شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن تكرار شخصية

عن تكرار شخصية "البنت العايبة" في دراما رمضان… وكيف نكسر هذا التنميط؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 18 أبريل 202301:42 م

إذا ما أردنا تعريف مصطلح "البنت العايبة"، وفق مفهوم أعمال البيئة الشامية، نجدها وفق التراكم الدرامي تعني الفتاة التي تخرج عن عادات وتقاليد عائلتها أو مجتمعها في ما يخص الحب والزواج وأي شكل من أشكال العلاقات، وليس بالضرورة أن تعني "العيبة"، الاتصال الجنسي خارج إطار الزواج، بل أي تواصل بين المرأة والرجل، بكلمة أو نظرة كحدٍ أدنى، وصولاً إلى غشاء البكارة كحدٍ أعلى، ليبدو وكأنه أقوى صنف من المحرّمات.

تأخذ أعمال البيئة المُنتجة سنوياً حصة الأسد من الأنواع الدرامية، كما أنها تتقاطع في العديد من الأفكار لأنها تتناول أحداثاً في مكانٍ وزمانٍ محددَين، وتفترض معظمها أن دور المرأة كان مقتصراً على الأعمال المنزلية وطاعة الزوج أو "ابن العم"، وفي الغالب سيكون هنالك نموذج مختلف من الفتيات اللواتي يخرجن عن طاعة أهلهنّ ويلقين مصيرهنّ الحتمي: "الشخت ع البلوعة".

القاعدة الثابتة: "العار ما بينغسل غير بالدم"

بمجرد أن نشاهد لقطةً في عمل شامي لفتاة تنظر إلى شاب نظرةً خاصةً، أو تتحدث معه من خلف الباب، نعرف سلفاً أن عبارة "اتركوني إغسل عاري، العار ما بينغسل غير بالدم"، ستكون النهاية الحتمية لهذه الشخصية في الحلقات الأخيرة، وقد تتنوع الأفكار المطروحة من أبسط أشكال "العيبة" في هذه الأعمال، مثل شخصية "جميلة" في مسلسل "باب الحارة"، التي وجدها والدها تتحدث إلى "بشير" ابن الفرّان، ليقرر معاقبتها بالضرب ومقاطعة والد بشير وغيرها من الأحداث التي أوصلته إلى عدم الحديث مع ابنته إطلاقاً، وقد تكون القصة أعمق من ذلك بكثير لتصل إلى أن الفتاة أقامت علاقةً جنسيةً مع شاب وينتهي الأمر بقتلها غسلاً للعار أو كي يتخلص من كلام المحيطين به، فيجد في قتل ابنته أو شقيقته حلاً أكثر سهولةً من كلام الناس.

ويشهد الموسم الحالي قصصاً مشابهةً، مثل مسلسل "زقاق الجن" حين تكتشف العائلة أن ابنتها "ملك" تتحدث مع ابن عمتها "عربي"، الذي هو في الأصل خطيبها تقريباً، مما يجبرها على الهروب من المنزل خوفاً من بطش جدّها وإخوتها.

بمجرد أن نشاهد لقطةً في عمل شامي لفتاة تنظر إلى شاب نظرةً خاصةً، أو تتحدث معه من خلف الباب، نعرف سلفاً أن عبارة "اتركوني إغسل عاري، العار ما بينغسل غير بالدم"، ستكون النهاية الحتمية لهذه الشخصية في الحلقات الأخيرة

وقد يختلط مفهوم الضحية والجلاد في هذه الأعمال التي تُظهر الوالد في هذه الحالة مظلوماً ويستحق أن نتعاطف معه. وفي المقابل فإن الفتاة قد أخطأت في تصرفها، حتى لو تعرضت للاغتصاب أو كان الأمر لم يتجاوز تجاذب أطراف الحديث مع شاب من خلف الباب، لتظهر في صورة الفتاة السيئة التي لا تجد التعاطف من محيطها، وأول من يقف في وجهها هنّ نساء العائلة ووالدتها تحديداً، ففي مسلسل "عطر الشام" تتعرض زوجة الزعيم "أبو عامر" للاغتصاب من ابن عمتها، وتنجب ولداً منه لأن زوجها لا ينجب أولاداً، فتضطر إلى إخفاء الموضوع خوفاً من مصيرها المحتوم، لتظهر في صورة المرأة السيئة وتُقتل في النهاية، علماً بأنها في الحقيقة مظلومة.

يقول الصحافي محمود المرعي، حول هذا الموضوع لرصيف22: "إن وجود هذا الخط الدرامي بشكل متكرر يعود لضخامة الحدث قياساً بذلك الزمن المطروح، مما يخلق صراعاً جذاباً، وتختلف طريقة الطرح بين عمل وآخر، والحلول الدرامية أيضاً، ففي مسلسل "أيام شامية" عندما تتعرض فتاة للاغتصاب، يقرر زعيم الحارة تزويجها لابنه لحمايتها، والمفارقة أن الشاب أحبّها فعلاً، ثم يقدم أهل الحارة على قتلهم (قتل المغتصبين) بعد التنكر(تنكرهم) بالملابس النسائية، وتالياً تسمح للكاتب أن يبنى الكثير من الأحداث".

ويضيف: "لم يتطور المجتمع كلياً في الوقت الحالي، وحتى اليوم توجد نماذج للشاب الذي يقيم علاقةً مع فتاة ويطلب من والدته أن تخطب له فتاةً ثانيةً، ولكن التكرار موجود بالطبع في هذه الأعمال".

"هالبنت مو بنت"

طرحت الكثير من المسلسلات فكرة وجود فتاة تُتَّهم بأنها أقامت علاقةً جنسيةً من دون علم أهلها، وتالياً لم تعد "بنت بنوت" وفق المفهوم السائد حينها، مما يجلب العار لأهلها، وقد يكون الاتهام من قبل المنافس أو العدو لجلب العار للعائلة، مما يقلّل من قيمة النسب أمام المجتمع، وتتقاطع طريقة المعالجة في أكثر من عمل، ففي مسلسل "أهل الراية" تُتهم ابنة الزعيم "أبو الحسن" بأنها على علاقة مع شاب، وتؤكد الداية زوراً بأنها ليست عذراء، مما يفرض على الوالد قتلها، ولكنها لم تمت حينها، ليكتشف لاحقاً أنه ظلمها.

 الموسم الرمضاني الحالي يحاول كسر القاعدة من خلال طرح شخصيات نسائية قوية ومؤثرة يفرضن كلمتهن أمام الرجال ويجابههن، كشخصية "شيماء" في مسلسل "زقاق الجن" التي تقف في وجه طليقها "أبو نذير"، وتحاول البحث عن ابن أخيها لإنقاذه

أما في مسلسل "طوق البنات"، فتُتهم ابنة الزعيم بالتهمة نفسها، ولكن كانت الحبكة أقل هذه المرة، لتثبت الداية أن الفتاة ما زالت عذراء، وتتكرر القصة نفسها هذا العام في مسلسل "العربجي"، حيث تُتهم ابنة "عبدو العربجي" بأنها ليست فتاةً، وتؤكد الداية هذا الأمر، مما يجبر الوالد على تزويجها للشاب الذي اغتصبها كي يلملم الفضيحة.

يقول كاتب مسلسل "العربجي"، عثمان جحى، لرصيف22: "نبحث في أعمال البيئة الشامية عن صراع الخير والشر، لأن قضايا الشرف هي عنصر جذب للجميع، وقصة الفتاة التي تُتهم بشرفها وهي بريئة باتت مستهلكةً بالتأكيد، ولكن تم في مسلسل العربجي توظيفها بطريقة مختلفة، فالموضوع كان في حلقة واحدة فقط، ثم انتقلنا إلى فكرة الصراع بين "أبو حمزة" و"عبدو العربجي"، وكأنها فتيل مشكلة وانتهت، فلم يتكرر الحديث عنها في حلقات لاحقة".

محاولات لمصالحة النساء

تناولت العديد من الدراسات والمقالات والأبحاث التاريخية فكرة تشويه صورة المرأة الدمشقية ضمن هذه النوعية من الأعمال، وتحديد دورها وإظهارها خانعةً وذليلةً ومسخّرةً لتلبية رغبات الزوج والأبناء الذكور، كما هاجمت الكثير من الحركات النسوية هذه الأعمال وعدّتها طريقةً لإيصال رسائل إلى المشاهدات، كأن تقف امرأة في وجه زوجها وترد الإهانة اللفظية، ويكون مصيرها مثل "سعاد خانم" التي قالت لزوجها "فشرت"، فطلّقها وأرسلها إلى بيت أهلها.

برّر صنّاع الدراما الشامية لهذه الأعمال بأنها ليست أعمالاً توثيقيةً ولا تتناول أحداثاً واقعيةً، بل هي فنتازية، ولم يصادف أن وُجدت ممرضة أو محامية أو مدرّسة في هذه الحارة، ولكن الفكرة تكمن في أن هذه المسلسلات كلها لم تحمل نموذجاً واحداً مختلفاً لهؤلاء النساء، بيد أن الموسم الرمضاني الحالي يحاول كسر القاعدة من خلال طرح شخصيات نسائية قوية ومؤثرة يفرضن كلمتهن أمام الرجال ويجابههن، كشخصية "شيماء" في مسلسل "زقاق الجن" التي تقف في وجه طليقها "أبو نذير"، وتحاول البحث عن ابن أخيها لإنقاذه، بالإضافة إلى شخصية "أم العز" في مسلسل "حارة القبة" التي تقف في وجه شخصية "طبنجة" وتنتقم منه، كما يحمل مسلسل "العربجي" العديد من الشخصيات القوية مثل "درّية خانم"، و"بدور الداية"، و"نورية" وغيرهنّ.

يعلّق الكاتب عثمان جحى، على هذه النقطة لرصيف22، بالقول: "شخصية المرأة القوية موجودة في تلك المرحلة، وتكاد لا تخلو عائلة من وجود شخصيات مشابهة، وهناك حرج في تناولها أو في الحديث عنها من قبل البعض كي لا يُقال 'امرأة ومتحكمة فينا'، ولكنها موجودة وعمتي مثلاً شخصيتها مشابهة لتلك الشخصيات القوية التي طرحتها في العمل".

ويضيف: "شخصية 'درية خانم' مثلاً تعود قوة شخصيتها لتاريخها ولنسب عائلتها، فتتحدث من هذا المنطلق، وحتى شخصية 'بدور الداية' لم تكن نمطيةً كبقية الأعمال الشامية، فالمرأة في عملي فاعلة كما هي في المجتمع، ولقد ظُلمت في معظم الأعمال بطرحها ضعيفةً وتغطي وجهها عندما تتحدث مع الرجال، وفي الحقيقة هذه شريحة واحدة فقط".

انتشار هذه الأعمال وتأثيرها على المشاهدين/ ات يعطي فكرةً مفادها أن النساء لا يزلن على هذه الحالة حتى الوقت الحالي، وهي محاولة لتعميم صورة ليست صحيحةً، فضلاً عن تشويه مرحلة زمنية وإلحاق ظلم كبير بحق الكثير من السيدات اللواتي اجتهدن وضحّين ليتحسن وضع النساء حالياً

في المقابل، يحاول بعض صنّاع الأعمال الشامية تقديم نماذج للنساء القويات ولكن فقط لخلق حالة من الصراع مع الرجال، كعنصر درامي تشويقي، لتؤكد أنهن قويات كالرجال أو يمكنهن الاحتيال عليهم أو الوقوف في وجه رجلٍ ما، وهذا ما يؤكد ضعفها وقلة ثقتها بنفسها، وليس العكس، أي أن المحاولات التي تُصنَع لمصلحة النساء، هي في الواقع ليست سوى طريقة درامية جديدة ابتُكرت لإغناء المادة الدرامية.

يعقّب الصحافي محمود المرعي، لرصيف22: "إن محاولات إظهار شخصيات نسائية قوية مقصودة بالطبع، وحتى باب الحارة في بعض الأجزاء اللاحقة حاول إضافة شخصيات لنساء عاملات، مثلاً 'دلال' ابنة 'أبو عصام'، خلعت 'الملاية' وبدأت بالعمل، وكأن القضايا تُحل بهذه الطريقة!".

هنالك قلة قليلة من الأعمال التي أظهرت صوراً إيجابيةً للنساء، مثل مسلسل "ليالي الصالحية" الذي أظهر "سعدية" امرأةً ترفض أن يتزوج زوجها عليها، وتسخر من الرجال الذين يتزوجون أكثر من امرأة واحدة، لذا محاولة كسر النمطية تُظهر في الباطن أن المرأة كان دورها سلبياً، أي أن مضمون الرسالة واحد.

في الختام، لا يمكن تحميل العمل الدرامي أكثر من استطاعته، ويرى البعض أن هذه المسلسلات مجرد قصص ترفيهية وليست لتوثيق مرحلة زمنية، وأن وضع المرأة في عصرنا ليس أفضل بكثير حتى نشوهه، ولكن انتشار هذه الأعمال وتأثيرها على المشاهدين/ ات يعطي فكرةً مفادها أن النساء لا يزلن على هذه الحالة حتى الوقت الحالي، وهي محاولة لتعميم صورة ليست صحيحةً، فضلاً عن تشويه مرحلة زمنية وإلحاق ظلم كبير بحق الكثير من السيدات اللواتي اجتهدن وضحّين ليتحسن وضع النساء حالياً.   

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard