شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
جبل الزاوية صمّام أمان شمال غرب سوريا... هل حان وقت

جبل الزاوية صمّام أمان شمال غرب سوريا... هل حان وقت "التخلّي" التركي عنه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 19 أبريل 202302:42 م

لا يكاد يمر يوم إلا وتستهدف فيه قوات النظام والميليشيات الإيرانية قرى منطقة جبل الزاوية، جنوب إدلب، وبلداتها. القصف شبه يومي، ومحاولات التقدم مستمرة، مقابل عمليات إغارة لفصائل المعارضة. وبرغم اشتعال المنطقة، وتواجد آلاف الجنود الأتراك، وسخونة الجبهات، لا يزال سكان المنطقة موجودين فيها، يعيشون ويعملون.

تُعدّ منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، الخاصرة الأقوى للطريق الدولي M4، الذي يربط مدينة حلب باللاذقية في الساحل السوري. وتأمين الطرق الدولية مشروط بالسيطرة على جبل الزاوية التي خرجت في عام 2012، عن سيطرة النظام.

ويعيش أهالي منطقة جبل الزاوية في حالة من الخوف الدائم، خاصةً في أثناء جني المحاصيل الزراعية، بسبب القصف والاشتباكات المستمرة على خطوط الجبهات، فضلاً عن الانتشار الواسع للألغام الأرضية، الأمر الذي أدى إلى تعطيل كثير من البنى التحتية للناس، وسبّب لهم خسائر فادحةً في الأرواح والممتلكات.

فمحمود أحمد (35 عاماً)، مزارع، يحاول الانتقال من قرية شنان في جبل الزاوية إلى أرضه باكراً لحصاد أكبر قدر ممكن من محصوله قبل بدء القصف المعتاد على المنطقة، وتالياً اضطراره إلى العودة من حيث أتى. "الخوف يطارد جميع المزارعين الموجودين في المنطقة"، يقول لرصيف22.

تُعدّ منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، الخاصرة الأقوى للطريق الدولي M4، الذي يربط مدينة حلب باللاذقية

أهمية الجبل

تنبع أهمية المنطقة التي تضم 35 بلدةً وقريةً، بحسب المحلل العسكري العميد عبد الجبار العكيدي، "من كونها منطقةً حاكمةً ومرتفعةً وذات تضاريس وعرة وتساعد على المقاومة"، مشيراً إلى أن "سقوط جبل الزاوية بيد قوات النظام سيؤدي إلى سقوط ما تبقّى من المناطق المحررة من جسر الشغور غرب إدلب، وسهل الغاب شمال حماه، حتى مدينة إدلب معقل المعارضة الواقعة شمال جبل الزاوية التي ستصبح تحت مرمى النيران".

ويقول القيادي في المعارضة السورية في حديثه إلى رصيف22: "السيطرة على جبل الزاوية تعني في النهاية السيطرة على الطريق الدولي M4 (طريق حلب-اللاذقية الدولي)، وإحكام السيطرة على طريق M5 (طريق حلب-دمشق الدولي)، الذي سيطر عليه النظام في مطلع 2020، إثر عملية عسكرية واسعة النطاق، وتالياً تعزيز السيطرة على الطريق وحمايته من أي استهداف من قبل الفصائل المتواجدة في جبل الزاوية، فالجبل مهم جداً لأنه يشرف على محيطه كله".

وخرج جبل الزاوية عن سيطرة قوات النظام لصالح فصائل تتبع للجيش السوري الحر، في آذار/ مارس 2012، لتشنّ فصائل المعارضة في الجبل بعدها عمليةً عسكريةً واسعةً لطرد تنظيم داعش في 2013، وأبرزها جبهة ثوار سوريا التي كانت تسيطر على كامل الجبل بالتشارك مع كتائب صقور الشام، قبل أن تخسرا المنطقة عام 2014، لصالح جبهة النصرة آنذاك، التي ما زالت تسيطر على المنطقة إلى الآن، مع وجود الجبهة الوطنية للتحرير على نقاط الجبهات العسكرية.

برأي العكيدي، فإن "السيطرة على الجبل صعبة للغاية على النظام، بسبب تضاريسه الجبلية الوعرة، ووجود نسبة كبيرة من المقاتلين من أبناء الجبل، ممن انضموا إلى المقاومة المسلحة منذ بداية الثورة ولديهم خبرة كبيرة في القتال ويتمتعون بالشراسة، وما زالوا متمركزين في منطقتهم".

من جهته، يقول المحلل العسكري العميد أحمد رحال، المتحدر من جبل الزاوية: "هدف النظام هو الوصول إلى طريق M4، وتالياً لا بد له من السيطرة على جبل الزاوية، المنطقة الجبلية الوعرة المحاذية لجبل الأربعين شمالاً، وجبل شحشبو جنوباً، فالجبل ميزته أن القتال فيه صعب، فبضع مئات من المقاتلين قادرون على مقاومة الآلاف بسبب وعورته، وأهل المنطقة فقط يعرفون تضاريسها ومسرح عملياتها، وهذا سبب تخوّف النظام من دخوله من دون الحصول على توافقات سياسية".

حشد مستمر للنظام

تشهد الجبهات العسكرية تحركات متزايدةً من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية على مختلف خطوط التماس بين قوات النظام والمعارضة، خاصةً في محاور جنوب إدلب وشرقها، وغرب حلب، وسط مخاوف من سكانها المقيمين في المناطق القريبة من الجبهات من موجة نزوح جديدة في المنطقة.

يخطط النظام والميليشيات للسيطرة على جميع مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرته، وجبل الزاوية تُعد محوراً مهماً، من ثم الوصول إلى معبر باب الهوى الحدودي، فهل أعطى الأتراك موافقتهم الضمنية؟ 

يقول رحال لرصيف22: "هناك تحركات عسكرية لم تهدأ منذ شهر في مناطق التماس مع النظام من جبهات الساحل إلى أرياف جسر الشغور وصولاً إلى جبل الزاوية وحدود مدينة سراقب، لقوات النظام وحزب الله وبعض الميليشيات الإيرانية مع وجود عسكريين روس مرافقين لهم، وتكثيف طلعات الاستطلاع للطيران الروسي، والذي يتزامن مع الاجتماعات المرتقبة مع الدول الضامنة لأستانة، واستبعاد المعارضة منها يُعدّ مؤشراً على وجود شيء مبطن يحاك للمنطقة".

بعد خسارة المعارضة لمدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، لصالح قوات النظام عام 2016، رعت روسيا وتركيا مع إيران مساراً سياسياً عُرف بأستانة في مطلع 2017، لتثبيت وقف إطلاق النار والبدء بحوارات بين وفدَي النظام وتركيا لإيجاد حل سياسي في سوريا، وكان من نتائجه تراجع المعارضة بعد خسارتها مناطق جديدةً وتهجير الغوطة وخسارة مناطق شاسعة من أرياف حماه وإدلب وحلب في مطلع 2020، كما تراجعت المعارضة سياسياً توازياً مع سحب الجانب التركي نقاط المراقبة من خان شيخون والعيس والصرمان، ومن ثم فتح قنوات للتصالح مع النظام.

بوابة الحل أم الانهيار؟

عن احتمال خضوع المنطقة للتفاهمات السياسية في المستقبل، يقول العكيدي: "لا يوجد شيء مستبعد في السياسة بعد الاستدارة الحادة من قبل تركيا وبعض الدول العربية نحو التطبيع مع النظام، فقد رأينا كيف تقدّمت قوات النظام وسيطرت على مناطق تتواجد فيها قوات تركية، مثل خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب والعيس، بعد أن تراجعت القوات التركية التي كانت متمركزةً في هذه النقاط".

من وجهة نظر رحال، فإن "مطالب النظام لم تتغير في المفاوضات مع تركيا، وهي انسحابها بشكل فوري أو بشكل مجدوَل في مدة أقصاها 4 أشهر، وإيقاف الدعم الخدمي والإنساني لشمال غرب سوريا، كما أضافت إيران إلى طلبات النظام، أن تقوم تركيا بتسليم معارضين سياسيين لتتم محاسبتهم في دمشق بتهمة الخيانة، وتعديل اتفاقية أضنة التي تسمح لتركيا بإجراء مهام عسكرية بعمق 5 كيلومترات ضد ما يهدد أمنها في سوريا. أما شروط تركيا فتتعلق بمجملها بقوات سوريا الديمقراطية، وملف شرق الفرات وضمان عودة اللاجئين إلى الداخل، وهذا أمر مخيف بالنسبة إلى منطقة شمال غرب سوريا".

هناك سيناريو طرحه الروس حول إدخال مؤسسات النظام وأمنه إلى الشمال السوري بالاتفاق مع فصائل مسلّحة

ويشير إلى أن "هناك سيناريو طرحه الروس حول إدخال مؤسسات النظام وأمنه إلى الشمال السوري بالاتفاق مع فصائل مسلّحة لم تتم تسميتها، وتكون هناك قيادة مشتركة للمنطقة، ولا نعلم ما إذا كان هذا الطرح في إطار السياق الذي تجري مناقشته في المفاوضات الأخيرة".

ولا يستبعد رحال أن "تأتي تحركات النظام العسكرية الأخيرة على خطوط الجبهات في سياق هدفها للسيطرة على جميع مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرته، والوصول إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، في ظل الفوضى وحالة الاستبداد والظلم التي تشهدها منطقة إدلب وشمال حلب".

