تتوالى عمليات تحرير الشام الانغماسية خلف خطوط قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها في أرياف حلب وإدلب واللاذقية شمال غرب سوريا، إذ سُجلت عمليات عدة خلال الربع الأخير من العام الحالي 2022، أربع عمليات منها خلال أسبوع واحد، بدأت في 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
يذكر الإعلام الموالي لتحرير الشام عبر معرفاته الرسمية، تنفيذ عملية عبر لواء "الزبير بن العوام"، التابع للهيئة في محور داديخ في ريف إدلب الشرقي، وعملية ثانية للواء "معاوية بن أبي سفيان"، في قرية البيضا في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، أدت إلى مقتل وجرح عناصر من قوات النظام، أمّا العملية الثالثة فقد كانت من نصيب لواء "سعد بن أبي وقاص"، على محور قبتان الجبل في ريف حلب الغربي، وأدت إلى مقتل وجرح عناصر عدة من قوات النظام، كانوا متمركزين في ثكنتهم، فيما سُجلت العملية الرابعة في 18 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بقيادة لواء "طلحة بن عبد الله" واستهدفت أيضاً نقاطاً تابعةً لقوات النظام في محور الأربيخ في ريف إدلب الشرقي، وأدت إلى مقتل 12 عنصراً وجرح آخرين وتدمير نقاطهم، بحسب ما ذكرت الهيئة.
الرد المناسب
سجل الدفاع المدني السوري مقتل 61 شخصاً جراء قصف قوات النظام والاحتلال الروسي، حتى تشرين الثاني/نوفمبر
حتى نهاية العام الجاري، تكون قد مضت على وقف إطلاق النار في إدلب أكثر من 36 شهراً، وهي أطول مدة تهدئة تشهدها منطقة خفض التصعيد بين النظام والمعارضة، ولا نستطيع القول إن هذه المنطقة لم تشهد تصعيداً متفاوتاً بين الحين والآخر بين الفصائل العسكرية من جهة، والنظام وروسيا من جهة أخرى، اللذين يستخدمان سلاح الجو بالإضافة إلى القصف الصاروخي المكثف والعنيف على مناطق مدنية، فضلاً عن مناوشات واستهدافات متبادلة في مناطق جنوب إدلب المتاخمة لمعرة النعمان وسراقب وامتدادها إلى شمال إدلب وريف حلب الغربي، على الخط الواصل بين دارة عزة وقبتان الجبل.
وسجل الدفاع المدني السوري مقتل 61 شخصاً جراء قصف قوات النظام والاحتلال الروسي بينهم 24 طفلةً، و5 نساء، فيما أصيب 152 شخصاً، بينهم 51 طفلاً، و20 امرأةً، منذ بداية العام الجاري حتى الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
ووفق إحصائية الدفاع المدني في الفترة ذاتها، فقد استجاب لأكثر من 450 هجوماً صاروخياً، و300 هجوم مدفعي، بالإضافة إلى استهدافات أخرى متنوعة ما بين صواريخ وقنابل عنقودية.
في المقابل، ترى تحرير الشام أن الرد المناسب على همجية النظام والاحتلال الروسي يجب أن يُجاوز القصف الصاروخي والمدفعي، و"ينتقل إلى قواعد العدو وخلف خطوط الاشتباك بشكل مباشر لتحقيق نتائج أكثر فاعليةً"، ويكون ذلك عبر "قوات النخبة" وما يُعرف بـ "العصائب الحمراء".
النخبة والعصائب
تنتمي قوات النخبة إلى فصائل "غرفة عمليات الفتح المبين"، المكونة من حركة أحرار الشام، وجيش العزة، وجيش النصر، وهيئة تحرير الشام التي تتزعم الغرفة وتشارك فيها بقوات "العصائب الحمراء"، التي تتميز عموماً بقوتها وسرعة مناوراتها وعملياتها الخاطفة وتحقيقها إصابات مباشرةً في صفوف قوات النظام، بعد التسلل إلى عمق نقاطهم والاشتباك معهم ثم الانسحاب من دون أي خسائر، وتكون هذه العمليات النوعية على فترات غير متتالية.
