التنديد بقمع الحريات في مصر، بما فيها الرقابة الشديدة على الإعلام، ليس جديداً.
لكن أن تخرج إحدى أبرز المذيعات المناصرات للرئيس عبد الفتاح السيسي مطالبةً بزيادة هامش الحرية، ومتسائلة هل يعرضها ذلك للتحقيق، إنما هذا يسلط الضوء على المرحلة الخطيرة التي وصل إليها التضييق على الحريات في مصر.
المذيعة المصرية بسمة وهبة قالت، في 1 كانون الأول/ديسمبر، خلال مقطع فيديو بثته من خارج البلاد عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي: "جميع القنوات التي تفاوضت معي أبلغتها بشرطي الوحيد ولم ترد أي منها بعدها: لا أطلب كثيراً. فقط حرية التعبير. من حقي أن أحفظ وأحمي حقي كمذيعة وأن يسمح لي بالحديث (بحرية) بدون أن يوجهني أحد بماذا أقول أو لا أقول. أريد ألا تكون هناك حدود".
وأثار هذا المقطع جدلاً واسعاً بين المصريين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين من رآه دليلاً على الحالة المتردية لحرية التعبير في مصر في ظل النظام الحالي، ومن اعتبره "حيلة" تمهد لظهور منظومة إعلامية جديدة تروج للنظام بشكل غير مباشر.
وأضافت وهبة في المقطع: "لماذا وضعتم سوراً حول الوزراء والسياسيين والبرلمانيين والسفراء والمسؤولين. عندما أخرج في برنامج لتوصيل صوت المواطن، من أناشد؟ نريد سقفاً أعلى (هامشاً أوسع للحرية)... نريد أن نتنفس".
"هل كلامي ممكن يزعلكم؟ هل ممكن يزعل أحداً؟ هل ممكن عند وصولي إلى مصر أجد اسمي على (قائمة) ترقب الوصول أو مطلوبة للتحقيق"، تابعت وهبة.
وختمت: "ما المانع أن أجد أموراً سلبية في البلد أتحدث عنها في حدود الاحترام. ما المانع أن أنقد الرئيس، لا يوجد أحد فوق النقد. إذا تمت الموافقة على شرطي كتابةً في العقد فأنا موافقة. أنا لست سعيدة بتوقفي عن العمل وأفتقد الشاشة والكاميرا والميكروفون. لكن أريد أن أظهر بصدقية وبدون خوف".
"دليل على قمع الحريات الإعلامية"
رأى بعض الناشطين والمعلقين المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن مطالبة بسمة "تفضح الضغوط التي يتعرض لها الإعلاميون لعدم الخروج عن ‘السطر‘، وما بلغه النظام من قمع للحريات، وسبب اختفاء بعض الوجوه الإعلامية عن الشاشة باختيارها أو قسراً".
وقال هؤلاء: "إذا كانت بسمة وهبة تشكو قمع الحريات وتخشى الاعتقال، فلنا الله نحن شعب مصر".
أما الناشط الحقوقي البارز ورئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، فقال عبر حسابه على فيسبوك: "رأيت فيديو لبسمة وهبة. ولازم نوضح أن بسمة وهبة شاركت في التحريض ضد المعارضين والتشهير بكثير منهم".
ومع ذلك قال عيد إنه يتمنى "عودتها مع مزيد من حرية النقد".
وقال: "لا نريد تكميم أفواه خصومنا كما يحدث معنا، ولا أن ينكل بهم مثلنا. نريد الحرية للجميع، ونتمنى سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه".
وفي كل ظهور لها على إحدى الشاشات، التزمت بسمة الدفاع عن السلطات وكانت صديقة للمسؤولين، تناشدهم في برامجها فيستجيبون فتعاود شكرهم وامتداح جهودهم. وأخيراً آثرت التركيز على فضائح الفنانين ومشكلاتهم.
ومطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، استفزت وهبة متابعيها بعد بث مقطع فيديو تزعم فيه أن "العيشة في سويسرا أغلى من مصر"، معربةً عن رغبتها في العودة إلى بلدها حيث الكرم والوفرة والأسعار الزهيدة. وتزامن المقطع مع شكوى المصريين من ارتفاع الأسعار واعتُبر رسالة دفاع ودعم غير مباشرة للنظام.
وتعيش مصر حالياً فترة غير مسبوقة من قمع الحريات العامة والفردية والإعلامية، ويتعرض المعارضون للاعتقال والتحقيق . اعتقل الأسبوع الماضي أربعة صحافيين هم: سُلافة مجدي وحسام الصياد ومحمد صلاح على خلفية كشفهم ما تعرضت له صديقتهم الناشطة إسراء عبد الفتاح من تعذيب، والصحافي في مجلة روزاليوسف أحمد شاكر بسبب منشورات عبّر فيها عن رأيه في الأوضاع السائدة في البلد.
المذيعة المصرية المؤيدة للنظام بسمة وهبة تطالب بـ"سقف أعلى" لحرية الممارسة الإعلامية، ورفع القيود عن انتقاد المسؤولين وتتساءل هل يحيلها كلامها إلى التحقيق
مغردون مصريون "إذا كانت بسمة وهبة تشكو قمع الحريات وتخشى الاعتقال، فلنا الله نحن، شعب مصر"
صحافيون وناشطون : "العمل جارٍ لتفكيك المنظومة الإعلامية الخاصة بالنظام المصري واستبدالها بأخرى مملوكة لرجال أعمال مقربين بإشراف غير مباشر للسلطات"
"أذرع إعلامية جديدة"
وأعرب بعض المعلقين على فيديو وهبة عن شكوكهم في "صدق" مطالبة وهبة بالحرية الإعلامية وهي زوجة الضابط السابق المتهم بـ"التعذيب" النائب البرلماني ورئيس لجنة حقوق الإنسان في المجلس، علاء عابد.
وشاركت صفحة عابد الرسمية عبر فيسبوك فيديو وهبة. وهذا ما حمل عدداً من المعلقين للقول إنه "مجرد تمهيد لعودتها إلى الشاشة في ثوب يمثل ‘صوت المواطن‘ ويروج للنظام".
وكتبت الصحافية نادية أبو المجد عبر تويتر: "المذيعة المصرية زوجة البرلماني/ضابط الشرطة السابق المتهم بالتعذيب، التي قام برنامجها (الأخير) على الفضائح والخناقات الزوجية، تطالب برفع السقف وبحرية التعبير ونقد الرئيس. أبشروا بأذرع إعلامية جديدة يا مصريين".
وقبل أيام قليلة، تحدث ناشطون وصحافيون مصريون عن قيام النظام بـ"تفكيك المنظومة الإعلامية (الموالية له) وإعادتها مرة أخرى بعد تفتيتها إلى ما كانت عليه قبل عام ٢٠١٦"، مشيرين إلى أن "الملكية ستؤول إلى رجال أعمال مقربين (من النظام)، والإدارة لرجال المهنة القدامى، والإشراف العام للدولة من أعلى".
ولفت هؤلاء إلى "نهاية دراماتيكية لأباطرة الظل في منظومة الإعلام: اعتقالات وبيجامات ونفي للخارج. عملية تطهير شاملة ضد أتباع البارونات القدامى والإطاحة بالعشرات من الإداريين والفنيين و‘الضباط‘ والنار قد تلتهم بعض المذيعين والمذيعات".
ويدعم القبض على المنتج الشهير ياسر سليم، الذي عرف بـ"جنرال الإعلام" و"واجهة المخابرات العامة"، وهو كان قد عرّف بنفسه مراراً "الضابط السابق"، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وجهة النظر هذه.
والتهمة المعلنة للقبض على سليم هي إصدار شيكات من دون رصيد لحساب إحدى شركات مجموعة "إعلام المصريين" التي تحكم قبضتها على المجال الإعلامي، والتي كان سليم نائباً لرئيسها حتى الأمس القريب.
ومن أوجه التشكيك التي أشار إليها بعض المغردين بشأن "صدقية" كلام وهبة هو نشرها للفيديو بعد ساعات من الحكم ببراءتها وبراءة جميع أفراد فريق برنامجها "شيخ الحارة" الذي أذيع في رمضان الماضي من القضايا المرفوعة ضده، لا سيما من تلك التي رفعها المخرج والنائب البرلماني خالد يوسف بتهم "التشهير والسب والقذف". وعبر حسابها على فيسبوك، تقدمت وهبة بالـ"شكر لقضاء مصر العادل" على الحكم.
ولم يستكمل عرض "شيخ الحارة" الذي أوقف بقرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام نتيجة "خروجه على القيم والأخلاق والخوض في الأعراض واستخدام الألفاظ وعبارات سيئة تتنافى مع حق الجمهور في مشاهدة إعلام هادف". علاوةً على وقف مقدمته التي أعلنت لاحقاً استقالتها إثر خلاف مع إدارة قناة "القاهرة والناس" التي كانت متعاقدة معها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...