شهدت الدراما الرمضانية المصرية لموسم 2023 العديد من الظواهر التي صاحبت الأعمال الدرامية التي تجاوزت ثلاثين مسلسلاً خلال النصف الأول من الموسم الرمضاني، إذ شكلت ظاهرة المسلسلات ذات الـ15 حلقة حضوراً قوياً، لا سيما بعد المطالب العديدة خلال السنوات الماضية بتقليص عدد الحلقات إذا اقتضت الدراما ذلك، إذ لا تحتاج جميع القصص أن تسرد بثلاثين حلقة كما اعتدنا. ومن بين الظواهر التي اقترنت بهذا النوع القصير نسبياً من الدراما، الظاهرة المرتبطة بحكايات الأزواج والزيجات، كما ظهر في مسلسلات "علاقة مشروعة"، "كامل العدد"، "مذكرات زوج"، و"الهرشة السابعة".
"مذكرات زوج" للمخرج تامر نادي أخذه السيناريست محمد سليمان عبد المالك عن كتاب "مذكرات زوج" للكاتب الراحل أحمد بهجت والذي سبق تقديمه في مسلسل حمل الاسم نفسه في ثمانينيات القرن الماضي، و"الهرشة السابعة" للمخرج كريم الشناوي من تأليف ورشة سرد، عن فكرة للسيناريست مريم نعوم اتي أشرفت على الكتابة.
يتشابه المسلسلان في العديد من الجوانب والتفاصيل، إذ ينطلق كل منهما من عالم واحد حيث دراما الأزواج والعلاقات الزوجية لثنائيات تتأرجح بين التفاهم والاختلاف الكامن خلف حياة هادئة ظاهرياً.
رؤوف "طارق لطفي"، الذي يعمل كمراقب جوي للطائرات، تزوره كوابيس تنغّص عليه حياته، يكتشف فيما بعد كيف أن تلك الكوابيس ربما تمثل طوق النجاة، فرب ضارة نافعة، فهو على سلبيته الظاهرة يتمتع بروح مقاتلة دفعته لاكتشاف سبل تغيير حياته، وذلك بمعاونة "لايف كوتش" دكتور طه عياد "خالد الصاوي".
تشابهت بعض مسلسلات العلاقات الزوجية في العديد من الجوانب والتفاصيل، إذ تنطلق من عالم واحد حيث دراما الأزواج والعلاقات الزوجية لثنائيات تتأرجح بين التفاهم والاختلاف الكامن خلف حياة هادئة ظاهرياً
مثل كل الأزواج ولكن...
على صعيد آخر، نشاهد في "الهرشة السابعة" نادين "أمينة خليل" و"آدم" محمد شاهين، المتزوجان منذ عدة سنوات، ولكن علاقتهما بدأت قبل 17 عاماً، إذ جمعتهما صداقة تطورت لعلاقة حب امتدت منذ مرحلة الزمالة في المدرسة إلى اليوم.
زوجان يشبهان العديد من الأزواج، تخيم على حياتهما الخلافات التي تتجاوز حدود البيت، وتبلغ الأهل والأصدقاء.
تتصور نادين أن الإنجاب هو الحل الممكن للمشكلات، في حين يرى آدم أن على نادين أن تشغل نفسها بالعمل حتى لا تشعر بذلك الفراغ القاتل.
تنجب نادين توأماً، وتتوالى المفاجآت، في حين تتعرف سلمى "أسماء جلال"، صديقتهما المقربة على شريف "علي قاسم"، وهو شاب يعمل بالنجارة، ويعتبر نفسه مبدعاً. من خلال ثنائي "نادين وآدم"، و"سلمى وشريف" نتعرف على قصص ودوافع تزيد من الصراع أحياناً، وتولد الحب أحياناً أخرى.
ينطلق مسلسل "مذكرات زوج" من رؤية الزوج، وعقله الباطن وكوابيسه التي لا تنتهي
ينطلق مسلسل "مذكرات زوج" من خلال رؤية الزوج، وعقله الباطن وكوابيسه التي لا تنتهي، وصولاً إلى قراءة أفعال الآخرين، لا سيما الزوجة شيرين "عائشة بن أحمد" التي تكبحه في أغلب الأحيان، وتتولى زمام الأمور في الحياة، وهو ما يظهر حول طاولة الطعام، حيث تجلس على رأسها في مخالفة للترتيب التقليدي.
يشدد العملان على قيمة "المسؤولية"، ومن المسؤول على إنجاح الحياة الزوجية. في طرح أقرب إلى البانوراما، يتحرر مسلسل "الهرشة السابعة" من المظهر التقليدي للحياة الزوجية ومسؤولياتها، ويتمّ تبادل الأدوار ما بين الأزواج بطريقة سلسة، لا سيما في علاقة سلمى وشريف، التي يغلب عليها المرونة أكثر من علاقة نادين وآدم، إذ عادة ما يختلفان وكأن أحدهما لا يعرف الآخر كما يرددان دائماً.
خلافات سلمية
يرسم المسلسلان ملامح جديدة لشكل العلاقة بين الأزواج أو بالأحرى الخلافات الزوجية التي تعد ضلعاً أصيلة في علاقات الطرفين، سواءً في "الهرشة السابعة" الذي ينتمي إلى الدراما أو "مذكرات زوج" وهو كوميدي اجتماعي. يبتعد العملان عن مظاهر التعنيف المنزلي مثل ضرب الزوجات أو التعدي عليهن، وهو ما يتماشى مع طبيعة شخصيتي رؤوف وشيرين، ذلك الزوج المستسلم والزوجة ذات الشخصية القوية، التي ترسم ملامح الحياة، وتتحكم بزمام الأمور الحياتية. وفي علاقة نادين وآدم وسلمى وشريف نلمح رقياً في التعاطي مع الخلافات الزوجية، وهو ما انتهجته ورشة "سرد" في أعمالها السابقة.
اكتشف الزوجان أن الروتين الذي اختبروه معاً هو ما يرغبون في أن يحيوا به إلى أجل غير مسمى، ويبدو أن هذا هو الانطباع الذي يترسخ فينا كمشاهدين، أو يريد صناع الدراما أن يعلموه لنا
لا يقف العملان عند حد انحسار ظاهرة العنف المنزلي بل يدعمان تمكين المرأة داخل سياق دراما كل منهما، شيرين سيدة تتمتع بسمعتها، وشخصيتها القوية داخل عملها، في حين تبدأ نادين في اكتشاف قدراتها في الاعتماد على الذات اقتصادياً، وإن كان يحدث ذلك بشكل غير واقعي، لا سيما مع ترفع المسلسل بصورة عامة عن الأزمات الاقتصادية لدى جميع الشخصيات.
يمتاز العملان بتنوع نماذج النساء والرجال، وهم أزواج شباب وآخرون ينتمون إلى جيل أكبر، وتعامل كل منهما مع الخلافات داخل سياق الزواج، ما بين الابنة والأم نادين وهناء "عايدة رياض"، التي قررت أن تنفصل عن زوجها إبراهيم "محمد محمود" بعد زواج دام 30 عاماً، وغيرهم من النماذج التي اختبرت تجربة الانفصال لاكتشاف الحياة من جديد، وكأن الانفصال سبيل لاكتشاف الذات والشريك. هناء وإبراهيم، نادين وآدم، شريف وسلمى، رؤوف وشيرين، طه ونجيبة، هم نماذج اختبرت البعد عن الشريك.
الروتين مفيد أحياناً
ينفصل رؤوف عن شيرين التي عاش معها سنوات طويلة، راجياً سعادة لا تأتي، كما يتخيل. احتاج رؤوف إلى اختبار حياته بعيداً عن أي ضغوط، إذ تحتاج العلاقات إلى فترة نقاهة سواءً كان ذلك بفعل الروتين كما تردد في مسلسل "مذكرات زوج" أو تحت تأثير أسطورة "هرشة السنة السابعة" التي يمر بها الأزواج، حين يشعر كل من الزوجين بانهيار مخططاته وطموحاته على عتبة الشريك الذي يصبح محل غضب وحقد مستترين، كما حدث بين نادين وأدم، أو شعور أحد الزوجين أنه لا يعرف الآخر حق المعرفة، كما حدث بين "شريف وسلمى" إذ صدمت الأخيرة بأنها لا تعرف زوجها وأسراره رغم سنوات الزواج، حينما تظهر ابنته جوليا التي تناسى أمرها معتبراً أنها تنتمي إلى ماض لا يريد التحدث عنه.
تتشابك الخطوط الدرامية في مسلسل "الهرشة السابعة" كأنها بانوراما لدراما الأزواج الواقعية، في حين يركز مسلسل "مذكرات زوج" على القصة الأساسية، زواج رؤوف وشيرين وتتخللها خطوط فرعية.
زوجة قوية مسيطرة، وزوج مستسلم ومسالم، وطبيب نفسي شريك في إنجاح العلاقات الزوجية، ومعاناة من "لعنة" السنة السابعة زواجاً، هل عكست الدراما واقع الحياة الزوجية في مصر بعيداً عن الاعتداءات والأزمة الاقتصادية؟
يتشارك العملان في عدد الحلقات والتيمة وبعض الخطوط الدرامية، وأحياناً دوافع الشخصيات على استحياء، لكن كما هو واضح يعتمد المسلسلان نهجين مختلفين في مسار الحبكة، وتطور الخطوط الدرامية، مع تميز الحكي البصري في مسلسل "الهرشة السابعة"، ولكن الدراما فيه تتصاعد بشكل سريع في لحظة درامية لم يتم تمهيد المشاهد لها، رغم زخم الحلقات بالحوار بين الثنائيات، وهو ما يجعل الخلافات مفتعلة في بعض الأحيان. كما أن الأحاديث أحياناً لا تنتمي إلى لسان حال أصحابها، وهو ما يختلف عن مسلسل "مذكرات زوج" الذي يعتمد على تصاعد الحدث بطريقة منطقية، منطلقاً من داخل الشخصيات، ومعبراَ عن انفعالاتهم وأحوالهم.
يطرح كل من العملين المعالج النفسي كشريك في إنجاح الحياة الزوجية، لا سيما حينما ينخرط الطرفان في الخط العلاجي ذاته، ويجنح مسلسل "مذكرات زوج" نحو التقليدية في التعامل مع صورة الزواج وعلاقة الرجل والمرأة وربما يعود ذلك إلى ارتباطه بالنص الساخر المائل للمحافظة للكاتب الراحل أحمد بهجت، في حين تطرق مسلسل "الهرشة السابعة" إلى أفكار، وربما ممارسات وسلوكيات أكثر تحرراً، وهو ما يتضح في علاقة الثنائي سلمى وشريف، إذ يفضل الأخير قضاء الوقت في المنزل بين الأخشاب، معداً الوجبات، كما دعا سلمى سابقاً إلى مشاركته منزله في تحرر من القيود المجتمعية، وفي النهاية أحب شريف الروتين الذي اختبره مع شريكته.
يقول الدكتور طه عياد "لايف كوتش" في مسلسل "مذكرات زوج" إن الروتين جزء أساسي في الحياة الزوجية، وهو ما يتبقى من سنوات الحب الأولى، سواءً سارت الشخصيات على هدي "الهرشة السابعة" أو تدوين الانفعالات، كما فعل "رؤوف" ونتج عنه كتاب "مذكرات زوج".
يعطينا المسلسلان انطباعاً بأن أبطالهما اكتشفوا أن الروتين الذي اختبره الأزواج معاً هو ما يريدون أن يحيوا به إلى أجل غير مسمى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...