ربما عقدة البلاد مرض مقيم بداخلنا، صحيح لدينا مترو الأنفاق الذي ننتظر ضوءه القادم من الظلام كل دقيقة ونصف، ولا نخاف إن رأينا شاشة الموبايل تعلن أنه سينطفئ خلال خمس دقائق. فالكهرباء هنا ليست كما هناك، لا نربط مواعيدنا بها. موعد الاستحمام، موعد شحن الليدات والبطارية، تشغيل المدفأة الكهربائية، ناهيك بأننا هنا لا ننام في الليالي الشتوية من شدة الحرارة العالية للغرف والمنازل بينما درجة الحرارة في الخارج -15 درجة، وما بجعبتنا هو بطاقات البنك والسوبر ماركت والمترو والجامعة، لا البطاقة الذكية.
عندما جئنا، نحن الذين سافرنا قبل بضع سنوات، إلى بلاد الغربة تشكلت لدينا صدمة لشدة توافر أساسيات الحياة البسيطة، وصدمة من نوع آخر لأصدقائنا الأجانب
عندما جئنا، نحن الذين سافرنا قبل سنوات، إلى بلاد الغربة تشكلت لدينا صدمة لشدة توافر أساسيات الحياة البسيطة.
عندما كنا نروي لهم كيف أننا بحثنا عن ضحايا الزلزال باستخدام فلاش الموبايل لعدم توفر الكهرباء، وكيف أن سيارات الإسعاف عانت من فقدان الوقود اللازم لإنقاذ من نجا من تحت الأنقاض. ونخاف أن نقول لكم: "لدينا رغبة بالعودة إلى سوريا"، لأنه بمجرد أن تخطر في بالنا الفكرة، يبدأ إطلاق الأحكام من داخلنا قبلكم:" هل حقاً نريد العودة، ما هذا الغباء، الآلاف يحلمون بفرصة للسفر خارج حدود البلاد التي تغيرت خريطتها خلال حرب 11 سنة ولا تزال مستمرة".
شعور الاختناق يخفّ في دمشق
"أتعرض للانتقاد دوماً". تقول ليا، 30 عاماً، وهي طالبة سورية تخرجت من إحدى الجامعات الروسية، وتضيف: "يرتعبون بمجرد طرح فكرة العودة إلى دمشق بعد الانتهاء من دراستي، لا سيما خطيبي الذي يقابلني برده،" كيف بتفكري هيك". لكن ليست لدي مشكلة. بصدق أشعر بالراحة في سوريا أكثر، فالغربة صعبة حتى لو توافرت فيها جميع الاحتياجات الأساسية، فلا شيء يشبه منزلي وسريري في دمشق، بجانب عائلتي وأصدقائي، في المكان الذي ولدت وترعرعت فيه".
الأمل هو ما تبني عليه الشابة الثلاثينية بالرغم من أن الكثيرين فقدوه تحت أنقاض ذكرياتهم، فرغبة العودة إلى البلاد لتأسيس مشروع خاص هو حلم ليا في مدينة الظلمة وغرفها الباردة التي تتراكم فيها البطانيات واللحف. تقول ليا:"ربما بعد عشر سنوات أو أكثر سيتحسن الوضع المحيط بنا، وأجاهر بذلك فأنا أريد أن أكبر في بلادي بالرغم من عدم توفر أدنى درجات العيش، فالتأقلم هو من يصبّرنا على ما تمرّ به مدننا".
تصفيق المحبين لإنجازاتنا
"هذه الفكرة المجنونة" تخطر أيضاً ببال همام، 31 عاماً، وهو يعمل في أوروبا في مجال عمل يحبّه، لكنّ الحنين لتفاصيل كثيرة يرافقه خلال أحاديثه مع أصدقائه الأجانب، يقول: "أحياناً أعبر عن فكرة الرغبة بالعودة لأصدقائي الأجانب، وأحكي لهم كثيراً عن ثقافتنا وطقوسنا وما هي النشاطات التي اعتدنا فعلها مع من نحب، وأستمتع بهذه التفاصيل، فأنا أحبها وأحنّ إليها".
يتجاهل همام الاتهامات الموجهة له عندما يتحدث عن أمنياته: "إصحك، حدا بيفكر يرجع!"، ليشارك هذه الرغبة مع عائلته وأصدقائه المقربين، الذين بسببهم يرغب بالعودة، مضيفاً: "شعرت بقيمة من أحب أكثر عندما غادرت ودخلت نفق الغربة، أستذكر دوماً التقدير والتشجيع الدائمين للإنجازات التي كنت أقدمها هناك، يوجد لذّة بهذا النوع من الدعم الذي أفتقده في الغربة كثيراً، ولكن بالنهاية، لولا الظروف المعاكسة لعملي وحياتي لما اتخذت قرار السفر".
"السفر ثم العودة" يعني الفشل
"باكل هم خبرهن عن فكرة العودة". يصف كرم،27 عاماً، خريج موسكو، حالة الخوف التي ترافقه إثر حكم "الفشل" الذي يطلقه البعض على السوريين ممن سافروا وعادوا، مضيفاً: "أسعى لأنجز كل شيء خططت لفعله في روسيا، حتى أتفادى تلك الأقاويل".
ليست الأحكام فقط ما يتجنبه كرم، بل أيضاً حالة إحباط تلك الرغبة التي يظهرها من يعارضونها، يقول:" هنالك أشخاص ينقلون لك شعور الاكتئاب وطمس الأمنية بعد أن تكون قد خططت للعودة، وتسودّ الدنيا أمام عينيك لا سيما إذا كان ببال الشخص العائد فكرة تأسيس مشروع، ليشعر بفقدان الأمل والخيبة أمام تحقيق أي شيء في بلاده".
التأقلم أيضاً مع الظروف في سوريا هو السبيل الذي يستند إليه الشاب العشريني خاصة بعد أن وجد السوريون حلولاً بديلة تعينهم في حياتهم، يضيف كرم:" أعرف ما معنى ألا يكون هنالك كهرباء وإنترنت، ومع ذلك كنت أعمل وانجز أكثر مما أفعله في روسيا، وهذا الشعور يعطيني راحة نفسية، لا سيما عندما أحقق شيئاً أحبه، إذ أعرف كيف أتعامل مع الأشخاص في بلدي، وبماذا يفكرون".
" إذا عدت سأشعر باستقرار نفسي وراحة أكبر، لكنني أعرف أن التطور في أي مجال هو محدود في سوريا". كرم، سوري مقيم في روسيا
"لكن" هذه الكلمة التي توسطت جملة كرم الختامية:"صحيح إذا عدت سأشعر باستقرار نفسي وراحة أكبر، لكنني أعرف أن التطور في أي مجال هو محدود في سوريا، خاصة بالنسبة للاستقرار الحياتي من حيث شراء منزل أو سيارة، وهو أمر يستحيل إنجازه هناك في ظل هذه الظروف التي تزداد سوءاً".
"بصراحة نحن قلال"
عند كتابتي للمقال، بحثت عن أشخاص يشبهونني في شأن هذه الرغبة، هنالك من لم يتجرأ على الاعتراف بها بصوت عال خوفاً من الردود التي تجعله يفكر مرتين أو ربما
"يمكن قرار العودة غبي ويلي صاححلي مو صاحح لغيري، وألف حدا يتمنى يكون محلي"
مليون مرة، "يمكن قرار العودة غبي ويلي صاححلي مو صاحح لغيري، وألف حدا يتمنى يكون محلي"، لتجابهها على الفور فكرة "بس والله الغربة صعبة وشو نفع الحياة ونحنا بعاد عن اللي منحبهن".
هناك من أجابني:"لا تدوري نحن كتير قلال"، هل حقاً نحن معدودون؟، أرجو منكم أن لا تطلقوا أحكامكم علينا. ربما الفكرة غير عقلانية، ولكنّ "الحنين عم يعمل كتير فينا".
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.