شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا ترفض عمل المرأة؟...

لماذا ترفض عمل المرأة؟... "لأنها أفكار إسرائيلية للنيل من الشيعة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 28 أبريل 202303:22 م

قررت أن تقول لا. لا للتحرش الجنسي من قبل شقيقها، ولا لواقعها المرير. لكنها حين هربت من شقيقها، ومن واقعها، وقررت الاعتماد على نفسها وتطوير ذاتها عبر الدراسة، قتلها والدها في اللحظة التي تجرأت فيها على العودة إليهم. حدث هذا في العراق، عام 2022، للبلوغر العراقية طيبة.

ليست طيبة الضحية الأولى، أو ليست الشهيدة الأولى للعدالة والمساواة للمرأة في العراق، لكن السؤال المطروح بإلحاح، أمس واليوم وغداً، هو: هل تكون الأخيرة؟ بمعنى آخر، هل يقبل المجتمع العراقي في كل عائلة من عائلته "طيبة" أو أكثر؟ هل تسمح العائلة العراقية لـ"ابنتها" بأن تستقلّ في عيشها، إقامةً ودراسةً وعملاً، وأن تختار مسار حياتها وفق هواياتها؟

يحاول هذا المقال، الإجابة، أو بالحد الأدنى تقديم فكرة عن التفكير السائد، من خلال أجوبة لأشخاص اختيروا، رجالاً تحديداً، لديهم عائلة، من خلفيات ومناطق متعددة، سألناهم عن رأيهم في عمل المرأة، تحررها، قلعها للحجاب، وأشياء يعتقد كُثر أنها طبيعية، لكن الأجوبة التي ستقرأونها، ليست كذلك.

"حتماً سيقعون في الفخ"

"آني كصاب... راح أذبحها مثلما أذبح الطلي من دون ما يرفّ لي جفن"، قال عماد علي (52 سنةً)، من المنطقة القديمة في محافظة النجف. فالمرأة، بالنسبة له، هي من تسمح للرجل بأن يتحرّش بها، والأخير لا قدرة لديه على مقاومة إغرائها. أما إذا تبرّجت وتعطرت في البيت في حضور أشقائها الشبان الطائشين، فـ"حتماً سيقعون في الفخ"، يضيف عماد.

بالنسبة له، ولأن "كيد النساء عظيم، الحل الأمثل هو أن تكون المرأة محجبةً ومتسترةً"، وبالإضافة إلى ذلك قال إنهم يتخذون إجراءات في منزلهم من قبيل منع فتيات العائلة ونسائها من مشاهدة بعض المسلسلات التلفزيونية، ومراقبة الصديقات من كثب، فـ"هنّ أساس البلاء، وهنّ المحرضات".

"آني كصاب... راح أذبحها مثلما أذبح الطلي من دون ما يرفّ لي جفن" هكذا ينوي عماد معاقبة أي امرأة من أفراد أسرته تعرضت للتحرّش. لماذا؟ لأن المرأة مسؤولة والرجل لا قدرة له على المقاومة...

لا يختلف رأي دريد عباس (44 عاماً)، من محافظة الديوانية، عن رأي عماد، والحل بالنسبة له الزواج، فـ"الأب الّي يكتل بنته بهل الوقت ينفضح ما ينستر... زوّجها واخلص". ويضيف في حديثه إلى رصيف22: فقدنا السيطرة على قيادة الفتيات في هذه الأيام، بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، و"حركات التحرير والعياذ بالله" التي تشجع المرأة على التمادي مع الرجل. إن حدث في عائلتي شيء من هذا، من المفروض أن يتم ستر البنت وتزويجها من أولاد العم أو أحد الأقارب بعد مشورتهم.

طرح دريد على نفسه السؤال التالي: هل سمعنا برجل يجلب العار لعائلته؟ وأجاب: لا. لذا يرفض رفضاً قاطعاً معاقبة المتحرش.

أما ماجد عباس (38 عاماً)، من محافظة بابل، فصمت طويلاً كمن وقع عليه ماء بارد حين سألناه عن موقفه إزاء تعرض ابنته للتحرش في العائلة. وبعد تكرار السؤال قال: "لا أرغب في التفكير في الموضوع. ليس ممكناً أن يحصل هذا في عائلتي لأن التربية هي الأساس، وأتمنى ألا أكون في هذا الموقف يوماً. بمجرد التفكير فيه انشلّ عقلي ومشاعري وذهب تفكيري إلى ابنتي المدللة وكيف يحصل لها هذا؟".

ريكان نعمان (44 عاماً)، من محافظة الأنبار، لم يقبل السؤال بصيغته التي طرحناها على ماجد، قائلاً إننا "مجتمع إسلامي متحفظ، وهذه الظواهر الغريبة لا تحدث أبداً في بيئتنا وعوائلنا، وطبيعة هذه الأسئلة والتطرق إليها يخدشان الحياء، وان حدثت والعياذ بالله فأي تصرف يتم اتخاذه من قبل رب العائلة يكون محقاً فيه"، وأضاف: "نحن مجتمع إسلامي يكرم المرأة ويعززها وهذه الأكاذيب من مخيلات النسويات المعاديات للرجل، وحجج يخترعنها ضده".

"فلتنتحر"

لم يختلف رأي أسامة محمد (33 عاماً)، من كركوك، عن آراء سابقيه سوى في أنه فضّل أن تنتحر الفتاة المتحرَّش بها على قتل الرجل المتحرِّش.

وماذا لو لم توافق الفتاة على الانتحار؟ ماذا سوف تفعل...؟

إجابته كانت بصوت ملؤه الحيرة، واختار موت الفتاة على بقائها على قيد الحياة متسائلاً: "ما هو مستقبلها؟ كيف ستتزوج؟ كيف ستربّي أطفالها؟".

وأضاف أنه "لا يعير أهميةً للأزمة النفسية التي تتناب الفتاة المتحرَّش بها، وإذا كان الموضوع يهدد مستقبل العائلة، أي إذا وصل التحرّش إلى الاغتصاب الكامل 'فض البكارة'، فمن الأفضل قتل الفتاة. أما إن كان الموضوع موضوع تحرّش فقط، فمن الممكن تزويجها من أحد الأقارب".

وحده محمد جاسم (66 عاماً)، من محافظة الناصرية، قال إنه سيحاول أن يخرج من منظور أن المرأة هي المذنبة. سيحاسب نفسه أولاً، إذ ربما أهمل متابعة ابنه المتحرّش فراح يشاهد الأفلام الإباحية أو يتعاطى المخدرات، والرجل يجب أن يعرف جيّداً أبناءه وكيف ربّاهم، وهل تابعهم. فالمتابعة هي الأهم بالنسبة له، ومن غير الطبيعي أن يكون الرجل متابعاً لأولاده ويحصل مثل هذا التصرف في بيته، واستشهد بالمثل الشعبي القائل: "شتزرع تحصد".

وأضاف: "التعبير خلال الحديث إلى الصحف أو المواقع الإعلامية يختلف عن التعبير أو ردة الفعل حين تقع الواقعة، لكن من المؤكد أنني سأمنع المتحرّش من دخول المنزل مرةً ثانيةً".

محمد جاسم عبّر عن قلقه من استمرار تزايد هذه الحالات، قائلاً: "العياذ بالله ماذا حل بمجتمعنا المثقف؟".

 "كيف أترك ابنتي تسكن وحدها؟ أو تعمل حسب هوايتها؟ أنا أمنعها من أجل حمايتها من المجتمع، وما سوف تتعرض له، ويتأثر به كل أفراد العائلة

لكنه يضيف أن "من الصعب أن تكون الفتاة حرةً في مجتمعنا في ما تقوم به، لأننا مجتمع ذو طابع عشائري يرفض جلوس المرأة في بداية الليل بمفردها في مطعم، أو أن تذهب لزيارة أحد أقاربها إذا لم يصاحبها أحد من محارمها".

وهل يؤيّد ذلك؟ يلتفّ محمد جاسم على السؤال ويقول: "نحن من المجتمع، ومن الضروري مواكبته، وإلا سنكون منبوذين وربما تتم مقاطعتنا، فالمجتمع هو اللبنة الأولى. على سبيل المثال، إنها تصرفات ربما ليست على صواب ولكننا نُجبَر على مسايرتها".

ويسترسل: "كيف أترك ابنتي تسكن وحدها؟ أو تعمل حسب هوايتها؟ أنا أمنعها من أجل حمايتها من المجتمع، وما سوف تتعرض له، ويتأثر به كل أفراد العائلة، فعاداتنا إن توجهت واحدة من العائلة توجهاً لا يرغب فيه المجتمع، فالعائلة كلها تتأثر".

ويضرب مثالاً على ذلك: "إذا عملت إحدى فتيات العائلة كبلوغر أو كصانعة محتوى، أو وضعت صورتها الشخصية على أحد حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، فمن المألوف حينها أن أحداً لن يُقبل على خطبة شقيقتها. عائلته ستمانع الارتباط بها بحجة أن شقيقتها تعمل عملاً غير لائق في المجتمع. أحياناً رفضنا يكون لحمايتهن، وهذا واقع غير مبالغ فيه".

أفكار إسرائيلية

ما التف حوله جاسم، قاله عماد علي، بنبرة شديدة اللهجة: "شنوووووه... مدرسة للصف الثالث الابتدائي ونكعدها بالبيت نوب تروح تعيش وحدها البنية تجيب عار الأهلها مو مثل الولد"، وأضاف: "أرفض عمل المرأة رفضاً نهائياً، كما أرفض تعليمها. هذه الأفكار أفكار إسرائيلية هدفها النيل من الشيعة والإسلام، فالمرأة بعد بلوغها سن التاسعة تُسرّح إلى بيت زوجها".

بدوره، أشار دريد عباس إلى أن من المحظورات في مجتمعنا أن تخرج المرأة عن طاعتنا وإن إلى العمل، مع أن نساء عائلته لا تعمل أي واحدة منهن. لكن نساء مقربين من العشيرة يعملن في وظائف، الرجل هو من يحددها بحسب قناعته، أما إن سلكت طريقاً آخر غير ذلك، مثل أن تكون فنانةً أو بلوغر أو تعمل أي عمل لا يتماشى مع عاداتنا، فالقتل هنا يكون مفخرةً بين العشيرة وبين أهل المنطقة".

"تُسحق بالأقدام"

"وهل نحن في أوروبا لتعيش الفتاة وحدها؟"؛ قال ريكان نعمان، مستغرباً السؤال. هو يعتقد أن من حقه تعطيل الحياة الدراسية لابنته، لأنه أدرى بمصلحتها، كما من حقه تعنيفها من أجل إصلاح تربيتها، إذ "ربما تتواصل مع شبكات اللواتي يدّعين أنهن يحافظن على حرية المرأة، ثم يبدأن باستدراجها وإقناعها بأن أخاً لها تعرّض لها جنسياً أو بأنها محبوسة... إلخ، من أجل أن تخرج من كنف العائلة وحمايتها، لترتدي ما تريد وتمرح بلا رقيب. وماذا تريد أن تفعل بالسكن وحدها؟ هل تريد أن تتبع موضات الغرب وحملات التعري ونحن متفرجون إلى سفورها وانحلالها تحت ذريعة حرية المرأة. لا... حريتها في بيتها مع زوجها ولا نمانع أن تهتم به".

"أرفض عمل المرأة رفضاً نهائياً، كما أرفض تعليمها. هذه الأفكار أفكار إسرائيلية هدفها النيل من الشيعة والإسلام، فالمرأة بعد بلوغها سن التاسعة تُسرّح إلى بيت زوجها"

نعمان نفى نفياً قاطعاً وجود تحرّش في منطقته، وحين أطلعناه على جريمة تحرّش وقعت السنة الماضية حيث هو، في الأنبار، قال إن تلك العائلة منبوذة ولا تمثل الأنبار، قبل أن ينفي عنها أصولها الأنبارية.

وأشار إلى أن المرأة "وفق عاداتنا"، لها نظام تسير عليه، وإن فعلت وسارت فهي مصونة ومحترمة ومقدّرة وكل احتياجاتها تحضر، وإن خالفتها تُسحق بالأقدام، ويشير أيضاً إلى أنه إن كان لا بدّ من عمل المرأة، فأفضل مهنة لها هي التدريس شرط أن تكون المدرسة للبنات فقط.

بدوره، رفض أسامة محمد، عمل المرأة التي وفق رأيه يجب أن تتفرغ لتربية الأطفال وإعداد الطعام، وعزا السبب في ذلك إلى زيادة التحرش بالنساء في أثناء أوقات العمل، وتعدد المساومات في دوائر الدولة، حتى أن غالبية العوائل لجأت إلى منع بناتها عن العمل، بينما لم يرفض الأمر ماجد عباس، قائلاً: "أنا أعرف مدى تربيتي لابنتي، وأدرك تصرفاتها، وعلى قدر كافٍ من الثقة بأنها تختار الأفضل"، كما أنه لا يمانع أبداً أن تسافر أو تهاجر وتسلك حياتها بعيداً عنه، وسيواظب على الاطمئنان عليها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image