لليوم الثالث، يتواصل دويّ الرصاص في شوارع السودان وتخترق الرصاصات جدران البيوت، إثر اندلاع صراع مسلح رجحت أطراف مدنية وسياسية سودانية أنه كان مؤجلاً بين الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش النظامي السوداني وحليف الامس الفريق عبدالرحيم دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع (ميليشيات الجنجويد سابقاً). وهو صراع لم يعرف بعد من أطلق رصاصته الأولى، إذ كان الطرفان شريكين في اعتداءات واسعة طالت مواطني السودان إبان الثورة السودانية، وعقب إطاحة البشير. كما تشاركا في إطاحة المكون المدني من تحالف الحكم في انقلاب عسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الثاني 2021، وما إن خلت لهما ساحة الحكم حتى بدأ الصراع بينهما.
وتبادل الجيش النظامي السوداني وقوات الدعم السريع النيران والاعتقالات والاستيلاء على المقارّ بدءاً من صباح السبت 15 إبريل/ نيسان، وتشهد شوارع السودان في مدن وولايات متفرقة آثار الصراع المسلح الذي يعاني معه مواطنو السودان والمقيمون فيه من الرصاص والقذائف التي لا تكاد تتوقف.
كان عبدالرحيم يخطط لقضاء عيد الفطر مع أبنائه في مصر، لكن رغم اقتراب انتهاء المدة التي حددتها شركة مصر للطيران لتوقف رحلاتها بين البلدين، وهي 72 ساعة، لا يبدو أن الرحلات الجوية المنتظمة بين البلدين قد تعود في توقيت يسمح له بتحقيق أمنيته
ومن العالقين في تلك الأوضاع نحو 10 آلاف مصري – حسب التقديرات الرسمية- يدرسون أو يعملون في السودان، وعدد غير محدد من المصريين المطلوبين على قوائم أجهزة الأمن المصرية منذ العام 2013، والذين وجدوا في السودان ملاذاً في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين المصنفة في مصر إرهابية.
على شفا الإفلاس
من المصريين الذين تأثرت أعمالهم وحيواتهم نتيجة الصراع المسلح، محمود خلف عبد الرحيم، صاحب مصنع ملابس وأحذية في مدينة جبرة، وهو قال لرصيف22 إن "المنازل المجاورة تحولت إلى ركام، فضلاً عن المشاهد المروعة التي نراها على مدار الساعة".
كان عبدالرحيم يخطط لقضاء عيد الفطر مع أبنائه في مصر، لكن رغم اقتراب انتهاء المدة التي حددتها شركة مصر للطيران لتوقف رحلاتها بين البلدين، وهي 72 ساعة، لا يبدو أن الرحلات الجوية المنتظمة بين البلدين قد تعود في توقيت يسمح له بتحقيق أمنيته.
بحسب عبد الرحيم، أصبحت الشوارع في السودان "تشبه الثكنات العسكرية وكأني أعيش في حبس انفرادي".
مستثمر مصري في السودان: "الشوارع أصبحت تشبه الثكنات العسكرية وأشعر أني أعيش في الحبس الانفرادي"
يلتزم التاجر الشاب تعليمات السفارة المصرية في الخرطوم إذ وجهت رعاياها إلى ضرورة التزام أماكنهم والابتعاد عن مناطق الاشتباكات، إلا أنهم يأملون في إيجاد سبيل للعودة لبلدهم.
مخاوف عبد الرحيم لا تتوقف عند سلامته الشخصية، بل يحمل هماً آخر يتمثل في احتمال فقد رأس ماله أو تعرض مصنعه الصغير للقذائف المتواصلة، مؤكداً "الحرب تهدد بإفلاس معظم التجار. حجم الخسائر التي لحقت بتجارتي خلال يوم أمس كان كبيراً، خاصة مع اقتراب موسم الأعياد الذي يعد بمثابة طوق النجاة لأي خسارة قد نشهدها طول العام".
وأضاف أن عدداً كبيراً من المصريين محبوسون داخل المحال والمصانع حتى الآن منذ اليوم الأول للقتال، ولا يمكنهم الخروج خوفاً من القنابل والرصاص العشوائي "الذي لا يفرق بين عسكري ومدني أو بين صغير وكبير" على حد قوله.
وعلى الرغم من تأكيدات رسمية سودانية باستمرار البنوك في العمل من دون قيود، يؤكد التاجر المصري أن "جميع البنوك أوصدت أبوابها في وجهنا، رافعين شعار «مغلق حتى إشعار آخر». ولا نرى أي أفق للحل".
الإنترنت خارج الخدمة
مهند خيري، الذي يعمل في مجال تجارة الأغذية والعقارات بين البلدين، ينقل لرصيف22 أن "الأوضاع تدهورت بسرعة وشبكات الإنترنت متكررة الانقطاع - عدا شبكة سوداني- ما أثّر على تواصل أبناء الجالية "الموجودين في ولايات خارج العاصمة أصبحوا معزولين".
وأكد أنه حينما يسترق نظرة من شرفته يشاهد "عمليات سحل وانتهاكات تقشعر لها الأبدان"، مما دفع المصريين لتفعيل هاشتاج "انقذوا المصريين في السودان".
بنكك ليس الحل
ورصد تقرير رصيف22 حول أوضاع الطلاب المصريين الدارسين في السودان اعتماد أبناء الجالية المصرية ومواطني السودان على تطبيق بنك لتلقي وإرسال الأموال إلى أسرهم في مصر، أو العكس، إلا أن خيري الذي يعيش في السودان منذ خمس سنوات، يؤكد أن ما فرضه الأمر الواقع من تعليق لعمل البنوك – وهو ما لم نتمكن من التأكد منه بشكل مستقل- واحتياج المصريين للحوالات البنكية، وفشل البعض استخدام تطبيق "بنكك" -وهو تطبيق إلكتروني مصرفي مقدم من بنك الخرطوم- بسبب انقطاع الإنترنت، لم يجد المصريون حلاً بديلاً موثوقاً به إلى الآن "خاصة أن البنوك لم تعط حلولاً وظل موظفوها يرددون عبارة «إجازة رسمية»، رافضين أن يوضحوا لنا متى ينتظم العمل".
يؤكد تاجر الأغذية المصري الذي يعيش في السودان منذ 5 سنوات أنه حينما يسترق نظرة من شرفته يشاهد "عمليات سحل وانتهاكات تقشعر لها الأبدان"
السماسرة يمتنعون
وبالتواصل مع عدد من أصحاب المصانع والمشاريع المصريين هناك، أكدوا لرصيف22 أنهم لم يجدوا سبيلاً سوى اللجوء للسماسرة الذين أصبحوا الوسيلة الوحيدة للمعاملات المالية في السودان بعد إغلاق البنوك.
وبحسب تجار رفضوا نشر أسمائهم، بات السماسرة يطلبون نسب عمولة كبيرة متذرعين بخطورة الحركة في الشوارع وظروف الحرب. ويتوقع أن يستمر هذا الوضع وقد يزداد سوءاً مع احتياج المصريين العالقين في السودان للأموال وتوقف البنوك عن العمل بصفة غير رسمية.
من شرفة أحد المصادر الذين تحدثوا إلى رصيف22 - الصورة ملتقطة ظهر الإثنين 17 إبريل/ نيسان 2023
رحلة العودة
وتواصل رصيف22 مع عدد من الأسر المصرية في السودان، وقد أكدوا أنهم يحلمون بالعودة، معربين عن قلقهم بعد توقف حركة الطيران بين البلدين، مؤكدين أن المشهد سوداوي خاصة أن الحرب قد يطول أمدها ويخشون الموت في منازلهم وإن التزموا التعليمات.
ولفتوا إلى أنهم تلقوا تطمينات من السفارة المصرية بأنه فور هدوء الأوضاع فسيُعادون برياً إلى مصر خاصة في ظل الاستمرار المتوقع لغلق المطارات.
توقعات وآمال
السفير الصادق عمر عبد الله مندوب السودان الدائم بالجامعة العربية، أكد في اتصال هاتفي مع رصيف22 أن "الجيش السوداني قام بتحركات لدحر الهجوم وطرد الدعم السريع الذي انتشر في المقارّ والمؤسسات الحكومية مثل الإذاعة والتلفزيون والقصر الجمهوري ومطار الخرطوم، والقوات المسلحة كانت بالمرصاد وتصدت للمهاجمين وتمكنت من السيطرة على الأوضاع وإلحاق خسائر فادحة بهم. وأعداد كبيرة من [قوات] الدعم السريع هربوا إلى الولايات المجاورة للخرطوم".
وأعلنت السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، أن هناك غرفة عمليات مستمرة على مدار الساعة لمتابعة الموقف في دولة السودان، وأن هناك تواصلاً مستمراً مع المصريين هناك.
وأكدت أن "التنسيق مستمر لضمان سلامة أبناء الجالية المصرية هناك، وبشكل خاص الطلاب المصريين الدارسين في السودان". فيما أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن التواصل دائم مع وزارة الخارجية المصرية للإطمئنان على سلامة الطلاب المصريين الدارسين بالجامعات السودانية، وذلك في إطار الأحداث الراهنة التي تشهدها جمهورية السودان الشقيق حالياً.
وأكدت السفارة المصرية في الخرطوم استقرار أوضاع الطلاب المصريين، وأنها على تواصل دائم معهم على مدار الساعة إلى أن تنتهي الأوضاع الراهنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين