننجح ونخطئ، نكبر ونشيخ
لن أفعل كل هذا؛ ليس لأوهم نفسي أني متفرّدة ومختلفة، فالحقيقة أن هناك الكثيرات جداً يشبهنني، يحببن شكلهنّ كما هو، ولا يردنَ نفخ شفاههن كالجمل ولا مدّ أحناكهن كي يصبح "بوزهن" شبرين، ولا أن تلمّعن أسنانهن كمومياء. لسنا متفرّدات، لكننا عصيّات على التفاهة، عاديات، نعم، لكن لسنا سطحيات، نهتمّ بما لا تهتم به اللواتي يقضين وقتهن بين عيادات التجميل والمرآة، وبين المطاعم الفاخرة ومحلات التسوّق والمتنزّهات. لدينا مسؤوليات تفوقهن وعقول لا تهدأ.
نحن نساء يملكن صورة أخرى عن الرجل، غير أنه ماكينة صراف آلي غبي، يجب أن أضحك عليه وأهزّه بحركاتي وغنجي الزائد كي يعطي المزيد. صورة تراكمت على مدار السنين عن كون الرجل شريكاً مؤسساً في حياة اخترناها سوية، نتشارك في المسؤوليات والنجاحات والإخفاقات، ونتساند كي نشعر بانفجار الجمال جليّاً داخلنا.
نساء عاديات ولسن حديديات ولا بلاستيكيات. نحب ونكره، ننجح ونخطئ، نكبر ونشيخ، نؤذي أحياناً بقصد ودون قصد، نأخذ ونضحّي. عاديات، أو كما أصبح المجتمع يصنفنا: نادرات جداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...