تتزايد المخاوف في العاصمة السودانية الخرطوم من وقوع مواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومن انشقاقات داخل المجلس العسكري قد تجر البلاد إلى حرب أهلية، على خلفية الغضب الشعبي من الانتهاكات التي جرت أثناء فض اعتصام القيادة العامة.
في هذا السياق، لم يتم تسجيل أي ظهور إعلامي خلال الأيام القليلة الماضية لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بلقب "حميدتي" رغم حرصه منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير على الظهور بشكل مكثف في وسائل الإعلام، كما تداولت مواقع إخبارية في 12 يونيو أنباء عن إحباط محاولة انقلابية نُسبت لضباط موالين للنظام السابق، وهو ما علّقت عليه مصادر الجيش بالنفي.
الحديث عن خلافات داخل المجلس العسكري في الإعلام السوداني كانت آخر حلقاته أن حميدتي طلب ترقيته الي رتبة "مشير" وأصر بشدة على أنه يستحق هذه الرتبة بحكم أنه القائد العسكري السوداني الوحيد الذي استطاع القضاء على الفوضى وفرض الأمن وتوطيد علاقات السودان مع دول كثيرة عربية وأوروبية، ما سهل دخول إعانات ومساعدات مالية كبيرة من السعودية والإمارات خففت إلى حد كبير من أزمات البنوك السودانية.
وأعلن حميدتي، وفقاً لأحد الكتاب السودانيين، أنه يرفض البقاء طويلاً في منصب فريق أول، وهي رتبة يحملها عشرات الضباط في القوات المسلحة وفي قوات الدعم السريع، ويجب أن يكون أعلى منهم رتبة، فهو أحسنهم أداءً وعملاً وخبرة عسكرية.
ما هي قوات الدعم السريع؟
قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي هي مليشيات أسستها قيادة المخابرات العامة والأمن عام 2013، لمحاربة الجماعات المتمردة المسلحة في جميع أنحاء السودان، وكانت تخضع مباشرة لعمر البشير خلال العامين الماضيين.
وأصدرت السلطة بطاقات هوية شخصية لأعضاء هذه القوات، تضمن لهم الحصانة بموجب قانون خدمات الأمن الوطني لعام 2010. وفي يناير 2015، منحها التعديل الدستوري وضع "القوة النظامية".
على الأرض، يتولي قيادة هذه القوات الفريق محمد حمدان دقلو، وهو قائد سابق لحرس الحدود وزعيم سابق في ميليشيا الجنجويد.
جرى اختيار أعضاء القوات من القوات شبه العسكرية، ولا سيما حرس الحدود، وغيرها من الميليشيات التي تحظى بدعم حكومي مثل ميليشيا الجنجويد، التي كانت تضم مسلحين قاتلوا بغطاء حكومي في النزاع على دارفور منذ بدايته، وشنوا هجمات وحشية على المدنيين من غير العرب، وفقاً لتقارير منظمات حقوقية.
ويشير تقرير سوداني إلى أن غالبية قوات الدعم السريع هم دارفوريون جندهم حميدتي في سبتمبر وأكتوبر 2013، ويذكر أنه تم تجنيد عناصر من مناطق النوبة في هذه القوات، كما يشير إلى أن بعض مقاتليها يتحدثون العربية بلهجات أجنبية لذا يعتقد أنهم تشاديون أو نيجيريون.
وأورد الباحث في الشأن السوداني وتشاد والقرن الإفريقي جيروم توبيانا، والذي قابل حميدتي عام 2009، في تقرير في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن قائد قوات الدعم السريع ليس سوداني الأصل، بل يتحدر من عشيرة عربية تشادية.
هل يقع صدام بين الجيش وقوات الدعم السريع؟
يؤكد الفريق حنفي عبد الله، المدير السابق لهيئة المخابرات العامة في جهاز الأمن والمخابرات السوداني، أن هناك محاولة لإشعال الفتنة بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش، لكن برأيه، هذه المحاولة ستفشل لأن المؤسسة العسكرية متماسكة ضد أيّة محاولة للوقيعة أو إثارة أيّة خلافات، "من أجل حماية البلاد".
وقال حنفي لرصيف22 إن الأخبار المتدولة مؤخراً حول وجود انشقاقات داخل المجلس العسكري عارية عن الصحة، والهدف منها زعزة الاستقرار وخلق فوضى، مشيراً إلى أن هناك جهات تريد الانتقام من رفض قوات الدعم السريع تنفيذ أوامر الرئيس المخلوع بإطلاق النار على المتظاهرين، لذا تحاول خلق صدام بينها وبين الجيش، والتدبير لانقلاب.
يقرّ حنفي أن قوات الدعم السريع ارتكبت تجاوزات بحق المتظاهرين خلال فض اعتصام القيادة العامة، ويقول إن قيادتها قدمت بعض الضباط إلى المحاكمة العسكرية على خلفية هذه الأحداث، وصدرت أحكام بالسجن ثلاث سنوات بحق بعضهم، كما أقيل آخرون.
وحول سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة، قال حنفي إن قوات الدعم السريع جزء صغير من الجيش، وغالبية العسكريين ينتمون إلى الجيش، وهو أكبر حجماً وأكثر تسليحاً بكثير من قوات الدعم السريع، مضيفاً أن هذه القوات لها "إنجازات" وساهمت في القضاء على التمرد في دارفور وأجزاء أخرى من البلاد، ولكن الحديث عن سيطرتهم على الخرطوم غير واقعي لأن "الذراع القوى هو الجيش وهو الأغلبية".
وكشف حنفي أن تابعية قوات الدعم السريع انتقلت من الرئاسة السودانية بعد عزل البشير إلى القوات المسلحة، وقائدها الأعلى حالياً هو رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح برهان، وهي تحتفظ بالولاء لقائد الجيش كجزء من القوات المسلحة.
في سياق آخر، ناقش مركز التحرير لدراسات الشرق الأوسط في واشنطن قضية مدى ولاء حميدتي للقوات المسلحة، مشيراً إلى أن قائد قوات الدعم السريع مثل كثيرين آخرين في المؤسسة الأمنية السودانية، نشيط في حماية مصالحه، لذا تتزايد التكهنات بأنه يستخدم الفراغ بعد عزل البشير للتقدم إلى أعلى مستويات السلطة.
وأشار التقرير إلى أن خلافات اندلعت بالفعل في الماضي بين قائد قوات الدعم السريع والحكومة في أغسطس 2007، عندما كان قائداً في ميليشيا الجنجويد وقبل تشكيل قوات الدعم السريع، بسبب الرواتب المطلوبة لقواته، وتم حل النزاع بسرعة وعاد مرة أخرى إلى جانب الحكومة، وفي السنوات الأخيرة اشتبك حميدتي بشكل روتيني مع قوات أخرى متحالفة مع الخرطوم.
ويلفت المركز في مسألة ولاء حميدتي إلى أن أول إعلان عن إطاحة الجيش بالبشير كان من قبل وسائل الإعلام الرسمية لقوات الدعم السريع التي يقدر عددها بـ30 ألف عنصر.
وجاء في هذا البيان أن "القوات المسلحة وقوات الدعم السريع استولت على السلطة"، وفي ذلك إشارة هامة وهي أن حميدتي لا يكفتي بكلمة "القوات المسلحة" بل يضيف "قوات الدعم السريع" بجانبها، ما يعكس وجود "قوتين" منفصلتين هما "القوات المسلحة" و"الدعم السريع" ويفيد بأنهما ليسا كياناً واحداً.
"بشكل عام، الأوضاع داخل الجيش السوداني غير مستقرة، فهناك توجس من تمدد قوات الدعم السريع وهناك كوادر إسلامية تغذي هذا التناقض. يمكن أن يحدث صراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن ذلك قد لا يحدث قريباً"
"قائد قوات الدعم السريع السودانية مثل كثيرين آخرين في المؤسسة الأمنية السودانية، نشيط في حماية مصالحه، لذا تتزايد التكهنات بأنه يستخدم الفراغ بعد عزل البشير للتقدم إلى أعلى مستويات السلطة"
لكن المركز لفت في تقريره إلى أن هنالك تاريخاً مشتركاً يجمع بين عبد الفتاح برهان وحميدتي ويشكل رابطاً بينهما. ودلل على وجود علاقة قديمة بين الرجلين بمقطع فيديو تم بثه على وسائل التواصل الاجتماعي لبرهان بجانب حميدتي، في ظهور تلفزيوني في 24 مايو 2017، يتحدث فيه عن قوات الدعم السريع التي كافحت التمرد المسلح في دارفور.
ويشير المركز إلى نقطة أخرى وهي أن الحديث عن أن سجل انتهاكات حميدتي في دارفور قد يعرقل طموح حميدتي بالوصول إلى منصب أعلى مثل قيادة البلاد، له مخرج، إذ يجادل البعض بأنه يمكن حل قضيته في إطار لجنة شاملة للعدالة الانتقالية لإنهاء الحرب في دارفور، إلى جانب عقد اجتماعات مصالحة مع قادة الميليشيات الدارفورية المسلحة الآخرين، من أجل توقيع اتفاق سلام شامل بين جميع الأطراف، وهو ما سيمهد الطريق أمامه.
تقييم قوى الحرية والتغيير للوضع
يكشف القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير مدني عباس أنه يمكن أن يحدث صراع بين الجيش والدعم السريع في ظل تصاعد الإحساس بسيطرة الدعم السريع على المشهد العسكري "لكن ذلك قد لا يحدث قريباً"، برأيه.
وقال عباس الذي يشارك في الوفد المفاوض مع المجلس العسكري لرصيف22: "ما يمكن أن يعجل بالصراع تصاعد حراك ثوري يقوم الدعم السريع بقمعه".
وأضاف: "بشكل عام، الأوضاع داخل الجيش غير مستقرة، فهناك توجس داخل الجيش من تمدد الدعم السريع وهناك كوادر إسلامية داخله تغذي هذا التناقض".
وحول المخاوف من دخول الثورة في فوضى، قال مدني عباس: "لا اظن أن الأوضاع تتدحرج نحو حرب أهلية. في أسوأ الأحوال، قد يحدث عنف محدود إذا حدث صراع بين الجيش والدعم السريع. وفي النهاية قدرات الجيش تفوق قدرات الدعم السريع بكثير".
من جانبه، يؤكد القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير خالد عمر يوسف لرصيف22 أنهم لا يطالبون بحل قوات الدعم السريع أو نزع سلاحها، لكن المطلوب هو دمجها بالجيش في كيان واحد، وأن تخضع لقوانين الجيش وضوابطه.
التسليح الخليجي... هل يتسبب بصدام؟
تعرّف مراسل صحيفة نيويورك تايمز على مركبات عسكرية، صنعتها دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتم استخدامها من قبل قوات الدعم السريع في شوارع الخرطوم.
ونقلت مجلة فورين بوليسي في تقرير لها في الخامس من يونيو الجاري عن المدير السابق للمخابرات العامة السودانية والأمن صلاح قوش أن الإمارات مشاركة في الانقلاب على عمر البشير، وأن نفوذها تزايد بقوة بعد عزل الرئيس السابق.
ولفتت المجلة إلى أن قوش متشائم حول المرحلة القامة، وقال: "لا أعتقد أنه سيكون مثلما حدث في دارفور، لكن ستكون هناك خسائر".
ولكن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش صرّح بأن "الإمارات تتواصل مع كافة مكونات المعارضة السودانية ومع المجلس العسكري الانتقالي"، مضيفاً: "رصيدنا الخيّر ومصداقيتنا وسيلتنا للمساهمة في دعم الانتقال السلمي بما يحفظ الدولة ومؤسساتها في السودان الشقيق، ولا شك أنها مرحلة حساسة بعد سنوات دكتاتورية البشير والإخوان".
وفقاً لتقرير فورين بوليسي المذكور، اشتكى العديد من المسؤولين الأمريكيين من أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا يبدو أن لديها استراتيجية بشأن السودان تتجاوز التصريحات شديدة اللهجة التي تدين العنف، ولم تعقد اجتماعات منتظمة بما فيه الكفاية للتنسيق بين وكالات مثل وزارة الخارجية والأمن القومي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كما أن العمل الاستخباري حول الوضع السياسي في السودان ضئيل.
وقال مسؤول أمريكي: "في ظل غياب الولايات المتحدة، تملأ دول الخليج الفراغ. إنهم يديرون العرض تماماً".
ونقلت المجلة عن مسؤولين غربيين وخبراء أن السعودية ومصر أيضاً متورطتان في دعم عسكريي السودان، ولا سيما القاهرة التي تريد الحؤول دون ظهور إسلام سياسي قد يهدد أمنها.
بالمبدأ، يقول مدني عباس: "لا نحبذ دعم أحد أطراف الصراع في السودان. هذا مضر جداً بتطور العملية السياسية في البلاد".
وحذرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير أصدرته في السابع من يونيو الجاري من أن السودان يتجه نحو حرب أهلية في ظل الدعم الخليجي لعسكريي السودان.
وقالت المجموعة إن الخطوة الأكثر صعوبة ستكون إقناع قوات الدعم السريع، التي يمكن القول إن سمعتها لا يمكن إصلاحها بعد دورها في أعمال العنف، بالتراجع إلى ثكناتها.
وأضافت المجموعة أنه يجب على مؤيدي قوات الدعم السريع، وخاصة الرياض وأبوظبي، كبح جماح قادتها وحثهم على التراجع، لتجنب الدخول في فوضى.
وحثت المجموعة مصر على ضرورة تجنب انهيار السودان على غرار ليبيا وطالبتها بدفع السعودية والإمارات نحو إقناع قيادة الدعم السريع بسحب رجالها من الخرطوم وإفساح المجال للأطراف القادرة على إبرام صفقة تمنع الانزلاق الخطير إلى حرب أهلية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...