وبرأيه، فإن "تحركات هيئة تحرير الشام تعبث في المنطقة بعد جريمة جنديرس، وكذلك مقتل الإعلامي محمد أبو غنوم في الباب، شرق حلب، ودعمها لتجمع الشهباء على حساب الفيلق الثالث في الجيش الوطني بنية تفكيكه ودخول المنطقة في أعزاز شمال حلب".

ويشير إلى أن هذه الوقائع كلها تُمهّد الطريق لسيناريو شنّ النظام عمليةً عسكريةً في أي لحظة للسيطرة على مناطق جديدة شمال سوريا.

هل تتخلى تركيا عنه؟

في إطار مسار أستانة، بدأت تركيا بتشكيل نقاط مراقبة في "منطقة خفض التوتر"، في محافظة إدلب وريفَي حماه وحلب، في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، لتثبيت وقف إطلاق النار عقب إطلاق الروس حملةً عسكريةً واسعةً وسيطرتها على حلب، وساهم غياب الدور الأمريكي والعربي عن المشهد في تصدر تركيا ملف المعارضة في مفاوضاتها مع روسيا وإيران، كما زجّت بعشرات الآلاف من الجنود والعتاد الثقيل على طول الجبهات مع قوات النظام، والتي ساهمت في إيقاف حملة النظام العسكرية الأخيرة على المنطقة في مطلع 2020، وقد توقف فيها على أعتاب جبل الزاوية جنوب إدلب.

يعتقد العكيدي، أن تركيا لن تتنازل عن جبل الزاوية بهذه السهولة، بعد أن "عززت النقاط العسكرية لقواتها فيه، فقد تحولت من نقاط مراقبة لخفض التصعيد إلى قوات قتالية هجومية ودفاعية، وهي ورقة مهمة بيدها لن تتخلى عنها بسهولة"، مشيراً إلى أنه لا أحد يستطيع التكهن بما سيحدث مستقبلاً، وإلى أين من الممكن أن تصل المفاوضات، لكن "من المؤكد أن تركيا لن تتخلى عن المنطقة بسهولة، والتي إذا ما سقطت بيد النظام، ستؤدي إلى موجة نزوح كبيرة باتجاه الحدود السورية التركية، الأمر الذي لا تتمناه لا تركيا ولا الغرب".

من جهته، يعتقد الناشط السياسي عبد الكريم العمر، أن السبب الرئيسي لتمسّك القوات التركية بالمنطقة، هو أنها تطلّ على الطرق الدولية، لا سيما الطريق الدولي الذي يربط حلب وإدلب بمنطقة الساحل، فهي لا تريد فتح الطرق الدولية إلا وفق شروط هي من تضعها، لأن القوات التركية هي التي تشرف على هذا الطريق".

السبب الرئيسي لتمسّك القوات التركية بالمنطقة، هو أنها تطلّ على الطرق الدولية،  وهي لا تريد فتحها إلا وفق شروط هي من تضعها، وتكسب منها

وبدأت تركيا محاولات تقاربها مع النظام السوري قبل فترة، وتقوم روسيا بدور الوسيط لتسهيل هذا التقارب وتسريعه، مع تمسّك النظام بشروطه، وهي الانسحاب التركي من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الفصائل العسكرية، لكن الجانب التركي المُقبل على انتخابات الشهر المقبل، يحاول استثمار ورقة اللاجئين والتطبيع في معركته، فيما تبدو هياكل المعارضة السياسية عاجزةً عن اتخاذ موقف أو حتى تتبّع الموقف التركي.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن "المحادثات في أستانة وسوتشي تشير إلى ضرورة فتح الطرق الدولية، وكل ما حدث في الشمال السوري جرى في إطار تفاهمات بين الروس والأتراك، والاتهامات متبادلة بين الطرفين حيال فتح الطرق الدولية والمعابر وانتشار القوات، ومن الواضح أن كل طرف لا يريد تنفيذ التزاماته تجاه الطرف الآخر، برغم أن المنطقة خضعت لتفاهمات سياسية سابقة".

كذلك، يرى العمر أن "حملات التطبيع مع النظام، لن تغير في المشهد السياسي في سوريا، إذ لم يتغير المشهد بعد تطبيع الإمارات معه منذ قرابة أربع سنوات، وهو لن يستطيع أن يقدّم لهذه الدول أكثر من تجارة الكبتاغون، لأن الحل يكمن عند الولايات المتحدة الأمريكية، فهي المتحكم الفعلي في الملف السوري، أما معظم الدول التي تطبّع مع النظام، فهي غير مؤثرة في الملف السوري".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image