يسير محمود على شاطئ البحر في مدينة طرطوس الساحلية السورية، بحثاً عن أصداف ونجمات بحر ليستخدمها في أعماله الفنية، وفي كل جولة يقوم بها في هذه الأيام تصادفه أعداد من قناديل البحر الميتة قذفها الموج وألقاها عند الشاطئ، ولكثرة عددها بات يفكر باستخدامها بشكل فني، أملاً أن تكون ذات فائدة بدلاً من لسعاتها المؤلمة.
يقول الفنان محمود هلهل لرصيف22 إن القناديل تكثر في هذه الفترة في الأعماق ولا يصل إلى الشاطئ إلا الميت منها إذ يقذفه الموج، ولكن الأيام القادمة ستشهد ظهورها حية قرب أماكن السياحة، كما يحصل في كل عام.
القنديل هو كائن من شعبة اللاسعات التي لا تمتلك عظاماً ولا دماغاً أو جملة عصبية أو جهاز دوران وتنفساً، وأكثر من 90 % من تركيبتها هي من الماء، وبعض القناديل يصل قطرها لأكثر من متر ووزنها 25 كيلوغراماً.
المشكلة في قناديل البحر ليست بظهورها وإنما في تزايد أعدادها وتأثيرها على مختلف نواحي الحياة في المناطق الساحلية.
وقد حرمت هذه الكائنات ليث (25 سنة) من الاستمتاع بإجازته العام الفائت حينما تعرض للسعة قنديل بحري، اضطرته للانفصال عن مجموعته والذهاب للمشفى ومن ثم الخضوع للعلاج، ويقول إنه يتردد هذا العام في زيارة البحر خوفاً من التعرض للسعة مشابهة، وفي حال سافر لن يتجرأ على النزول إلى الماء، فألم العام الماضي لم ينسَه بعد.
ويرى الدكتور سامر ماميش، وهو اختصاصي البيولوجيا البحرية، أن قناديل البحر هي في جميع البحار والمحيطات، ابتداءً من سطح الماء إلى الأعماق السحيقة، وتنتشر في المناطق الشاطئية بشكل خاص، وفي الخلجان الصغيرة شبه المغلقة، وتميل قناديل البحر، كبقية العوالق الأخرى، إلى التوزع غير المتجانس، على شكل تجمعات أو حشود كبيرة متفرقة ومنتشرة على مساحات واسعة في المناطق الساحلية، تمتد من عشرات إلى مئات الأمتار والكيلومترات، متأثرة بعدة عوامل فيزيائية وبيولوجية.
ويتابع الدكتور ماميش في حديثه لرصيف22: "تنشط حركة قناديل البحر وتتسارع عندما تجوع، وتسمح حركتها الانسيابية في توليد تيار يجذب معه الغذاء القريب، وذلك لأنها غير قادرة على مطاردة الفرائس، فتصعق وتشل حركة فريستها الكبيرة، وتقتل الصغيرة بسرعة ورشاقة، كما تسقط فضلات القناديل لتزيد المواد الغذائية في القاع، وتسهم في تغذية بعض الكائنات البحرية التي ستصبح فريسة لكائنات أكبر".
أضرار وفوائد
المشكلة اليوم في قناديل البحر ليست بظهورها وإنما في تزايد أعدادها بشكل كبير وتأثيرها على مختلف نواحي الحياة في المناطق الساحلية، وكذلك هنالك أنواع جديدة مهاجرة وغازية لم تكن مألوفة من قبل في المنطقة، مثل قنديل البحر الرحال القادم من المحيط الهندي.
ويخبرنا زياد (35 سنة) بأنه في فترة ازدياد أعدادها يصبح الصيد غير مجدٍ، فهي تملأ شبكته فتصبح ثقيلة للغاية، ويُفاجأ حين إخراجها بأنها غير ذات قيمة لأنه اصطاد قناديل لا تُباع ولا تُشترى، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فهو يعاني لنزعها من الشباك وتنظيفها.
ويشرح هلهل المهتم بالحياة البحرية والذي أسس صفحة متخصصة بها، بأن القناديل تؤثر سلباً على السباحة والسياحة والصيد، كما تؤثر أعدادها الكبيرة على المنشآت الصناعية في الساحل كالمحطة الحرارية، ما يمكن أن يؤدي إلى إغلاق محطات التبريد، وعلى الثروة السمكية كونها تتغذى على العوالق التي تتغذى عليها الأسماك، وكذلك على يرقات وبذرة السمك.
ربما السبب الأبرز لكثرة القناديل في سواحلنا، هو غياب السلاحف البحرية، التي انخفضت أعدادها بشكل كبير في البحر المتوسط وباتت معرضة لخطر الانقراض، وتتغذى السلاحف على قناديل البحر، وبالتالي أدى غيابها إلى حدوث عدم توازن لصالح القناديل وزيادة أعدادها
أما على مستوى البشر فتختلف أذية القنديل، ففي حال كان حياً تكون الأذية كبيرة لأنه يفرز المواد السامة بكثرة مستهدفاً الضحية ليتفاعل سمه مع الجلد مسبباً حروقاً كبيرة، وتحتاج لعلاج فوري في المشفى إضافة لرعاية خاصة، أما إن كان القنديل نافقاً فإن المواد العالقة والمتبقية على أذرعه تؤدي أيضاً لأذية الإنسان، وتحتاج لإسعاف ولعلاج حسب حجم الأذية.
ورغم التهمة المباشرة التي يحملها قنديل البحر بأنه يسبب لسعات مؤلمة، فقد يكون بريئاً في بعض الأحيان، لأن المياه السورية تحتوي على حيوانات أخرى قادرة على اللسع أيضاً مثل سمكة الأسد، التي تعتبر من أخطر الأسماك في العالم، وأيضاً السمكة الصخرية التي تمتلك قدرة عجيبة على التخفي لتظهر وكأنها صخرة على الشاطئ أو شعبة مرجانية في أعماق البحر.
يوضح الدكتور ماميش بأنه رغم أضرار القناديل العديدة ليست شراً بالمطلق ولها أهمية، إذ تؤدّي دوراً ضرورياً في سلسلة الغذاء البحري، وذلك بالتغذي على كائنات بحرية صغيرة، وتشكل بدورها غذاء لكائنات بحرية أكبر، مما يسهم في استمرار دورة الحياة في البحار والمحيطات. يذكر أن كفاءة تغذي قناديل البحر متماثلة في النهار والليل، كما يسهم تغذي قناديل البحر بالكائنات البحرية الأخرى في السيطرة على أعدادها والمحافظة على بقاء التوازن في النظام البيئي الحسّاس للبحار والمحيطات.
رغم أضرار القناديل العديدة ليست شراً بالمطلق ولها أهمية.
كما يمكن الاستفادة من هذه القناديل، بحسب الدكتور ماميش، في استخلاص مادة الكولاجين واستخدامها في الأدوية المرممة للغضاريف، وبعض مستحضرات التجميل، أو إنشاء مصنع لمعالجة القناديل بعد صيدها، بما يشمل الرش بالأوليوم أو الشبة للتخلص من محتواها المائي العالي، وبعد تجفيفها بالشمس يتم تنظيفها من الشوائب وتوضيبها وحفظها في عبوات وتصديرها إلى دول شرق آسيا، حيث تستهلك مع الأطعمة البحرية الأخرى، أو تستعمل كعلف للأسماك والحيوانات.
ما سبب تزايد أعداد القناديل؟
تغزو القناديل الشواطئ السورية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتكثف ظهورها في التسعينيات لنعتادها كل صيف، لكن في السنوات العشر الأخيرة بدأت القناديل تظهر في الشتاء أيضاً وبأعداد كبيرة، وباتت تسجل تجمعات غير مألوفة أواخر الشتاء وبداية الربيع منذ العام 2011، لتختفي كلياً في بداية تموز/ يوليو، فتعود للظهور على شكل تجمعات كبيرة جداً على طول الساحل، ثم تختفي كلياً مع نهاية الصيف. ووصل متوسط غزارتها الربيعية والصيفية على الساحل السوري 5500 و45000 فرد/كم2.
وهنا يبيّن الدكتور ماميش أن قناديل البحر تُظهر قوة استجابة للتغيرات المناخية، وخصوصاً لتغيرات درجات الحرارة والملوحة، ويعتقد بأن استجابتها تتم بسرعة وبدون أي فاصل زمني، وذلك عن طريق زيادة معدلات تكاثرها ونموها.
ومن أبرز أسباب تكاثرها بحسب المتحدث "التلوث والإثراء الغذائي، إذ ساهمت النشاطات البشرية في إضافة الملوثات البيئية والهرمونات، بالإضافة إلى الكميات الزائدة من المغذيات، وبشكل خاص الفوسفات والنترات، إذ تُرمى بشكل مباشر أو غير مباشر في الأنهار الساحلية، وتصب في النهاية بالبحر. وأي زيادة في المغذيات عن الحدود الطبيعية أو ما يدعى بظاهرة التشبع الغذائي في المناطق الشاطئية، ستؤدي إلى زيادة الكتلة الحيوية وتغذية مرتفعة لقناديل البحر، التي تتميز بالقدرة على الاستجابة السريعة لزيادة معدلات استهلاك الغذاء بزيادة معدلات النمو والتكاثر اللاجنسي والجنسي".
القناديل تؤثر سلباً على السباحة والسياحة والصيد، كما تؤثر أعدادها الكبيرة على المنشآت الصناعية في الساحل كالمحطة الحرارية، ما يمكن أن يؤدي إلى إغلاق محطات التبريد، وعلى الثروة السمكية كونها تتغذى على العوالق التي تتغذى عليها الأسماك، وكذلك على يرقات وبذرة السمك.
ومن الأسباب أيضاً استغلال الشواطئ استغلالاً مكثفاً من قبل البشر، عن طريق بناء المرافئ وإقامة الحواجز الاصطناعية وكواسر الأمواج أمام المرافئ، إضافة إلى ردم الشواطئ الرملية، ورصف البحر لزيادة المساحات المتاحة لإقامة المنشآت السياحية والصناعية، وبالتالي زيادة معدلات التكاثر اللاجنسي لقناديل البحر".
وربما السبب الأبرز لكثرة القناديل في سواحلنا، بحسب الدكتور ماميش، هو غياب السلاحف البحرية، التي انخفضت أعدادها بشكل كبير في البحر المتوسط وباتت معرضة لخطر الانقراض، وتتغذى السلاحف على قناديل البحر، وبالتالي أدى غيابها إلى حدوث عدم توازن لصالح القناديل وزيادة أعدادها.
ولكن، بحسب المتحدث، لا يمكن القول إن لعامل واحد بمفرده دوراً رئيسياً ومباشراً في زيادة أعداد قناديل البحر، وإنما هي تنتج من تضافر عوامل عدة مجتمعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع