شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"إنها خلاصة روحي"... مصممة أزياء الدراما السورية رجاء مخلوف تتحدث لرصيف22

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 18 أبريل 202311:48 ص

تُعد رجاء مخلوف، واحدة من أهم مصممات الملابس في الدراما السورية، وهي اليوم حاضرة بقوة من خلال مسلسل "الزند: الذئب العاصي"، الذي يلعب بطولته تيم حسن ويُخرجه سامر البرقاوي. رجاء، ليست مجرد مصممة ملابس، بل هي باحثة في التاريخ تمتلك الكثير من الدراسات التي تصف مراحل تطور الملابس وأشكالها. نشأتها في منزل محب للثقافة والمعرفة والفن، وسفرها برفقة عائلتها إلى إحدى الدول الإفريقية حيث كان يعمل والدها أستاذاً جامعياً، أتاحا لها الاطلاع على ثقافات جديدة ومختلفة.

وكانت علاقة رجاء بالملابس قد بدأت منذ طفولتها، حين كانت تراقب جدّتها التي كانت ترتدي ملابسها قطعة فوق قطعة، بحيث تشكل كل قطعة منها وظيفتها، وكانت بدورها، كطفلة، تجرب ذلك على الدمى التي كانت تلعب بها. وبرغم أنها تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، وهو المجال الذي كانت تميل إليه، إلا أنها عادت مرة أخرى إلى مقاعد الدراسة لتحقق حلم الطفولة، وتلتحق بمعهد "أسمود" الذي كان قد افتتح في وقت متأخر نسبياً في دمشق، وهو معهد فرنسي متخصص في تصميم الأزياء التي تفضّل رجاء تسميتها بالملابس، لأنها تراها وسيلةً للتعبير عن البيئة والثقافة والمكان.

يُطلَق على رجاء، لقب المصممة الميدانية، لأنها تتواجد داخل العمل، ولا يقتصر دورها على تصميم الملابس والأزياء وتلبيس الشخصيات، بل أيضاً تشرف على الإكسسوارات المرافقة للملابس، كالحلي والأحزمة والقفّازات والقبّعات والحقائب القماشية

وبرغم أن رجاء تظهر موهبة كبيرة في رسم "الإسكتشات" (يبدو ذلك واضحاً في رسمها للملابس)، إلا أنها لم تفكر يوماً في الدراسة في كلية الفنون الجميلة، واختارت دراسة الأزياء. تقول رجاء: "لم أفكر في ذلك لأني لا أحب علاقة الفنان التشكيلي باللوحة، لأني أراها علاقة فردية، وهو أمر لا يناسب شخصيتي الاجتماعية التي تعشق الناس والاختلاط بهم، بينما العمل في مجال الأزياء يحتاج إلى شخص اجتماعي يشبهني، فدخول بيوت الناس وكسب ثقتهم والاستماع إلى فضفضتهم، أمور حساسة جداً ومهمة، كما أن دراسة تصميم الملابس بشكل معمق وواسع، كوسيلة للتعبير عن الروح وعن التاريخ، كانت بمثابة رغبة عميقة رافقت حياتي. ولو لم ألتحق بمعهد "أسمود"، لكنت سأعبر الطريق نفسه وأكتسب الخبرة نفسها في تصميم الملابس، لكن محيطي العائلي وأصدقاء عائلتي خصوصاً الذين كانوا على صلة بمجال السينما والتلفزيون، كمخرجين وكتّاب، انتبهوا إلى موهبتي وقاموا بشدّي إلى عالم الملابس في السينما والتلفزيون".

يعارض الأهل عادةً، خاصة في مجتمعاتنا، دراستنا لبعض الاختصاصات الفنية، كدراسة تصميم الأزياء والملابس، لأنه مجال لا يؤمّن مصدر رزق في المستقبل، وربما يعدّه البعض مجرد هواية لا يمكن تقدير قيمتها، وهو ما حصل مع رجاء مخلوف حين قررت الالتحاق بمدرسة الأزياء، فوالدها لم يكن بالمطلق مهتماً بالموضوع وعدّه مجرد ترف لا لزوم له، فالعلم بالنسبة له هو دراسة الهندسة والطب ومهنة التدريس، وفقاً لها.

تضيف رجاء: "على الرغم من وجود فنانين في عائلتي، فشقيقي مصمم إعلانات وشقيقتي فنانة تشكيلية، لكن دراسة تصميم الأزياء بحد ذاتها كانت أمراً بعيداً جداً عن عقلية والدي، ولم يكن مؤيداً لها، وتالياً لم يدعمني مادياً، ولكني أصررت ودافعت عن خياري بمفردي، وكنت أعمل وأسدد تكاليف المدرسة المرتفعة جداً. أما والدتي، فكانت أكثر دعماً لي بسبب قربها من روحي، لكن دعمها كان معنوياً فقط، ولأجل ذلك الدعم تحدّيت نفسي وقررت التفوق".

يعارض الأهل عادةً، خاصة في مجتمعاتنا، دراستنا لبعض الاختصاصات الفنية، كدراسة تصميم الأزياء والملابس، لأنه مجال لا يؤمّن مصدر رزق في المستقبل، وربما يعدّه البعض مجرد هواية لا يمكن تقدير قيمتها.

صممت رجاء مخلوف عبر سنوات عملها، آلاف القطع من الملابس، سواءً للشخصيات التاريخية أو الحديثة، وللأعمار كافة، فأين تذهب هذه الملابس بعد استخدامها في الأعمال الدرامية؟ ولماذا لا تتم إعادة تدويرها أسوةً بما يحصل عادةً في الدراما العالمية، خاصةً في ظل نقص المواد الخام (القماش وغيره) في سوريا؟ عن ذلك تقول رجاء: "عندما أنجزت ملابس مسلسل "أبو الطيب المتنبي" الشاعر المعروف، صممت أزياء كثيرة ليس فقط له، وإنما أيضاً لـ"أبو فراس الحمداني" وأخواله وغيرهم، وكانت لدي رغبة برفقة الفنان التشكيلي يوسف عقيل، الذي كان يرافقنا في العمل كمشرف سينوغراف، في إقامة معرض للأزياء التاريخية يترافق مع لوحات له، فهو معجب بأزيائي التي أصممها، وأنا معجبة بعمله كفنان تشكيلي، لكن تلك الفكرة لاقت صعوبةً في تنفيذها، وما زالت حلماً أودّ تنفيذه".

وتابعت: أشعر بالقهر وبغصة كبيرة حين أجد الملابس التي قمت بتصميمها مرمية في المخازن، خاصة أنني أعدّها خلاصة روحي، وقد كلّف تنفيذها مالاً كثيراً وجهداً كبيراً وبحثاً مرهقاً في مكتبتي التاريخية التي قمت بتجميعها على مدى حياتي، واستعنت لتنفيذها أيضاً بالبحث في الإنترنت ومشاهدة الأفلام السينمائية والصور الفوتوغرافية. تُرمى الملابس فقط لأن المنتجين لا يهتمون لأمرها كقيمة، ولا حتى لمن صنعها، وكل ما يعنيهم من أمرها هو تكلفتها والعائد المرجو منها في حال تمت إعادة تأجيرها لاحقاً في عمل درامي، وكأن تلك الملابس والإكسسوارات بالنسبة إلى الشركة مجرد عبء يريدون رميه، ولقد تجاوز عدد قطع الملابس التي صممتها عشرات الآلاف، منذ "الزير سالم" وحتى اليوم، مروراً بمسلسل "أبو زيد الهلالي" و"أبو الطيب المتنبي"، و"الملك فاروق"، و"الظاهر بيبرس"، و"عائد إلى حيفا"، و"دليلة والزيبق" الذي لم يُعرض كما يجب، وغيرها من الأعمال، برغم أنه بالإمكان العودة إليها وتغييرها وتعديلها لتناسب أعمالاً أخرى تاريخياً أو درامياً.

تضيف رجاء: الحقيقة أن تلك الملابس لو كانت في الدول التي تمتلك شركات كبيرة، ولديها تقاليد في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، لكان تم الاحتفاظ بها وتمت إعادة تدويرها بما يناسب أعمال الشركات لاحقاً، لكن في حالتنا لا توجد تقاليد ولا حتى تقنيات للحفاظ على الملابس، فعندما ينتهي العمل يتم وضعها في مستودعات ضمن ضواحي دمشق، من دون أي شروط صحية مناسبة فتتآكل. بطبيعة الحال هناك بعض الشركات التي تحاول المحافظة على الملابس لتعيد استخدامها لاحقاً، وأنا شخصياً مع إعادة استخدام الملابس المستعملة في الوقت والمكان المناسبين، بل أفضّلها لأنها ستوفر علينا عملية التعتيق التي نقوم بها لإكساب الملابس القليل من الحياة، وحالياً في مسلسل "الزند: الذئب العاصي"، استعنت ببعض المستودعات للحصول على الملابس التي سبق أن قمت بتصميمها لأنها مناسبة للمرحلة التاريخية والحالة الدرامية.

ويُطلَق على رجاء، لقب المصممة الميدانية، لأنها تتواجد داخل العمل، ولا يقتصر دورها على تصميم الملابس والأزياء وتلبيس الشخصيات، بل أيضاً تشرف على الإكسسوارات المرافقة للملابس، كالحلي والأحزمة والقفّازات والقبّعات والحقائب القماشية، سواء تلك التي تشتريها شركة الإنتاج أو التي تقوم بتصميمها بنفسها إذا لزم الأمر.

أما عن تجربتها كمصممة ملابس للأعمال الحديثة، فهي قليلة، لأن جهات الإنتاج لا تتعامل مع الملابس بالجدية نفسها، بمعنى أنها لا ترصد موازنةً كبيرةً لها، فيقتصر دور المصمم على الحديث مع الممثلين ليعرف ما لديهم من ملابس لاستخدامها وتوظيفها درامياً، مؤكدةً على أنه "في سوريا لا توجد براندات ماركات وشركات ملابس لنقوم بتسويق اسمها ضمن العمل، برغم أننا من الممكن أن ندعم بلدنا ونسوّق منتجاتنا من خلال الدراما".

"أشعر بالقهر وبغصة كبيرة حين أجد الملابس التي قمت بتصميمها مرمية في المخازن، خاصة أنني أعدّها خلاصة روحي، وقد كلّف تنفيذها مالاً كثيراً وجهداً كبيراً وبحثاً مرهقاً في مكتبتي التاريخية التي قمت بتجميعها على مدى حياتي" 

وبرغم خبرتها الطويلة في تصميم الملابس للدراما، والممتدة لسنوات، لم تفكر مخلوف يوماً في تقديم ورش لتصميم الملابس أسوةً بما يحصل حالياً مع ورش التمثيل والرقص وغيرها. تقول رجاء: عُرض عليّ الأمر كثيراً، سواء من قبل المعهد العالي للفنون المسرحية أو من خلال الورش المستقلة وغيرها، ولكن صراحةً لم أشعر بأنني صالحة لدور الأستاذ، ليس لعدم رغبتي في هذا الدور، لكن لشعوري بأن فريق العمل الذي يرافقني، سواء من بقي منهم أو من تبدّل، يتعلم ويتدرب داخل المشغل وفي أثناء رحلتي لتسوق الخامات واختيار الألوان المناسبة للإضاءة، كما أن جزءاً كبيراً من التدريب يكون لحظياً، بمعنى ونحن على رأس العمل، حين أقوم بتلبيس الممثلين ووضع قطع الملابس فوق بعضها البعض، بالإضافة إلى العمامات والإكسسوارات، وذلك كله يحصل عادةً بعفوية وربما بارتجال، لذلك أجد من الصعوبة أن أدُرّس ذلك وأُدُرّب عليه، وأعدّ من يعمل معي بمثابة تلامذة لي، والحقيقة بعضهم اليوم أصبح قادراً بمفرده على استلام وتجهيز الملابس لأي عمل درامي.

تعاملت رجاء مع العديد من المخرجين، ولكنها تقف مطوّلاً عند تجربتها الكبيرة مع المخرج الراحل حاتم علي، والتي تجاوزت 6 أعمال درامية، مؤكدةً على أنه كان سيجمعها به مشروع كبير لولا أن القدر كان أسرع. كما ثمّنت تجربتها مع المخرج باسل الخطيب، الذي تعلمت منه الكثير، مؤكدةً على أن فرصة العمل مع المخرجة رشا شربتجي، لم تستطع تحقيقها بسبب ظروفها وضغط العمل، كما أنها لم تخفِ رغبتها الجادة في العمل خارج سوريا، سواء مع مخرجين مصريين أو مع مخرج عالمي، طبعاً في حال توفرت لها الإمكانيات، خاصةً أنه طُرح عليها سابقاً العمل في أمريكا، ولكن الظروف السياسية حالت دون تحقيق ذلك.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image