أخرج محمد من حقيبته مرطب شفاه، وبدلاً من أن يهديه لصديقته، أخفض رأسه لأسفل، وجالت عيناه تتأملان، وتتفحصَّان الجميع في المقهى، وحين تأكد ألَّا أحد ينظر إليه، أزال الغطاء، وفتح المرطب، ووضعه على شفاهه ثم فركهما سوية، ووزع الباقي ببنصره الأيمن، ثم أخيراً وضعه داخل حقيبته مرة أخرى.
مرطِّب شفاه
يقول محمد، وهو شاب عشريني يقيم في القاهرة، لرصيف22 مبرِّراً استخدامه مرطب الشفاه بأنَّ شفاهه في الشتاء تُصاب بجفاف يصعب تحمّله، كما أنه يتعامل مع المرطّب ومنتجات تجميلية أخرى باعتبارها أمراً عادياً.
عندما يذهب محمد للصيدلية لشرائه دوماً ما يُقابل بنظرات استهجان من البائع، لدرجة أنه توقف عن شراء مرطب الشفاه ذي اللون الأحمر.
أحد جيران محمد رمقه بنظرة قاسية عندما رآه فور وضعه للمرطب، ولاحظ احمرار شفاهه، حينها قرَّر أن يبتاع اللون الشفاف.
يتساءل محمد: لماذا يتعجّب الناس عندما يرون رجلاً يضع مرطبات شفاه، ومنتجات تجميلية أخرى؟
سؤال محمد قادنا إلى العديد من الشباب، بعضهم رأى أنَّ استخدام المستحضرات النسائية للعناية بالبشرة والجسم لهم كذكور، لا ينبغي أن يتمّ تصنيفه كاتهام لـ"رجولتهم" على حد تعبيرهم .
أحمد، وهو شاب في منتصف الثلاثينيات يعمل في المجال الإعلامي، ومقيم في مدينة نصر في القاهرة، لديه وجهة نظر أن مستحضرات التجميل لا ينبغي أن تأخذ جنساً، لا هي نسائية ولا ذكورية، فحينما نقول إن ذلك مرطب للبشرة، فلماذا نحكم أن الفتيات هم فقط من ينبغي أن يستخدمه؟ ألا تجفّ بشرة الشباب أيضاً وتحتاج إلى الترطيب هي الأخرى؟ مضيفاً، هناك خطأ تقع فيه الشركات حينما توجه حديثها للفتيات فقط من خلال منتجاتها، وتكون شروط الاستخدام، وخطواتها مكتوبها بصيغة نسائية.
"مستحضرات التجميل لا ينبغي أن تأخذ جنساً، لا هي نسائية ولا ذكورية، فحينما نقول إن ذلك مرطب للبشرة، فلماذا نحكم أن الفتيات هم فقط من ينبغي أن يستخدمه؟ ألا تجفّ بشرة الشباب أيضاً"
"هناك خطأ تقع فيه الشركات حينما توجه حديثها للفتيات فقط من خلال منتجاتها، وتكون شروط الاستخدام، وخطواتها مكتوبها بصيغة نسائية"
"أصدقائي الشباب لا يهتمون بأجسادهم"
يحكي أحمد عن تجربته حول استخدام مستحضرات التجميل، يقول لرصيف22 أنه يضعها يوميا على بشرته، ويواظب على روتين يومي لبشرة يده ووجهه، وحتى جسده، فيأخذ حماماً دافئاً صباحاً، ثم يعطر جسده جيداً، ويستخدم زيت تعطير ذا ماركة شهيرة، ويستخدم مرطبات البشرة للوجه واليد والقدم والجسد، قبل الخروج من المنزل، وعند العودة يأخذ حماماً آخر ثم يضع "Body Lotion" للحفاظ على ترطيب البشرة، ويعتمد استخدام مرطبات مختلفة، وماسكات للوجه، وكذلك روتين للعناية بالأظافر بالليمون الطبيعي، للحفاظ على ترطيبها، وعدم تعرضها للتكسر.
يداوم أحمد على روتينه الذي يقلّ شتاءً، ويزيد صيفاً، لكثرة إنهاك البشرة وتعرُّضها للشمس والحرارة في الصيف، بينما في الشتاء يلجأ للمرطبات بشكل أكبر، خوفاً من تعرُّضه لأي جروح، قد تفاقم من ألمه حينما تكون بشرته جافَّة.
حينما يقارن أحمد يده بيد صديقاته يكون هو "الرَّابح دائماً"، على حسب تعبيره، كما يلجأ في بعض الأوقات لإزالة الشعر من بعض مناطق جسده باستخدام كريمات إزالة الشعر، ولا يجد عيباً في استخدامها لإزالة شعر المناطق الحساسة من جسده، مضيفاً أنه يستخدمها منذ بداية ظهورها في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه هذه الآونة ظهرت ماكينات حلاقة خاصَّة، وذات تأثير لطيف على البشرة لحلاقة هذه المناطق.
يستنكر أحمد موقف الرجال من منتجات التجميل، وتعاملهم مع أجسادهم، حيث لا يهتمون ببشرتهم، ونظافتهم، وجمالهم، ويعتقدون أن "مظهرهم لا يهم لأنهم رجال"، وهو أمر يراه أحمد غير طبيعي، لأن المرأة هي إنسان من حقها أن تتعامل مع إنسان نظيف مهتم بمظهره، ونظافته من أجلها، لا رجل تكره الفتاة الاقتراب منه، ومن رائحته.
"لست رجلاً"
يقول أحمد أنه يتعرَّض كثيراً للتنمّر، والاستهجان، خاصة في مجتمع ذكوري، يتفاخر الرجال فيه حول ما يميزهم عن المرأة، حتى في التعامل مع الجسد، البعض يصفه أنه "ليس رجلاً"، أو "مرفّه زيادة عن اللازم"، حيث ينفق أموالاً كثيرة على "أشياء ليست ضرورية"، على اعتبار أن هذه المنتجات ذات تكلفة باهظة، بعض هذه التعليقات كانت تصله من أصدقائه الذين لا يقدرون وجهة نظره المختلفة.
أما شادي، وهو شاب في منتصف الثلاثينيات مقيم في مدينة أكتوبر، فيعمد إلى استعمال أحد أنواع كريمات البشرة الشهيرة، والمخصصة للنساء، مشيراً إلى استخدامه في أحيان كثيرة منتجات الشعر الخاصة بشقيقته، كالشامبو وحمام الكريم والكريمات والماسكات، لأنها مستوردة، وأنواعها جيدة، لكونه يحب الاهتمام بشعره كثيراً.
أما عن باقي أجزاء الجسد، فيرى أن الاهتمام بالجسم ونظافته ليس أمراً مقتصراً على النساء فقط، وهو من الدين الإسلامي، مدللاً بقصص وأحاديث نبوية عن النبي محمد الذي كان يتحضّر ويتطيّب ويتعطّر لزوجاته كما كان يهتم بشعره أيضاً.
وأكد شادي أن استعمال منتجات العناية بالبشرة مهما كتب عليها من الخارج، سواء كانت نسائية أو رجالية، والاهتمام بنظافة الجسم، وإزالة الشعر الزائد من المناطق الخاصة، هو أمر ضروري، لافتاً إلى أن هناك بعض الرجال الذين لا يهتمون بشعر أجسامهم ويتركونها دون إزالة ودون اهتمام، ويرون أن في إزالتها "تشبهاً بالنساء".
ويشير شادي إلى أنه تلقى العديد من الانتقادات حينما يعرف أصدقاؤه أنه يستخدم منتجات نسائية في الحفاظ على شعر رأسه والعناية بجسده، لكنه يؤكد أن هذا لا يؤثر برأيه لأنه يهتم بما ينتج في النهاية، وهؤلاء الذين لا يهتمون بأجسامهم هم يخسرون ركناً أساسياً من الدين حول النظافة وكذلك إرضاء زوجاتهم أو حبيباتهم.
"الرجال الذين لا يهتمون بأجسامهم يخسرون إرضاء حبيباتهم".
قرَّر محمود، وهو شاب ثلاثيني، مدير تنفيذي لشركة متعلقة بالفنون، أن يزيل الشعر من الكتف، والذراع باستخدام الطريقة التقليدية التي اعتادت المصريات استخدامها كـ"الحلاوة"، وكانت تجربة صعبة جداً، ومؤلمة، استنتج منها أن النساء يخضن تجارب صعبة ومؤلمة للحفاظ على جمالهنّ.
ويقول محمود، ويقيم في القاهرة، أنه يستخدم الكثير من منتجات العناية بالبشرة والوجه، لأن بشرته من النوع الدهني، تسبب له بثوراً كثيرة، لذلك يستخدم ماسكات، ومرطبات من نوع خاص.
كان أكثر المواقف التي تعرض لها إحراجاً حينما ذهب لشراء شفرة "وردية" لإزالة شعر المناطق الحساسية، وهي من ماركة معروفة في مصر، ولكنه كان ناسياً لاسمها، فاضطر لسؤال البائع عنها، فواجه نظرات اشمئزاز منه، لافتاً أنه جرب إزالة شعر المناطق هذه بكريم الإزالة لكنها كانت تجربة ذات تأثير سلبي، لأن هذه الكريمات تسبِّب إسمراراً للمناطق.
وينتقد محمود النظرة السائدة، يرى أن الاهتمام بالجسد، ونظافته، والحفاظ على نضارته "ليس حكراً على النساء، كما لا يوجد ما هو حكر على الذكور".
بشرة الرجال والنساء
في مقال لخبيرة التجميل جوليا سافاكول بمجلة "Men’s Journal" كتبت أنَّ بشرة متوسط الرجال مختلفة عن بشرة متوسط النساء، غليظة إلى حدِّ ما بسبب وجود شعر كثيف فيها، لذلك فهي تحتاج إلى منتجات مختلفة عن منتجات النساء، كما أنها لا تتعرّض لتأثير تغيّر الهرمونات الذي تتعرّض له بشرة معظم النساء.
وأضافت سافاكول، أن حلاقة الرجال لذقنهم صباحاً كل يوم تعمل كمقشر طبيعي للبشرة، وهناك أشياء مشتركة مع العناية النسائية يمكن للجنسين فعلها، بل هي ضرورية للرجال والنساء على حد سواء، مثل الترطيب المستمر للبشرة والتي تتعرض لعوامل الجو، كالأتربة والشمس، واستخدام منتجات بشرة تحتوي على فيتامين سي وكولاجين ليعوضا البشرة ما فقدته طوال اليوم، واستخدام واقي شمس، ويفضل احتواءه على مرطب لتعزيز نضارة البشرة.
وقد أثار المدون والإعلامي الإماراتي بدر خلف، المهتم بجمال البشرة، موجات انتقاد واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا تجعله يتوقف بل يزداد تأكيداً على ما يفعله، وذلك بسبب نشره لنصائح للفتيات للعناية ببشرتهن، واستعرض تجربته الخاصة في وضع ماسكات عناية بالبشرة على الهواء، حتى أنه بدء بوضع مكياج نسائي أمام الشاشة، مؤكداً أنه يحب نفسه، ويحب الاهتمام بمظهره، وبشرته، ويداوم على الطعام الصحي الذي يساعده على ذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون