وسط ضجيج القذائف الذي يسمع دويه في عديد من مدن وولايات السودان، يواصل 5 آلاف طالب مصري – بحسب البيانات الرسمية- محاولات إيجاد سبيل لاستكمال دراستهم أو العودة إلى مصر وسط صراع مسلح بين الجيش الرسمي السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع (ميليشيا الجنجويد سابقاً) بقيادة الفريق حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي".
الصراع المسلح بين فريقي المكون العسكري السوداني الذي اندلع أمس، السبت 15 إبريل/ نيسان، يأتي بعد عامين من إطاحة الشريكين السابقين البرهان ودقلو بالمكون المدني من المجلس المكلف شعبياً بإدارة الدولة السودانية لحين الانتقال للحكم المدني الديمقراطي بحسب مطالب الثورة السودانية، التي توجت - بعد أعمال عنف واسعة شارك فيها الفريق البرهان وغريمه الحالي- بإطاحة الرئيس السابق عمر البشير.
وتوالي وزارة الهجرة المصرية منذ مساء يوم أمس السبت - 15 إبريل/ نيسان- اندلاع الاشتباكات متابعة حالة المصريين في السودان، لا سيما الطلاب الذي يدرس عدد منهم شهادة الثانوية العامة في السودان، حيث يسود اعتقاد بأن امتحانات إتمام الشهادة الثانوية أكثر سهولة في السودان، وتقبل الجامعات المصرية الحاصلين على شهادة الثانوية العامة السودانية.
وأصدرت وزارة الهجرة المصرية اليوم الأحد، 16 إبريل/ نيسان، بياناً أعلنت خلاله عن رابط لتسجيل بيانات الطلاب المصريين العالقين في السودان عقب إعلان إيقاف حركة الطيران بين البلدين نتيجة صراع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للسيطرة على مطارات البلاد. وقالت الوزارة في بيانها إن 467 من الطلاب المصريين سجلوا على الرابط حتى صباح اليوم الأحد.
وتواصل رصيف22 مع عدد من طلاب المصريين العالقين في السودان، الذين أكدوا سهولة تواصلهم مع السفارة المصرية في السودان ومتابعة السفارة لأوضاعهم على مدار الساعة، فيما أوضحوا استمرار انقطاع المياه والكهرباء عن مناطقهم السكنية، إذ يتركز معظمهم في العاصمة الخرطوم والمدينتين القريبتين "بحري وأم درمان".
تواصل سيد وزملاؤه مع السفارة المصرية، ونصحهم مسؤول التواصل في السفارة بالهدوء والتزام المنازل وعدم الخروج نهائياً حتى يتم التواصل لحل، وأكد أن هناك حالة من الانفلات الأمني خاصة وأن الدراسة توقفت منذ شهر
وتسببت الاشتباكات المندلعة بين الفريقين الملحين في السودان في إحاطة الأدخنة بما الخرطوم، إضافة إلى حرائق نتيجة القصف المتبادل، صاحب ذلك غلق شبه كامل للمنازل والمحال التجارية، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والمياه وتباطؤ وانقطاع شبكة الإنترنت في بعض المناطق بالخرطوم، وسط توقعات بتأثر الخدمات تدريجياً حال استمرار الاشتباكات، مما أدي إلي حالة من الخوف والترقب لدى الطلاب المصريين الدارسين بالجامعات والمدارس السودانية والجالية المصرية هناك.
ونشرت الصفحة الرسمية للسفارة المصرية بالخرطوم منشورات على صفحتها الرسمية على فيسبوك بياناً أهابت فيه بالمواطنين المصريين المقيمين في السودان توخى أقصى درجات الحيطة والحذر والتزام المنازل لحين استقرار الأوضاع، وخصصت أرقام للتواصل مع أبناء الجالية المصرية بالخرطوم، وطالبت الطلاب المتواصلين معها متابعة الصفحة الرسمية لبيانات السفارة لمتابعة كل ما هو جديد بشأنهم.
رعب وفزع
حالة من الخوف الشديد عاشها محمد سيد* الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الطب في إحدى الجامعات في الخرطوم مع اندلاع الاشتباكات يوم أمس.
مع انقطاع الكهرباء عن مسكنه ظهر السبت وثقوب الحائط الناجمة عن طلقات الرصاص الحي المتطايرة في الشوارع، بدأ أسعد رفيق* الطالب المصري الذي يدرس ويعيش في منطقة بري بالخرطوم في البحث عن وسيلة للعودة إلى مصر
أصوات طلقات الرصاص ليست جديدة على محمد الذي يدرس بالسودان منذ ثلاث سنوات، عايش خلالها إطلاق الرصاص المتكرر على المظاهرات السلمية المتجددة من المواطنين السودانيين للمطالبة بإنهاء سيطرة العسكريين على البلاد. لكن الوضع هذه المرة مختلف "أصوات الرصاص الحي لم تنقطع منذ الساعات الأولي من صباح أمس، بالإضافة إلي تأثر السكن بالشظايا، وأثار الضرب وهدم الشبابيك الزجاجية". يقول سيد لرصيف22: "البلد فعلياً في حالة حرب انفلات أمني كبيرة وإحنا عايزين نرجع مصر بأي طريقة".
تواصل سيد وزملاؤه مع السفارة المصرية على الأرقام المخصصة المنشورة عبر الصفحة الرسمية للسفارة، ونصحهم مسؤول التواصل بالسفارة بالهدوء والتزام المنازل وعدم الخروج نهائياً حتى يتم التواصل لحل، وأكد أن هناك حالة من الانفلات الأمني خاصة وأن الدراسة توقفت منذ شهر. بدأ محمد سيد إجراءات التحويل للجامعة في مصر لإتمام دراسته ولكن الأحداث حالت دون عودته إلى مصر.
وأعلنت شركة مصر للطيران أمس السبت، 15 إبريل/ نيسان، عقب هجوم على مطار العاصمة السودانية عن وقف رحلاتها بين البلدين بشكل مؤقت "اعتباراً من السبت الموافق 15 إبريل ولمدة 72 ساعة"، لحين موافاتها بمستجدات الأوضاع في السودان.
حاول أسعد وزملاؤه تأمين احتياجاتهم من الأكل والشرب بما يكفيهم لمدة ثلاثة أيام على أمل أن تهدأ وتيرة الاشتباكات الدائرة في الخارج
أزمات مالية متوقعة
مع انقطاع الكهرباء عن مسكنه ظهر السبت وثقوب الحائط الناجمة عن طلقات الرصاص الحي المتطايرة في الشوارع، بدأ أسعد رفيق* الطالب المصري الذي يدرس ويعيش في منطقة بري بالخرطوم حيث يعيش عدد كبير من الطلاب المصريين في البحث عن وسيلة للعودة إلى مصر.
يقول أسعد لرصيف22، إنه يعيش في السودان منذ أكثر من أربع سنوات، ولديه علاقات طيبة مع الجيران وزملائه الودانيين، وأن الجميع يساعدهم لتجاوز هذه الأزمة ولكن الجميع أغلق أبوابه خوفاً من التعرض للأذى خاصة وأن الرصاص اخترق الزجاج وهدم واجهات المباني.
بحسب رفيق، توقفت الدراسة الجامعية منذ 30 مارس/ آذار الماضي، وكان من المقرر استكمال الفصل الدراسي الثاني بعد إجازة عيد الفطر، ولكن بعد الأحداث الجارية ربما تُعلّق الدراسة في السودان نتيجة الاشتباكات العسكرية العنيفة في شوارع البلاد، وبحب الطالب المصري "لم تصل أي تعليمات جديدة بخصوص استئناف الفصل الدراسي الثاني".
يقول الطالب المصري الشاب إن الطلاب المصريين لا يسكنون في السكن الجامعي الرسمي عادة "لكن نسكن في سكن يجمع الطلاب المصريين في محيط الجامعة"، وحاول أسعد وزملاؤه تأمين احتياجاتهم من الأكل والشرب بما يكفيهم لمدة ثلاثة أيام على أمل أن تهدأ وتيرة الاشتباكات الدائرة في الخارج.
وأوضح رفيق لرصيف22 أن تسديد المصروفات الدراسية عادة ما يكون بالدولار، ويتلقى الطلاب المصريين التحويلات من ذويهم في مصر عن طريق تطبيق بنكك التابع لبنك الخرطوم، وهو وسيلة التحويل الرسمية بين السودان ومصر. وعلى الرغم من أنه مطمئن إلى كونه سدد مصروفات الفصل الدراسي الثاني بالفعل، إلا أن هناك قلق بين صفوف الطلاب المصريين في السودان من تعطل التحويلات بين مصر والسودان جراء تعطيل الإنترنت في البلاد.
كما أن أسعد واحد من كثيرين يخشون نفاذ أموالهم قبل أن تهدأ الأوضاع، ما يدفعه للمطالبة بسرعة تدخل السلطات المصرية لإعادته وزملائه إلى مصر.
من جانبه قال الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مصر إن هناك تنسيق وتواصل دائم بين وزارته والخارجية المصرية للاطمئنان على سلامة الدارسين المصريين في جامعات السودان.
وبحسب بيان الوزير الذي تلقاه رصيف22، فإن قطاع الشؤون الثقافية والبعثات بالوزارة سيوجه رسائل عبر البريد الإلكتروني للطلاب المصريين في السودان للاطمئنان على سلامتهم. ولم يتضمن بيان الوزارة أية إشارة إلى خطة استيعاب الطلاب الجامعيين المصريين العالقين في السودان ضمن شبكة الجامعات المصرية.
ومر الطلاب المصريين قبل نحو عام بأزمة شبيهة مع اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية التي تسببت في تحويل آلاف الطلاب المصريين الدارسين في أوكرانيا إلى وضع العالقين وهددت مستقبلهم الدراسي، وتابع رصيف22 تلك الأزمة في عدد من التقارير.
تقدير غامض
في بياناتها المبكرة، أشارت وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج أن الطلاب المصريين يتواجد أغلبهم بالخرطوم، وأن التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد المصريين بالسودان في حدود 10 آلاف، نصفهم من الطلاب. وأوضحت الوزارة في بياناتها أنه لا يوجد حصر دقيق بالأعداد بسبب عدم قيام أغلب المصريين بتسجيل بياناتهم عند الوصول.
ووجهت السفيرة سها الجندي وزيرة الهجرة باستمرار المتابعة للموقف على مدار الساعة عبر ثلاثة محاور، الأول التواصل مع الطلاب ورموز الجاليات بصورة مباشرة وفقا لقاعدة البيانات المسجلة لدى الوزارة، والتي تحوي 389 طالب مسجل في قاعدة بيانات شباب الدارسين "ميدسي"، ومن خلال "التواصل المستدام مع سفارتنا بالخرطوم والقنصلية المصرية بوادي حلفا ، ومن خلال وزارة الخارجية المصرية والزملاء المختصين بالملف وعلى رأسها مساعد وزير الخارجية لشؤون السودان.
كما تتابع الوزارة موقف العالقين المصريين من خلال اللجنة الدائمة لمتابعة الطلاب بالخارج والتي تترأسها وزارة الهجرة وعضوية ممثلين عن الوزارات المعنية، وعلى رأسها وزارتي الخارجية والتعليم العالي والجهات والمؤسسات المختلفة المختصة.
عيد غير سعيد
استعد أحمد.س للسفر هو و7 من زملائه إلى مصر لقضاء إجازة عيد الفطر المبارك. وحددوا حجز الطيران بيوم أمس السبت 15 إبريل/ نيسان، وجهز حقائبه للسفر على طائرة مصر للطيران المتجهة إلى القاهرة.
إلا أنه في طريقه إلى مطار الخرطوم فوجئ أن الرحلة ألغيت، وبعدها ظهر البيان الرسمي حول وقف الرحلات الجوية من القاهرة إلى الخرطوم والعكس.
تأكد رصيف22 بالتواصل مع عدد من المصادر المصرية والسودانية، أن جميع الخدمات المصرفية داخل السودان تعمل بشكل كامل، وأن خدمات الصراف الآلي لم تتأثر وتعمل بكامل طاقتها، إضافة إلي أن جميع خدمات التحويلات البنكية تعمل بشكل كامل
أحمد الذي طلب عدم ذكر أسمه بالكامل، يدرس بالفرقة الرابعة بكلية الطب في إحدى الجامعات الخاصة بالخرطوم.
يقيم أحمد في السودان منذ 7 سنوات حيث أتم دراسته الثانوية بها، ثم التحق بالجامعة في الخرطوم، وفوجئ بدوي النيران حول مسكنه منذ الصباح. وحاول التواصل مع السفارة المصرية من خلال أرقام التواصل وظل يحاول على مدار اليوم حتي تم التواصل. يؤكد أحمد لرصيف22 أن جميع الخدمات متوقفة، وهناك مخاوف من عدم قدرتهم على تحويل الأموال، خاصة وأن خدمات الكهرباء والإنترنت متوقفة، أما عن طرق التحويل غير الرسمية عن طريق السماسرة في البلدين فهي غير متاحة أيضاً لخطورة الحركة في الشوارع.
وتأكد رصيف22 بالتواصل مع عدد من المصادر المصرية والسودانية، أن جميع الخدمات المصرفية داخل السودان تعمل بشكل كامل، وأن خدمات الصراف الآلي لم تتأثر وتعمل بكامل طاقتها، إضافة إلي أن جميع خدمات التحويلات البنكية تعمل بشكل كامل، ولكنها تتأثر أحياناً بسبب ضعف خدمة الانترنت.
يعتمد المواطنون السودانيون والمقيمون في السودان على عدد من التطبيقات المسؤولة عن التحويلات البنكية، للداخل السوداني أو بين السودان والخارج، من أبرزها تطبيقي "بنكك"، و"فوري"، وغيرها من التطبيقات المسؤولة عن التحويلات المصرفية داخل السودان أو من الخارج إلي الداخل السوداني أو العكس.
تطبيق "بنكك" يعد أحد أبرز تطبيقات التحويلات البنكية في الداخل السوداني، فهو تطبيق التحويلات البنكية التابع لبنك الخرطوم، ويستخدمه المتعاملين مع البنك السوداني الأكبر، ويتم تفعيله عبر حساب بنكي على بنك الخرطوم وخط هاتف سوداني.
وفي حالة عدم وجود حساب بنكي مرتبط بالتطبيق، يتم البحث عن أي شخص لديه حساب بنكي من خلال (الدكاكين السودانية) والعاملين في الصرافة، فهم بالنسبة للسودانيين مصدر ثقة، من خلالهم يتم التوصل إلي شخص يمكن أن يتلقى المال ويتولى هو تسليمه في مصر أو العكس، سواء بسعر الصرف الرسمي أو سعر الصرف في السوق الموازي في البلدين.
وبالنسبة لخدمات "ويسترن يونيون"، فلا يلجأ إليها المتعاملين من السودانيين والمصريين في معظم الأحوال بسبب ارتفاع نسبة العمولة على التحويلات، التي تصل إلى تصل إلى 14 دولار على كل 100 دولار.
يتمني أحمد العودة إلي مصر في أقرب فرصة وأن تسمح لهم وزارة التعليم العالي بإكمال باقي دراستهم في مصر، وإلحاقهم بكليات مكافئة لكلياتهم في مصر.
------
(*) تم تغيير الاسم بشكل طفيف بناء على طلب المصدر
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...