تتمتع العصائب بقوة ضاربة وهجومية وحس أمني عالٍ، ولياقة بدنية عالية لعناصرها تمكّن المقاتل من الانغماس والتخفي والاستمرار في القتال والمناورة أطول فترة ممكنة، فكيف يتم تدريبها؟
وباتت "العصائب الحمراء" التي يقودها الجهادي أبو الحسن الحموي، تمثل اليوم عماد قوات تحرير الشام في حرب الشوارع وحرب العصابات، وتُعدّ رأس حربة في عمليات الانغماس والاقتحام وخلق ثغرات في صفوف النظام تمهيداً لعمليات الاقتحام، وعمليات خلف خطوط النظام وروسيا والكمائن والعمليات الأمنية الدقيقة، إذ تُسند إليها المهمات القتالية الأكثر صعوبةً وخطورةً وتعقيداً.
وتتمتع العصائب بقوة ضاربة وهجومية وحس أمني عالٍ، ولياقة بدنية عالية لعناصرها تمكّن المقاتل من الانغماس والتخفي والاستمرار في القتال والمناورة أطول فترة ممكنة، فضلاً عن اعتناء تحرير الشام بهذه القوات من حيث نوعية الأسلحة المقدمة إليها، وتأهيلها نفسياً وعقائدياً.
يقول حذيفة الأنصاري، وهو قيادي في تنظيم العصائب الحمراء، لرصيف22، إن "العصائب أُسست في العام 2018، عبر مهاجر من بيلاروسيا، فيما كان أول عمل لها في الشهر الثامن من التاريخ المذكور، في ريف حماه، إذ تمكنت حينها من قتل سبعة عناصر من الجنود الروس"، مضيفاً أن "العصائب الحمراء اليوم هي القوة الضاربة لتحرير الشام وتتميز عن بقية التشكيلات ضمن الهيئة بشكل خاص بالتدريب والتأهيل والدعم اللوجستي، بالإضافة إلى طرق خاصة لعمليات انغماسية تؤديها، وترمز العصائب الحمراء الموضوعة على رأس المقاتلين إلى استعدادهم للموت عند أي عمل يُكلَّفون به".
يروي الأنصاري، أن مهام العصائب تتركز "في تنفيذ ضربات مهمة على نقاط العدو التي تدربت لأجلها، أما أهدافها فهي الإثخان بالعدو بالدرجة الأولى وتدمير الهدف بالكامل، إلى درجة أن بعض المقاتلين قد يضطرون أحياناً إلى تنفيذ عملية استشهادية إذا شعروا بعدم القدرة على الانسحاب".
رسائل تحرير الشام
تعمد العصائب خلال عملياتها إلى توثيق عملية الاقتحام والتسلل بتفاصيلها الدقيقة، بدءاً من التحضير وصولاً إلى الاشتباك
تعمد العصائب الحمراء خلال عملياتها إلى توثيق عملية الاقتحام والتسلل بتفاصيلها الدقيقة، بدءاً من التحضير وصولاً إلى الاقتحام والاشتباك وجهاً لوجه ثم الانسحاب، وبثت هيئة تحرير الشام مشاهد لعمليتين انغماسيتن، نُفّذتا منتصف الشهر الجاري على مواقع قوات النظام في ريفي حلب وإدلب.
وتظهر المشاهد عملية تسلل مجموعة صغيرة في ساعات الفجر الأولى تحت الضباب الكثيف، إلى داخل نقاط تتمركز فيها قوات النظام في محيط قريتي الأربيخ شرق إدلب وقبتان الجبل غرب حلب، وحمل الإصدار المرئي الذي نشرته هيئة تحرير الشام على معرفاتها، اسم "فساء صباح المنذرين"، وعلقت عليه: "ظن العدو أن الناس ستأتيه كي يضعوا يدهم بيده ليصالحوه، فكانت الصفعة من المجاهدين فصبّحوه بكرة في دياره وثكناته"، في إشارة إلى التصريحات التركية الأخيرة بشأن رغبتها في إعادة العلاقات مع نظام الأسد.
يقول الأنصاري: "منذ ستة أشهر ونحن في حالة تدريب وإعداد للمقاتلين وقد تم تخريج مجموعات خاصة ضمن ألوية تحرير الشام مشابهة للعصائب الحمراء من ناحية المهام والتدريب، فكانت العمليات الانغماسية الأخيرة"، مشيراً إلى أن "التركيز في هذه الفترة على تلك العمليات، رسالة إلى كل الدول التي تحاول تعويم النظام المجرم على حساب أهالي المحرر وأبناء الثورة السورية، فالعمليات كانت رسالة رفض ولكن على طريقتنا".
العمل الدعائي
يرى البروفيسور المتخصص في الحركات الجهادية، عبد الرحمن الحاج، أن عمليات تحرير الشام الانغماسية "تأتي في ظل تقارب تركي متزايد من النظام السوري من جهة، ومن جهة أخرى في ظل تداعيات الهجوم على منطقة الشمال والإعداد التركي لعملية عسكرية في تل رفعت ومنبج".
ويضيف: "وعليه، يمكن فهم العملية الانغماسية على أنها عملية دعائية، فمن جهة هنالك نوع من الضرر لحق بسمعة الهيئة في تحالفها مع فصائل فاسدة متورطة في قتل الإعلامي محمد أبو غنوم، الذي كان يحقق في دورها في ترويج المخدرات وتجارتها في الشمال، ومن جهة أخرى أجبرت الهيئة على التراجع ولكن ضحايا الهجوم كان كبيراً من قبل مقاتليها مقارنةً بغيرها".
ويلفت الحاج في حديثه لرصيف22، إلى أن "هجوم تحرير الشام الأخير على فصائل الفيلق الثالث الموالية لتركيا، أعاد إلى الذاكرة السلوك القديم للجبهة كجهة متطرفة تريد أن تقضي على الأطراف المعتدلة، لذلك تأتي من جهة لتحسين سمعتها، وللتأكيد على أنها لا تزال قويةً وقادةً على شن هجوم في حالة حدوث تسوية ويجب أن يحسب حسابها في تسويات من هذا النوع وألا تبقى خارج حساب الأتراك، كما تريد من جهة ثالثة التأكيد على أن عدوها الأساسي هو النظام، وأنها القوة التي يُعتمد عليها في إدلب وقراراتها تأخذها وفق مصالحها".
حرس الجولاني؟
تعمل تحرير الشام على الارتقاء بعمل قواتها العسكرية والأمنية وزيادة أعدادها، من خلال الإعلان بين الحين والآخر عن حملات تجنيد جديدة للانضمام إلى صفوف العصائب الحمراء، ضمن شروط عدة، منها أن يكون العنصر منتسباً إلى هيئة تحرير الشام، وعدم وجود إعاقات جسدية، والاستعداد لتحمل ظروف التدريب القاسية، والالتزام بنظام الكتيبة الداخلي، والبقاء فيها لمدة 15 شهراً.
تعتمد تحرير الشام على العصائب الحمراء، إلا أن اعتمادها لا يحمل بحد ذاته رسائل سياسيةً أو عسكريةً بقدر ما أن عمليات الانغماس لم تكن لتنجح إلا بهؤلاء العناصر، فيما الذي يميز هؤلاء؟
في المقابل اعتمد أبو محمد الجولاني، قائد تحرير الشام، عليها، اعتماداً كبيراً لطرد تنظيم "جند الشام" التابع للجهادي أبو مسلم الشيشاني، في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي في العام 2021، وحققت نتائج إيجابيةً في العمليات الأمنية ضد خلايا تنظيم داعش في إدلب.
يرى الحاج، أن تحرير الشام تعتمد على العصائب الحمراء، إلا أن اعتمادها لا يحمل بحد ذاته رسائل سياسيةً أو عسكريةً بقدر ما أن عمليات الانغماس لم تكن لتنجح إلا بهؤلاء العناصر، كما أنها تعطي انطباعاً بأن الهيئة متحكمة بالجبهة وقادرة على القيام بالعمليات بشكل منظم.
ويضيف: "العصائب الحمراء هي فعلاً بمثابة القوات الخاصة الحارسة لبقاء الهيئة، ويمكن تشبيهها بالحرس الجمهوري المنوطة به حماية النظام، وهذه قوات مهمتها الأساسية حماية النظام الذي شكلته الهيئة، وهي الذراع الضاربة للجولاني، وكما يعلم الجميع تتمتع بتأهيل وتدريب خاصين وبتسليح عالٍ ومختلف عن التشكيلات العسكرية الأخرى التابعة للهيئة".
ويختم الحاج حديثه بأن "تحرير الشام تهتم أولاً بالرسائل الخارجية الموجهة إلى الروس والإيرانيين، والتي تشير إلى أنها لاعب يجب أن يُحسب له حساب، ولديه قوات منظمة قادرة على شن عمليات في العمق".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه