شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عزيزي إبراهيم عيسى، لا نحتاج إلى

عزيزي إبراهيم عيسى، لا نحتاج إلى "حضرة العمدة" للحديث عن قضايا النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 20 أبريل 202312:30 م

للعام الثاني على التوالي يقدّم الكاتب إبراهيم عيسى، مسلسلاً في شهر رمضان يركّز بشكل أساسي على ما يمكن أن نطلق عليه "قضايا المرأة". في 2022، أطلّ علينا بـ"أمل فاتن حربي"، حول الأزمات التي تمر بها المطلّقات في المجتمع العربي، وهذا العام يستمر في التوجه نفسه ولكن عبر "حضرة العمدة"، وهو وعاء أكثر اتساعاً من التركيز على قضية الطلاق فقط.

"حضرة العمدة"، من إخراج عادل أديب، وبطولة روبي وأحمد رزق وسميحة أيوب، ويتناول قصة تعيين امرأة في منصب "العمدة" في إحدى القرى المصرية الصغيرة، والتحديات التي تواجهها البطلة في منصبها هذا.

كفى استيلاءً جندرياً
أو
بل هوكس... النسوية السوداء

"لا حاجة إلى سماع صوتك حين أجيد الحديث عنك أفضل مما تستطيع أنت. لا حاجة إلى سماع صوتك، فقط أخبرني عن ألمك، أريد معرفة قصتك وسأقصّها عليك بطريقة جديدة. سأقصها عليك كأنني امتلكتها وأصبحت قصتي بإعادة كتابتك أعيد كتابة نفسي، لكنني ما زلت المؤلف وأملك السلطة. ما زلت أنا المستعمر، أنا المتحدث، وأنت بؤرة حديثي".  ما تقوله المنظرة النسوية بل هوكس، في الفقرة السابقة، هو تلخيص لما يقوم به إبراهيم عيسى في مسلسلاته عن المرأة، في صورة أخرى من صور الهيمنة الذكورية حتى لو بدت في ظاهرها في صالح المرأة. عندما يقوم الرجل مهما كانت نواياه حسنةً بأخذ حق تقديم قضايا الجنس الآخر، فهو قطعاً سيقدّمها من وجهة نظره؛ يمنع صوتها ليفرض صوته، ويستخدم ألمها لسرد القصة المتخيلة في ذهنه وحده.

يتم استخدام مصطلح "تمكين المرأة"، بشكل ساخر على لسان الشخصيات في الحلقة الأولى، وهي شخصيات شريرة، لذا لا تقدّم الخطاب الذي يتبناه الكاتب إبراهيم عيسى، ولكن على الجانب الآخر ألا يحول المسلسل المحشود بقضايا المرأة كلمة "التمكين"، إلى أضحوكة؟

يحدد الكاتب هنا النقاط التي يجب أن يركز عليها لتمكين المرأة، والأخرى التي يمكن تجاهلها على الرغم من عدم خوضه تجربة أن يصبح امرأةً من الأساس. فعلى سبيل المثال، في مسلسل "فاتن أمل حربي" خاضت البطلة العديد من الأزمات نتيجة طلاقها من زوجها العنيف. ولكن الأزمة التي وقف طويلاً أمامها إبراهيم عيسى ككاتب، هي حق المرأة في الحفاظ على حضانة أولادها بعد زواجها للمرة الثانية، لتصبح هذه، النقطة المحورية للحبكة في حلقات عدة، في تجاهل تام لمصاعب المرأة المطلقة المتمثلة في عدم وجود مسكن زوجي بشكل قانوني، ما يحافظ عليها وعلى أولادها من البقاء في الشارع، أو صعوبة الحصول على نفقة بسبب تلاعب المحامين بمستندات دخل الزوج وغيرها.

ولكن من يحدد الأولويات هنا؟ لا تحددها المرأة المطلقة، ولا تحددها كاتبة سيدة عاشت تجربتها كامرأة حتى لو لم تخض تجربة الطلاق، ولكن وجهة نظر كاتب رجل يرفع لواء حماية حقوق المرأة.

يمكن تعريف "الاستيلاء الثقافي" (Cultural Appropriation) بأنه التبني غير الملائم أو غير المعترف به لعنصر أو عناصر من ثقافة أو هوية ما، من قبل أعضاء ثقافة أو هوية أخرى، وهذا يحدث بشكل خاص عندما يكون أعضاء الثقافة المهيمنة هم من يستولون على عناصر من ثقافات الأقليات. بقليل من المرونة، نجد أن ما يقوم به إبراهيم عيسى في مسلسلاته، نوع من أنواع الاستيلاء الثقافي أو الجندري على وجه الخصوص، فشخص من جندر أو نوع اجتماعي ما يقرر استخدام عناصر من النوع الاجتماعي الآخر، لتصبح أساس الدراما الخاصة به، والخطاب الذي يستخدمه.

ضرر ما يحدث هنا ينقسم إلى جزأين: الأول هو تركيز هذا الخطاب على عناصر قد لا تكون هي الضرورية لتحسين وضع المرأة، كما حدث في مثال الحضانة بعد الزواج الثاني على سبيل الثاني، والضرر الثاني هو عدم إعطاء الفرصة للأصوات النسائية لسرد قصتها بنفسها. عندما يكون أمام المشاهد أكثر من مسلسل يستعرض قضايا المرأة، فعلى الأغلب يتجه إلى الخطاب الأكثر تقليديةً وقرباً من الثقافة المهيمنة، أي المكتوب من وجهة نظر "رجل"، فنتيجةً لخضوع المجتمعات للأبوية لقرون، أصبح الحديث المقبول هو الخارج من رجل فقط، وتالياً ما يقوم به إبراهيم عيسى هنا هو استبدال خطاب أبوي ذكوري متشدد بآخر أقل تشدداً ليس أكثر.

هل تمكين المرأة أضحوكة؟

بالعودة إلى مسلسل "حضرة العمدة"، فهو يبدأ بصفية، الأستاذة الجامعية والطبيبة النفسية التي يغريها أقاربها الذكور من أبناء عمومتها لتصبح عمدة قريتهم "تل شبورة". تتمنع في البداية، ثم تقتنع في محاولة لتحسين حياة أهل البلدة، ولكن على الجانب الآخر يستعرض الكاتب الأسباب الخفية وراء إصرار هؤلاء الأقارب على تعيين صفية في "العُمودية"، حتى يستخدمونها كستار لجرائمهم ويتحكمون في مصائر العباد لسذاجتها وعدم قدرتها على فهم ديناميكيات القوة المسيطرة على هذا المجتمع الذي لم تعِش فيه من قبل.

عندما يعارض أحد هؤلاء الأقارب اختيار صفية، يخبره جلال، أكبر الإخوة، بأنها الاختيار الأمثل في ظل سياسات "تمكين المرأة" التي تروّجها الحكومة في الوقت الحالي، ما يجعل قبولها في المهمة أمراً سهلاً، وفي الوقت نفسه جنسها سيجعل من السهل التلاعب بها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن عندما يعرفون المعدن الحقيقي للمرأة الشابة التي تسعى بكل جدية إلى تحسين حياة المرأة و"تمكينها".

يتم استخدام مصطلح "تمكين المرأة"، بشكل ساخر على لسان الشخصيات في الحلقة الأولى، وهي شخصيات شريرة، لذا لا تقدّم الخطاب الذي يتبناه الكاتب إبراهيم عيسى، ولكن على الجانب الآخر ألا يحول المسلسل المحشود بقضايا المرأة كلمة "التمكين"، إلى أضحوكة؟

ما يقوم به مسلسل "حضرة العمدة"، هو حالة عكسية من "سر الأرض"؛ فبدلاً من تقديم مسلسل درامي مسلٍّ وجيد من الناحية الفنية، تحول بالتدريج إلى حلقات من التوعية بأضرار الختان وزواج القاصرات والابتزاز الإلكتروني

في الحلقات الخمس الأولى من المسلسل، تتم مناقشة ختان الفتيات، ثم زواج القاصرات، وبعدهما العنف الزوجي، والابتزاز الإلكتروني وجرائم الشرف؛ زخم من قضايا المرأة تتوالى في زحام لا يترك للمشاهد فرصةً للاستيعاب، أو حتى لصنّاع العمل مناقشتها بشكل موضوعي وفني، فتحول الحوار إلى خطابات توعوية مباشرة ورسائل موجهة من المؤلف إلى المتفرج.

في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عُرض مسلسل توغوي بعنوان "سر الأرض"، لتثقيف المزارعين عبر النصائح والمعلومات الخاصة بالزراعة وما يخصها، بالإضافة إلى المشروعات الزراعية الأخرى، وعلى الرغم من كون المسلسل واضح الغرض منذ البداية، فإنه استطاع تحقيق شعبية كبيرة حتى بين سكان المدن الذين لم يزرعوا أو يحصدوا سوى نباتات الزينة في شرفات منازلهم، والسبب وراء هذا النجاح هو تقديم هذه النصائح في شكل حوارات وإسكتشات كوميدية مسلّية، بل أفرز هذا البرنامج عن شخصية "القرموطي" التي قدّمها الممثل المغمور في هذا الوقت "أحمد آدم"، وجعلته نجماً سينمائياً ومسرحياً.

ما يقوم به مسلسل "حضرة العمدة"، هو حالة عكسية من "سر الأرض"؛ فبدلاً من تقديم مسلسل درامي مسلٍّ وجيد من الناحية الفنية، تحول بالتدريج إلى حلقات من التوعية بأضرار الختان وزواج القاصرات والابتزاز الإلكتروني، ومحاضرات شديدة المباشرة تقول فيها بطلته التوصيات بصورة مباشرة للمتفرجين كما لو أنهم في فصل دراسي وليس أمام شاشات التلفاز. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image