تتركز أنظار العالم على الخرطوم والمعارك المستعرة داخلها بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، ولكن بنظرة أوسع إلى السودان نجد أن المعارك قسّمت الولايات السودانية إلى مناطق خاضعة لنفوذ كلا الطرفين، مما يثير الجدل حول سيناريو جديد لتقسيم السودان بين القوتين المتحاربتين.
يجب قبل الانتقال إلى تقسيم الجغرافيا السودانية بين القوّتين، فهم التركيبة الجغرافية والقبلية للدعم السريع، وأنها في الأساس تنحدر من دارفور وتنتمي إلى قبائلها، بحيث يصف الكاتب السوداني أحمد موسى قريعي، قوات الدعم التي جاءت كتطور للجنجويد، بأنها في الأصل مكونات قبلية من دارفور لجأت إليها الحكومة السودانية لمواجهة التمرد ضدها، وذلك عبر الإغراءات المادية والحصول على الأرض.
وأكد قريعي في كتابه "الجنجويد والنزاع المسلح في دارفور"، أن ميليشيات الجنجويد ظهرت قبل تمرد 2003، إذ سلّح الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، بعض قبائل دارفور لمواجهة الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، وبعد ذلك الصراع التشادي بين الرئيس السابق إدريس دبي وخصمه حسين هبري، إذ سلّحا القبائل التشادية التي كانت القبائل العربية التي تستوطن كلاً من تشاد ودارفور، جزءاً منها.
خرجت قوات الجنجويد، ومن بعدها الدعم السريع، كمزيج من شباب من جميع قبائل دارفور الذين تمردوا على أسرهم وقبائلهم، وخرجوا للسرقة وقطع الطرق، وهم جماعات مسلحة أفرزتها سياسات الحكومات السودانية المتعاقبة في تهميش غرب السودان، بحسب قريعي.
هل يؤدي التناحر الجاري في السودان إلى تقسيم الدولة السودانية إلى دويلات صغيرة؟
الوضع الميداني
تتحدث الأوضاع الميدانية في ولايات السودان، عن خروج بعضها عن سيطرة الحكومة المركزية والبعض الآخر يشهد اشتباكات وسيطرةً ميدانيةً لقوات الدعم السريع برغم ادّعاء الحكومة السيطرة عليه.
يشهد غرب السودان تفوقاً واضحاً لقوات الدعم السريع، في إقليم دارفور، حيث الثقل الأهم لها، إذ تسيطر الحركة بشكل تام على ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة ومطارها، بينما تنحصر الاشتباكات بين الدعم والجيش في عواصم ثلاثة من ولايات دارفور، وهي الفاشر ونيالا وزالنجي، مع تفوق للجيش السوداني في الفاشر وسيطرته على معسكر الدعم السريع لكن لا يزال وجود الدعم فيها وتدفق المصابين على مستشفياتها. وفي نيالا، برغم ادعاء الجيش السيطرة على الأوضاع، إلا أن الاشتباكات مستمرة في الأحياء الشمالية للمدينة، وهناك سيطرة للدعم السريع على مطارها.
ولا تنعكس حالة الفاشر في ولاية شمال دارفور، وهي الأكبر بين ولايات دارفور الخمس، على كل مدن الولاية وبلداتها، ففي كبكاية نجح الدعم السريع في السيطرة على اللواء 21، واعتقال قائده، بل نهب مقر اليوناميد فيها، وقتل عدداً من أفراد برنامج الغذاء العالمي وهو الحال في باقي مدن دارفور وبلداتها حيث النسيج القبلي المكون للدعم السريع.
بينما يسود الهدوء "الضعين" عاصمة ولاية شرق دارفور وباقي مدن دارفور مع احتفاظ الدعم السريع بقواعدها سالمةً داخل تلك المدن، أو انسحاب الجيش من البعض الآخر مثل سربا، ويصل الوضع إلى "الأبيض" عاصمة شمال كردفان، والتي تشهد اشتباكات بين الطرفين مع تفوّق واضح للدعم السريع في الجزء الغربي من السودان.
كشف نائب مدير المركز السوداني لدراسات وأبحاث الرأي العام، ومدير إدارة الدراسات السياسية والإستراتيجية في المركز الدكتور حذيفة أبو نوبة، أن المنطقة التي تشمل كل دارفور وولاياتها الخمسة وشمال كردفان تحت قبضة قوات الدعم السريع، مبيّناً أنه من الصعب تقييم الأوضاع الآن والحرب لا تزال في الشوارع.
وأكد أبو نوبة لرصيف22، أن قوات الدعم السريع في دارفور والولايات تساعد في المعارك الضارية داخل الخرطوم، ووصل بالفعل بعضها إلى هناك بعد تصاعد الاشتباكات، مستبعداً أن تتحول الحرب إلى اصطفاف جهوي أو مناطقي، وأن تنتهي الأحداث بتسوية سياسية.
الوضع منهار جداً في المدن التي تشهد اشتباكات بين الجيش والدعم السريع، حيث ما زال إطلاق الرصاص مستمراً بين الجانبين. في مدينة نيالا هناك فوضى وسرقات للمنازل، إذ ترك مواطنو أحياء الجير والوادي والنهضة منازلهم، وتوجهوا إلى الأحياء البعيدة عن مناطق القتال، بحسب رئيس جبهة الفجر المشرق، والسياسي السوداني من أبناء دارفور، الطيب محمد جادة.
وأكد جادة لرصيف22، أن المعارك الأشرس تدور بقيادة الفرقة 16 مشاة، سواء في نيالا أو مدينة الفاشر، حيث سيطر الدعم السريع على الجزء الجنوبي من قيادة الفرقة 16 مشاة، وتسقط الأعيرة النارية في المنازل القريبة من موقع الحدث، خاصةً في أحياء الجير الوادي والنهضة وتكساس الحارة الأولى والثانية القريبتين من قيادة الفرقة 16 مشاة، بحسب جادة.
ويتبدل المشهد في ولايات الشمالية وشرق السودان الثلاث، حيث نجح الجيش في السيطرة على معسكرات الدعم السريع في كسلا والقضارف وبورسودان وإخراج الدعم السريع من "مروي".
عندما احتدت المشادات الكلامية بين حميدتي والبرهان، اختار حميدتي مدينة مروي، لأن فيها قاعدةً عسكريةً والمطار، وأخذ أسرى من الجيشين المصري والسوداني الموجودين في القاعدة، بحسب الناشطة السودانية من الولاية الشمالية، حميراء علي محمد.
وأكدت محمد لرصيف22، أن الأحداث لم تستمر على ذلك فسرعان ما أخرج الجيش قوات الدعم السريع من المطار وأصبحت الولاية بأكملها خاليةً منها.
الجانب الاقتصادي
أحد الأسباب الرئيسية للحرب، الحفاظ على الموارد الاقتصادية لكل طرف، وترتبط هذه الامتيازات والموارد المالية ببقائه في السلطة، وتتنوع تلك الموارد بين الذهب والمعادن مثل مناجم جبل عامر في دارفور التي يديرها الدعم السريع، بينما يمتلك الجيش العديد من الشركات الاقتصادية التي تتبع منظومته الأمنية، بحسب الخبير الاقتصادي والقيادي في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار.
وأكد كرار لرصيف22، أنه تضاف إلى تلك الموارد عوائد الارتزاق العسكري التي يجنيها الدعم السريع من حرب اليمن وليبيا، والدول التي خدمتها في تلك الحرب مثل الإمارات والسعودية هي داعمة سياسياً، وقد يتحول هذا الدعم إلى لوجستي إذا طالت الحرب الحالية، وحتى عندما نجحت الثورة في إزاحة البشير لم تنجح في إزاحتها عن تلك الامتيازات، وحافظت على هذا الوضع 4 سنوات.
التحالفات الإقليمية والدولية
تشكل التحالفات الإقليمية والدولية بعداً آخر للصراع الدائر بين الدعم السريع والجيش السوداني، وترسخ حالة الانقسام على الأرض التي تحول دون بسط طرف لسيطرته على كامل الأراضي السودانية.
رسمت علاقات حميدتي الدولية، عوامل عدة، منها اشتراك قواته في حرب اليمن، وهو ما عزز علاقته بالإمارات والسعودية، وأغلبية المال الذي حصل عليه من تصدير المقاتلين إلى اليمن، ويُعدّ السيناريو الأسوأ الذي يخشاه حلفاؤه الخليجيون قيامه بإعادة جنوده من اليمن لاستخدامهم في القتال الحالي، حسب ما قال مدير مكتب القاهرة للحركة الشعبية قطاع الشمال محمود إبراهيم، وهي إحدى الحركات الموقّعة على اتفاق جوبا.
وأكد إبراهيم لرصيف22، أن حميدتي يُعدّ أحد رجال الاتحاد الأوروبي الذين يحدّون من الهجرة غير الشرعية وتهريب الأفارقة إلى أوروبا، مما درّ أموالاً طائلةً عليه من الاتحاد الأوروبي، وهذا غير علاقاته مع موسكو وزيارته لروسيا، ولا تتوقف تلك العلاقات الخارجية لحميدتي على الجانب السياسي فهو يمتلك قوات كبيرةً داخل ليبيا وعلى حدودها مع السودان، وقوات أخرى على حدود إفريقيا الوسطى.
وعلى الجانب الآخر، يتسلح الفريق البرهان بعلاقات خارجية واسعة، غير الدعم اللا محدود من قطر وتركيا والجزائر وكل قوى الحركة الإسلامية العالمية، لأنها ترى أن السودان نموذج لحكمها للمنطقة، وهي تطارد الدعم السريع وتعدّه عدوّها الأول لأنه كان سبباً رئيسياً في إزاحة البشير عن الحكم.
ولا يمكن إغفال دور دول لها مصلحة في عدم استقرار السودان مثل إثيوبيا في دعم أطراف الصراع، لأنها حالياً تقوم بعملية ملء جديدة لبحيرة سد النهضة، والأحداث في السودان ستجعلها في معزل عن التركيز الإقليمي والدولي بعملية الملء، كما يوضح إبراهيم.
ويرى المتحدث باسم جيش تحرير السودان جبهة عبد الواحد محمد النور، عبد الرحمن محمد الناير، أن الدعم والجيش أصبحا قطبَين متعارضَين شكّل كل منهما تحالفاته الإقليمية والدولية، ويسرد العديد من الأدلة على ذلك، منها حديث حميدتي من ولاية جنوب دارفور عن الصراع في إفريقيا الوسطى واتهامه أطرافاً في الحكومة السودانية بالتورط في محاولة قلب نظام الحكم في البلاد، وهو يعني انخراط الرجل في الصراع الوجودي بين الغرب وروسيا في هذا البلد، بعد أن أصبحت البلاد ساحةً أخرى للصراع بينهما على غرار أوكرانيا.
وأكد الناير لرصيف22، أنه تضاف إلى ذلك زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للخرطوم ولقاؤه بالبرهان من دون علم حميدتي، وزيارة كلا القائدين لتشاد بشكل منفرد بفارق يوم واحد بين الزيارتين.
ما طبيعة الدور الذي تلعبه دول الجوار في الاقتتال الأهلي السوداني الجاري الآن؟
دول الجوار
يعزز الانقسام الجغرافي على الأرض للقوتين المتحاربين دعم دول الجوار لهما، مما يرسخ تموضعهما السياسي والعسكري بحسب تلك الدول، حيث اشتعلت حرب البيانات بين المعسكرين عندما اتهم الفريق كباشي، الدعم السريع بتلقّي دعم وإمداد عسكريين عبر مروحية، وادّعى الدعم السريع بأنه تعرّض للهجوم من طيران "أجنبي"، واستند في تهمته إلى بيان الجيش الذي قال فيه إنه بإمكانه الاستعانة بأي طرف لتحقيق أهدافه.
يرى كرار، أنه حتى إذا انتصر طرف في الخرطوم، فإن السودان مترامي الأطراف ويمكنه أن يثبت وجوده في الولايات، ويمكن أن تعود قوات الدعم السريع إلى قواعدها في غرب السودان، وهي قائمة على أساس قبلي ومهما حاولت أن تستقطب عناصر من مكونات أخرى ستظل أساسها قبيلة الرزيقات، وأن تستغل التداخل القبلي مع دول الجوار في الحرب الدائرة، وهو ما يمكن أن يساعد في تدويل الحرب.
كما أنه برغم عدم وجود أدلة موثقة عن وصول دعم عسكري من دول الجوار إلى أرض المعركة، إلا أن كلاً منها يطمع في وجود حليفه في السلطة لتحقيق مصالح معيّنة، ويدور الحديث عن دعم قوات حفتر في ليبيا وفاغنر الروسية في إفريقيا الوسطى للدعم السريع، بعد زيارة حميدتي لموسكو والحديث عن القاعدة الروسية في بورسودان، وتقوم تلك القوات الحليفة على الحدود الغربية للسودان بتقديم مساعدات عسكرية ومعلوماتية للدعم السريع، وطالما أن الحرب مستمرة سيصبح تدخل المحاور أكثر وضوحاً، بحسب كرار.
وتُعدّ ليبيا والإمارات الأساس في كل العتاد العسكري للدعم السريع، وعند العودة إلى الماضي كانت دارفور بمثابة قاعدة عسكرية ليبية منذ عهد القذافي. والسبب الرئيس في فوضى السلاح في غرب السودان هي دولة ليبيا تحت مسمى اللجان الثورية، بحسب الإعلامي السوداني والضابط المتقاعد في القوات المسلحة، الرائد صلاح زولفو.
وأكد زولفو لرصيف22، أنه منذ ذلك العهد لم يسلم غرب السودان من فوضى السلاح والانفلات الأمني، وكل قادة الفصائل الذين ينتمون إلى دارفور تلقّوا تدريباتهم ودعمهم من ليبيا وانخرطوا بعد ذلك في الحرب الأهلية الليبية وساندوا أطرافها المختلفة ويجنون المال من وراء ذلك.
الحركات المسلحة
لا يُعدّ الدعم السريع في دارفور والولايات الغربية القوة العسكرية الوحيدة، ولكن توجد العديد من "الجيوش" الأخرى بعضها داخل اتفاق جوبا مثل الجبهة الثورية ومكوناتها، والبعض الآخر خارجها مثل حركتي عبد الواحد محمد النور وعبد العزيز الحلو.
بادرت حركات الجبهة الثورية إلى الوقوف على الحياد، باستثناء حركة العدل والمساواة وحركة مني مناوي اللتين اختارتا دعم البرهان، وأطلقت مبادرةً من الفريق مالك عقار ومني أركو مناوي وجبريل لتقريب وجهات النظر، وطالبت المبادرة في البداية بجلوس الأطراف للحوار، ولكن حالياً تطورت المبادرة لوقف إطلاق النار أولاً، وبعد ذلك يتم تحديد المرحلة التالية، ويجب أن يتخذوا موقف الحياد ليكونوا مقبولين من كلا الطرفين، بحسب إبراهيم.
هذا بينما يرى جيش تحرير السودان جبهة عبد الواحد محمد النور، أن المعركة الحالية "صراع على السلطة" للسيطرة على مفاصل الدولة بين الطرفين، وطفا هذا الصراع فوق السطح بعد الاتفاق الإطاري، مما يجعله في منأى عن الانخراط فيه، بحسب الناير.
صفحة النهب
لم تخلُ صحيفة الصراع في الولايات من الخسائر في المدنيين، حيث خلّفت في أول يوم عدداً من الضحايا في معسكرات النازحين برصاص الجيش والدعم السريع، وقتلى وجرحى في كل المعسكرات لم يتم حصرهم، عدا معسكر أبوشوك في شمال دارفور حيث بلغ عدد القتلى والجرحى نحو 12 نازحاً، ومعسكر الحصاحيصا في زالنجي، وكذلك توجد أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في مدن دارفور المختلفة، الفاشر ونيالا وكبكابية وزالنجي والجنينة، بحسب منسق معسكرات النازحين في دارفور آدم رجال، في حديثه إلى رصيف22.
وتحدث عضو هيئة محامي دارفور عادل نصر عبد الله نصر، لرصيف22، عن أن قوات الدعم السريع قامت بحرق سوق الشطة في نيالا ونهب المحال التجارية والمنازل في المدينتين، ووصل النهب إلى البنوك والمصارف ومقرات الأمم المتحدة في المدينتين الفاشر ونيالا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع