يمرّ الكثير من الأشخاص في حيواتهم بأزمات نفسيّة حادّة وتجارب قاسية مريرة، لكن يشعر بعض الأفراد بنوع من الإحباط والتّخبّط واليأس عند المرور بمثل هذه التجارب، ويصلون في نهاية الأمر إلى الاكتئاب، سمّة العصر الراهن.
يُؤثّر الاكتئاب على نحو 280 مليون شخص تقريباً في العالم، بحيث يُصيب 5% تقريباً من الأشخاص البالغين، وفقاً لبيانات مُنظّمة الصحة العالميّة وتقرير صادر من الرابطة العالميّة للطب النفسي.
لكن هل من الممكن أن تؤثّر مضادات الاكتئاب على الرغبة الجنسيّة والعلاقة الحميميّة وتسبّب الفتور الجنسيّ لدى النساء والضعف الجنسيّ لدى الرجال؟
آثار جانبية
تشير العديد من الدراسات إلى أنّ تناول مضادات الاكتئاب لفترة طويلة، والتي هي عبارة عن مُثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة، تؤثر سلباً على الرغبة الجنسيّة، إذ يُسبّب السيروتونين آثاراً جانبيّةً عديدةً مثل:
-نقص أو انعدام الرغبة والمتعة الجنسيّة.
-فقدان الاستثارة الجنسيّة.
-جفاف المهبل عند النساء.
-صعوبة الوصول إلى النشوة الجنسية وتأخّرها في أحيان كثيرة.
-الضعف الجنسيّ لدى بعض الرجال.
كيف تؤثر مضادات الاكتئاب على الرغبة الجنسية؟
قالت سمر أحمد (اسم مستعار)، لرصيف22: "أُعاني من اكتئاب حاد منذ فترة طويلة. اضطررت إلى تناول مضادات الاكتئاب بجرعات مرتفعة، لكنّني لاحظتُ في الآونة الأخيرة فقدان الرغبة الجنسيّة وانعدامها في غالبيّة الأحيان، كما أنني أصبحتُ مُتبلّدة المشاعر جرّاء تناولها لمدة طويلة، وقد نصحني الطبيب بالتوقّف عن هذا الدواء ووصف لي دواءً آخر أقلّ حدّةً من حيث الأعراض الجانبيّة الخاصة بالرغبة الجنسيّة".
من جهته، لم يشعر محمد فايد، بأي تغيير في الرغبة الجنسية، وفق ما أكد لرصيف22: "عانيت من الوسواس القهريّ لمدة طويلة، اضطررت إلى تناول مضادات الاكتئاب الخاصة بعلاجه، لكنني لم أُلاحظ أي تغيير من حيث الرغبة الجنسية، فقط كنت أشعر بتأخّر في الوصول إلى الأورغازم، لكنني لم أشعر بانعدام الرغبة الجنسيّة لا بل تحسّنت لديّ بعد تناول الدواء".
"أُعاني من اكتئاب حاد منذ فترة طويلة. اضطررت إلى تناول مضادات الاكتئاب بجرعات مرتفعة، لكنّني لاحظتُ في الآونة الأخيرة فقدان الرغبة الجنسيّة وانعدامها في غالبيّة الأحيان"
تعليقاً على هذه النقطة، قالت استشاريّة الصحة الجنسيّة والعلاقات الزوجيّة، د. حنان شلبي، لرصيف22: "إنّ الاكتئاب والقلق يُسبّبان الفتور الجنسيّ وانعدام الرغبة الجنسيّة لدى الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، ولا مفرّ من تناول مضادّات الاكتئاب عند الشعور بأعراض مرض الاكتئاب لمدةٍ طويلة".
وعن مدى تأثير تناول مضادات الاكتئاب على الفتور الجنسيّ، قالت شلبي: "المسألة تختلف من حيث الطبيعة الفيزيولوجيّة والخلفيّة الخاصة بكل مريض، كما أنّني لا أستطيع أن أنصح المرضى بالتوقّف عن تناول مضادات الاكتئاب لمجرّد الشعور بهذا الإيحاء، لأن الاكتئاب في حدّ ذاته هو المسبب لذلك، وهو كفيل أيضاً بقتل العلاقة الحميميَّة بين الزوجين والرغبة الجنسيّة، ولكن يُمكن القول إنّ تناول جرعات مرتفعة من مضادات الاكتئاب من شأنه أن يسبب الفتور الجنسيّ وانعدام الرغبة الجنسية".
وأوضحت د.حنان، أنه لا تظهر الآثار الجانبيّة للدواء إلا مع تناول هذه الجرعات المرتفعة: "الجرعات المنخفضة من مضادات الاكتئاب تعمل على تحسين حالة المريض النفسيّة ومزاجه، والذي بدوره يُحسّن من الرغبة الجنسيّة والأداء الجنسيّ".
كما كشفت شلبي أن العديد من الأشخاص في عيادتها يتذمرون من الفتور الجنسيّ جرّاء تناول جرعات مرتفعة من مضادّات الاكتئاب، أو في حالة تداخل عمل الكثير من مضادّات الاكتئاب عند تناولها لفترة طويلة أيضاً وفقاً لحالتهم الصحيّة التي تتطلّب ذلك.
وختمت شلبي حديثها قائلةً:"الاستنتاج العام هو أنّ مضادات الاكتئاب ليست هي المُسبّبة بذاتها لحالات الفتور الجنسيّ وانعدام الرغبة الجنسيّة، بل المسألة مرتبطة بتناول الجرعات المرتفعة منها فقط، وتداخل عمل العديد من أنواعها"، مشددةً على ضرورة عدم التوقّف عن تناول الدواء من دون استشارة طبية: "يجب اللّجوء إلى الطبيب النفسي لوصف دواء آخر أو تقليل الجرعة المرتفعة إلى جرعةٍ منخفضة لا تُسبّب الفتور الجنسيّ وتُهدّد العلاقة الحميميّة".
بدورها، أكدت د. شيرين درديري، استشاريّة نفسيّة واستشارية علاقات زوجيّة وتعديل سلوك، لرصيف22، أن "تناول مضادات الاكتئاب لا يؤدي باليقين القاطع إلى الفتور الجنسيّ وانعدام الرغبة الجنسيّة"، مضيفةً أنه "عند الشعور بالفتور الجنسيّ جرّاء تناول جرعات مرتفعة، يجب على الطبيب النفسيّ أن يقوم بتغيير هذا الدواء إلى دواءٍ آخر أو تقليل الجرعات المرتفعة".
وأكدت أنّ المسألة نسبية خاصةً أن هناك اختلافات وفروقاً فرديّةً بين الأشخاص: "الدواء الذي يتوافق مع مريض ليس بالضرورة أن يتوافق مع مريض آخر والعكس صحيح".
لماذا قد تسبب الجرعات المرتفعة من مضادات الاكتئاب الفتور الجنسيّ؟
تعمل مُثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة على زيادة نسبة السيروتونين في جسم الإنسان، وهو أحد الناقلات العصبيّة، ومسؤول عن تحسين المزاج والحالة النفسيّة للشخص عن طريق إرسال إشارات زائدة عن الحد الطبيعيّ إلى المخ.
وعندما ترتفع نسبة السيروتونين، من المُحتمل أن يؤدّي ذلك إلى تقليل الرغبة الجنسيّة، لأنّ مستويات السيروتونين الزائدة تجعل الشخص أكثر هدوءاً وسعادةً.
وبرغم أن ذلك الهدوء يُقلّل من أعراض القلق والاكتئاب، لكنه من ناحية أخرى يُقلّل المتعة والاستثارة المُتعلّقة بالنشاط الجنسيّ، لأن هذه النسب المرتفعة من السيروتونين تعمل على تقليل الدوبامين في الدماغ، وهو ناقل عصبي مسؤول عن التحفيز أو الدافع للقيام بأشياء عديدة، مثل السرور، الرضا والإشباع الجنسيّ.
ولذلك يحدث خلل وانعدام توازن بين مستويات السيروتونين والدوبامين عند تناول الجرعات المرتفعة، مما يعمل على اختلال الرغبة والأداء الجنسيّ للفرد.
"الجرعات المنخفضة من مضادات الاكتئاب تعمل على تحسين حالة المريض النفسيّة ومزاجه، والذي بدوره يُحسّن من الرغبة الجنسيّة والأداء الجنسيّ"
تشير دراسة إلى أن تناول مُثبطّات استرداد السيروتونين الانتقائيّة لمدةٍ طويلة، مثل مادة الفلوكسيتين، البروزاك، والدولوكسيتين، يعمل على تقليل الرغبة الجنسيّة ويسبب أعراضاً جانبيةً عديدةً كالضعف الجنسي عند الرجال، وجفاف المهبل لدى السيدات، بالإضافة إلى تأخر النشوة.
كما توصلت دراسة إلى أن هناك نوعيات أخرى من مضادات الاكتئاب لا تسبب الفتور الجنسي وانعدام الرغبة الجنسية، بل تعمل على زيادة الشبق والشهوة والرغبة الجنسية، وتالياً الأورغازم الممتع، مثل مادة البوبروبيون، والفيلازودون وغيرهما.
وعليه، فإن تناول مضادّات الاكتئاب لا يؤدي بالضرورة إلى انخفاض الرغبة الجنسيّة والفتور الجنسيّ، بل هناك أنواع مُحدّدة من مضادّات الاكتئاب قد تُسبّب ذلك الإحساس عند تناولها بجرعات مرتفعة ولمدة طويلة، أما الجرعات المنخفضة من مضادّات الاكتئاب فلا ضرر منها، وفقاً لما كشفته العديد من الدراسات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...