"الأمومة حق، ومن حقي حفظه"، بعبارة واحدة، تحدّثت لورا (اسم مستعار) البالغة من العمر 39 عاماً، عن تجربتها مع تقنية "تجميد البويضات"، معتبرة أن هذه الخطوة تحمي مستقبلها وتعطيها فرصة "الأمومة" ولو بعد حين، من دون أنّ "يفوتها القطار المجتمعي"، على حدّ قول البعض.
قصة لورا ومعاناتها شبيهة بقلق عشرات النساء في لبنان، والمشكلة تتفاقم مع عمر الأزمة اللبنانية التي تدفع إلى التفكير بالإنجاب مئة مرةً إضافية قبل اتخاذ هذه الخطوة، فالتكلفة كبيرة، والمسؤولية أكبر، وتأمين احتياجات الجنين منذ لحظة الحمل وما بعد ولادته تغدو أصعب مع انهيار القطاع الصحي في البلاد.
تجارب نساء مع تجميد البويضات: لا للندم
لورا واحدة من النساء اللواتي استفدن من تطور الطب، وتجاوزن مصاعب تكوين أسرة بحلّ مؤجّل: "لست متزوجة أو مصاحبة، والوضع الاقتصادي السيء بلبنان ما بيسمح بالزواج، والعمر لقدام".
وفي الوقت التي سابقت فيه لورا الزمن، اتخذت سابين (اسم مستعار)، متزوجة منذ العام 2019، وتبلغ 35 عاماً، قرار تجميد البويضات بسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان.
وتختصر مشوارها قائلة لرصيف22: "في قدرة مالية بس في خوف من المستقبل، الوضع بالبلد كرماله لورا، نحن مش عارفين شو نعمل، فقررت مع زوجي نأجل فكرة الولاد حتى يحلّ نوع من الاستقرار أو نحن نستقر بشي بلد، لهيك عملت تجميد بويضات من 9 أشهر".
يدخل زواج ريم سنته الخامسة، خططها المستقبلية تجمّدت منذ الانتفاضة الشعبية، وهاجس الأمومة يبتعد فيما عمرها يمضي مسرعاً: "سألت كثيراً عن تجميد البويضات، خفت يصير معي سرطان أو يتم تبديل بويضاتي مع حدا ثاني، شعور القلق بقي مرافقني لمدة سنتين".
"الوضع بالبلد كرماله لورا، نحن مش عارفين شو نعمل، فقررت مع زوجي نأجل فكرة الولاد حتى يحلّ نوع من الاستقرار أو نحن نستقر بشي بلد، لهيك عملت تجميد بويضات"
قد تختلف تجربة ريم في تفاصيلها الصغيرة، غير أنّ هذه التساؤلات مطروحة بين النساء في مجتمعنا.
وقد اتخذت ابنة 28 عاماً قرارها خوفاً من "غدر الزمن" بها، خاصة أنّ زوجها انتقل إلى إحدى الدول العربية كي يؤمن نفسه بعد تسريحه من العمل.
تتشارك النساء بالأسباب وراء اللجوء إلى هذه التقنية، ويعتبرن أن هناك عاملين أساسيين: "قطار العمر وآثار الضيقة المادية"، في حين يتفقن على أنّ تكلفة تأخير تجميد بويضاتهنّ قد تكون "غالية" وتحرمهنّ لاحقاً من فرصة الأمومة.
الأمومة متاحة لمن يملك المال
تنفي الدكتورة جيسيكا عازوري، مستشارة عقم وأطفال أنابيب، ارتباط الوضع الاقتصادي بتقنية تجميد البويضات، نظراً إلى كلفتها المادية المرتفعة التي تصل إلى ألفي دولار، معتبرة أنّ تقنية تجميد البويضات تشكل فرصة للنساء، بعيداً عن آثار العمر وما يرافقه من تدني للخصوبة عند المرأة بشكل عام.
في طريق البحث عن الأمومة المؤجلة، توضح عازوري حالات اللجوء إلى تجميد البويضات عند النساء، وهي إجبارية في الحالة الأولى، وتعرف بـ ـMedical egg-freezing، وترتبط بإصابة المرأة بالسرطان، فيتم إجراؤها قبل البدء بالعلاج الكيميائي الذي يؤثر على المبايض. أما الحالة الثانية فتسمى بـ Social egg، وهي تتعلق بعمر المرأة وتأثيره على نوعية البويضة، وتلجأ إليها المرأة نتيجة معاناتها من نقص في مخزون المبيض.
"سألت كثيراً عن تجميد البويضات، خفت يصير معي سرطان أو يتم تبديل بويضاتي مع حدا ثاني، شعور القلق بقي مرافقني لمدة سنتين"
ولأنّ "لكل شيء ثمناً"، يتوجّب على المريضة أنّ تمر بمرحلتين أساسيتين: تبدأ الخطوة الأولى عبر فحص مخزون المبيض (AMH) للتأكد من أنه كافٍ لعملية التجميد، ومن ثمّ تخضع لعلاج تحريض الإباضة من خلال حقن يومية لتكبير حجم البويضات، وتبقى تحت المراقبة حتى تصبح بالحجم المطلوب، أما الخطوة الثانية فتتمثل بفحص المختص للبويضات وسحبها في العيادة، وهي عملية تجرى تحت البنج وتستغرق بين دقيقة إلى 10 دقائق.
وبعد عملية السحب، توضع البويضات في سائل معين وتحفظ في المختبر، مقابل اشتراك مادي يصل إلى 240$ سنوياً. وتبقى هذه البويضات على قيد الحياة مدى العمر شرط تجديد تكاليفها.
وعن تداعياتها، تصفها عازوري بالمشابهة لأوجاع العادة الشهرية وتستمر لمدة يومين فقط.
فرص نجاح الحمل بعد تجميد البويضات
أما عن فرص الأمومة بعد تجميد البويضات، فأظهرت ورقة بحثية، بإشراف فريق من الخبراء من كلية غروسمان للطب ومركز لانغون للخصوبة بجامعة نيويورك، أنّ نسبة النساء اللواتي أنجبن طفلاً بعد خضوعهنّ لعملية التجميد الكاملة واستخدام بويضاتهنّ كانت 39% فقط.
هذه النتيجة فسّرتها دراسات لاحقة كالتالي: ترتفع نسبة حدوث حمل من خلال البويضات المجمّدة إلى 51% لدى النساء اللواتي يبلغن 38 عاماً، عندما قمنا بتقنية التجميد، في حين تصل إلى 70% عند الفتيات اللواتي أقدمن على هذه الخطوة في أوائل الثلاثينيات. بمعنى آخر، يلعب عمر السيدة عند إجراء تقنية تجميد البويضات دوراً مهماً في نجاح الخطوة في المستقبل نظراً لتأثير العمل على نوعية البويضة.
وفي غياب أرقام دقيقة عن أعداد النساء اللبنانيات اللواتي لجأن لتقنية تجميد البويضات، قدّرت عازوي العدد بنحو 200 سيّدة سنوياً في مستشفى جبل لبنان وحده، بينما ذكرت الجمعية الأميركية للتكنولوجيا الإنجابية، أنّ 10 آلاف امرأة في الولايات المتحدة جمّدت بويضاتها في العام 2017، وهو رقم يتصاعد مع السنوات.
ترتفع نسبة حدوث حمل من خلال البويضات المجمّدة إلى 51% لدى النساء اللواتي يبلغن 38 عاماً، في حين تصل إلى 70% عند الفتيات اللواتي أقدمن على هذه الخطوة في أوائل الثلاثينيات
على خط مواز، لفتت الدكتورة في جامعة نيويورك والمشاركة في الدراسة سارة دروكنميلر كاسكانتي، الانتباه إلى النقطة التالية: "لا تنتج كل بويضة جنيناً، ولا ينجب كل حمل طفلاً". وشرحت ذلك بأنّه يتم فقدان البويضات في دورة العلاج بعد التجميد، بدءاً من التذويب مروراً بالإخصاب ومن ثمّ حدوث الحمل، وصولاً إلى نقل الجنين لرحم أمّه.
وفي سياق متصل، تتأثر فرص نجاح الحمل بعد تجميد البويضات بعوامل أخرى، لعلّ أهمها عدد البويضات المخزّنة والصحّة العامة للسيدة عند اتخاذها قرار الإنجاب.
ووفقاً لمركز رعاية الخصوبة الأسترالي، يفضّل تخزين ما يقرب من 30 بويضة لزيادة نسبة الإنجاب لدى الفتاة في المستقبل، وذلك لأنّه من بين "كل 8 بويضات، تنجو 6 من عملية التجميد والذوبان". وفي هذه الحالة، تكون فرصة "إنجاب جنين ما بين 18% و 32٪ اعتماداً على عمر المرأة في الوقت الذي جمّدت فيه بويضاتها".
سين جيم: حقك بالأمومة
على قدر ما تشكل تقنية تجميد البويضات فرصة حقيقية للمرأة، فمن الطبيعي أنّ تسيطر على أفكارها تساؤلات عدّة ترتبط بمضاعفاتها والأخبار "الكاذبة" المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. لذا، بدّدت جيسيكا عازوري هذه المخاوف بإجابات علمية، تتمثل على الشكل التالي:
_ يعدّ عمر 32 عاماً أفضل عمر للقيام بتجميد البويضات.
_ تحافظ البويضات على عمر الفتاة عندما أجرت تقنية التجميد.
_ لا تؤثر العملية على غشاء البكارة عند الفتاة العذراء، وفي حال تم المسّ به يتم إعادة ترميمه.
_ عملية سحب البويضات لا تخفف من مخزونها، لأنه في حال عدم تلقيحها سوف تموت وتخرج من جسم الفتاة على شكل الدورة الشهرية.
_ لا تزيد حقن الهرمون من فرص الإصابة بالسرطان.
بين الألم والأمل، تؤكد بعض السيدات أنّ التجربة خير من الندم، فهذه المحاولة تبعد عن البعض "عقدة الذنب" و"ثرثرة" المجتمع، وفي كل الأحوال، تدفع العديد من النساء ضريبة عيشهنّ ببلد اللاستقرار تارةً، أو المرور بتجربة صحية تارةً أخرى، لكن التطور العلمي يتحدى هذه العوائق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 12 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 18 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com